ضرورة تأدية جميع العبادات بنفس الروح

ضرورة تأدية جميع العبادات بنفس الروح

التحرير

  • الصيام ليس مخصصا لشهر رمضان فقط
  • الصلاة فريضة يومية هامة
  • العبادات ماهي إلا طرق لاستكمال الروحانيات
  • لا يستطيع الإنسان الذي لديه كبر وزهو أن يحقق الفضل المرجو من العبادات

__

هنالك شريحة كبيرة من المسلمين يهتمون بصوم رمضان ولا يؤدون الصلوة. ولا شك أن هذا السلوك راجعٌ إلى الاستهتار بأمور الدين. وغالبا ما يظن هؤلاء أنهم أفضل مِمّنْ لا يصوم ولا يصلي، وأنهم سينالون ثواب الصوم. ويرون أن عدم الصلاة لا يُبطل الصوم.

كما يعتقد كثير من الناس أن الصيام يرتكز عامة على الامتناع عن الطعام والشراب والجماع طوال النهار. وعلى الخلاف من ذلك فإن فريضة الصلاة تتطلب من الإنسان أن ينقطع عن صلته بالدنيا خمس مرات  خلال كل يوم من أيام السنة، ومن ثم يبدو لهم أن الصوم أيسر من الصلاة ولا يحتاج إلى المثابرة والدأب طوال أيام السنة.

هذا، وقد ترجع رعاية فريضة الصوم وإهمال الصلاة إلى الظن بأن  الصوم أهم من الصلاة. وقد يُستدل على ذلك بتأويل خاطئ لحديث الرسول   :

“كل عمل ابن آدم يُضاعف، الحسنةُ بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، يقول الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أُجْزَى به.” (سنن ابن ماجه، كتاب الصيام)

ولا شك أن هذه الأفكار لا تُراود إلا عقول المفتونين بحب الدنيا، ولا سند لها من القرآن المجيد ولا من السنة النبوية الشريفة. قال الله تعالى:

  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله! (البقرة)

إن الذي يتفوه بمثل هذه المقولات الواهية دون أن يلومه ضميره هو من الصنف من المسلمين الذين انطفأ في صدورهم نور الحب الإلهي. إذ لو كانت أفئدتهم تنطوي على قدر من الحب الإلهي لما وازنوا العبادات ولما اطمأنّوا إلى الأخذ ببعضها وترك بعضها الآخر، فهي كلها من وسائل القرب إلى الله تعالى.

فمن  السهل أن نشير إلى أخطاء الآخرين ونعلق عليها ولكن تقتضي أسس التقوى أن نتأمل أنفسنا، ونصلح من أحوالنا، ونسعى إلى التقدم خلقيا وروحانيا، ونحذر من التوقف عند حد معين من الطاعات، لأن  هذا هو  بداية التخلف والتقهقر. وإذا تأملنا في دعوة الأذان إلى الصلاة فإنها تلفت انتباهنا إلى هذا الأمر، فكلمة “حي على الصلاة، حَي على الفلاح” لم يُحصر معناها “تعالوا” فحسب، بل تتضمن أيضا الإسراع والاهتمام والجدية. فعلينا، ونحن مقبلون على الصوم، أن نبادر إلى استكمال ما يكون فينا من تقصير أو نقص في القيام بجميع الفرائض على حد سواء.

إن انتماءنا للإسلام الصحيح مشروط بإقامة الصلوات الخمس على أوقاتها. فعلينا خلال هذا الشهر الفضيل – ونحن نؤدي فريضة الصوم – أن نبادر على الفور بتلافي ما قد حدث في صلاتنا من نقص أو قصور، حتى نشرع في الصيام ونحن مطمئنون إلى أننا قد تخلصنا مما يقلل من بركات جميع الفرائض.

فمن  السهل أن نشير إلى أخطاء الآخرين ونعلق عليها ولكن تقتضي أسس التقوى أن نتأمل أنفسنا، ونصلح من أحوالنا، ونسعى إلى التقدم خلقيا وروحانيا، ونحذر من التوقف عند حد معين من الطاعات، لأن  هذا هو  بداية التخلف والتقهقر.

بعد أن بيَّنا خطأ من يزعمون أن فريضة الصوم أهم من فريضة الصلاة، نتطرق إلى دحض ما يتبادر إلى ذهن البعض أن الصلاة أهم من فريضة الصوم. وهذا أيضا زعم خاطئ، فكل أركان الإسلام هامة وأساسية..  فالإسلام الذي شُبه بالبناء يرتكز على خمسة أعمدة، ويستحيل الاستغناء عن أي عمود من الأعمدة الخمس، ولا محل للمفاوضة بينها أو الإقلال من أهمية أيٍّ منها.. أي أن جماعة المسلمين أو الأمة الإسلامية ينبغي لها أن تقيم هذه الأعمدة الخمسة إذا شاءت العيش في ظل العزة الكاملة  تحت ظل وأمان السقف المرفوع على الأعمدة الخمسة.

ولا شك أن النجاح في تربية أفراد جماعة المؤمنين يتوقف إلى حد كبير على ما عاهدنا الله تعالى عليه من هجر الكِبر والزهو والتحلي بالتواضع والقناعة. وقد قال   : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردل من إيمان”. (مسند ابن داود، كتاب اللباس). ويلاحظ في هذا الحديث النبوي أن الكِبـر قد جاء  مقابل الإيمان، الأمر الذي يدل على شناعة رذيلة الكِـبر.

ولا يخفى على المطلعين أن الجسم والنفس يؤثر كل منهما في الآخر. وتُعد فريضة الصلاة (ظاهريًا) تدريبًا لأعضاء الجسم الخارجية للخضوع والخشوع لله تعالى وحده، الأمر الذي ينعكس أثره على النفس. وكذلك تُعد فريضة الصوم (ظاهريا) تدريبا لأعضاء الجسم الداخلية على خشية الله تعالى وإنكار الذات مما ينعكس أثره على النفس. ومن ثم تعمل كلتا الفريضتين على إبلاغ الإنسان مقامَ العبودية الحقة، وهو مقام ينبغي ألا يخالطه أي تعالٍ أو تكبر مما يكدر صفوة العبودية.

فالحري بنا أن نؤدي جميع العبادات بنفس الروح حتى نخلص أنفسنا من أي شائبة من شوائب الكِـبر، حتى ننعم بإذن الله بالجنتين اللتين وُعد بهما كل من خاف مقام ربه.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ووفقنا لعبادته حق العبادة. وآخر دعونا أن الحمد لله رب العـالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصـحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك