الله أحق بالصلح معه..

الله أحق بالصلح معه..

التحرير

في توقيت عجيب .. وفي خضم مهرجانات السلام والوئام، وأثناء الاحتفالات بالانتصارات السياسية المجيدة، والإنجازات الدبلوماسية الفريدة.. ومع تبادل الابتسامات البلهاء، والمصافحات الحمقاء.. إذا بمعبود العالم الثالث .. أمريكا .. التي لا غنى عنها لكل من يريد المحافظة على مقعده في الحكم لفترة مناسبة إذا بأمريكا هذه.. تعلن عن نقل سفارتها الرسمية من تل أبيب إلى القدس.

بهذه الصفعة القاسية.. أعطت أمريكا النور الأخضر للدول الغربية وتوابعها.. لتوجيه سلسلة من اللطمات إلى العرب.. الذين طالما سبَّح قادتهم بالدور الأمريكي العظيم في حفظ السلام واستقرار الأمن في الشرق الأوسط، بل والعالم كله! غدًا ستنقل الدولُ الغربية وتوابعُها سفاراتها إلى القدس.. وتنتهي العملية كما أرادت إسرائيل. ومن هذه الصفعة يمكن أن نتلقى درسًا ينفعنا ونعوض به خسارتنا.

العجيب أن أمريكا تنظّم وتشارك في حفلات الصلح والتطبيع.. التي لم تحقق للعرب ذرَّةً من العدالة الموعودة أو المنشودة.. وإن كانت قد حققت لإسرائيل كل ما أرادت وسَعَت إليه علنًا منذ إنشائها.

لا شك أن السلام غُنْمٌ كبير لإسرائيل يخفف من أعبائها، ويمكنها من الاستقرار والعمل من أجل السيطرة الاقتصادية فيما حولها. والسلام أيضا راحة كبيرة للدول العربية التي لم تكن تتحمل أعباء مغامرات عسكرية.. تنتهي من كل مرة بضربٍ موجع، وجراحٍ عميقة في البدن والروح.

لقد علمّنا الإمام المهدي أن السلام خُلقٌ عظيم.. إذا كان الداعي إليه قادرًا على الحرب والردع، أمّا إذا كان عاجزا عن ردع العدو.. لم يكن السلام عندئذ خُلُقا طيبا أصيلا.. وإنما له اسم آخر لا داعي لذكره الآن. وبالمثل فإن الشجاعة خلق عظيم إذا كانت عن تقدير للموقف وإدراك للمسئولية، أما إذا كانت تلاعُبًا بأقدار الشعوب وتظاهرًا وطلبا للصيت.. كانت هذه الشجاعة تهوُّرا أو خيانة للواجب.

يا ترى -على ضوء هذا التعليم- ماذا كانت حقيقة الموقف الذي اتخذه قادة العرب من قبل عام 1948 إلى يوم إقبالهم على مشروعات الصلح؟ إن قبول الصلح في هذه الأيام -بصرف النظر عن الخطب والأناشيد التي يطلقونها كسحب الدخان حِفظًا لماء الوجه- أقول إن قبول الصلح بهذه الشروط يعني -فيما يعني- اعترافًا صريحًا من العرب أن موقفهم السابق منذ 1948 كان خطأ وعملاً غير مسئول، أضاع على الأمة ثروات طائلة، وطاقات هائلة من البشر والموارد؛ وأن إعادة النظر في القرارات العنترية الوطنية الصادرة من 20 دولة لأكثر من 40 عاما يمثل عودة من التمثيل والتهريج إلى العقل والمنطق والواقع.

فلننظر إلى الأمر من هذه الزاوية.. ونفكر معًا: إذا كان قادة عشرين دولة .. يمثلون اتجاهات ونظمًا متنوعة .. فيهم الرؤساء والأمراء والسلاطين والملوك، ولهم حكومات ومجالس وإدارات من كل صنف.. وجيوش جرارة من خبراء السياسة والحكم والاقتصاد والحرب والدين .. كل هؤلاء يُجمعون على موقف خاطيء لأكثر من 40 سنة .. وكلفهم ذلك ما تنوء به الجبال من مال ودم وجهد وكرامة.. ثم في النهاية يفيقون ويرتدون على أدبارهم، قانعين من الغنيمة بما تبقى لهم من جلد وعظام، تحت راية السلام.

اذا كان هذا هو الحال.. أليس من الواجب أن يتعظوا ويحفظوا الدرس، وينظروا إلى حالهم المؤسف نظرة جادة متعلقة، ويدركوا أن هذا الذي يتعرضون له إنما هو بسبب موقفهم الخاطيء تجاه ربهم؟

إن إسرائيل دويلة صغيرة بمقاس الدول.. على الرغم أنها تمثل عملاقا رهيبا بالنسبة لعشرين دولة عربية .. وراءها عشرات من الدول الإسلامية. وقد تصالحوا معها طوعا أو كرْها.. مع أن صراعهم كان واجبا مفروضا؛ فما بالكم برب السماء والأرض، العزيز الجبار، المعز المذل.. ألا تتصالحون معه.. علمًا بأن حربكم جريمة نكراء؟ ألا تدركون أن سياساتكم وقراراتكم السابقة أيضا كانت معه خطأً في خطإٍ، وأن نجاتكم وعودتكم إلى الحياة تقتضي أن تصححوا مواقفكم الخاطئة إزاءه؟

لا داعي للإصرار على الخطأ، وادعاء الكبرياء الباطل.. فالخطب والأناشيد لا تنفعكم شيئا مع الله تعالى. لقد صححتم مواقفكم مع إسرائيل، وابتلعتم كرامتكم الكاذبة.. والله تعالى أحق وأولى بأن تصححوا مواقفكم معه، فتنالوا كرامة حقيقية.

لقد جاءكم مدَدُ السماء.. جاءكم الإمامُ المهدي.. جاءكم المسيح الموعود.. ما جاء إلا لكم، ليقودكم إلى الله .. لعقد جلسة صلح فيها خيركم وخير أجيالكم وخير أمتكم.. وفوق كل هذا خير آخرتكم.

اللهم ارزق العرب وأمة الإسلام قائدا صادقا شجاعا.. ينشد الإسلام الحقيقي معك.. يمد يده ليمسك بحبل الله ويدعو الدنيا إلى هذا الحبل.. حبل النجاة الوحيد. آمين!

جريمة السفارة العربية

رُوّع العالم في النصف الثاني من شهر نوفمبر الماضي بحادث انفجار وقع بالسفارة المصرية في باكستان. لقد تهدم المبنى تماما؛ وقُتل عدد من العاملين المصريين، وعدد أكبر من المترددين من مواطنين وأجانب، وجرح عشرات من هؤلاء وهؤلاء إلى هنا والحادث رغم خسته وفظاعته يحدث هنا وهناك.. لأن الإرهاب صار من أمراض العصر. لكن الداهية الدهياء أن ثلاثا من جماعات تسمي نفسها إسلامية.. سارع كل منها إلى إعلان مسؤوليتها عن هذا العمل المشين! وكأن الجبن والغدر والخيانة وقتل الأبرياء بطولة يدعيها هؤلاء السفهاء! هل وصل الحال بهذه الأمة أن صار الفساد في الأرض مفخرة لها؟

لا يكفي أن يشجب المسؤولون والمشايخ هذا التخريب بدعوى أن نفس المسلم وماله حرام.. فهؤلاء المخربون يكفّرون المجتمع قبل حربه. بل يجب أن تمحى فكرة التكفير أولا من عقول الناس لأنها الأساس الباطل لكل هذه الجراثيم.

اللهم طهّر الأرض من هؤلاء الذين يسيئون إلى دينك، ويشوهون وجه أمّة نبيك، ويؤذون الأبرياء من خلقك. آمين!

Share via
تابعونا على الفايس بوك