سفينة نوح

بعد أن مكث سيدنا نوح في قومه عمرًا يدعوهم إلى الله دون جدوى، وبعد أن بلغهم رسالات ربهم ونصح فلم يؤمن معه إلا فئة قليلون، وبعد أن بلغ الفساد منهم مبلغًا عظيمًا، أوحى إليه الله أن يصنع الفلك بأعينه ووحيه فكانت تلك السفينة متميزة عن غيرها كونها من تصميم الله ومن وحيه المباشر فلا يمكن أن تغرقها عاصفة ولابد أن كفاءتها لمخر عباب الماء كانت رائعة، فكما بين النص القرآني فإنها كانت تجري في موج كالجبال ولا تأبه بالماء المتفجر من الأرض أو النازل من السماء ولا تأبه بالموج الذي يأتيها من كل مكان الذي يلطمها من اليمين أو الشمال أو من أمامها أو من خلفها، كل ذلك لأنها صنعت بأعين الله ووحيه، فالله تعالى هو مهندسها المصمم وهو المشرف على تنفيذها وهو في النهاية مجريها ومرسيها وراعيها. فكيف لسفينة نوح أن تغرق؟!

كذلك فقد أوحى الله إلى حضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود أن يصنع الفلك بأعينه ووحيه فكانت الجماعة الإسلامية الأحمدية التي أمر الله بإنشائها وأشرف على قيامها ورعاها ومازال يرعاها، فهي الملاذ الأخير للمؤمنين بعد أن ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فكانت ذات ألواح ودسر، مادتها كانت الإيمان وألواحها كانت أفرادها ودسرها ومساميرها كانت بعض ممن فتح الله عليهم من أفرادها الذين يؤلفون بين قلوب المؤمنين بإذن الله ويجمعونهم ويشدونهم بعضهم إلى بعض. ولقد حمل سيدنا أحمد  ربان هذه السفينة معه فيها من كل زوجين اثنين، فكانت بذلك تحمل كل وسائل الحياة والنجاة، كذلك كانت تحمل من كل أمة فريقًا قادرين بإذن الله على أن ينشئوا من قومهم قومًا آخرين، فما أن تبلع الأرض ماءها وما أن تقلع السماء حتى تستوي على الجودي، فتجود بكل الخير للبشرية وتشرق الأرض بنور ربها، ومن مياه الفيضان سينشئ الرحمن حَبًّا ذا عصف وريحان، وسيفجر للمؤمنين عينين نضاختين ويجعل لهما جنتين ذواتي أفنان، هذا ما وعد الرحمن وما سيأتي بإذن الله بعد آن.

لذلك فليعلم العالم أن هذه الجماعة التي بنيت بأعين الله ووحيه لن تقهرها شدة ولن تغرقها مكيدة ولن يقبلها موج، فالله هو مجريها ومرسيها، فتعسًا لمن أراد إهلاكها فإنه ولئن اعتصم بحبل فإنه سيكون من المغرقين فلا عاصم اليوم من أمر الله، إن الموج الذي يلطمها إنما يدفعها لكي تنطلق بسرعة أكبر نحو مرساها وهي تتمايل مبتهجة بقرب الرُسُوّ إلى بر الأمان، كذلك فإن المطر الذي يصيبها من السماء إنما يغسلها ويقذف خبثها خارجًا، فالله منزل البلاء وكاشفه وليس للبلاء غاية سوى تمحيص المؤمنين ومحق الكافرين، ولكن يجب على المؤمنين أن يكونوا موقنين بأن هذه الفلك لن تغرق ولن تتمزق فهي بأعين الله وكفى بالله حافظًا وهو أرحم الراحمين، فعلى المؤمنين عند البلاء أن يتمسكوا بهذه السفينة فلا نجاة إلا بها، ومخطئ من التمس طريقًا أخرى، أو ظن بأن جبلاً سيعصمه من الماء، فيسألونك عن الجبال قل ينسفها ربي نسفًا، قيذرها قاعًا صفصفًا، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا.

وثقوا بالله بأن الله مبقيكم مادامت قلوبكم طاهرة نقية مثبتة بدسر البذل بالنفس والمال ومستعدة لتلقي لطم الأمواج من كل مكان ومستعدة للمطر المنهمر، فعندئذ يمد الله المؤمنين بطاقات لم يعرفوها وبقدرات لم يألفوها

كذلك فعلى المؤمنين أن يكونوا ألواحًا في جسم السفينة وليسوا خشبًا مسندةً ملقاة على ظهرها سرعان ما تسقط في الماء عند اهتزاز السفينة، فليسمِّروا أنفسهم فيها بدسر متينة، وليُعلوا بنيانها وليشدوا بعضهم بعضًا، وليثبتوا أنفسهم ببذل أنفسهم وأموالهم فهي الدسر المتينة التي تجعل الله يقبلهم في تصميمه المتين ويجعلهم جزءًا هامًّا من السفينة لا يتجزأ منها أبدًا.

أما من أراد بها سوء فالويل كل الويل له، فمن ذا الذي يريد أن يعبث فيما أنشأه الله وخصه بعنايته، فمن كان في السفينة وحاول خرقها فهو أخسر الخاسرين، وليس أكثر منه حمقاً سوى “أحيمر ثمود” الذي عقر الناقة فاستحق هو وقومه العذاب الأليم، فناقة الله هي لله والله يدافع عنها فمن ذا الذي يقف في وجه إرادة الله، فلا تعبثوا في هذه السفينة فلستم بمغرقيها ولكنكم أنفسكم مغرقين، فلا يدفعنكم حمق أو حسد أو غيرة أو استكبار أو سوء تقدير لمحاولة كسر لوحة لأنه لا يعجبكم أو لا يناسب التصميم برأيكم، ولا تحاولوا نزع مسمار ظنًا منكم أنه يؤذي الألواح أو أن مكانه غير مناسب، واحذروا كل الحذر من ذلك فإن فيه هلاككم وحدكم والله متم أمره بكم وبدونكم، أما إن أردتم الخير لكم ولإخوانكم فلا تنزعوا أنفسكم من جسم السفينة ولا تحاولوا نزع غيركم حتى لو رأيتم منه وظننتم فيه ما لا يروق لكم، فالله متكفل بنزع من كان شاذًا عن البنيان، والله من سيبدله بيده أو بيد الربان الذي أقامه بأعينه، فهذه الرحلة ماضية إلى طريقها فطوبى لمن بلغ المرسى، وويل لمن سقط في الماء وكان من المغرقين فإنه والله لأخسر الخاسرين، وثقوا بالله بأن الله مبقيكم مادامت قلوبكم طاهرة نقية مثبتة بدسر البذل بالنفس والمال ومستعدة لتلقي لطم الأمواج من كل مكان ومستعدة للمطر المنهمر، فعندئذ يمد الله المؤمنين بطاقات لم يعرفوها وبقدرات لم يألفوها لدرء الأخطار والوقوف في وجه تيار الفساد، وحتى تُغسل الأرض و يُغْرق الفساد وتشرق الشمس من جديد. فعلى المؤمنين أن يلزموا السفينة وهم إن شاء الله من الناجين إذا خلصت النيات وكانوا لله ولرسوله ولهذه الجماعة من المخلصين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك