صناع القهوة وموزعوها الأوائل

لا يتوقف الإنجاز الحضاري على المحصول العلمي فحسب، بل يشمل مظاهر الرفاهية أيضًا. وقد كانت الحضارة الإسلامية ولا زالت تخدم هذه الجوانب مجتمعة، منذ أن كانت في أوج عظمتها.

ولقد ارتأينا أن نُرفق الحديث عن ريادة المسلمين في مجال علم الفلك والرياضيات وشتى العلوم والتقنية بالحديث أيضا عن ريادتهم في مجالات الممارسات اليومية، لنتوصل في نهاية المطاف إلى أن كثيرا من العادات المتأصلة في جذور ثقافة مختلف الشعوب في هذه الأيام يَرجع أكثر تلك العادات إلى أصول إسلامية بشواهد تاريخية لا تقبل الرد.

فنجان القهوة والطريق إلى العالمية

يتم استهلاك ما يقدر بـ 1.6 مليار كوب من القهوة يوميًا. وهي الآن عنصر أساسي من الروتين اليومي بالنسبة للكثيرين. كما تبلغ عائدات صناعة القهوة وتجارتها ما يقارب مائة مليار دولار سنويًا، ومع ذلك فإن أصول هذا المشروب الأساسي ربما تكون مجهولة لدى الكثيرين.

تعود أصول اكتشاف هذا المشروب في الواقع لأول مرة إلى فترة أو فتارات مبكرة من عمر الحضارة الإسلامية، حيث انتشر احتساؤه في كافة أصقاع العالم على يد مسلمين، وهذا ما سنتناوله بالطرح عبر هذا المقال كأرجح نتيجة توصلنا إليها من خلال قراءات متعددة لآراء شتى.

غير أن الشيء المؤكد هو أن عادة شرب القهوة قد نشأت أول ما نشأت في بلاد العرب منذ زمن طويل جدا، وأنها انتقلت إلى أوروبا (إنجلترا على نحو خاص) خلال القرن السابع عشر، وافتُتح أول مقهى في أوكسفورد عام 1650، وسرعان ما توالى افتتاح المقاهي في فرنسا و سويسرا وغيرها من البلاد.

تتعدد القصص والأساطير حول أول مكتشف للقهوة، ويرجح العديد أن اكتشاف القهوة يعود إلى راعي غنم عربي من أرض اليمن كان يقطن الحبشة يدعى خالدا، والذي قاد قطيعه إلى إحدى المناطق حيث توجد شجيرات البن، وسرعان ما أدرك أن أغنامه كانت تسلك سلوكًا نشطًا بعد أن تأكل من الثمار الحمراء لبعض الأشجار دائمة الخضرة. وقرر أن يتناول هو الآخر من هذه الثمار حتى يفهم ماذا يحدث. ولما فعل ذلك لم يكن أقل نشاطًا من أغنامه، ولقد كان طبيعيًا ألا يتمكن خالد من كتمان سر كهذا مدة طويلة، وكان الشخص الذي اختاره ليطلعه على سره أحد كهنة دير قريب منه. يبدو أن الراهب كان رجلاً متشككًا نوعًا ما، فقد ذهب ليرى بنفسه غنم خالد. وما أن رأى سلوكها الغريب حتى فكر في تجربة يجربها، لقد صنع مشروبًا من منقوع بذور البن في الماء وجرب أثرها على رهبانه. ولقد أدهشه أن يرى الرهبان وقد انتابتهم السعادة والنشاط، وأكثر من ذلك أنهم صاروا أكثر قدرة على السهر أثناء صلوات الليل، إننا لا ندري مدى صحة هذه القصة، ولكنها منتشرة انتشارًا واسعًا (1)، غير أن الشيء المؤكد هو أن عادة شرب القهوة قد نشأت أول ما نشأت في بلاد العرب منذ زمن طويل جدا، وأنها انتقلت إلى أوروبا (إنجلترا على نحو خاص) خلال القرن السابع عشر، وافتُتِح أول مقهى في أوكسفورد عام 1650، وسرعان ما توالى افتتاح المقاهي في فرنسا و سويسرا وغيرها من البلاد. كان المناخ المداري هو الأنسب لنمو أشجار البن، ولوحظ نمو تلك الأشجار بكثافة في اليمن، حيث تتمتع اليمن بالمناخ المناسب والتربة الخصبة لحصاد القهوة، وفي عام ١٥٥٥م انتقل مشروب القهوة إلى إسطنبول، عندما قامت جيوش العثمانيين في عهد السلطان سليمان القانوني بغزو اليمن وأثناء الحكم العثماني في اليمن كان الولاة العثمانيون يقدم لهم مشروب منقوع حبيبات البن، فأعجبهم مذاقه ونقلوه إلى السلطان سليمان في إسطنبول، فأحب بدوره ذلك المشروب.

فنجان القهوة كما نعرفه اليوم

في القصر العثماني ابتكر أحد الطهاة طريقة جديدة لإعداد ذلك المشروب، عن طريق تحميص حبوب البن ثم طحنها ثم طهيها ببطء في الماء على الجمر المتقد، وأصبحت القهوة مشروبًا أساسيًا في القصر، وتم استحداث وظيفة جديدة في القصر وهي «القهوجي». وانتشر مشروب القهوة بطريقة تحميص الحبوب بعد أن كانت تُتناول بطريقة النقع.

وعلى المستوى الشعبي انتشر في تركيا العثمانية ما يعرف ببيوت القهوة، وأصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية هناك، وعرفت محلات بيع وتقديم القهوة التي يقبل عليها الناس للقراءة وكتابة الأشعار مع تناول مشروب القهوة اللذيذ، لقد كانت الصورة الأولى للمقاهي المعروفة حاليًا.

من تلك الآونة أصبحت الـ «قهوة» العربية هي الـ «كهفى» التركية ثم الـ «كافي» الإيطالية ثم الـ «كوفي» الإنكليزية. بعد أن أصبحت القهوة مشروباً شعبيًا، أخذت تظهر المقاهي المتخصصة في مدن الإمبراطورية الإسلامية مثل دمشق والقاهرة وبغداد. لم يُعرف المشروب في الغرب على نطاق واسع إلا بعد أن أحضره تاجر عثماني إلى لندن في القرن السابع عشر. وانتشر بعدها في البندقية، إيطاليا في عام 1645 وألمانيا في عام 1683 ويُحكى أن مشروب القهوة عندما وصل إلى أوروبا، قوبل بالشك لأنه كان مشروبًا «مسلمًا»، وتفيد الأخبار أن البابا كليمنت الثامن أعلن عام 1600 بعد استمتاعه الكبير بفنجان من القهوة أنه لا يجوز السماح للمسلمين باحتكار القهوة وأنه ينبغي بالتالي تعميدها لإكسابها صفة «مسيحية».

ثم انتقل مشروب القهوة إلى أوروبا عبر طريقين: طريق  شرقي تمثل في سفر بعض التجار الأتراك إلى فيتنام في عام ١٦١٥م، وكانوا يصطحبون أثناء سفرهم بذور القهوة المطحونة والمحمصة لعمل مشروب القهوة، فكان يتم بيع القهوة من قبل الباعة الجائلين في فيتنام .ثم تم افتتاح متاجر مخصصة لبيع القهوة في فيتنام وذلك في العام ١٦٤٥م ، ثم انتقلت من الفيتنام إلى فينيسيا وايطاليا، وتم افتتاح أول متجر لبيع القهوة في إيطاليا في عام ١٦٦٠م .وطريق غربي عبر انتقال القهوة من تركيا إلى فرنسا مباشرة، وفي عام ١٦٨٦م تم افتتاح أول متجر لبيع القهوة في باريس بفرنسا، وأصبح مشروب القهوة جزءًا من حياة الموسيقيين والكتاب والأدباء والشعراء والرسامين، أما في الأمريكيتين فقد انتقلت القهوة إلى أمريكا الشمالية خلال فترة الاستعمار. ولما  كان الشاي هو المشروب المفضل لم تلق القهوة الترحيب اللائق حتى عام ١٨٢٠م، حيث توقفت بريطانيا بعد الحرب عن تصدير الشاي إلى أمريكا، فنالت القهوة شعبية كمشروب بديل للشاي. (2)

وفي عام ١٧٢٧م دخلت القهوة إلى البرازيل، حيث قامت الحكومة البرازيلية بتطهير مساحات شاسعة من الأراضي والغابات ليتم عليها زراعة القهوة، لا سيما وأن أجواءها المناخية المدارية تشبه نظيرتها في اليمن وأثيوبيا.

القهوة في لسان العرب

ذكرت الموسوعة العربية العالمية ما يشير إلى أن القهوة لم تعرف عند العرب في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ولا في العصر الأموي لأنها لم تدخل جزيرة العرب إلا في القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي. عرفها أهل اليمن، فمكة ومنها إلى القاهرة وإسطنبول فالعالم. ومع أن قهوة البن لم تكن معروفة عند العرب قبل القرن السابع الهجري إلا أن كلمة (قهوة) كانت موجودة في اللسان العربي كاسم من أسماء الخمر. قال العالم اللغوي الفيروز أبادي في معجم مختار الصحاح عن معنى القهوة: «القهوة الخمر، قيل سميت بذلك لأنها تقهي أي تذهب بشهوة الطعام» (3)

واشتقاق لفظ «القهوة» من الإقهاء لأنها تُقهي أي تكرّه عن الطعام، أو تُقعد عنه.

ورد في (لسان العرب) لابن منظور: «سميت بذلك لأنها تقهي شاربها عن الطعام- أي تذهب شهوته، وفي «التهذيب» أي تشبعه. تقهي وتقهم بمعنى واحد» (4).

فالآنَ وبعد ثبوتِ عروبةِ هذا المشروب، اسمًا وصفاتٍ، ثم فضلِ المسلمين في ابتكارِه وتقديمِه إلى العالم، أيبقى شكٌّ في أن للحضارةِ الإسلاميةِ أيادٍ بيضاءَ على الإنسانية؟!

 المراجع

  1. The World of Caffeine, By Bennett Alan Weinberg, PH D ennett Alan Weinberg, PH.D., Bonnie K. Bealer, page 3.

2 . “Why do Americans prefer coffee to tea?”

  1. الفيروزأبادي، القاموس المحيط، مادة ق هـ ي
  2. لسان العرب، مادة ق هـ ي
Share via
تابعونا على الفايس بوك