من هو الدجال؟

هذا المقال كتبه صاحبه كخطابٍ إلى رئيس تحرير مجلة “الشباب” المصرية برجاء نشره في المجلة، ولكنه للأسف الشديد لم يُنشر. ولفائدة القراء الكرام ننشره هنا. (التقوى).

مجلة الشباب، باب: أريد أن اعرف.

الأستاذة رواية سالم..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

في عدد أول أبريل 1991 من “الشباب” ورد سؤال يقول: من هو المسيح الدجال؟ وماذا يعني ظهوره؟ جاءت الإجابة مقصورةً على الجزء الأول منه وحده، ولم تتعرض فيما أرى للقسم الثاني منه. وقد يبدو موضوع الدجال لغزا من ألغاز الحديث النبوي، لا يعني الكثير عند المعنيين بأمور الدين، ولا يرد على أذهان الناس إلا إذا صادقهم حديث نبوي يتناول الدجال. وأحاديث الدجال ترتبط بموضوع آخر الزمان ونزول والمسيح بن مريم والإمام المهدي. وتشير هذه الأحاديث إلى أن هذه الأمور تصاحبها فتن شديدة.. فتن يأجوج ومأجوج، ستلقي بأثقالها على العالم الإسلامي.. حتى إن الرسول الكريم حذر المسلمين منها، وأكثرَ من التعوذ من فتنة الدجال، وحثهم على ذلك، ولفت أنظارهم إلى سورة الكهف بوجه عام، والى فواتحها وخواتيمها بصفة خاصة.. لتكون لهم جُنّةً من فتنة الدجال.

وقد جاء في جواب المجلة بعض الأحاديث التي تعطي شيئا من صفات الدجال، ولم يصحبه تفسير معقول. فترك الأمر ليخال الإنسان الذي يقوده إلى ما يخالف المراد منها، ويصبح الدجال بذلك الشخصية خرافية، تدعو العقلاء إلى صرف النظر عنها، وتترك العامة في حيرة من أمرها.. فينسون التحذير النبوي، ويغفلون عن خطورة الأمر. فمن هذا الأعور الدميم، المكتوب على جبهته (ك ف ر)، الذي يدعي النبوة أو الألوهية، ويتحكم في كنوز الأرض، ويُسقط المطر، ويحي الموتى، ويجوب الأرض كالبرق، ويُدخل الناس في جنته وناره.. ومع ذلك فهو دجال! وإذا كان كفره بينًا واضحًا فكيف ينخدع الناس به وعلامتُه بين عينيه؟ هذا كلام لو تفكر العاقل في ظاهره لوجده من الأساطير المفرطة في الخيال وقريبًا من (أمنا الغول) وحكايات ألف ليلة وليلة. ولكن هذه الأقوال واردة في أحاديث الصادق المصدوق ، فلا مناص من تصديقها، ويجب أن يكون التصديق مصحوبا بالفهم، وإلا كان من قبيل تصديق الخرافات والأوهام، الذي لا يعود على الناس بمنفعة، ولا يرقى بملكاتهم العقلية والإيمانية، بل ينزل بها إلى حضيض التعطيل والمسخ.

الأنباء الغيبية في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف نادرا ما تكون قولا صريحا مباشرا، ولكنها في أغلبها من المتشابه.. أي المجاز الذي يتطلب تأويلا وإعمال فكر؛ ولو أن هذه الأخبار الغيبية أُخذت بظاهر لفظها لكانت هراء ولغوا، أو بعيدة عن المراد منها على أقل تقدير. وليس المراد من ورود الأخبار الغيبية بهذه الصورة تعويد الناس على قبول ما لا يفهم، أو التصديق بما لا يعقل، وإنما كان ذلك ليكون التصديق والإيمان نابعا عن فهم ووعي بعد إعمال فكر وتدبر. كل أمور الغيب هكذا.. لا تدرَك بالحواس المادية وإنما بالملكات الفكرية والوجدانية. ومن أخبار الغيب ما يتعلق بالإيمانيات الإسلامية الأساسية، وهي الوجود بأحداث مستقبلية. وكل هذه الغيبيات واردة بأسلوب المجاز بأنواعه أو بصورة المتشابه غير الصريح. فعلى سبيل المثال، ذكر القرآن الكريم أمورا تتعلق بالذات الإلهية منها الأعضاء والحواس والحركات والأفعال التي تشبه نظائرها في المخلوقات. ولو أخذت هذه الأمور بظاهر اللفظ لنسبت إلى الله تعالى ما هو منزه عنه.. لأنه لا يليق به، وليس بحاجة إليه. خذ مثلا (اليد والعين). فلا يليق بالله أن يشبه بعض خلقه لو عضو أو جارحة. ولا بد إذن لسلامة الإيمان والتصديق أن تؤول الكلمات إلى المعنى المستفاد من الكلمات والجمل، وفي نفس الوقت اللائق بكمال الله تعالى المبيَّن في الآيات المحكمات كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ . ولا عبرة بما يقوله بعض الناس من التصديق بلا تأويل أو تعطيل أو تشبيه.. فهذا يعد من قبيل التلاعب باللفظ، وتجميد الفكر البشري عن فهم النص ووضع الأمور في نصابها. ماذا يفيد الإنسان أن يؤمن بأن لله تعالى يدا.. بلا تشبيه أو تعطيل؟ هذا يشبه الإيمان بقول بعضهم (الأب والابن وروح القدس إله واحد).. ثلاثة في واحد وواحد في ثلاثة، هكذا يؤمن بها ولا دخل للحساب والعقل في ذلك! ولقد وقع اليهود في شرك أخذ الأنباء الغيبية بظاهر اللفظ؛ إذ قيل لهم في الكتاب أن إيليا سوف ينزل ويخلصهم. فانتظروا مجيء مخلصهم من السماء؛ وفاتهم أن من مات لا يعود إلى الدنيا أبدا، وأن السماء ليست مستقرًا للبشر، فلا يصعد إليها أحد، ومن ثم لا ينزل منها أحد. ولما جاءهم سيدنا عيسى بن مريم أنكروه، ولما نبههم إلى أنه جاء بصفات إيليا، وأنه لا ينزل من السماء إلا من يصعد إليها، لم يقتنعوا بقوله، والأحرى أنهم لم يفهموه، وهكذا فاتتهم فرصة النجاة على يديه، وضاعت منهم النبوة إلى الأبد، وباءوا بغضب من الله، وكتبت عليهم الذلة والمسكنة، ولعنوا على لسان عيسى بن مريم . وموجز القول إن أخبار الدجال والمسيح والمهدي وعلامات الساعة وغيرها من أمور الغيب.. كلها في أحاديث الرسول أنباء صادقة صحيحة بلا ريب، ولكن ينبغي تفهمها وتأملها كعبارات مجازية تتطلب عقلا وقوةَ ملاحظةٍ وتدبرٍ وتأملٍ. وفيما يتعلق بالدجال، تبين لنا الأحاديث النبوية أن سيدنا المصطفى يشعر بالقلق والهم بسبب خطورة الدجال على أمته، ويحذرهم من فتنة الدجال تحذيرا شديدا إلى درجة الدعاء المستمر، والتنبه إلى صفاته وفعاله حتى لا يقعوا في براثنه. فإذا كان الأمر كذلك.. كيف نتهاون في هذه المسألة التي حذر منها كل نبي أمته على سبيل الإجمال، وحذر منها المصطفى أمته بالتفصيل والبيان؟ إن الذين يأخذون تحذيرات الأطباء من خطر التدخين بالإهمال وقلة الاكتراث خليقون بالوقوع فريسةَ لأمراض خطيرة لا سبيل إلى الشفاء منها إلا بشق الأنفس؛ وكذلك من يسمعون أحاديث المصطفى، ولا يبذلون جهدا واعيا في فهمهما وتدبرها جديرون بالوقوع في براثن الدجال وهم لا يدرون بمواقع أقدامهم. إنهم كمن يتنظرون “الترام” برقم خاطئ، فيمر بهم وهم ينكرونه، ويفوتهم وهم لا يعلمون، وتمضي بهم الساعات في انتظار ما لن يأتي وليس له وجود. وفي النهاية، تضيع منهم فرصة اللحاق به، ويتعرضون للهلاك وهم يحسبون أنهم مصيبون.

الدجال وسورة الكهف

ولكي نجيب على سؤال (من هو الدجال؟) نجد أن الرسول الكريم أعطانا مفتاحا نتوصل به إلى حل المسألة: “عليكم بسورة الكهف، فواتِحها وخواتِمِها بصفة خاصة..”. والسور القرآنية ليست أحجيةً ورُقًى تمنع الشر والاذى، وإنما هي آيات تفيض بالحكمة والهداية.. يتعرف بها الإنسان على المنهج الإلهي الموصل إلى السعادة في الدارين، والخلاص من وسوسة الشياطين وشهوات النفس. فتدبُّر سورة الكهف وتأمُّل مراميها هو الذي يساعد الإنسان على النجاة من فتنة الدجال. وإذا تأملنا في الآيات العشر الأوائل من سورة الكهف وجدنا فيها قول الله تعالى..

وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ  كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا .

فهؤلاء كذابون، يقولون كذبة كبرى، يصرون عليها ويرددونها كثيرا، ويبنون عليها فلسفة حياتهم وخلاصهم.. ومن يكذب كذبة كبرى، ويرددها كثيرا يسمى كذابا أو دجالا. وإذا قرأنا خواتيم سورة الكهف وجدنا قول الله تعالى:

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا

فلا تتحدث سورة الكهف عن رجل أعور، مكتوب على جبينه (ك ف ر)، بل تتحدث عن طائفة تزعم أن لله ولدا، ويكذبون على الناس بهذه الفرية العظمى، وهم في حقيقة أمرهم كافرون بآيات الله، ويحسبون إنجازاتهم المادية الهائلة هي كل النجاح والفلاح. هؤلاء حبطت أعمالهم، ولا وزن لهم عند الله.

الاستعمار هو الدجال

فالدجال إذن هو نظام هائل، يقوم على كذبة عقائدية، وينبني على فلسفة مادية، ويعتمد على قوته المادية وازدهاره الاقتصادي وتقدمه التكنولوجي في السيطرة على العالم والتأثير في الناس. إن الدجال هو الاستعمار الصليبي المادي، الذي بدأ يغزو العالم في القرن الرابع عشر الهجري، بقيادة بريطانيا، ولا يزال يملك رقاب العالم ويسيطر عليه بزعامة أمريكا. تعالوا بنا ننظرْ في الصفات التي وصف بها المصطفى هذا الدجال.

* إنه المسيح الدجال، لانتسابه الكاذب إلى المسيحية المصنوعة بيد بولس اليهودي.

* وهو المسيخ، لأنه مسخ كل القيم الإنسانية، واستخدم القيم المادية التي تمسخ الناس قردةً وخنازير.

* وهو أعور، لأن عينه اليمنى عمياء، فلا يرى في أمور الروحانيات شيئا طاهرا، بل يعيش على الخبائث الأخلاقية، ويطلق للشهوات كل عنان. أما عينه اليسرى فهي كبيرة بارزة قوية.. إشارةً إلى مهارته وتمكنه من العلوم المادية والتكنولوجيا.

* وكونه يجوب كل أرجاء الأرض ويدخلها.. إشارةً إلى وسائل مواصلاته السريعة بعيدة المدى في البر والبحر والجو.

* أما حماره الطويل الذي يدخل الركاب في جوفه وتخرج النار من أنفه، ويندفع كالمطر استدبرته الريح، فهو إشارة إلى القطار والطائرة التي استخدمها الدجال أو الاستعمار الصليبي في اكتساح العالم.

* أما سيره في الماء فلا يصل إلى ركبته فإشارة إلى سفنه التي تخوض الماء وتسير كالجبال والراسيات.

* أما ادعاؤه النبوة، فذلك إشارة إلى زعمه بأن فكره هو الصحيح كأنه الوحي، وكل ما عداه فهو فكر متخلف خاطئ.

* أما ادعاؤه بالألوهية، فإشارة إلى تصرفه بالعظمة والكبرياء، وفرض سلطانه على الناس وإلزامهم بطاعته وخشيتهم من عقابه وتطلعهم إلى رضاه. ولا يزال هذا الإله الباطل يتحكم في العالم، وشعوب العالم الأخرى بين عابد له ينعم في جنة مساعداته، فُيذل ويُخزى؛ وبين عاص له، يدخل نار سخطه، فيتلقى اللطمات والضربات، ويحرم من معونته حتى يموت ويهلك.

* أما أمره للسماء فتمطر، فهو إشارة إلى قدرته على إنزال المطر الصناعي.

* أما إحياؤه الموتى، فهو إشارة إلى تقدمه الطبي الذي أحيا من كانوا في عداد الموتى.

* أما شقُّه للرجل إلى نصفين ثم قولُه: قم، فيقوم.. فهذا إشارة إلى العمليات الجراحية التي تقطع فيها أجزاء الجسد وتوصل فيقوم المريض سليما معافى.

* أما أن جنته نار للمؤمن، فذلك مشهود ملموس. فما رَضِيَ الاستعمار عن أحد إلا قضى على دينه وكرامته وضميره وشرفه، وما رَضِيَ عن أسلوب الاستعمار الصليبي أحد إلا عاش في جحيم المادة وسعارها، فلا يشبع ولا ينطفئ ظمأه؛ ولا بلد إلا ساده الانحلال والتفكك والجريمة والدمار.

* أما كنور الأرض فهي تتبعه كيعاسيب النحل.. فإشارة الى قدرته التكنولوجية التي يستخرج بها خيرات الأرض، فيزرع الصحارى، ويستخرج المعادن من القفار، ويصنع مختلف الأشياء من موارد الأرض التي لم تكن يستفاد منها من قبل.

* أما عن كفره البين المكتوب على جبينه حتى يقرأه القارئ وغير القارئ.. فهذه حقيقة واقعة.. ما ذهب أحد إلى البلاد الاستعمارية الصليبية إلا شاهد صنوفا من المفاسد وضروربا من الشرور تصرخ بكفره بكل القيم الروحانية الرفيعة، وعبادته للمادة والمنفعة المادية، وكفره بالله تعالى والرسالات، بل وكفره عمليا بالنصرانية نفسها التي يزعم انتماءه إليها، وينتشر فيهم الإلحاد والمادية. كفى هذا بيانا على دقة المصطفى في وصف الدجال وبيان أحواله. فها نحن نعيش في دولة عصر الدجال، ونقاسي أفعاله، ونتعرض لمظالمه ومفاسده رغم أنوفنا راضين أو كارهين.

كيف نقاوم الدجال؟

والآن يأتي الجواب على الشطر الثاني من السؤال: ماذا يعني ظهوره؟ إن لظهوره وإدراك ظهوره معنى حيويا لنجاة الأمة الإسلامية. وإذا فات الأمةَ هذا الإدراكُ طالت معاناتها من قبل الدجال، وهلك معظم أهلها وهم أتباع له، فباءوا بخسران الدنيا وعذاب الآخرة. والتعرف على ظهور الدجال يتيح للأمة وللعالم كله أن يتعرف على صدق الوصايا المحمدية في العلاج الذي وصفه للنجاة من فتنة الدجال، وبدون ذلك يمضي المسلمون وغيرهم يتخبطون في خطط ومشروعات إصلاحية لا تجدي في سبيل ذلك فتيلا. هل تريدون دليلا أوضح وأقوى من أن بلاد العالم الإسلامي والعالم الثالث.. تتردى كل يوم درجة نحو الانحطاط الأخلاقي والمادي.. حتى باتت مضرب المثل في التخلف والتأخر والجوع والمرض والجهل والفقر والاعتماد على الدجال في كل صغيرة وكبيرة بصرف النظر عن محاولات التعمية والتغطية والجعجعة الكاذبة. يزداد الأمر سوء كل لحظة.. مع برامج الإصلاح وخطط التنمية التي لا تثمر إلا مزيدا من التخلف. ولا ينكر ذلك إلا أعمى أو مغرض. هذا هو الدجال، فمن يقدر أن يتصدى له؟ اتحاد كذا.. أو رابطة كذا.. أو جمعية كذا؟ لا.. لقد ثبت عدم جدوى ذلك عمليا لعشرات السنين، فكل تلك المؤسسات تخضع لسلطانه وسيطرته وتحكمه وتوجيهه. ولم يحدث مطلقا أن تقدمت أمة خارج مجتمع الدجال خطوة واحدة إلى الأمام، بل إنها تتأخر كل لحظة بالقياس إلى تقدم الدجال؛ وكل ما تحصل عليه تلك الأمم هو بعض الفتات اللازم لسير عجلة تحكم الدجال فيها، فهو ليس تقدما من إنتاجها، بل هو نفايات الدجال يعطيها بحساب ويمنعها بحساب، والكل بلا حول ولا طول أمامه، وإنما هم عماله وممثلوه في شعوبهم، ينفذون إرادته على أنها من تخطيطهم، والتماسُ رضاه أقصى أمانيهم، وإن تشدقوا أمام شعوبهم المسكينة بكلمات المعارضة والرفض، ولكن في النهاية هي طاعة عمياء، يسخرون لها كل أجهزتهم الإعلامية التعتيمية وقواتهم القمعية وقوانينهم القهرية. عندما همَّ سيدنا عمر بن خطاب بضرب ابن صياد ظنا منه أنه المسيح الدجال.. منعه المصطفى قائلا:

“إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ”.

فعمر الفاروق، وما أدراك ما عمر الفاروق!.. أيضا لا يستطيع بقوته أن يقضي على الدجال.. فَمَن يا ترى من صعاليك مسلمي آخر الزمان.. وهم الحثالة التي تهاوى عليها الأمم كما تهاوى الأكلة على قصعتها.. ومَن من غثاء السيل، قادر على التصدي للدجال بقوته وجبروته؟ مَن مِن العلماء في آخر الزمان الذين تخرج الفتنة منهم وتعود إليهم. يملك القدرة على قتل الدجال صاحب الدولار ومشتقاته؟ مَن مِن حكام الفيج الأعوج.. ذوي الملك العضوض الذين تبرأ المصطفى منهم.. والذين يكرهون رعاياهم وتبغضهم رعيتهم.. يستطيع الوقوف في وجه الدجال الذي يتحكم في كراسيهم وأرزاقهم، ويلعب بهم كالدمى في يد طفل؟

لقد بيَّن سيدنا محمد المصطفى منذ 14 قرنا أن هلاك الدجال لا يكون إلا على يد المسيح بن مريم وجماعة المسلمين الذين يسيرون معه، ولن يهلك الدجال بحربة المسيح المعدنية، لأن الدجال يملك الدبابات والطائرات والصواريخ والقنابل الذرية التي لا تجدي معها الحراب؛ وإنما يهلك الدجال بالحربة الروحانية.. أي بالدعاء المستجاب للمسيح وجماعته، وتضرعاتهم إلى الله القوي القهار، الذي وعد بنصرة رسله والذين آمنوا معهم. ولا تنسى أن النبي الأكرم عندما تحدث عن الدجال قال:

“إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ”.

وفي هذا دلالة على أن مجابهة الدجال لا تكون بالسلاح المادي، وإنما بالحجة التي تقوم على أساس من الحكمة والموعظة الحسنة، والدعاء وطلب العون من الله. كما قال بأن الدجال لن يهلك في لحظة، وإنما يذوب كما يذوب الثلج في حر الشمس.. أي أن القضاء عليه يكون بالتدريج، تحت حرارة الإيمان والدعاء. والمسيح بن مريم هو نفسه الإمام المهدي، وإنما سمي المسيح، لأن مهمته التجديدية والإحيائية للإسلام والمسلمين تشبه مهمة المسيح بن مريم مع اليهود، وسُمّي بالمسيح أيضا للدلالة على أن المسيح تابع لخاتم الأنبياء وخادمٌ لشريعته، وكاسرٌ للصليب الذي تقوم عليه العقيدة النصرانية، وقاتلٌ للخنزير الذي يرمز للأخلاق المادية الخالية من الشرف والطهر والمتصفة بالشهوانية والجشع، وقاتلٌ الدجالَ بحربته السماوية.. المزودة بتعاليم السماء وآداب المصطفى وحرارة الدعاء. وسُمي بالإمام المهدي، لأنه يؤم المسلمين، ويقودهم إلى المهدي المحمدي ونور الإسلام الحق الذي ابتعدوا عنه، ويخرجهم من فتنة الدجال إلى ثبات اليقين بوحدانية الله. ولا مراء في أن المسيح المهدي يكونان في وقت واحد، ويتعاونان في نصرة الإسلام وهداية المسلمين والقضاء على المسيح. ووصف المسيح في حديث المصطفى بأنه حكم عدل وإمام مهدي؛ وكذلك وصف الإمام المهدي بأنه حَكَمٌ عدلٌ وإمام مهدي، وجمع بينهما قول المصطفى : “ولا المهدي إلا عيسى”، ليدل على أن المسيح الموعود والمهدي المنتظر ليسا شخصيتين منفصلتين وإنما شخصية واحدة تتصف بهذه الصفات. الموضوع طويل، وشديد الأهمية.. ولكن خلاصته ألاَّ صلاح للمسلمين إلا باتباع المهدي بهدى الله، ولا نجاة من الدجال إلا باتباع المسيح الموعود في أخر الزمان. وكل سبيل آخر مسدود. ولنا عبرة في قرون قضاها المسلمون في مذلة وضعف. أمسهم خير من يومهم، ويومهم خير من غدهم ما داموا يتجاهلون الوصفة الطبية المحمدية، ويجرون وراء أوهام البرامج والمنظمات والجمعيات والرابطات التي يثبت فشلها يوما بعد يوم. هذا يا سيدتي بإيجاز.. حقيقة الدجال ومعنى ظهوره.

ألا هل بلّغتُ. اللهم فَاشْهَدْ! والسلام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك