مصير المسيح الدجال

 

لم يعد من الصّعب علينا أن نفهم الآن معنى نبوءة سيدنا رسول الله عن الدّجال التي يقول فيها إنّه ما من نبي إلاّ وأنذره أمّته؛ أنذره نوح أمّته والنبيون من بعده[1] لأنّ الدجال في حقيقة الأمر هو الدّجل بأشكاله المختلفة والذي يموّه على الناس ويُلبس عليهم الحقائق ويتناقض مع الإيمان الحق، وهذا يُشكّل في حدّ ذاته ظاهرة يمكن أن توجد في كلّ زمان عاش فيه الناس والنبيون. ولكنّ الظهور الأكبر كان مقدّرًا أن يكون في زمن أمّة محمّد عليه الصلاة والسلام لأنها -بالرسالة العالمية التي آمنت بها على يد خاتم النبيين محمد – ينبغي أن تكون مالكة لأصول الحقائق والبيانات التي من شأنها أن تكشف دجل كل شيطان يعمد إلى تمويه وتلبيس الحقائق على الناس، ولذلك فقد قال رسول الله : (وإنه يخرج فيكم) وقال عنه إنّه أشدّ الفتن، لأنه سيكون في مقابل أعظم الهدايات السماوية، والتي هي القرآن الكريم ورسالة الإسلام.

ولا شـكّ في أنَّ ثمة الكثير من الحقائق التي لابدّ أن تُعـرف وتُكتشف في شأن الدجال، ولا شكّ أيضًا في أنّ الكثير سيُكتب ويُعلن عن هذا الكيان الشيطاني الخطير المهلك، إلى أن يتمّ القضاء عليه على يد الإمام المهدي والمسيح الموعود الذي تنبأ سيدُنا رسول الله  بأن ظهوره سيزامن ظهور الدجال، وأنّه هو الذي سيقضي عليه وعلى فتنه وخطره من خلال الحجة والبيان الحق  في تعاليم الإسلام وبيان القرآن الكريم وهدي سيدنا محمد  الذي قال عن الدجال:

(إن يظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يظهر ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كلّ مسلم) -كما مرّ معنا- إلى أن قال إنّ المسيح الموعود يقتل الدجّال ويقضي على شروره ويريح البشرية منه، وذلك بنشر نبوءاتِ وبيانات وحقائق دين محمد وهديه الشريف، فيعمّ الأرضَ سلامُ الإسلام، وبذلك لا يبقى للدجال دور أو أثر أو فتنة أو خطر. وبهذا نستطيع أن نفهم أيضًا كيف أنه في زمن المسيح الموعود يكون الذئب بين الغنم ككلبها ولا يقدر أن يؤذيها، ويلعب الأطفال مع الحيّات فلا تلدغهم؛ وهذا يعني أنّ الإسلام لكونه بما ينشر من عدل وسلام وأمن وأمان زمن المسيح الموعود فلن يتمكّن ذئاب الناس من إيذاء حتى الضعاف منهم الذين هم كالأغنام في ضعفهم وسلامهم، وكذلك لن يتمكّن الأفاعي من الناس أن يؤذوا حتى الأطفال الصغار، لأنّ عدل الإسلام وسلامه وأمنه سيكون منتشرًا ومهيمنًا في جميع أرجاء الأرض.

فما مصير الأعور الدجال إذن!

إنّ مصير المسيح الأعور الدجال مرتبط بمصير يأجوج ومأجوج. ولقد بيّن ذلك القرآنُ الكريم وأحاديث رسول الله صلى عليه وسلم. كما بيّن الكتاب المقدّس ذلك المصير أيضًا من خلال بيان هلاك يأجوج ومأجوج، وإليكم بيان ذلك:

نقرأ في نبوءة حزقيال الإصحاح 38 ما يلي:

(وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ عَلَى جُوجٍ، أَرْضِ مَاجُوجَ رَئِيسِ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ، وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا جُوجُ رَئِيسُ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ. وَأُرْجِعُكَ، وَأَضَعُ شَكَائِمَ فِي فَكَّيْكَ، وَأُخْرِجُكَ أَنْتَ وَكُلَّ جَيْشِكَ خَيْلاً وَفُرْسَانًا كُلَّهُمْ لاَبِسِينَ أَفْخَرَ لِبَاسٍ، جَمَاعَةً عَظِيمَةً مَعَ أَتْرَاسٍ وَمَجَانَّ، كُلَّهُمْ مُمْسِكِينَ السُّيُوفَ. فَارِسَ وَكُوشَ وَفُوطَ مَعَهُمْ، كُلَّهُمْ بِمِجَنٍّ وَخُوذَةٍ، وَجُومَرَ وَكُلَّ جُيُوشِهِ، وَبَيْتَ تُوجَرْمَةَ مِنْ أَقَاصِي الشِّمَالِ مَعَ كُلِّ جَيْشِهِ، شُعُوبًا كَثِيرِينَ[2] مَعَكَ. اِسْتَعِدَّ وَهَيِّئْ لِنَفْسِكَ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَاتِكَ الْمُجْتَمِعَةِ إِلَيْكَ، فَصِرْتَ لَهُمْ مُوَقَّرًا. بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ تُفْتَقَدُ. فِي السِّنِينَ الأَخِيرَةِ تَأْتِي إِلَى الأَرْضِ الْمُسْتَرَدَّةِ مِنَ السَّيْفِ -أرض فلسطين[3]- الْمَجْمُوعَةِ مِنْ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ الَّتِي كَانَتْ دَائِمَةً خَرِبَةً، لِلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنَ الشُّعُوبِ وَسَكَنُوا آمِنِينَ كُلُّهُمْ. وَتَصْعَدُ وَتَأْتِي كَزَوْبَعَةٍ، وَتَكُونُ كَسَحَابَةٍ تُغَشِّي الأَرْضَ أَنْتَ وَكُلُّ جُيُوشِكَ وَشُعُوبٌ كَثِيرُونَ مَعَكَ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أُمُورًا تَخْطُرُ بِبَالِكَ فَتُفَكِّرُ فِكْرًا رَدِيئًا، وَتَقُولُ: إِنِّي أَصْعَدُ عَلَى أَرْضٍ أَعْرَاءٍ. آتِي الْهَادِئِينَ السَّاكِنِينَ فِي أَمْنٍ، كُلُّهُمْ سَاكِنُونَ بِغَيْرِ سُورٍ -أي بدون قدرة حقيقية قوية على حماية أنفسهم- وَلَيْسَ لَهُمْ عَارِضَةٌ وَلاَ مَصَارِيعُ، لِسَلْبِ السَّلْبِ وَلِغُنْمِ الْغَنِيمَةِ، لِرَدِّ يَدِكَ عَلَى خِرَبٍ مَعْمُورَةٍ وَعَلَى شَعْبٍ مَجْمُوعٍ مِنَ الأُمَمِ، الْمُقْتَنِي مَاشِيَةً وَقُنْيَةً، السَّاكِنُ فِي أَعَالِي الأَرْضِ. شَبَا وَدَدَانُ وَتُجَّارُ تَرْشِيشَ وَكُلُّ أَشْبَالِهَا يَقُولُونَ لَكَ: هَلْ لِسَلْبِ سَلْبٍ أَنْتَ جَاءٍ؟ هَلْ لِغُنْمِ غَنِيمَةٍ جَمَعْتَ جَمَاعَتَكَ، لِحَمْلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، لأَخْذِ الْمَاشِيَةِ وَالْقُنْيَةِ، لِنَهْبِ نَهْبٍ عَظِيمٍ؟ لِذلِكَ تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِجُوجٍ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ سُكْنَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ آمِنِينَ، أَفَلاَ تَعْلَمُ؟ وَتَأْتِي مِنْ مَوْضِعِكَ مِنْ أَقَاصِي الشِّمَالِ أَنْتَ وَشُعُوبٌ كَثِيرُونَ مَعَكَ، كُلُّهُمْ رَاكِبُونَ خَيْلاً، جَمَاعَةٌ عَظِيمَةٌ وَجَيْشٌ كَثِيرٌ. وَتَصْعَدُ عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ كَسَحَابَةٍ تُغَشِّي الأَرْضَ. فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ يَكُونُ. وَآتِي بِكَ عَلَى أَرْضِي لِكَيْ تَعْرِفَنِي الأُمَمُ، حِينَ أَتَقَدَّسُ فِيكَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ يَا جُوجُ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ أَنْتَ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمْتُ عَنْهُ فِي الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ عَنْ يَدِ عَبِيدِي أَنْبِيَاءِ إِسْرَائِيلَ[4]، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ سِنِينًا أَنْ آتِيَ بِكَ عَلَيْهِمْ؟ وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَوْمَ مَجِيءِ جُوجٍ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أَنَّ غَضَبِي يَصْعَدُ فِي أَنْفِي. وَفِي غَيْرَتِي، فِي نَارِ سَخَطِي تَكَلَّمْتُ، أَنَّهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ رَعْشٌ عَظِيمٌ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ[5]. فَتَرْعَشُ أَمَامِي سَمَكُ الْبَحْرِ وَطُيُورُ السَّمَاءِ وَوُحُوشُ الْحَقْلِ وَالدَّابَّاتُ الَّتِي تَدُبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ[6]، وَتَنْدَكُّ الْجِبَالُ[7] وَتَسْقُطُ الْمَعَاقِلُ وَتَسْقُطُ كُلُّ الأَسْوَارِ إِلَى الأَرْضِ[8]. وَأَسْتَدْعِي السَّيْفَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ جِبَالِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَيَكُونُ سَيْفُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى أَخِيهِ. وَأُعَاقِبُهُ بِالْوَبَإِ وَبِالدَّمِ، وَأُمْطِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَيْشِهِ وَعَلَى الشُّعُوبِ الْكَثِيرَةِ الَّذِينَ مَعَهُ مَطَرًا جَارِفًا[9] وَحِجَارَةَ بَرَدٍ عَظِيمَةً وَنَارًا وَكِبْرِيتًا[10]. فَأَتَعَظَّمُ وَأَتَقَدَّسُ وَأُعْرَفُ فِي عُيُونِ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.) (حِزْقِيَال 38: 1-23)

ويتابع سفر نبوءة حزقيال الإصحاح 39 بيان هلاك يأجوج ومأجوج التي هي قوى الدجال العسكرية، فيقول:

(وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى جُوجٍ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا جُوجُ رَئِيسُ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ. وَأَرُدُّكَ وَأَقُودُكَ وَأُصْعِدُكَ مِنْ أَقَاصِي الشِّمَالِ وَآتِي بِكَ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ. وَأَضْرِبُ قَوْسَكَ مِنْ يَدِكَ الْيُسْرَى، وَأُسْقِطُ سِهَامَكَ مِنْ يَدِكَ الْيُمْنَى -لعلّها كناية عن تدمير جميع قذائفه الصاروخية وغيرها- فَتَسْقُطُ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ أَنْتَ وَكُلُّ جَيْشِكَ وَالشُّعُوبُ الَّذِينَ مَعَكَ. أَبْذُلُكَ مَأْكَلاً لِلطُّيُورِ الْكَاسِرَةِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَلِوُحُوشِ الْحَقْلِ. عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ تَسْقُطُ، لأَنِّي تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مَاجُوجَ وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي الْجَزَائِرِ آمِنِينَ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ) (حِزْقِيَال 39: 1-6)

ويتابع سفر نبوءة حزقيال وصف هول الهلاك الذي سيوقعه الله على يأجوج ومأجوج فيقول:

(وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: قُلْ لِطَائِرِ كُلِّ جَنَاحٍ، وَلِكُلِّ وُحُوشِ الْبَرِّ: اجْتَمِعُوا، وَتَعَالَوْا، احْتَشِدُوا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، إِلَى ذَبِيحَتِي الَّتِي أَنَا ذَابِحُهَا لَكُمْ، ذَبِيحَةً عَظِيمَةً عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ، لِتَأْكُلُوا لَحْمًا وَتَشْرَبُوا دَمًا. تَأْكُلُونَ لَحْمَ الْجَبَابِرَةِ وَتَشْرَبُونَ دَمَ رُؤَسَاءِ الأَرْضِ. كِبَاشٌ وَحُمْلاَنٌ وَأَعْتِدَةٌ وَثِيرَانٌ كُلُّهَا مِنْ مُسَمَّنَاتِ بَاشَانَ. وَتَأْكُلُونَ الشَّحْمَ إِلَى الشَّبَعِ، وَتَشْرَبُونَ الدَّمَ إِلَى السُّكْرِ مِنْ ذَبِيحَتِي الَّتِي ذَبَحْتُهَا لَكُمْ. فَتَشْبَعُونَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْخَيْلِ وَالْمَرْكَبَاتِ وَالْجَبَابِرَةِ وَكُلِّ رِجَالِ الْحَرْبِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَجْعَلُ مَجْدِي فِي الأُمَمِ، وَجَمِيعُ الأُمَمِ يَرَوْنَ حُكْمِي الَّذِي أَجْرَيْتُهُ، وَيَدِي الَّتِي جَعَلْتُهَا عَلَيْهِمْ). (حِزْقِيَال 39: 17-21)

ويتابع سفر حزقيال متنبِّئًا بهلاك دولة إسرائيل فيقول:

(فَيَعْلَمُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ[11] مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا. وَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنَّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ قَدْ أُجْلُوا[12] بِإِثْمِهِمْ لأَنَّهُمْ خَانُونِي، فَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ وَسَلَّمْتُهُمْ لِيَدِ مُضَايِقِيهِمْ، فَسَقَطُوا كُلُّهُمْ[13] بِالسَّيْفِ. كَنَجَاسَتِهِمْ وَكَمَعَاصِيهِمْ فَعَلْتُ مَعَهُمْ وَحَجَبْتُ وَجْهِي عَنْهُمْ[14].) (حِزْقِيَال 39: 22-24)

من الواضح أنّ هذه النبوءات في سفر حزقيال في التوراة -الكتاب المقدّس لدى اليهود والمسيحيين- إنما تصفّ الدمار الرهيب الهائل الذي سيؤدّي إلى هلاك قوى الدجال الحربية القتالية المسمّاة بيأجـوج ومأجوج لاشتغالها بتأجيج نار الحرب والفتن بقيادة الدجال الذي هو في حقيقته القيادة الكهنوتية الدينية والسياسية لهذه القوى التي تشـكّل في مجموعهـا المسـيح الدجال الذي رُمز إليه في الإنجيل (العهد الجديد) باسم (الوحش)، إذ نقرأ في رؤيا يوحنّا اللاهوتي ما يلي:

(وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ -لعلّها إشارة إلى الإمام المهدي والمسيح الموعود – وَمَعَ جُنْدِهِ. فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ -يأجوج ومأجوج والدجّال- الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ -الفتن- الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ[15]،[16] وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ.) (رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ 19: 19-21)

ونقرأ عن فتنة المسـيح الدجال في الإنجيل في سفر الرؤيا مايلي:

(وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَأُمَّةٍ. فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْض). (سفر الرؤيا 13: 1-10)

تتحدّث هذه النبوءات في الكتاب المقدّس كما نرى عن حرب هائلة تحدث في الزمن الموعود يقضي بها الله على قوى المسيح الدجّال الحربية (يأجوج ومأجوج) بالنار والوباء والدمار والهلاك بجميع أشكاله، وينتهي بانتهاء اليهود الذين يحجب الله تعالى وجهه عنهم بسبب ظلمهم وجرائمهم التي جعلتهم نجسين في نظر الله تعالى على حدّ تعبير كتابهم المقدّس.

ونقرأ عن الأحداث العصيبة زمن الدجـال ونهايته كما يلي:

(تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ عَظِيمَةٌ فِي أَمَاكِنَ، وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ. وَتَكُونُ مَخَاوِفُ وَعَلاَمَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ… وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ، فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا. حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، وَالَّذِينَ فِي وَسْطِهَا فَلْيَفِرُّوا خَارِجًا، وَالَّذِينَ فِي الْكُوَرِ فَلاَ يَدْخُلُوهَا، لأَنَّ هذِهِ أَيَّامُ انْتِقَامٍ، لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! لأَنَّهُ يَكُونُ ضِيقٌ عَظِيمٌ عَلَى الأَرْضِ وَسُخْطٌ عَلَى هذَا الشَّعْبِ. وَيَقَعُونَ بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ. وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ، وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ، لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ.) (إِنْجِيلُ لُوقَا 21: 10-26)

وكذلك نقـرأ في أحاديث سـيدنا رسـول الله أنّ قوم يأجوج ومأجوج هم أمّة حرب وقتال بحيث يتحصّن الناس منهم بالحصون، وأنّهم أهل الرمي والقذائف التي يقذفونها إلى السماء، وأنّهم يسعون إلى قهر أهل الأرض بحربهم وقذائفهم، ولكنّ الله يُهلكهم بالوباء الذي يقضي عليهم ويجعل دوابّ الأرض تأكل وتسـمن مـن لحومهم ودمائهم وتشكر شكرًا. – مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة في صحيح  الجامع.

ويُبيّن سيدنا رسول الله أنّ هلاك أمّة يأجوج ومأجوج يكون بدعاء المسيح الموعود فيقول:

(فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ[17] نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ.[18]) (صحيح مسلم, كتاب الفتن وأشراط الساعة)

وفي هذا نبوءة إلى انتشار الأوبئة الفتّاكة التي ستقضي على أعداد كبيرة من هؤلاء القوم. وربما هي إشارة إلى الحرب الكيميائية والجرثومية أيضًا.

ويُبيّن القرآن الكريم في مثال صاحب الجنّتين الذي يرمز إلى الأمم المسيحية أصحاب الحضارة المادّية الغربية، بأن حسبانًا من السماء سينزل عليهم فيدمّر جنتهم وتصبح الأرض بسبب انتشار الدمار صعيدًا زلقًا حيث يهزم الله راية الشرك والظّلم، ويَنصر بأسباب من عنده رايةَ التوحيد والعدل ويعمّ الإسلام الأرض بعدله وسلامه فلا يعود للأشرار القدرة على إيذاء أحد من الناس، ولذلك فقد بيّن الرسول بأنّ سـلام الإسلام ينشر الأمان على الناس جميعًا فوصف ذلك الزمان قائلاً:

(..وَتُرْفَعُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَتُنْزَعُ حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ حَتَّى يُدْخِلَ الْوَلِيدُ يَدَهُ فِي فِي الْحَيَّةِ فَلَا تَضُرَّهُ وَتُفِرَّ الْوَلِيدَةُ الْأَسَدَ فَلَا يَضُرُّهَا وَيَكُونَ الذِّئْبُ فِي الْغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا وَتُمْلَأُ الْأَرْضُ مِنْ السِّلْمِ كَمَا يُمْلَأُ الْإِنَاءُ مِنْ الْمَاءِ وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ وَاحِدَةً فَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللَّهُ وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا). (سنن ابن ماجه, كتاب الفتن..) إلى آخر الحديث.

ولاشكّ في أنه ما من عاقل يمكن أن يأخذ هذا الكلام بحرفيّته فيعتقد أنّ الأفاعي والحيّات السامّة سوف تفقد سمّها زمن سلام الإسلام بحيث يُدخل الطفل يده في فمها فلا تلدغه ولا تضره! أو أن يعتقد بأنّ الذئب في ذلك الزمان سيحرس الغنم ككلبها أو أنّ الأطفال سيلعبون مع السباع والوحوش والأسُود فلا تؤذيهم، بل لا شكّ في أنّ الرسول  قد قصد بهذا البيان الرمزي أنه حتى الأفاعي والوحوش والذئاب من الناس لن يتمكّنوا، زمن انتشار عدل الإسلام، من إيذاء أحد من الناس لأن سلام الإسلام سيكون قد بسط كفَّه الرحيمة العادلة فوق الناس جميعًا.

وهكذا فقد تبيّن لنا بالدراسة والتحقيق العلميّ الموثّق أن المسيح الدجّال بقيادته الدينية والسياسية قد ظهر منذ مطلع القرن السابع عشر وأنه ما زال يعيث في الأرض فسادًا وخرابًا واستعمارًا واستعبادًا منذ ذلك الوقت مستخدمًا قدراته المادّية وثرواته الهائلة وأسلحته الفتّاكة وقواه العسكرية الحربية القتالية الممثّلة بيأجوج ومأجوج، وأنه ما يزال يسعى إلى أن يُحكِم قبضته المدمّرة على العالم أجمع داعيًا إلى نظامه الجديد الذي يقيم فيه نفسه حَكمًا وحاكمًا أوحد في العالم الذي يسيطر هو عليه بقدراته المادّية الهائلة فيعطي من يشاء ممن يخضع له ويمشي في ركابه، ويمنع من يشاء ممن يأبى الخضوع له ويرفض ظلمه واضطهاده واستعباده.

ولكن، وكما تبيّن معنا أيضًا، فإنّ الله يأبى أن ينتصر هذا الوحش الهائل انتصارًا نهائيًا فيجعل من نفسه ربًّا أوحد ظالـمًا يفرض عبادته على الناس والعباد في الأرض كلّها، لذلك فقد قدّر منذ الأزل أن يُرسِل بطلَ الإسلام والعدل والسلام ليقضي على هذا الوحش الأعور الدجال وينزع فتيل حربه وفساده ودماره وظلمه وطُغيانه، وذلك بنشر التوحيد الخالص والعدل المطلق والسلام الشامل من خلال نشر دين الله الإسلام الحق في جميع أقطار وأركان الأرض وأقاصيها، فلا يبقى لمجرم ولا ظالم أية قدرة على إيذاء أحد من الناس ولا حتى الأطفال الضعاف.

بقي سؤال واحد: متى يكون هذا؟

من المعلوم جيدًا أنّ هذا سيكون عندما تعمّ دعوة الإمام المهدي المنتظر والمسيح الموعود العالمَ كلّه، فتنشر الإسلام في الأرض جميعًا لتمتلئ عـدلاً بعـدما مُلئت ظلمًا وجـورًا، ولا يكـون في الأرض إلاّ الدين الحق.. دين السلام، ليس لأمةّ أو مجموعة، بل للعالم أجمع.

وطالما أنه لابدّ أن يكون ظهور المسـيح الموعـود والمهـدي المنتظـر في زمن ظهور المسيح الأعور الدجال -الذي نرجو أن يكون قد تمّ البرهان في كتابنا هذا على أنه قد ظهر منذ زمن طويل- فإنّ السؤال المنطقي المحتّم الذي يبرز هنا هو: فأين الإمام الموعود إذن ؟!

[1] – سبق ذكر الحديث وتخريجه.

[2] – إنّ هذا الحشد الهائل من الشعوب والجيوش وخاصّة شعوب أقاصي الشمال الذي يشير أيضًا إلى شعوب أوروبا يذكّرنا بحقيقة الدجال المنتشر في الأرض بكثرة أهله وهيمنته.

[3]- ما بين معترضتين شرح من المؤلّف.

[4] – يذكّرنا هذا بحديث رسول الله الذي قال فيه عن الدجال: (ما من نبيّ إلاّ وأنذره أمته، أنذره نوح أمته والنبيون من بعده) سبق تخريجه.

[5] – لاحظ وصف الهول والقتل والمعارك.

[6] – لاحظ شمول البلاء والهول.

[7] – بأيّ شيء تندكّ الجبال!

[8] – لا يبقى للأسوار دور في حماية الدول.

[9] – لعلّه المطر الملوّث بالإشعاعات النووية والغازات السّامّة.

[10] – لاحظ النار النازلة من السماء كالقذائف الممطرة.

[11] – أي أنهم لم يكونوا يؤمنون بالإله الحق الذي ينكشف لهم فقط في ذلك اليوم – يوم دمارهم.

[12] – قارن بين الجلاء والهجرة من الصفحة السابقة!

[13] – لاحظ النبوءة في كتابهم المقدّس بشمول هلاكهم الله أعلم كيف سيكون!

[14] – لاحظ وصف الكتاب المقدّس (التوراة) لليهود. إنّ حجب الله  تعالى لوجهه عن اليهود يعني هزيمتهم بسبب غضبه عليهم. راجع هذه النبوءات المتعلّقة يأجوج ومأجوج في سفر حزقيال 38 و 39 وتفكّر فيها جيّدًا وادرس الرموز التي فيها.

[15] – لاحظ الرمز المتعلّق بالسيف الخارج من فم المسيح الموعود ، وهو الحجّة والبيان. تذكّر هذا، لأننا سنذكره في موضعه بعد  قليل، حين نتحدّث عن قتل الدجال.

[16] – جاء في حديث رسول الله في الصحيح أن المسيح الموعود يقتل المسيح الدجال بريح نفسه الذي يخرج من فمه لأنه لا يحلّ لكافر يجد ريح نفسه إلاّ مات.

[17] – يُخطئ من يعتقد أنّ هبوط عيسى يعني نزوله من السماء وذلك بدليل أنّ أصحابه يهبطون معه، وهم ليسوا في السماء كما هو معلوم.

[18] -وجاء في رواية قول عيسى : (فأدعو الله عليهم فيُهلِكهم ويُميتهم حتى تجوي الأرض من نتن ريحهم)-مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود .

Share via
تابعونا على الفايس بوك