إلى مشايخ العرب وصلحائهم

السلام عليكم، أيّها الأتقياءُ الأصفياء، من العَرب العُرَباء. السلام عليكم، يا أهلَ أرض النبوّة وجيرانَ بيتِ الله العظمى. أنتم خير أُمم الإسلام وخير حزب الله الأعلى. ما كان لقومٍ أن يبلغ شأنكم. قد زِدتم شرفًا ومجدًا ومَنْزلا. وكافيكم من فخر أن الله افتتح وحيه من آدم وختم على نبي كان منكم ومن أرضكم وَطنًا ومأوًى ومولدا. وما أدراكم مَنْ ذلك النبي! محمد المصطفى، سيّد الأصفياء وفخر الأنبياء، وخاتَم الرّسل وإمام الورى. قد ثبت إحسانه على كُلِّ من دَبّ على رِجْلين ومشى. وقد أدرك وحيُه كُلَّ فائتٍ من رموزٍ ومعانٍ ونِكـاتٍ عُـلَى. وأحيا دينُه كلّ ما كان ميّتًا مِن معارف الحـقّ وسنن الهـدى. اللّهم فصَلِّ وسلّم وبارِكْ عليه بعدد كل ما في الأرض من القطرات والذرات والأحياء والأموات، وبعددِ كلّ ما في السماواتِ، وبعدد كل ما ظهر واختفى، وبلِّغْه منا سلامًا يملأ أرجاء السماء. طوبى لقومٍ يحمل نِيرَ محمدٍ على رَقبته، وطوبى لقلب أفضى إليه وخالطه وفي حُـبّه فنى.

يا سُكّانَ أرض أَوطأته قدمُ المصطفى.. رحمكم الله ورضي عنكم وأرضى.. إن ظني فيكم جليل، وفي روحي للقائكم غليل، يا عباد الله. وإني أحِنّ إلى عِيان بلادِكم، وبركاتِ سوادكم، لأزور موطئ أقدام خير الورى، وأجعل كُحْلَ عيني تلك الثرى، ولأزور صلاحها وصلحاءها، ومعالمها وعلماءها، وتقرّ عيني برؤية أوليائها، ومشاهدها الكُبرى. فأسأل الله تعالى أن يرزقني رؤية ثراكم، ويسّرني بمرآكم، بعنايته العظمى.

يا إخوان.. إني أحبّكم، وأُحبّ بلادكم، وأحب رمل طرقكم وأحجار سكككم، وأوثركم على كل ما في الدنيا.

يا أكباد العرب.. قد خصّكم الله ببركاتٍ أثـيرةٍ، ومزايا كثيرةٍ، ومراحمه الكُبرى. فيكم بيت الله التي بورك بـها أُمّ القُرى، وفيكم روضة النبي المبارك الذي أشاع التوحيد في أقطار العالم وأظهر جلال الله وجلَّى. وكان منكم قوم نصروا الله ورسوله بكل القلب، وبكُلّ الروح، وبكُلّ النُهى. وبذلوا أموالهم وأنفسهم لإشاعة دين الله وكتابه الأزكى. فأنتم المخصوصون بتلك الفضائل، ومن لم يكرمكم فقد جار واعتدى.

يا إخوانِ.. إني أكتب إليكم مكتوبي هذا بكبدٍ مرضوضةٍ، ودموع مفضوضةٍ، فاسمعوا قولي، جزاكم الله خير الجزاء.

إني امرؤٌ ربّاني الله برحمة من عنده، وأنعم علي بإنعامٍ تامٍ، وما أَلَتَني من شيء، وجعلني من المكلَّمين الملهَمين. وعلّمني من لدنه عِلْما، وهداني مسالك مرضاتِه، وسِككَ تُقاته، وكشف عليّ أسراره العُليا. فطورًا أَيّدني بالمكالمات التي لا غبار عليها ولا شبهة فيها ولا خفاء، وتارةً نَوّرني بنور الكشوف التي تشبه الضحى.

ومن أعظم المنن أنه جعلني لهذا العصر ولهذا الزمانِ إمامًا وخليفةً، وبعثني على رأس هذه المائةِ مجدّدا، لأخرج الناس إلى النور من الدُّجى، وأنقُلهم من طرق الغَيّ والفساد إلى صراط التقوى. وأعطاني ما يَشْـفي النفوس، وينفي اللَّبْسَ المحسوس، ويكشف عن الخَلق الغُمّى.

إنه وجد هذا العصر أسيرًا في مشكلات ومخنوقًا من معضلاتٍ، وهالكًا تحت بدعات، وسَيّئات وظلمات، فأراد أن ينجّي أهله من تلك الآفات وأنواع البلاء. وإنه رأى فساد قسِّيسين وفلاسفةِ النصارى قد بلغ من العمارات إلى الفلواتِ، ومن النيّات إلى عمل السيّئات، ومن سطح الأرضين إلى الجبال الشامخات، ورأى أنهم عتَوا عتوًّا كبيرًا، وبَلّغوا أمرهم في غلوّهم إلى الانتهاء. ورأى الرب المجيد أنه ابتُلي كثيرٌ من الخلق بدقائق فتنهم، ولطائف ذكائهم، وغرابة دهائهم، وسحرِ علومهم، وطلسم فنونهم، وخديعتهم العظمى. ورأى أنهم ينهبون دين الناسِ وإيمانهم، ويسحرون قلوب الناس وأبصارهم وآذانهم، ويَفلُون المعالم والمجاهل لإضلال الورى، ويُرُون بسحرهم الظُلمةَ كالسنا، وخرج بتحريكاتهم قوم من الهنود يسمون أنفسهم “آريا”، ويقولون لا نؤمن بكتابٍ إلا بوَيْدِنا، الذي أُنزل في ابتداء الدنيا. وما في ويدهم إلا تعليمُ عبادة الشمس والقمر والنجوم والنار والماء والهواء، وإنْ كانت نساؤهم لم يلدن لهم أبناءً فيأمرهم وَيْدُهم أن يؤذنوا أزواجهم لارتكاب الزنا، ويَذْرَؤُوا لأنفسهم أولادًا من هذا الطريق، وداوموا لنجاتهم على هذا العملِ أبدا. ويسمى هذا العمل بلسانهم بـ”نيوك”، ويحسبونه عملا مقدّسا. فهذه شريعتهم وأحكام كتابهم، ومع ذلك يُعضِلون قومَهم أن يُسْلِموا، ويسبّون خير البرية شرًّا وخُبثا. ويصرّون على السبّ والشتم والتوهين، ويؤلّفون في رد الإسلام كُتبا، وما ردّهم إلا مجموعة الافتراء. وهذه المفاسد كلها قد حدثت من قسّيسين، وزُلزلت الأرضُ زلزالا شديدا، فالله خيرٌ حافظًا وخير مَأْزِرا.

ومن الآية المباركة العظيمةِ أنه إذا وجد فساد المتنصّرين ورآهم أنهم يصدّون عن الدين صُدودا، ورأى أنهم يؤذون رسول الله ويحتقرونه، ويُطرون ابن مريم إطراءً كبيرًا، فاشتد غضبه غيرةً من عنده، وناداني وقال: (إني جاعلك عيسى ابن مريم)، وكان الله على كل شيء مُقْتدرا. فأنا غَيْرةُ الله التي فارت في وقتها، لكي يعلم الذين غَلَوا في عيسى أن عيسى ما تفرّد كتفرّد الله، وأن الله قادر على أن يجعل عيسى واحدًا من أُمة نبيه، وكان هذا وعدًا مفعولا.

يا إخوان.. هذا هو الأمر الذي أخفاه الله من أعين القرون الأولى، وجلى تفاصيله في وقتنا هذا، يخفي ما يشاء ويبدي، وقد خلت مثله فيما مضى.

(مرآة كمالات الإسلام)

Share via
تابعونا على الفايس بوك