بحر حلو + بحر مالح

بحر حلو + بحر مالح

التحرير

إن من مميزات معالم هذا العصر الذي نحياه هو التمازج الذي تعيشه المجتمعات الإنسانية، وذلك بسبب العديد من العوامل أهمها وسائل الاتصالات التي تطورت بشكل متسارع أذهل الجميع.

إن هناك تمازجًا بين الشرق والغرب، واختلاطًا بين القيم الإنسانية التي كانت تميز مجتمع إنساني ما عن غيره. ولكن هذا التمازج.. وللأسف جعل السيادة للقيم الفاسدة بأن تكون هي السمة العامة لتلك المجتمعات. وقد أشار حضرة ميرزا طاهر أحمد.. الخليفة الرابع لحضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود في إحدى خطبه.. إلى أن القرآن الكريم كان قد أشار إلى هذه الظاهرة في سورة الرحمن حيث ذكر أن البحرين سيلتقيان مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ، وأشير في موضع آخر إلى أن: هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ (الفرقان: 54)، أي أن طعم أحدهما هو عذب حلو، وطعم الآخر مالح لاذع مر.

وأشار حضرته إلى أن تحقق هذه النبوءة قد تم، ولكن ليس فقط بين بحرين أحدهما مالح وآخر عذب، فقد انتقل حضرته بتفسير هذه الآيات إلى المعنى المجازي الروحاني، ففسر حضرته امتزاج البحرين باختلاط البحر الديني الشرقي (أي الديانات التي تنتمي إلى بلاد الشرق) مع البحر الغربي (أي ديانات الغرب) مما يعني أن يصب كل منهما مساوئه في بحر الآخر أو تنتقل حسنات أحدهما للآخر.

واليوم نحن نلمس ذلك بأنفسنا بسبب التقارب الكبير الذي يعيشه أتباع الديانات المختلفة، حيث نلاحظ أن فلسفاتهم الفكرية لم يعد لها علاقة بنمط حياتهم اليومية. فكما نجد في البحر كل صنوف الكائنات.. إذ نجد فيه حيوانات جيدة مفيدة وأخرى ضارة شريرة، دون وجود حوائل تفصل بعضها عن بعض.. كذلك نجد أن الفوارق بين الخير والشر تكاد أن تنعدم في عالم اليوم أيضًا…أي بين الحلو والمالح، حتى صار من العسير أن تنسب الخير لمجموعة من الناس، ونعزو الشر إلى مجموعة أخرى. وقد وجه حضرته الأنظار إلى أن هذه الحالة ستعطي المسلمين طاقة تجديدية تقود إلى انتصارهم. ولكن هناك أسس نبه إليها حضرته كي يتسنى للمسلمين إتباعها لتحقيق ذلك.

أول تلك الأسس أن لا نكون كأولئك المتعصبين الدينيين الذين يزعمون بأنهم أهل الحق وغيرهم محروم منه، بل ينبغي أن نقدس الحق وأن نتمسك به كي نملك القدرة على رؤيته رؤية صحيحة، وإن أفضل السبل لذلك هو أن نتعلم مما حولنا. وضرب لنا مثال الطبقات الجوية التي هي بمثابة الصمامات.. تسمح بمرور اشعاعات معينة وتمنع غيرها من الوصول إلى جو الأرض، وإنّ تشبّهنا بتلك الصمامات سيجعلنا نسمح لأشعة الحق وقدسيتها بأن تمر من خلالنا كي تصل إلى الآخرين.

إنها الطاقة التجديدية ما نحتاجه اليوم لنكشف للعالم النقاب عن وجه الإسلام الحقيقي، الذي وعد رب العزة أن يكون هو العقيدة الصالحة لكل زمان ومكان، وإن أخلص العبادة حمل الأمانة وأداء الواجب.

وثاني تلك الأسس أن نكون نحن ذلك الطرف المؤثر.. تمامًا كما يحدث في مثال آخر يمكن أن نتعلم منه، وهو الخاصية الأزموزية (OSMOSIS) وهي خاصية طبيعية تعمل في سكون على حماية واستمرارية الحياة، وتنشأ القوة الأزموزية عندما يلتقي سائلان، فيتأثر السائل الذي يحتوي على تركيز ملحي مرتفع بالسائل ذي التركيز الملحي الأقل. فالماء وهو المذيب ينتقل من المحلول المخفف إلى المحلول المركز. فمثلاً إذا غرسنا في الأرض نباتًا فأرسل جذموره في التربة بحثًا عن السائل الذي يحتوي على غذائه، فإذا كان محتوى خلايا النبات مخففًا، ومحتوى ماء التربة مركّزًا فإن الماء ينتقل من المحلول المخفف إلى المحلول المركز..أي من النبات إلى التربة، وبذلك يفقد النبات عصارته ويذبل وسرعان ما يجف ويموت.

ونحن نجد أن القرآن الكريم وصف الإسلام بالماء العذب فهو لا يقبل تأثيرًا من خارجه وإنما هو الذي يؤثر في غيره. ولو طبقنا تلك الخاصية الأزموزية على العالم الروحاني.. يمكننا أن نقول أن الماء الروحاني الخارجي هو ضروري لحماية النفس من الداخل، وإذا لم يدخلها ذلك الماء الروحاني من الخارج لمات الفرد. وإذا كان من المقدّر للبحر المالح أن يختلط مع البحر العذب، فلا بد للإسلام أن يخترق البحر المالح، وإلا لن يكون هناك فرصة للحياة أن تستمر فيه، وتكون النهاية الموت والهلاك.

مما يعنيه حضرته أن ننفذ إلى داخل من يعيش حولنا، وذلك من خلال أخلاقيات ومزاج رفيع، حتى نملك قوة التأثير والتغيير، وأن نكون المثال الحي لكل ما هو مثالي، تمامًا كما كان سيدنا محمد الأسوة الحسنة في مجتمعه.

وثالث تلك الأسس أن نحاول الأخذ ممن حولنا ولكن بشكل انتقائي. إن علينا أولاً أن نُحسن الاختيار.. ننتقي الأفضل، ثم نؤسلم هذا الأفضل، أي نجعله إسلاميًا ونصيغه طبقًا للمفهوم الإسلامي، ثم بعد ذلك نتخذه منهجًا.

توجد حولنا كثير من الخصال الحسنة، التي يمكن أن تكون مصدر طاقة لنا، يمكننا أن نصيغها بصبغة إسلامية ونعمل عليها، وأن نجتهد أيضًا لكي نعطي الآخرين ما لدينا من صفات طيبة.

إن الحكمة يجب أن تكون ضالتنا كما يقول المبدأ الإسلامي: الحكمة ضالة المؤمن، حيثما وجدها كان أحق الناس بها.

هذه هي الأسس الثلاثة التي يمكن أن تقود إسلام اليوم كي يكون قادرًا على اختراق البحر المالح، والتأثير في عناصره، وجذب الصالح منها إلى عالمه الروحاني العذب. إنها الطاقة التجديدية ما نحتاجه اليوم لنكشف للعالم النقاب عن وجه الإسلام الحقيقي، الذي وعد رب العزة أن يكون هو العقيدة الصالحة لكل زمان ومكان، وإن أخلص العبادة حمل الأمانة وأداء الواجب.

Share via
تابعونا على الفايس بوك