النبوءة المتعلقة بالسيدة محمدي بيغم وعائلتها

النبوءة المتعلقة بالسيدة محمدي بيغم وعائلتها

محمد حلمي الشافعي

كاتب

يتبين من خلال دراسة تاريخ الجماعة الإسلامية الأحمدية أن بعض نبوءات مؤسسها لم تتحقق. فما هو رد جماعتكم على ذلك؟

الجواب عن سؤال هذا العدد اقتبسناه من كتاب بالانجليزية للأستاذ المرحوم نعيم عثمان ميمن

الواقع أن نبوءة سيدنا الميرزا غلام أحمد فيما يتعلق بعائلة محمدي بيغم.. هي النبوءة التي يلجُّ ويلحُّ خصومَه بشأنها، ويتعرضون عليه مؤكدين أنها لم تتحقق.

كانت “محمدي بيغم” ابنة أحد أقرباء سيدنا أحمد الأبعدين من ناحية والده، يُدعى الميرزا أحمد بيك. كان هذا الرجل قد أعلن ارتداده عن الإسلام. ليس ذلك فحسب، بل شارك أيضا مع بعض الأقارب الآخرين في سب نبي الإسلام سيدنا محمد ، والتشكيك في صدق القرآن الكريم، وإنكار وجود الله تعالى.(1)

قَلِقَ سيدنا أحمد بالطبع من هذا الموقف الجريء الذي يقفه هؤلاء الأقارب الذين طالما نصحهم أن يكفُّوا عن إنكار وجود الله تعالى، وشتمِ النبي الأكرم ، والطعنِ في القرآن الكريم كلمة الله المقدسة. ولكنهم أعاروا نصحه آذانًا صمّاء. بل كانت استجابتهم الوحيدة الإمعان في العدوان، واحتقار ما يبذله لهم سيدنا أحمد من نصح. ولاحَظَ سيدنا أحمد أن هؤلاء القوم قد صاروا أشد جرأة في شجب كل مقدسات الإسلام فأعلن حضرته:

“وكذلك سدروا في غلوائهم، وجمحوا في جهالاتهم، وسدلوا أثواب الخيلاء يوما فيوما، حتى بدى لهم أن يشيعوا خزعبلاتِهم ويصطادوا السفهاء بتلبيساتهم، فكتبوا كتابا فيه سبُّ رسول الإسلام ، وسبُّ كلام الله تعالى وإنكارُ وجود الباريء عز اسمه” (2)

هذه الوثيقة التي نشرها بعض المنشقّين عن الإسلام في الأسرة.. وجدت ذيوعًا في الصحافة النصرانية. (3) وطلب كاتبوها من المؤمنين بدين الإسلام أن يأتوا بآية تثبت صدق عقيدتهم.

وعندما وصل الخبر إلى سيدنا أحمد أعلن حضرته:

“فإذا الكلمات تكاد السماوات يتفطرن منها. فغلَّقتُ الأبوابَ ودعوتُ الرب الوهاب، وطرحتُ بين يديه وخررتُ أمامه ساجدا.. وقلت يارب انصر عبدك وَاخْذُلْ أعداك! استجبْني يارب استجبْني! إِلاَمَ يُستهزأ بك وبرسولك؟ وحَتَّامَ يكذِّبون كتابك ويسبون نبيك؟

برحمتك أستغيث يا حي ياقيوم يا معين” (4)

ثم إن سنة الله السارية هي أنه لا يعذب عباده قبل أن يرسل إليهم من ينذرهم (سورة الأنعام: 132): ذلك كي يتيح للمذنبين فرصة ليتوبوا ويصلحوا. فإن استمعوا واستجابوا للتحذير فتابوا وانصلحوا نظر إليهم ربهم الغفور الرحيم نظرة رحمة

يتضح -بلا أدنى ريب- من هذا الدعاء أنه لم يكن هناك أي دافع شخصي للخلاف بين سيدنا أحمد وأسرة محمدي بيغم كما يزعم خصوم الأحمدية. بل بالعكس، لقد ابتهل إلى الله جل وعلا أن يسمع دعاءه ويخزي أعداء الإسلام الذين أنكروا وجود الله وسبّوا نبيه محمدًا المصطفى ، وعابوا كتابه القرآن الكريم (5). فرَحِمَ ربُّه تضرعاتِه وزفراتِه وعبراتِه وناداه قائلا:

“إني رأيت عصيانهم وطغيانهم، فسوف أضربهم بأنواع الآفات، وأبيدهم من تحت السماوات، وستنظر ما أفعل بهم، وكنا على كل شيء قادرين” (6)

فعل الله ذلك استجابةً لابتهالات سيدنا أحمد التي تضرع فيها أن يصون اللهُ تعالى، ليس كرامة سيدنا أحمد، وإنما كرامة الله جل وعلا، وكرامة نبيه محمد المصطفى ، وكرامة كتابه القرآن الكريم.

ومِن ثم إن الاحتجاج ضد هذه النبوة -وهو ما يفعله خصوم سيدنا أحمد- يعادل القولَ بأَن هذه العائلة التي ألحد كثير من أعضائها: قد نجحت -معاذ الله- في إحباط مشيئة الله جل وعلا. والدليل على ذلك هو أن الوثيقة التي نشرها بعض كبار أسرة محمد بيغم، والغرضَ الذي ابتهل سيدنا أحمد من أجله إلى الله تعالى.. يتعلقان أساسًا بوجود الله تعالى، وبصدق سيدنا محمد المصطفى ، وصدقِ القرآن الكريم (7).

ثم إن سنة الله السارية هي أنه لا يعذب عباده قبل أن يرسل إليهم من ينذرهم (سورة الأنعام: 132): ذلك كي يتيح للمذنبين فرصة ليتوبوا ويصلحوا. فإن استمعوا واستجابوا للتحذير فتابوا وانصلحوا نظر إليهم ربهم الغفور الرحيم نظرة رحمة حسب وعده:

  فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّـهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (سورة المائدة: 40)

ولم تكن ذرية عائلة محمدي بيغم استثناء من هذه القاعدة المقررة. لذلك فإن الله تعالى -مع تحذيره لهم بعقاب وشيك بسبب سوء فعلهم- ما كان ليعذبهم قبل أن يمنحهم فرصة التوبة والإصلاح.. وهذا واضح في كثير من الأنباء السماوية التي تنزلت على سيدنا أحمد. فمثلا حذر حضرته هذا الفرع من أسرة محمدي بيغم بأن الله تعالى أخبره:

“ولكن لا أهلكهم دفعة واحدة بل قليلا قليلا لعلهم يرجعون ويكونون من التوابين. إن لعنتي نازلة عليهم وعلى جدران بيوتهم، وعلى صغيرهم وكبيرهم، ونسائهم ورجالهم، ونزيلهم الذي دخل أبوابهم، وكلهم كانوا ملعونين.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقطعوا تعلَّقَهم منهم وبعدوا من مجالسهم فأولئك من المرحومين”(8).

وفي إعلان آخر حذرهم سيدنا أحمد من أن الله تعالى قرر:

“كل فرع من أبناء عمومتك سوف يُقطَع وينتهي بلا ذرية. إذا لم يتوبوا فإن الله سوف يرسل عليهم البلاء بعد البلاء حتى يهلكهم. سوف تمتلىء بيوتهم بالأرامل، وسوف ينزل غضبه على جدرانهم” (9).

وفي مناسبة أخرى حذر سيدنا أحمد أحد أعمام محمدي بيغم -الميرزا إمام الدين- أن الله تعالى قدّر معاقبته إذا لم يتب. ومع ذلك صرح سيدنا أحمد بأن الله تعالى أخبره: “إذا تاب حسنتْ خاتمته، ورغم التحذير يفوز بالراحة” (10). وفيما يتعلق بوالدَي محمدي بيغم -الميرزا أحمد بيك وأمير النساء- بصفة خاصة فقد تنبأ سيدُنا أحمد فقال:

“فأُلهمت من الرحمن أنه معذبهم لو لم يكونوا تائبين. وقال لي ربي: إن لم يتوبوا ولم يرجعوا فننزل عليهم رجسًا من السماوات ونجعل دارهم مملوءة من الأرامل والثيبات، ونتوفاهم أباتِرَ مخذولين. وإن تابوا وأصلحوا فنتوب عليهم بالرحمة، ونغير ما أردنا من العقوبة فيظفرون بما يبتغون فرحين” (11).

تؤكد إلهامات سيدنا أحمد أن المصائب الوشيكة التي قُدّرَ نزولها على المرتدين من أعضاء هذا الفرع من الأسرة كانت كلها مشروطة، وتتوقف على موقف المنذَرين في المستقبل. إذا أرادوا استطاعوا بالتوبة إنقاذ أنفسهم من العقاب المقرر لهم. أما إذا صدوا ولم ينفكوا عن عدوانهم ظلوا عرضة لما قُدرِ لهم من نقمة الله ومقته. والواقع أن دراسة موضوع الخلاف كله بعقل متحرر أمين.. تكشف للباحث أنه طوال الفترة التي كانت فيها أسرة محمدي بيغم تحت مظلة الغضب الإلهي.. كان سيدنا أحمد دائمًا يلتمس منهم مرارًا وتكرارًا أن يتوبوا وينقذوا أنفسهم من العذاب المحتوم وينصحهم في تعاطف صادق. قال حضرته:

“فنصحت لهم إتمامًا للحجة وقلت: استغفروا ربكم ذا مغفرة” (12).

ثم في إعلان آخر صرح سيدنا أحمد أنه في إحدى الرؤى رأى امرأةً باكية من بين أسرة الميرزا أحمد بيك، فنصح جدة محمدي بيغم لأمها قائلاً: “أيتها المرأة توبي توبي فإن البلاء على عقبك” (13).

ولكن أفراد هذه الأسرة -لسوء حظها- اشتدوا غطرسةً، فأبوا قبول النصح، فغازلوا النصرانية لفترة من الزمن (14)، ثم ارتد عدد من أعضائها البارزين وانضموا إلى دين آريا سماج -وهي منظمة هندوكية وقفت نفسها لتخريب القيم الإسلامية في القارة الهندية (15). وبعد عدة سنوات تحول عدد كبير من أعضاء هذه الأسرة إلى الإلحاد معلنين على الملأ:

“لا حاجة لنا إلى الله ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله خاتم النبيين. وقالوا لا نتقبل آية حتى يرينا الله آية في أنفسنا. وإنا لا نؤمن بالفرقان، ولا نعلم ما الرسالة وما الإيمان، وإنا من الكافرين” (16).

ولما كان تقدير الله تعالى ألا يهلكهم بضربة واحدة وإنما يهلكهم شيئًا فشيئًا لعلهم يرجعون.. شرَعَ الله تعالى يحقق كلمته، وتعرضتْ أسرة محمدي بيغم لسلسلة من المصائب كما كان مقدَّرًا من قبل. ففي مسلسل الفواجع التي بدأت في الشهر الحادي والثلاثين من يوم إعلان النبوءة الأولى ضد هذه الأسرة.. فُجع عم محمدي بيغم -الميرزا نظام الدين- فجيعةً هائلة في ابنته الشابة التي ماتت في سن الخامسة والعشرين.. تاركةً وراءها طفلتها الرضيعة (17).

كان المفروض أن يكون لهذه المأساة وقع ثقيل على أسرة محمدي بيغم، ولكن للأسف قست قلوبهم، ووجدهم سيدنا أحمد يُمعنون في تمردهم، ويستمرون في الهزء بالإسلام كأعداء الدين.

وعلى إثر ذلك مات الميرزا نظام الدين تاركًا خلفه ابنه الميرزا جُلْ محمد وابنته، وكان هذان من الحكمة والتُّقى بحيث دخلا في الإسلام على يد سيدنا أحمد. أما أخو الميرزا نظام الدين وهو الميرزا إمام الدين فقد ترك ابنة واحدة هي خورشيد بيغم.. التي بايعت سيدنا أحمد كما فعل ابن عمها الميرزا جُلْ محمد وأخته. وبعد ذلك تزوجت خورشيد بيغم من ابن سيدنا أحمد وتزوجت حفيدتها من أحد أحفاد سيدنا أحمد.

والأخ الثالث للميرزا نظام الدين هو الميرزا كمال الدين.. بقي في قاديان ليتنسك ويقضي بقية أيامه في المقابر والخانقاهات بالهند.. وبعدها خصّى نفسه وتندم على أفعاله، وقاسى نهاية تعيسة ومات بلا ذرية.

وكانت بداية هذه النبوءة الشهيرة بنبوءة محمدي بيغم هي أن شاءت الأقدار أن احتاج والدا محمدي بيغم مساعدةً من سيدنا أحمد في بعض الأمور الخاصة بأملاك الأسرة. ولذلك ذهب أبوها الميرزا أحمد بيك إلى سيدنا أحمد يلتمس مساعدته في وداعة وتواضع شديدين. وكان سيدنا أحمد ميّالاً لإسداء المعروف الذي طلبه الرجل، فأخبره أنه سيردّ عليه بعد أن يستخير الله جل وعلا كما هي عادته في كل الأمور الهامة. قال سيدنا أحمد بعدها:

“وبسبب إلحاحه استخرتُ الله، فكانت مناسبة يُبدى الله تعالى فيها آيته” (18).

أخبر سيدنا أحمد الميرزا أحمد بيك أن الله تعالى أمره أن ينصح الميرزا أحمد بيك لينشئ علاقةً مع سيدنا أحمد بأن يزوّجه من ابنته الكبرى محمدي بيغم، فينوّر بنوره (19).

والعارفون بتقاليد العائلات في الهند يعلمون أن طلب الزواج علنًا من ابنة عدو، وخصوصًا في الأسر من أصل إقطاعي، ربما يعتبر أشدَّ وسيلة لمضايقة الخصم وإذلاله. فكأن الله تعالى بحكمته الأزلية قرر أن يضرب هذا الفرع -وهو من أسرة كريمة المحتد أصلا- بأسلوب أشدَّ ما يكون إيلامًا وإلا فلا يُتصور أن يرغب سيدنا أحمد في إقامة علاقة زواجٍ مع أسرة بعيدة كل هذا البعد عن الإٍسلام.

في ذلك الوقت كان سيدنا أحمد في الثالثة والخمسين من عمره، متزوجًا من سيدة تقية تنتمي إلى أرومة نبيلة: السيدة نصرت جهان بيغم؛ من ذرية “نواب مير درد” أحد أولياء الله المعروفين من دلهي، الهند.

وكانت حياة سيدنا أحمد قبل زواجه من هذه السيدة عام 1884م تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه كان رجلا لا يبالي بالمتع الدنيوية. ويتضح ذلك من واقع أن حضرته عند انفصاله عن زوجته الأولى: السيدة حُرمت بي بي .. لم يكن قد بلغ 21 عاما بعد.. فمكث 28 عاما بعدها دون أن يتزوج مرة ثانية. بل بالعكس عاش أعزَب مكرّسًا شبابه في خدمة الإسلام، وبقي مكتفيًا بجهوده ومساعيه الدينية والأدبيّة. ومن ثم لا يسع أحدًا يتمتع بحاسة الإنصاف والعدل أن ينسب إلى سيدنا أحمد أيّ رغبات دنيوية في تلك الحقبة من حياته. وبغض النظر عن مزاعم خصومه.. فإنه كان راغبًا عن الزواج من محمدي بيغم، وأعلن بوضوح غير مشروط أنه لا حاجة له في هذا الزواج لأن الله تعالى كفاه بكل احتياجاته (20).

والواقع أنه كتب إلى صديقه المخلص وموضع سره: مولانا الحكيم نور الدين.. أنه منذ تلقّي الإلهام الرباني عن الزواج، كان نافرًا منه بطبيعته؛ وتمنّى لو ظل القدر الإلهي متوقفًا. وصرح أيضا عن الزواج الثاني:

لقد صمّمتُ أنه مهما كانت خطورة الموقف فلسوف أتحاشاه إلا أن أضطر إليه بأمر صريح من الله تعالى، لأن أعباء الزواج المتعدد ومسئولياته غير الملائمة كثيرة للغاية. كما أن فيه شروطا جمة لا يستطيع توفيتها إلا من كلفهم الله تعالى بحملها ويكون ذلك بتقدير خاص منه، ولغرض خاص، وأيضًا عن طريق اتصال ووحي خاص”. (21)

فإذا كان خصوم سيدنا أحمد بعقولهم الفاجرة وخيالهم المريض يصرّون -رغم هذه الحقائق الثابتة- على إهانة هذا العبد التقي النقي من عباد الله تعالى، ويُسقطون شخصياتهم الفاسقة على دوافع مقاصده العفيفة الطاهرة التقية.. فلا يسع المرء إلا التعزي بأن أعظم الطاهرين المطهرين.. سيدنا محمد خاتم النبيين أيضًا لم يَسْلَم من مثل هذا النقد الداعر. أوَلا يدرون بأن الفَجَرَة من أمثال “فرويد” في الغرب ما برحوا لقرون طويلة يسخرون ويتهكمون على نبينا الحبيب بسبب زواجه من السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها.. مطلَّقة متبناه السابق سيدنا زيد ؟ أليس من مقتضيات الحكمة والضرورة البالغة عند من يخشون الله تعالى أن يتحرَّوا الحرصَ والحذر فيما يتعلق بحياة هذه الشخصيات المقدسة.. الذين تخلُو حياتهم من أي شائبة؟ أم يفضّل هؤلاء العائبون على رسل الله تعالى أن يدخلوا أنفسهم فيمن قيل عنهم: الحمقى يندفعون في طريق تخشى دخوله الملائكة.

قلنا إن الله تعالى أمر سيدنا أحمد أن يُخطر والد محمدي بيغم: الميرزا أحمد بيك أن ينشئ علاقة معه فيقتبس من قبسه، فكان على سيدنا أحمد أن يطيع أمر ربه ويعظ والدَ محمدي بيغم. وهذا ما فعله عندما أبلغه رسالةَ الله تعالى وفحواها:

“إن الله أخبرني أن إنكاحها رجلا آخر لا يبارَك لها ولا لك. فإن لم تزدجر فيُصَبُّ عليك مصائب، وآخرُ المصائب موتك، فتموت بعد النكاح إلى ثلاث سنين. بل موتك قريب ويَرِدُ عليك وأنت من الغافلين. وكذلك يموت بعلها الذي يصير زوجها إلى حولين وستة أشهر. قضاءً من الله. فاصنع ما أنت صانعه، وإني لك من الناصحين”(22).

وللأسف ظل الميرزا أحمد بيك في تمرده، وعامَلَ مشورةَ سيدنا أحمد بازدراء، وبذل كل ما في وسعه علانيةً للسخرية من سيدنا أحمد. وتآزر ميرزا أحمد بيك وأسرته مع دعاة النصرانية في نشر رسالة سيدنا أحمد في صحيفة نصرانية (23)، مما تسبب في انتقادات كثيرة لم تنل من سيدنا أحمد بقدر ما نالت من الإسلام نفسه (24).

وهكذا استثارت أسرةُ الميرزا أحمد بيك غضبَ اللهِ عليها، وأخذت عجلاتُ الغضب الإلهي تدور وتطحن. وفي أول سلسلة المآسي فقدَ والدُ محمدي بيغم الميرزا أحمد بيك ابنَه الميرزا محمد بيك في يوليو 1890. ولقد أرسل سيدنا أحمد تعازيَه لهم، وأكد للوالد المحزون مشاعره الصادقة وتعاطفه قائلاً:

“قد يكون قلبك متكدرًا من ناحيتي، ولكن الله العليم يعلم أن قلب عبده المتواضع هذا نقي تمامًا، وأرجو لك الخير في كل سبيل.” (25)

وأثناء هذه الفترة المشؤومة، وقعت جدة محمدي بيغم وإحدى أخواتها أيضًا ضحيةً للنبوءة، ومع ذلك أصرَّ الميرزا أحمد بيك على كبره، وزوّجَ ابنتَه للميرزا سلطان محمد في أبريل 1892. وبعد ستة أشهر من زواج محمدي بيغم هلك الميرزا أحمد بيك والدُ محمدي بيغم بمرض التيفود في سبتمبر 1892 (26)، وبذلك تحققت نبوءةُ 10/7/1888  التي جاء فيها: “يموت في حدود ثلاث سنوات من زواج ابنته” (27). وتسجل الوقائع التاريخية أن موت والد محمدي بيغم بعد زواجها بفترة قصيرة قد دمَّر الأسرة كلها، وكان له وقع عنيف على معنوياتهم بحيث اعترف أعضاء الأسرة علنًا بأن نبوءة سيدنا أحمد قد تحققت(28).

ومما سجلته وقائع التاريخ أيضًا أن أسرة الميرزا أحمد بيك توقفت بعد ذلك عن أسلوب البذاءة نحو الله تعالى ورسوله الكريم محمد المصطفى وكتابه المجيد القرآن الكريم. والواقع أنه مع توالي الأحداث.. أخذت هذه الأسرة تتحول نحو الإسلام طلبًا للعزاء، وسعى أعضاؤها إلى طلب العفو والمغفرة عن سوء أفعالهم، بل توسلوا إلى سيدنا أحمد أن يدعو الله جل وعلا كي يرفع عنهم برحمته الواسعة ما قُدّر لهم من عذاب وشيك، ويزيل عنهم اللعنة التي كُتبت عليهم. وهي حقيقة اعترف بها حتى المولوي ثناء الله الأمرتساري.. الذي لم يكن أقل عداء نحو سيدنا أحمد (29).

فإذا بذلك الجيل الذي كان ينكر وجود الله جل وعلا ويسبّ رسوله الكريم ويهين كتابه العظيم.. يعود ليدخل في الإسلام على يد سيدنا الميرزا غلام أحمد. لقد فعلوا ذلك لأنهم أيقنوا أن نبوءة سيدنا أحمد عن عائلتهم قد تحققت بجلاء، وأن الملاذ الوحيد أمامهم هو الندم والتوبة والتماس الغفران.

ومن بين أولئك التائبين الذين دخلوا في الإسلام على يد سيدنا أحمد: السيدة قمر النساء بيغم أرملةُ الميرزا أحمد بيك ووالدهُ محمدي بيغم، وعنايت بيغم ومحمودة بيغم وأخوهما الميرزا محمد بيك، وكذلك الميرزا إسحاق بيك ابن محمدي بيغم، والميرزا أحمد حسن زوج ابنة الميرزا أحمد بيك، والميرزا جُلْ محمد وأخته.. وهما ابنا الميرزا نظام الدين الباقيان، وحُرمَتْ بي بي خالة محمدي بيغم وابنتها، وطائي صاحبة وخورشيد بيغم (30).

على ضوء سنة الله تعالى المقررة التي تحدثنا عنها في الفصل الأول من هذا الكتاب.. يتوقع المرء عند هذه اللحظة ـ وقد شرعت أسرة محمدي بيغم المعارضة “تتوب وتسأل الله المغفرة” ـ أن الله تعالى برحمته الواسعة يلغي قرار العقوبة الذي صدر ضدهم.. حيث لم يعد هناك سبب لاستمرار معاقبتهم. وهذا هو تمامًا ما فعله الله تعالى كما يتبين من الأحداث التالية مصداقًا لوعده تعالى:

“إن تابوا وأصلحوا أتوب عليهم برحمتي، وأردّ العقوبة، ولسوف ينزل بهم ما يختارون” (31).

وإذا مارَى أحد بعد ذلك وقال بأن أسرة محمدي بيغم كانت تستحق مزيدًا من العقاب.. لكان هذا قمة التضليل. لقد تبين بعدما نزل العقاب بالأسرة المعارضة أنهم توقفوا عن العدوان والتمسوا الغفران. وأثبتت الأسرة أيضًا حسنَ نواياها عندما بايع أفرادها بيعة الإخلاص على يد من بعثه الله تعالى إمامًا مهديًا ومسيحًا موعودًا.. سيدنا الميرزا غلام أحمد القادياني عليه الصلاة والسلام، فكيف يعذب الله تعالى هؤلاء القوم وهو القائل:

عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ (سورة الأعراف: 157).

ألم يبشر مالكُ يوم الدين ورب الرحمة والمغفرة.. بني الإنسان جميعًا فقال عزَّ مِن قائل:

فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة المائدة: 40)

ومن العجيب أن الأسرة التي تأثرت بالنبوءة اعترفت بتحققها وعادت إلى سيدنا أحمد.. ومع ذلك لا يزال الخصوم يجادلون إلى اليوم بعكس ذلك.. على أساس أن محمدي بيغم لم تتزوج من سيدنا أحمد. يتشبثون بهذا القول على الرغم من أن النبوءة لم تستبعد زواجَها من رجل آخر في أي مرحلة كانت، ولم يكن زواجها من سيدنا أحمد هو الغرض الأساس من النبوءة.. بل على العكس، كانت النبوءة وسيلة مقترحة لتحقيق الغرض النهائي كما بينته النبوءة، ألا وهو رجعة الجاحد الضال إلى الهداية.. وهذا ما ثبت ثبوتًا كافيًا من نصوص النبوءات ضد الأسرة المنشقة (32).

وما أن تحقق الغرض النهائي بتوبة الأسرة ودخولها الفوري في الإسلام بعد موت أحمد بيك.. كان مقتضى العدل الإلهي أن يتحقق أيضًا الشطر الثاني من النبوءة ـ أي الغفران الذي كان معلقًا بشرط أن تتوب الأسرة المشاكسة.. فيتوب الله عليهم بالرحمة والغفران. فمغفرة الله تعالى لميرزا سلطان محمد ومحمدي بيغم.. هو في الواقع دليل إضافي على تحقق النبوءة في مجموعها، ولا يتضمن أي تكذيب لها.

وقد لا يتوقف خصوم سيدنا أحمد عن إنكار تحقق النبوءة، ولكن السجلات التاريخية تبين أن نفس الأسرة التي كان مُقدّرًا لها أن تقاسي وطأة الغضب الإلهي قد اقتنعت تمامًا أن نبوءة سيدنا أحمد بصددهم قد تحققت إلى مداها بحسب مشيئة الله تعالى. فقد أقر الميرزا إسحاق بيك ابن محمدي بيغم بنهاية جده الزرية فقال: “لقد مات جدي الميرزا أحمد بيك نتيجة للنبوءة، وأصيبت الأسرة كلها بالخوف فأصلحوا أنفسهم. والدليل القاطع على ذلك أن معظم الأسرة دخل في الأحمدية” (33).

فإذا بذلك الجيل الذي كان ينكر وجود الله جل وعلا ويسبّ رسوله الكريم ويهين كتابه العظيم.. يعود ليدخل في الإسلام على يد سيدنا الميرزا غلام أحمد. لقد فعلوا ذلك لأنهم أيقنوا أن نبوءة سيدنا أحمد عن عائلتهم قد تحققت بجلاء، وأن الملاذ الوحيد أمامهم هو الندم والتوبة والتماس الغفران.

فهل يدَّعي خصوم سيدنا أحمد بأنهم يعرفون عن تحقق هذه النبوءة أكثر ممن كانوا من هذه الأسرة نفسها، وشهدوا كل مراحل تحققها؟ لقد قدم الميرزا سلطان محمد زوجُ محمدي بيغم دليلاً حسنًا على موقفه تجاه سيدنا أحمد القادياني في هذا الإعلان وترجمته كالآتي:

“لقد كنتُ ولا زلت أعتقد بأن السيد الميرزا كان شخصًا صالحًا ومبجَّلاً وخادمًا للإسلام، وكان ذا نفس شريفة، وكان في ذكر دائم لله تعالى. إني لا أضمر أي معارضة لأتباعه، ويؤسفني أني -لأسباب معينة- لم أنل شرف لقائه في حياته” (34). هذه الشهادة المسجلة المحفوظة لهي دليل على أن الميرزا سلطان محمد كان على قناعة بأن نبوءة سيدنا أحمد قد تحققت بالقدر الذي شاءه الله تعالى. والواقع أن الميرزا سلطان محمد صرّح في حديث له نُشرتْ تفاصيله في حياته فقال: “زمن النبوءة عرض عليّ الآريا الهندوس ـ بسبب ليخ رام؛ والنصارى بسبب آثم (35).. مبلغ 100000 روبية لأقيم دعوى قضائية ضد الميرزا صاحب. ولو أني قبلتُ المبلغ لأصبحت غنيًا.. ولكن إيماني العظيم في حضرته منعني من الإقدام على ذلك” (36).

وإن تصريح الميرزا سلطان محمد المنشور في أعمدة جريدة “الفضل”.. يدل أيضًا على أنه كان مقتنعًا تمامًا بصدق سيدنا أحمد في دعواه، وهي حقيقة يؤكدها إعلانه التالي:

“أُعلنُ غيرَ حانث أني على إيمان راسخ بسيدنا الميرزا صاحب.. قد لا تستطيعون أن تدعوه وأنتم أتباعه.” (37).

وعلى أي حال، فإن الميرزا سلطان محمد لم يكن الوحيد الذي اعتقد بأن نبوءة سيدنا أحمد بصدد أسرة محمدي بيغم قد تحققت بالروح التي قدرها الله تعالى، فهناك المولوي محمد حسين البطالوي.. شيخُ جماعة أهل الحديث بالهند.. الذي يحترمه معظم أعداء الأحمدية، والذي كان خصمًا لدودًا لسيدنا الميرزا غلام أحمد.. شَهِدَ بنفسه موضوع الخلاف بين سيدنا أحمد وأسرةِ محمدي بيغم، وكان يعلم جيدًا بموضوع النبوءة التي تمت ضد هذه الأسرة. ورغم أنه كان يعتبر تشويه سمعة سيدنا أحمد مهمتَه التي نذر نفسه لها.. لكن المولوي محمد حسين البطالوي شَهِدَ الميتةَ الزرية للميرزا أحمد بك وصرح قائلاً: “ومع أن النبوءة قد تحققت.. إلا أن ذلك كان راجعًا لعلم التنجيم”!! (38)

الهوامش
  1. آئينة كمالات إسلام (مرآة كمالات الإسلام)، الخزائن الروحانية ج 5 صـــ566 و 567
  2. المرجع السابق 567
  3. جريدة “جشمه نور، أمرتسار، بتاريخ 13/8/1885م
  4. مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج 5 صـــ569
  5. المرجع السابق
  6. المرجع السابق 569
  7. جريدة “جشمه نور” أمرتسار، 13/8/1885م
  8. مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج 5 صـــ569
  9. جريدة “رياض الهند”، بتاريخ 20/2/1886م
  10. سرمه جشم آريا (كحل لعيون الآريا) الخزائن الروحانية ج2 صـــ191
  11. أنجام آثم، الخزائن الروحانية ج 11 صـــــ211 إلى 213
  12. المرجع السابق
  13. المرجع السابق
  14. جريدة “جشمه نور”، أغسطس 1885م، وجريدة “نور أفشان”، بتاريخ 10/5/1888م
  15. جريدة “رياض الهند” المجلد الأول رقم 16
  16. كرامات الصادقين، الخزائن الروحانية، ج7 صـــ162
  17. تبليغ الرسالة، الخزائن الروحانية
  18. مجموعة الإعلانات ج 1 صــــ120 و121، إعلان 10/7/1888م
  19. المرجع السابق
  20. المرجع السابق، إعلان 15/7/1888م
  21. رسالة بتاريخ 20/6/1886م
  22. مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج 5 صـــ573
  23. جريدة “نور أفشان”، لدهيانة، 10/5/1888م
  24. جريدة “آريا بتريكا”، لاهور، 16/6/1888م
  25. حياة أحمد للسيد عبد الرحيم درد، صــــ245
  26. تاريخ الأحمدية، بقلم: دوست محمد شاهد ج 2
  27. مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج 5 صـــ573
  28. أنجام آثم، الخزائن الروحانية ج 11 صـــــ219
  29. إلهامات الميرزا، للمولوي ثناء الله الأمر تساري صــــ69
  30. تاريخ الأحمدية ج2
  31. أنجام آثم، الخزائن الروحانية ج 11 صـــــ211
  32. مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج 5 صـــ566 و574
  33. جريدة “الفضل” 26/2/1923م
  34. مجلة “تشحيذ الأذهان”، مايو 1913م
  35. وكانا هلكا بسبب المباهلة مع سيدنا المهدي والمسيح الموعود
  36. جريدة “الفضل” بتاريخ 9/6/1921م
  37. المرجع السابق
  38. مجلة “إشاعة السنة” المجلد الخامس
Share via
تابعونا على الفايس بوك