ليتكم تفيقون  (3)

ليتكم تفيقون  (3)

 

الحق أن جماهير الشيعة معروفون بحماستهم وشدة تمسكهم بعقيدتهم. وقد تعرضوا خلال قرون طويلة لأشد المعاناة والاضطهاد على يد حكومات وحكام وساسة خلت قلوبهم وضمائرهم من الرحمة والعدل، فتركوا في نفوس الشيعة آثارا بالغة السوء. وتولدت عن الصراعات الدامية، والعجز أمام الظالمين.. أحلام جامحة. لقد رسّخ قادة الشيعة في نفوس الجماهير حُلما ينفس عنهم بعض ما يعانون. إنه حلم الإمام المهدي.. صاحب السيف الجبار.. الذي سوف يظهر في وقت ما.. ليقضي على الأعداء! لقد استغل هؤلاء القادة الأنباء النبوية عن ظهور إمام يأخذ بيد الأمة حين تخاذلها، ويجمع شملها وقت تشتتها، ويصلح علاقتها بربها بعد تدهورها، وينير طريقها إلى الله بعد ضلالها.. فحرّفوا مفاهيم الأحاديث، وأضافوا إليها ما أضافوه.. في انتظار مهدي سفاح، يأتي لينصر الإسلام بغير سٌنة الله في نصر دينه، ويهدي الناس بخلاف سنّة من جاء بهذا الدين!!

وتحت عنوان (ذلكم الإمام المهدي) أخرجت مؤسسة البصائر للتراث الإسلامي (الشيعي) كتابا يتحدث عن مستقبل الأمة الإسلامية والعالم.. عندما ينفتح الباب ويخرج المهدي من السرداب.

يقول صاحب الكتاب: فليحاول الواحد منّا أن يكون واحدا من أولئك الأصحاب.. أي الأنصار الذين ينتظرون الإمام المهدي.. ويهيئون أنفسهم ليكونوا من صحابته.. لأنه سوف يلتقط أصحابه كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء. وباستطاعة الواحد منا أن يربي نفسه فردًا مؤهلاً ليكون من صحابة الإمام ومن القادة بين يديه.. حينئذ قد لا تحتاج إلى البحث عن الإمام المهدي بل هو يأتيه ويأخذ بيده.

ماذا يُفهم من هذا الكلام؟.. يُفهم أن الناس وهُم في ظروفهم الحالية السيئة.. قادرون على تربية أنفسهم أعظم تربية، حتى يكونوا على مستوى التشبه بموسى وعيسى ويوسف ومحمد – صلوات الله عليهم أجمعين، وذلك استعدادًا للانخراط في جيش المهدي الذي سوف يتخير منهم أفضلهم تأهّلا.

إذن هذا المهدي ليس مُصلحا ولا مجددا ولا إماما هاديا.. بل هو زعيم منظمة عسكرية، سوف يجمع أكثر الأعوان تدريبا واستعدادا ويختارهم بمثل ما تفعل المنظمات الإرهابية المحترفة.. ويضع السيف فاصلا بين الحق والباطل؟ أيّ حق؟ وأي باطل؟ الله أعلم..

كيف يمكن لأمة الإسلام -منذ اختفاء المهدي من الميدان، وفراره إلى السرداب- أن تُصلح نفسها.. ولم يعد فيها أحد من الأئمة بعد غيبته؟

الحل عندهم سهل.. بل هذا هو الهدف الأول والأخير من هذه الفكرة.. التي طالما روّج لها الملّات أصحاب الألقاب من الآيات.. ومانسبوه إلى مهديهم المزعوم قبل اختفائه إذ قال لوكيله:

“وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها رواة أحاديثنا.. فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم”.

يعني دعكم من القرآن ورسول القرآن وأصحاب محمد العاملين بالقرآن.. وخُذوا بما قاله رواة أحاديثنا نحن..لأن الباقين جميعا محتالون كذابون. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقال أيضا لوكيله:

“وأما من كان من الفقهاء صائنا نفسه. حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه”.

والعوام طبعا هو الأغلبية العظمى. ومافْيا المـُلّات هم الفقهاء. ولابد من تقليدهم مهما كانوا لأن العامة لا يستطيعون أن يدققوا في هذه المواصفات الفضفاضة.. التي يمكن لكل صاحب “عُمامة وجُبّة” أن ينسبها إلى نفسه. ويمكن لنقابة الملات أن يستأثروا بها في أعضائها.. فهذا حجة الله، وهذا آية الله.. وغير ذلك من الألقاب. وهكذا تبقى هذه المافيا مسيطرة على أبواب السماء والأرض.. إلى أن يظهر المهدي!

ولما كانت سراديب الدنيا كلها بريئة من وجود أي مهدي فيها.. فلن يخرج من السرداب أحد، ويظل المسلمون العوام -حسب قولهم- هكذا لا يرفعون أعينهم أبدا نحو السماء، وإنما ينظرون إلى الجحور والشقوق.. ينتظرون بلا فائدة، ويظل الملات يرتعون في سعة العيش، ويتقلبون في بحبوحة السلطان.. إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وفي الفصل التالي تحت عنوان “الانتظار.. ماذا يعني؟” ذكر المؤلف حديثا نسبه إلى النبي يقول: “أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج”. ولن نبحث في مدى صحة الحديث، فالمضمون هو الأهم. لقد فسّر المصنف موضوع الانتظار تفسيرا جيدا. فقال إنه ليس انتظارًا سلبيا، ولكنه عمل. وقال إن معناه أن نحقق المقدمات، وننتظر النتيجة. وبهذا المعنى الجميل يكون انتظار الفرج عملا إيجابيا وعبادة صادقة..لأنك أخذت بالسنن الإلهية، وانتظرت رحمة الله في النتائج. ولكن ما دخل هذا الحديث بظهور المهدي؟

يجيب: إذ كنت تنتظر ضيفا عزيزا عليك فإنك تنظف البيت، وتهييء كل ما يتطلبه منك استقباله. وإذا كنت تنتظر مصلحا ثائرا.. هل تُفسد حياتك حين انتظارك له؟ وهل تسكت على كل فاسد من حياتك العامة والخاصة؟ وأضاف: إن انتظار المصلح هو أن تهييء مقدمات الإصلاح والاستعداد لاستقباله بما يليق به، وذلك بأن تعمل في نفسك وعائلتك وشعبك ما يرضيه، وليس ما يغضبه؟

لماذا إذن نسميه مصلحا؟

إذا استطعنا -بفضل الملّات- أن نصلح نفوسنا وعائلاتنا وشعوبنا.. فكيف يكون هذا القادم مصلحا؟

لو كانت الأمة الإسلامية هكذا صالحة.. فلماذا يأتي إمام مهدي؟ وأي حكمة في انتظاره؟ وما الذي يهم الناس من إرضائه أو إغضابه.. إذا كانوا فعلاً يتشبهون بموسى وعيسى ويوسف ومحمد؟ أليس في التشبه بمحمد ما يجعل الإنسان في غنىً تام عن غيره  ألا يحتاج التشبه بمحمد أن يعرف الإنسان حقيقة محمد؟

ولم تكن سنة الله تعالى كلما أراد إرسال مصلح أن يطالب الناس بإصلاح أنفسهم على منوال هذا المصلح قبل أن يَظهر المصلح!! إن الله تعالى حكيم يخاطب الناس ويكلفهم بما في استطاعتهم.. ولا يدبر الأمور بحسب هَلْوسة المخمورين بحب السلطة والسكارى بطلب الجاه.

إذا كنا ننتظر طبيبا فليعالج المرضي ويعمل على شفائهم من عِلَلهم. ولا يكون انتظارنا له بأن يقوم أدعياء الطب.. الذين هم أشدّ مرضا ممن سواهم.. فيعالجون الناس على قدر جهالتهم.. ثم يأتي الطبيب، ونحتفل بمقدمه المبارك، وهو لم يفعل شيئا.

  • إذا جاء إمام مهدي فليهدي الناس إلى الطريق المستقيم الذي ضاع من أقدامهم،
  • ولينقذ العوام من ذئاب الدين ومدعي الألوهية بين الناس،
  • وليصحح المفاهيم وينير العقول.. بعد أن انطفأت مصابيح الهدى ولم يبق على الأرض إلا جهّالاً.. ضلوا وأفتوا بغير علم.. فأضلوا الناس، وأوشكت الأمة بفضلهم على الهلاك.

يقول المؤلف: إذا كنت تنتظر الذي يأتي لكي يرفع القرآن.. فهل تسكت على من يهين القرآن اليوم؟

وهل القرآن بحاجة إلى أن يرفع؟ إنه لم ينخفض إلا في عقول الملات، ولا يهين القرآن أحد إلا من يزعمون اتّباعه.

وكيف يعرف العوام ماذا يصيب القرآن من إهانة إلا إذا جاءهم المهدي من عند الله؟ إنه لو اجتمع ألف جاهل معًا فلن يصححوا خطأً واحدا، ولكن مهديًّا واحدا يصحح كل الأخطاء.

ليست مهمة الأمة أن تمهد الطريق لمجيء المصلحين.. بل إن المصلحين هم الذين يمهدون السبيل لمسيرة الأمم. العربة لا تدفع الجواد، ولكن الجواد هو الذي يسير بها. الخراف الضالة لا تمهد للراعي وسائل الرعاية.. ولكن الراعي هو الذي يقودها إلى الأمن والأمان. إن وضع الحصان خلْف العربة منطق معكوس.. يؤدي إلى الاضطرابات والمجازر. وتحكيم الجهلة في رقاب الخلق. وهو في النهاية يزيد العراقيل في طريق الإمام المهدي عندما يشرع في القيام بمهمته.

إنَّ الدعوة إلى العنف الأعمى هي بمثابة تخبُّط الغريق.. الذي يُنهك قِواه ولا يُنقذ بدنه. افتحوا عيونكم إلى سُنّة الله تعالى في هداية الخلق يتضحْ لكم الطريق. تدبَّروا قول الله تعالى:

انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا .

إنَّ التشبيهات الباطلة والأمثلة الزائفة التي يخترعها العقل البشري في ظلمات الجهل والهوى.. لا تصلح معيارًا أو مقياسًا صحيحًا.. بل هي الطريق إلى الضلال. ولا مخرج للإنسان من الضلال ما دام مُتبعًا لهذه المعايير الخاطئة.

أفيقوا فإنَّ سفينة نوح لا تزال تنتظركم لتنقذكم من طوفان الدجّال قبل قرنٍ مضى.. فهلمُّوا واركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها.. وإلا حكمتم على أنفسكم بالهلاك الأبدي. اللهم اهدهم.. فإنّهم لا يعلمون.{يتبع}

Share via
تابعونا على الفايس بوك