الخليفة الثالث (رحمه الله) وعقدان مباركان
  • فتمهيدا للموضوع، جانب من نشأة حضرته (رحمه الله).
  • وكيف كان عقد السبعينيات عقد أعمال وأثقال؟
  • وكيف تأتى للخليفة الثالث كسر الصليب في عقر داره؟
  • مرزا ناصر أحمد بطل مشروع نصرت جيهان

__

إستمرار لسلسلة الخلافة الراشدة، والمستمرة بإذن الله تعالى ومشيئته، بحسب الوعد المُضَمَّن في نبوءة خير الورى في الرواية القائلة: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت»(1)، وبُعَيد انتقال حضرة الخليفة الثاني إلى الرفيق الأعلى، أقام الله تعالى لجماعته خليفتها الثالث، الحافظ مرزا ناصر أحمد ابن سيدنا المصلح الموعود، ليكون خير خلف لخير سلف، فانتُخب حضرته خليفة ثالثًا في 8/11/1965م، عن عمر يناهز ستة وخمسين عاما، إذ إن حضرته من مواليد قاديان عام 1909م.

قضى حضرة مرزا ناصر أحمد سني طفولته في حفظ القرآن، فاكتسب لقب «حافظ» في سن الثالثة عشر، حيث أتم حفظ كتاب الله العزيز، القرآن الكريم. هذا على صعيد المعارف الدينية، أما على صعيد المعارف الدنيوية فقد تدرج حضرته على سلم التعليم حتى نال درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة. وبعد أن أنهى حضرته تعليمه الأكاديمي شغل عدة مناصب  في الجماعة، فكان عميدًا للجامعة الأحمدية بقاديان؛ من عام 1939 إلى 1944م، إلى جانب كونه رئيسَ مجلس خدام الأحمدية المركزي؛ من عام 1939 إلى 1949م. كما عُيِّنَ عميدًا لكلية تعليم الإسلام في قاديان، ولاهور، وربوة من عام 1944 إلى 1965م، ثم رئيسًا لمجلس أنصار الله المركزي؛ من عام 1954 إلى 1968م، ورئيسًا لمؤسسة صدر أنجمن أحمدية من عام 1955 إلى 1965م.

استهل سيدنا الخليفة الثالث رحمه الله عهد خلافته المبارك بإطلاق مشروع مؤسسة «فضل عمر»، والذي يُعنى بالاستمرار في إنجازات سيدنا المصلح الموعود تخليدًا لذكراه العطِرة، وقد لزم لهذا المشروع العملاق جمع تبرعات بقيمة مليونين وخمسمائة ألف روبية خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات، وهو مبلغ ضخم حتى بمقاييس اليوم.

عقد السبعينيات.. أعمال وأثقال

يعد عقد السبعينيات من القرن العشرين من العقود التاريخية بالنسبة لجماعتنا الإسلامية الأحمدية، إذ واجهت الجماعة فيه كبرى المشكلات والمؤامرات، والتي ما زال أثرها ممتدا إلى هذه اللحظة، نعني قانون 1974م الذي هو سُنة سيئة سَنَّها الطاغية ذو الفقار علي بوتو وحاشيته ظلمًا وعدوانًا باعتبار الجماعة الأحمدية أقلية غير مسلمة. لقد أُضفِيَت على أجواء صدور هذا القانون الظالم أجواء الشرعية الزائفة، حيث دُعِيت الجماعة إلى البرلمان الباكستاني للنقاش في مسألة كونها مسلمة أم لا، ومثّل الجماعة أمام البرلمان الباكستاني وفدٌ من خمسة أفراد، وهم: الخليفة الثالث (رحمه الله)، ومرزا طاهر أحمد (الخليفة الرابع فيما بعد)، والأستاذ الشيخ محمد أحمد مظهر، والأستاذ أبو العطاء الجالندهري، والأستاذ دوست محمد شاهد. وامتدت النقاشات إلى ثلاثة عشر يوما، بدأها سيدنا الخليفة الثالث بقراءة المَحضر خلال يومين، ثم تلا ذلك سلسلة الأسئلة والأجوبة التي استمرت إلى أحد عشر يوما. ولسنا بحاجة إلى إكثار الحديث عن مصير من سنوا تقنين الظلم ضد الجماعة، إذ تكفي الإشارة إلى الطاغية الهالك رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق «ذو الفقار علي بوتو»، حيث أُعدم في 4/4/1979م، أي خلال خمس سنين من تكفير جماعتنا الذي قننه ومجلس نوابه، ونُفِّذ فيه حكم الإعدام في المعتقل المركزي براولبندي بباكستان. وعلى الرغم من نحوسة قانون 1974 الظالم، إلا أن نحوسته تلك لم تحل دون تحقيق جماعتنا الإسلامية الأحمدية فتوحاتِها التي قضى بها الله تعالى لها، فكان عقد السبعينيات هذا عقد عمل دؤوب في سبيل نشر تعاليم الإسلام الحقيقي ومواساة الخلق، فما أن أطل من العقد عامه الأول، أي 1970، حتى أطلق حضرة الخليفة الثالث (رحمه الله) مشروع «نصرت جهان» الذي بفضله عملت الجماعة على النهوض بالقارة السمراء بشتى شعوبها على كافة المستويات، الصحية والاقتصادية والتعليمية. أعلن رحمه الله رسميا عن إنشاء هذا المشروع في مسجد فضل بلندن حيث صرَّح قائلا: «ذات يوم في أثناء مكوثي في غامبيا؛ ألقى الله في قلبي بشدة أنه قد آن الأوان أن تنفق على هذه البلاد مائة ألف جنيه استرليني على الأقل، فلسوف يبارك الله فيها وستترتب عليها نتائج عظيمة ورائعة» (2)

وكان من بعض بركات هذا المشروع ما حصيلته 594 مدرسة ابتدائية، و70 مدرسة ثانوية، و34 مستشفى موزعة بالتفاوت على اثنتي عشرة دولة أفريقية، وهي: غانا، وسيراليون، وغامبيا، ونيجيريا، وليبيريا، وساحل العاج، والكونغو، وبوركينافاسو، وبنين، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا.

مساجد حول العالم، وعودة المسلمين إلى الأندلس

حيثما حل المرء حل معه حظه من السعادة أو الشقاء، لذا فحيثما حلت الخلافة الراشدة على منهاج النبوة حلت معها بركاتها، وتمثل جانب من تلك البركات في عهد خلافة الخليفة الثالث في انتشار المساجد حول العالم، ففي عام 1967م سافر حضرته إلى الدنمارك وافتتح مسجد نصرت جهان، الكائن في عاصمتها كوبنهاغن. وفي عام 1975م انطلق حضرته إلى إنجلترا ومنها إلى النرويج فالسويد، التي وضع حجر الأساس فيها لمسجد ناصر في غوتنبرغ. كما كان من بركات عهد حضرته المبارك أن نالت الجماعة الإسلامية الأحمدية فيه شرف تشييد أول مسجد في إسبانيا بعد ما يقارب خمسمائة سنة من نكبة خروج المسلمين منها. ولقد سافر سيدنا الخليفة الثالث رحمه الله إلى إسبانيا ووضع بيده الشريفة حجر الأساس لهذا المسجد في 9/10/1980م، لكن افتتاحه لم يكن من حظه؛ إذ انتقل إلى رحمته تعالى قبل موعد الافتتاح، فافتتحه خلفُه السعيد الخليفة الرابع سيدنا مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) في 10/9/1982م.

الصليب يُكسر في عقر داره

في 1978م سافر إلى أوروبا للاشتراك في مؤتمر كسر الصليب المنعقد من 2 إلى 4/6/ 1978م في لندن، وشارك فيه الخليفة الثالث رحمه الله، وألقى الخطاب النهائي في 4/6/1978م. وقد قامت الجماعة الإسلامية الأحمدية بتنظيم هذا المؤتمر وعقده تحت عنوان؛ نجاة المسيح الناصري من الصليب، وقد قرأ العلماء والباحثون مقالاتهم القيمة، مما أثار ضجة في أوساط الكنيسة. وهكذا وصلت رسالة الجماعة إلى ما يقارب 15 مليون شخص في العالم.

وفاة حضرته (رحمه الله)

حضرَ سيدَنا الخليفةَ الثالثَ الأجلُ بعد عهد حافل بالإنجازات والبركات، في ليلة 8/6/1982م في إسلام آباد بباكستان، ودُفن في بهشتي مقبرة بربوة، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. فلم تكن العقبات التي واجهتها الجماعة خلال فترة خلافة سيدنا الخليفة الثالث (رحمه الله) عائقا دون رقي الجماعة ونجاحها، بل نكاد نجزم أن تلك العقبات كانت داعيا لنزول أفضال الله تعالى على الجماعة الإسلامية الأحمدية إبان تلك الفترة، فالحمد لله رب العالمين.

________

  1. (مسند أحمد، كتاب أول مسند الكوفيين)
  2. (جريدة الفضل؛ ربوة 15/7/1970، ص7)
Share via
تابعونا على الفايس بوك