الأسباب الحقيقية لاندلاعِ الحرب العظمى

الأسباب الحقيقية لاندلاعِ الحرب العظمى

محمد مصطفى

كاتب
  • السباق العالمي المستمر نحو التسلح
  • وسط ضجيج التسلح صدع صوت سماوي ينذر العالم
  • العقل والوحي يدحضان الإلحاد 

__

من عام إلى عام ومن قرن إلى قرن
كان الناس في الأزمنة القديمة بل وحتى في عصرنا هذا يتصورون قيام القيامة، كما يتصورونها في انهيار العالم، حين تشارف ألفية أو قرن من الزمان على الانتهاء واقتراب آخر، بينما لا يكون لهذا الترقب أي أثر في حال الانتقال من عام إلى عام. فترى الناس يعودون ويتذكرون الحق في حال اقتراب انتهاء القرن بينما تذهل أنفسهم عن كل ذكرى مع تتابع السنين والأشهر والأيام.. وكما كان يحدث هذا في الأزمنة القديمة، حدث كذلك في خلال سنوات القرن التاسع عشر وحين انتهائه دخولا في القرن العشرين.
لقد تم تلقيننا في المدارس، ومن خلال قراءاتنا في الكتب المختلفة أن لكل حدثٍ أسبابه. ومن الأسباب ما هو معلَن ظاهر، ومنها ما هو حقيقي مستتر، والقسم الثاني عادة ما يقوم على أطماع اقتصادية تدخل فيها نوايا وتوجهات ضيقة وطموح شخصي للقيادات السياسية. غير أنه لا يمكن إعلانها على الملأ كي يسهل على المنتفعين قيادة ودفع العامة بخلافها.

هذا عارض ممطرنا.. نشاط العقل البشري خلال القرن التاسع عشر
لقد دخلت البشرية منذ أن سجل هنري بسمر اكتشافه تصنيع الصُلب فيما سماه بـ «تصنيع الحديد بدون قيود» دخلت مرحلة جديدة من الاعتزاز بعقلها، فقد تمكنت من صنع الأسلحة الثقيلة بشكل جعل الحروب أكثر سهولة و (فظاعة) في نفس تلك الفترة الزمنية، ظهر اختراع الديناميت لأول مرة 1867 على يد النمساوي ألفريد نوبل، والذي قيل أنه اخترعه وطوره أساسًا لمهمات التعدين. والواقع أن نوبل نفسه قد قام بإنشاء وشراء عدد كبير من مصانع الأسلحة ودشنها بمكتشفه هذا قبل وفاته(1)
فكأنما بذلك اكتملت دائرة الحديد والنار، تلك النار التي عززتها مخترعات نقولا تسلا، فنضدتها وأججتها الكهرباء التي تجسدت مع سابقة المكتشفات سالفة الذكر في صناعة الأسلحة الحربية وغيرها من التطويرات التسليحية المُفعلة كهربائيًا فكان لها عظيم الأثر في تأجيج الحرب أكثر وأكثر. وقد باع تسلا بدوره براءات اختراعاته الكهربية ذات العلاقة بالتسلح إلى أهم القوى المؤججة لأي نزاع وصراع معاصر (الولايات المتحدة الأمريكية)(2)

أن أناس ذلك الزمان لم يكتفوا بقطع الصلة بين العقل والإلهام، بل إنهم أنكروا داعي الله المُنبه لهم على ذلك الشأن الخطير، إذ رآهم مندفعين بكل قوة العقل المغتر إلى نار الهاوية.

لقد كان الظن العام آنئذ حول تلك المُختراعات والمُكتشفات المُطورة أنها منافع خالصة للعالم، فلم يَدُر في خلد الناس أن فيها أيضًا عذابا أليما، لكن مع ذلك البُعد الإنساني عن حقيقة الأمر، وهو أن تلك النعم ليست نتاج قريحة العقل المجرد، إنما في وجود منعم أعلى هو الله، أنعم أولًا بالعقل، ثم رزقه العلم والتفكير والاكتشاف، عسى أن يتضع أمام واهبه. لكن ذلك لم يحدث، وصار العالم على شفا جرف، وما كان من الله الرب الرحمن حينها إلا أن تجلت رحمته للإنقاذ مُمثلة في مبعوث منه جاءت أنباؤه من قبل في جميع السجلات والنصوص الدينية ليقود سفينة النجاة في هذا الزمان. فمن لحق به نجا ومن أبى فلا يلومن إلا نفسه التي ظلمها. لقد كان مرزا غلام أحمد القادياني وقتها هو الصادع الوحيد بصوت النذير على المستوى العالمي، ولقد أبى معظم الخلق وصمّوا آذانهم عن نداءاته، واستمر دفق التطور التسليحي بين القوى العمياء. فلقد رافق تلك المخترعات والمكتشفات الرئيسية التي أوردنا، صناعات جهنمية جديدة أخرى منبثقة عنها، فكان المدفع الرشاش 1883 والغواصة 1891، وصولا إلى الدبابة 1914.
بالطبع، لقد كانت كل تلك الاختراعات الحديثة والمكتشفات المُطَورة فيها نِعَم إيجابية، لولا أن أصحابها أو مستخدميها سلكوا بها في مسالك الاستحواذ والطمع والجشع والعدوان وقطع السُبل، سواء على المستوى الشخصي أو العام. حتى أنهم في خِضم غليان الحرب ذاتها كان صنع الدبابة في الأساس كمحاولة لقضم أكبر مقدار من أرض الخصم..
والحق أنه ما من سبيل لدى الإنسان لتجنب سلوكه المُدمر لذاته ولمُحيطه إذا اكتفى بالعقل فحسب.

إن قانون الله الحكيم القدير في الطبيعة هو أنه ما دام الشيء منفصلًا عن زوجه بقيت مزاياه خافية، وفي معظم الأحيان يتراءى للعيان ضرره بدلًا من نفعه. والحال نفسها فيما يتعلق بالعقل، بمعنى أن نتائجه الطيبة تظهر.. حين يقترن به زوجه أي الإلهام. وإلا فبدون الاقتران بزوجه يظهر كغول يريد أن يلتهم البيت كله، وينوي أن يجعل المدينة كلها خرابًا يبابا…

العقل والوحي، ونظير مادي في الطبيعة يدحض إلحاد العقل
ثبات الأشياء من حولنا يكون نتيجة وجود الهواء في كل نواحيها وجهاتها، ولو فرَّغنا الهواء وما يحدثه من ضغط جوي من ناحية من نواحي إحدى البنايات لانهارت في الحال نتيجة الخلخلة الحادثة في الجو المحيط، كذلك (الريح)، فحيثما وردت الإشارة إليها في القرآن هكذا بصيغة الإفراد كانت مُدمرة، وفيها العطب، دالة على الشر، أما الرياح (هكذا بصيغة الجمع) فمعناها أن تأتي ريح من هنا وريح من هنا فتأتيك بالأكسجين أينما كان وتحمل إليك عبير العطور في الكون، فهي إذًا تأتيك بالفائدة»(3) فكذلك الوحي مع العقل، لو لم يتخذه العقل مُرشدًا لدمّر وخرّب. وهنا أتى حضرة مرزا غلام أحمد القادياني قبل اندلاع النار مُنبها أيما تنبيه آنذاك بإلهام من الله الحي، حين اشتد عود العقل وظن صاحبه أنه القادرعلى كل شيء، قال حضرته: «فكما خلق الله تعالى كل شيء أزواجًا، كذلك جعل الإلهام والعقل زوجين. وكذلك إن قانون الله الحكيم القدير في الطبيعة هو أنه ما دام الشيء منفصلًا عن زوجه بقيت مزاياه خافية، وفي معظم الأحيان يتراءى للعيان ضرره بدلًا من نفعه. والحال نفسها فيما يتعلق بالعقل، بمعنى أن نتائجه الطيبة تظهر.. حين يقترن به زوجه أي الإلهام. وإلا فبدون الاقتران بزوجه يظهر كغول يريد أن يلتهم البيت كله، وينوي أن يجعل المدينة كلها خرابًا يبابا»(4)
وللأسف، هذا ما حصل، إذ حدث أن أناس ذلك الزمان لم يكتفوا بقطع الصلة بين العقل والإلهام، بل إنهم أنكروا داعي الله المُنبه لهم على ذلك الشأن الخطير، إذ رآهم مندفعين بكل قوة العقل المغتر إلى نار الهاوية.

البلاغ والتنبيهات المتكررة
لكن لم يأل داعي الله ومسيحه الموعود حضرة مرزا غلام أحمد القادياني -الذي أتى وفقًا للتصور البشري المحض في أحداث الانتقال بين قرنين ووفقًا لوعود الله- لم يأل جهدًا في استمرار التنبيه للغافلين والمعاندين بكل وقت وظرف ومناسبة، فكما أشاع تنبيهاته السابقة في البراهين لمنكري قيومية الله حتى قبل إعلانه كونه المسيح الموعود، صرّح كذلك في خطابٍ جليل في مؤتمر حافل بزعماء الأديان المختلفة بعد إعلانه أنه المسيح الموعود، لعلهم يتعظون.. فنبّه بضرورة البحث عن الذات العليا الواهبة لكل شيء ولزوم الالتصاق بها. فإن ذلك من طبع الإنسان الطبيعي، وإذا نبذ الخلق ذلك الطبع الجبلّي فهم في وضع فاسد واتجاه خاطئ ويكاد أن يودوا بذواتهم ومحيطهم(5). كما قام حضرته بإسداء غزير النصح لكافة زعماء القوى والأمم لإرساء السلم والسلامة مُمثلة في تعليم الإسلام، بأن راسل بالبريد المُسجل زعماء الطوائف ومرشديهم والأمراء وولاة البلاد بما يزيد عن 12000 رسالة نصح وتنبيه(6) لكننا لا نعلم ما كان رد فعلهم، ولا نعلم إلا قول الله:

يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (7)

لكن يبدو أن إجابة داعي الله لم تصل حتى المستوى الأدنى المقبول لإنقاذ أنفسهم، إذ نبذوا التنبيه التحذيري وراء ظهورهم مستنكرين، فاندلعت الحرب العالمية الأولى [1914-1918]، بأهوالها وفظائعها بما لم يشهده البشر من قبل، فارتسم الحدث كما أبرزه الإعلان القرآني سلفًا وقال:

وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8).
(1). السيرة الشخصية لنوبل عن الموقع النرويجي لجائزته nobelpeaceprize.org/History/Alfred-Nobel
(2).(Wanted For War تأليف P. W. Singer)
(3). (تفسير الشعراوي لآية «الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا..»)
(4). (البراهين الأحمدية، الحاشية 11 ص213ـ 214 الطبعة الحديثة)
(5).(فلسفة تعاليم الإسلام ص78 ط.ح2011)
(6).(مجلد 3 الخزائن الروحانية، إزالة الأوهام، حاشية 48 ص160)
(7).(سورة الأحقاف: 32)
(8). (سورة الأَحقاف: 33)
Share via
تابعونا على الفايس بوك