الإسلام ديني وعلى التوحيد يقيني وما ضل قلبي وما غوى

يا أيها الناس، التُّقى التُّقى.. النُّهى النُّهى.. ولا تتبعوا أهواء فيج أعوج، واذكروا ما قال المصطفى. لقد جئتكم حكمًا عدلا للقضايا وجب فصلها، فاقبلوا شهادتي، إني أوتيت علمًا ما لم تؤتوه وما يؤتى. وإن كنتم في شك من أمري فتعالوا ليفتح الله بيننا وبينكم، وهو الرب الأقدر الأقوى. إنه مع الصادقين.. يسمع ويرى. وبشرني في وقتي هذا، وقال: يا عيسى سأُريك آياتي الكبرى. فأيّ نهج الفصل أهدى من هذا إن كنتم تطلبون الهُدى؟ وقد جئت حين سجَى الدجى، وغابت الحق من الوَجى، وكانت تلك الأيّام أيّام الوباء. قد هلكت فيه أمم كثيرة، وكان الإسلام نِضْوَ سُرًى، ما كان لـه من موئل ومأوى، كخابط ليلةٍ ليلاءَ، وكان الطالبون كذي مجاعة جَوِي الحشا، مشتمل على الطَّوى. فأوحى إليَّ ربّي ما أوحى. فنهضتُ ملبّيا للنداء، فأنبأني ربّي مما سيأتي وما مضى. وصافاني ونجّاني من كل هم وبلاء، وبشرني بغلبتي على كل من خالف وأبى. وأوحى إليّ بأنني غالبٌ على كل خصيم أعمى. وقال: إني مهين من أراد إهانتك، وأحسنَ إلي بآلاء لا تعد ولا تحصى. وقال: إني معك حيثما كنتَ، وإنّي ناصرك، وإنّي بُدُّك اللازم وعَضُدُك الأقوى. وأمرني أن أدعو الخلق إلى الفرقان ودين خير الورى، الذي سن التبليغ وحث على الجهد وحمل الأذى. لستُ بنبيّ، ولكن محدَّث الله وكليم الله لأجدد دين المصطفى. وقد بعثني على رأس المائة، وعلّمني من لدنه علوم الهدى. وإن كنتم تشكون في أمري، وتحسبون أنكم على حق في مخالفتي، وتظنون قربتكم أعظم من قربتي، فها أنا قائم في موطن المقابلة لرؤية آيات صدقكم وإراءة برهاني على الاصطفاء. وأعزم عليكم بالله الذي هو خالق الأرض والسماء، أن لا تمهلوني طرفة عين، وجاهدوا لهزيمتي حق جهادكم، واستفتحوا لأنفسكم من الله الأعلى. وحرام عليكم أن تتقاعسوا وتستأخروا ولا تبرزوا في مكان سُوى. واجتمعوا عليّ كلكم وارمُوا كل سهام من قوس واحد، فستعلمون من هلك ومن حفظه الله تعالى وأبقى. وإن تقبلوني فالله يبارككم، ويجعلكم مثمرين مباركين آمنين، ويردّ إليكم أيّامكم الأولى، وتسكنون في أمان الله، ويتوب إليكم ربكم ويرضى، وكل سوء يتحوّل عنكم ويتناهى.

يا قوم، إنّي لستُ كافرًا كما يفشي ويفتري عليّ علماء السوء، وما افتريت شيئًا على ربّي، وما أقول لكم من عند نفسي، وقد خاب من افترى. وإني أعتقد من صميم قلبي أنّ للعالم صانعًا قديمًا واحدًا قادرًا كريمًا مقتدرًا على كل ما ظهر واختفى.

وأعتقد أنّ لله ملائكةً مقربين، لكل واحد منهم مقام معلوم، لا ينـزل أحدٌ من مقامه ولا يرقى. ونزولهم الذي قد جاء في القرآن ليس كنـزول الإنسان من الأعلى إلى الأسفل، ولا صعودهم كصعود الناس من الأسفل إلى الأعلى، لأن في نزول الإنسان تحولا من المكان، ورائحةً من شِقّ الأنفس واللغوب، ولا يمسّهم لغبٌ ولا شقّ، ولا يتطرّق إليهم تغيّر، فلا تقيسوا نزولهم وصعودهم بأشياء أخرى، بل نزولهم وصعودهم بصبغ نزول الله وصعوده من العرش إلى السماء الدنيا، لأن الله أدخل وجودهم في الإيمانيات، وقال: ما يعلم جنود ربك إلا هو [1]، فآمنوا بنـزولهم وصعودهم ولا تدخلوا في كنههما، ذلك خيرٌ وأقرب للتقوى. وقد وصفهم الله بالقائمين والساجدين والصافّين والمسبحين والثابتين في مقامات معلومة، وجعل هذه الصفات لهم دائمة غير منفكّةٍ، وخصّهم بها؛ فكيف يجوز أن يترك الملائكة سجودهم وقيامهم، ويقصموا صفوفهم، ويذروا تسبيحهم وتقديسهم، ويتنـزّلوا من مقاماتهم، ويهبطوا الأرض، ويُخلوا السماواتِ العُلى؟ بل هم يتحركون حال كونهم مستقرين في مقاماتهم، كالملك الذي على العرش استوى. وتعلمون أن الله ينـزل إلى السماء في آخر كل ليل، ولا يقال إنه يترك العرش ثم يصعد إليه في أوقاتٍ أخرى، فكذلك الملائكة الذين كانوا في صبغة صفات ربهم، كمثل انصباغ الظلّ بصبغة أصله، لا نعرف حقيقتها ونؤمن بها. كيف نشبّه أحوالهم بأحوال إنسان نعرف حقيقة صفاته، وحدود خواصه، وسكناته وحركاته، وقد منعنا الله من هذا وقال: ما يعلم جنود ربك إلا هو ، فاتقوا الله يا أرباب النُهى.

ونعتقد..كما كشف الله علينا.. أن عيسى ابن مريم قد تُوفِّي ولحق بإخوانه النبيّين الصالحين، ورفع إلى مكان كان فيه يحيى.

ونعتقد أن رسولنا خير الرسل، وأفضل المرسلين، وخاتم النبيين، وأفضل من كل من يأتي وخلا. هو سلكني بنفسه المباركة، وربّاني بيده الطاهرة الـمُطهرة، وأراني عظمته وملكوته، وعرّفني بأسراره العُليا.

ونعتقد أن كل آية القرآن بحر موّاج، مملوّ من دقائق الهدى. وباطل ما يعارضه ويخالف بيانه من قصصٍ وعلوم الدنيا والعقبى.

ونعتقد أن الجنّة حق، والنار حق، وحشر الأجساد حق، ومعجزات الأنبياء حق.

ونعتقد أن النجاة في الإسلام واتباع نبينا سيّد الورى. وكل ما هو خلاف الإسلام فنحن بريّون منها، ونؤمن بكل ما جاء به رسولنا وإن لم نعلم حقيقته العُليا. ومن قال فينا خلاف ذلك فقد كذب علينا وافترى. فاتقوا الله ولا تصدّقوا أقوال كل ضَنينٍ مَهين.. سعى إليّ كتِنِّينٍ، ومال إلى إكفاري بفَيلولةِ رأيه، واتّبع الهوى. واعلموا أن الإسلام ديني، وعلى التوحيد يقيني، وما ضل قلبي وما غوى. ومن ترك القُرآن واتّبع قياسًا.. فهو كرجل افتُرس افتراسًا.. ووقع في الوِهاد الـمهلكة، وهلك وفنى. والله يعلم إني عاشق الإسلام، وفداء حضرة خير الأنام، وغلام أحمد المصطفى.

حُبّب إلي منذ صبوت إلى الشباب، وقادني التوفيق إلى تأليف الكتاب، أن أدعو المخالفين إلى دين الله الأجلى. فأرسلتُ إلى كل مخالف كتابًا، ودعوت إلى الإسلام شيخًا وشابًا، ووعدت أن أري الآياتِ طُلابًا، ووعدتُ لهم نَشَبًا كثيرًا إن عجزت جوابًا. فشاهت الوجوه وَأْبًا، وما جاء أحدٌ وما أتى. ولم يجيبوا النداءَ، ولا فاهوا بيضاءَ ولا سوداء، وما ركض أحد منهم وما دنا.

فهذه آيةٌ من آيات صدقي وسدادي لقوم يتفكرون. من عرفني فقد صدقني، ومن لم يعرفني فلم يصدقني، ومن جاهد في أمر يكشف الله ذلك الأمر عليه، فطوبى لقلوب هم يجاهدون. لن يُحرَز جَنى العود بالقعود، ولا يملِك فتيلا من لا يؤثر سبيلا، والذين يطلبون فهم يجدون.

فيا قوم.. لا تكفروني بغير عرفان، ولا تكذبوني بغير سلطان، ولا توسعوني سبّا، ولا توجعوني عتبًا، ولا تدخلوا في غيب الله، ولا تصروا على ما لا تعلمون. عسى أن تكفروا رجلا وهو مؤمن عند الله، وعسى أن تفسّقوا أحدًا وهو صالـحٌ عنده، والله يرى قلوب عباده وأنتم لا تُبصرون. يا قوم.. إن كنت على باطل فالله كاف لإزعاجي، وإن كنت على حق فأخاف أن تؤخذوا بما تعتدون.

(مرآة كمالات الإسلام)

[1] سورة المدثر: 32

Share via
تابعونا على الفايس بوك