- بماذا استحق الخليفة الثاني أن يدعى المصلح الموعود؟
- تحقيق في إلهام المسيح الموعود “فضل عمر”
- التشابه بين سيدنا عمر وسيدنا محمود أحمد رضي الله عنهما
- التقويم الهجري والتقويم الهجري الشمسي
__
منهجنا في هذا المقال
للحكم على مدى صلاح شخص ما وإصلاحه، يكفي إلقاء نظرة على صفاته وإنجازاته، ووفق هذا المنهج يمكننا التوصل إلى السبب أو الأسباب التي من أجلها دُعي الخليفة الثاني بالمصلح الموعود. وطالما اطلع المسلمون الأحمديون وغيرهم على نبوءات تشير إلى هذه الحقيقة في أدبيات الجماعة المتعددة. والنبوءات في حد ذاتها لا تُدْرَكُ قيمتها إلا بعد تقديم شاهد عيان على تحققها، وشاهد العيان ذاك هو الواقع المُعاش. فمقال اليوم هو جولة قراءة متأنية لواقع الفترة الزمنية ما بين 1914م-1965م، وهي عهد خلافة حضرته الميمون، والذي امتدَّ إلى أكثر من نصف قرن حافل بجلائل الأعمال. وهذا الكلام المجمل جدير بأن تُملأ به صفحات عديدة، لكننا سنتناوله على سبيل الإشارة والإيجاز.
لو أننا طرحنا هذا التساؤل على أنفسنا: «بماذا استحق الخليفة الثاني أن يُدعَى مصلحًا موعودًا؟!»، إن هذا اللقب الفريد لا يمكن أن يطلق هكذا ببساطة على شخص لمجرد أنه صاحب إنجازات إيجابية على مستوى أتباعه وجماعته فحسب، ولا حتى على مستوى أبناء دينه أو وطنه جميعهم حصرا، بل ينبغي لإطلاق لقب كهذا على شخص ما أن تغطي إنجازاته مصالح الإنسانية جمعاء، وهذا لن يتسنى إلا إذا كان ذلك الشخص مدعوما بقوة قدسية مضطلعة برعاية تلك المصلحة الإنسانية العامة، أي أن هذا الشخص ينبغي أن يكون على قدم نبي، وليس أي نبي، وإنما النبي الخاتم ومسيحه الموعود، اللذان بُعثا لأجل البشرية جمعاء.
هو فضل عمر، ونظيره
إن الله تعالى يحدثنا بالأنباء لنعقلها، أي نربط نصوصها بتحققها في الواقع، لقد ثبت بمضي الزمان أن هذا الأسلوب هو الأنجع في ربط الأجيال بعضها ببعض، واستلهام العبرة والخبرة من الأجيال الخالية، بغير هذا الأسلوب ربما ما كان للإنسانية أن ترتقي حضاريا مهما بلغت قدراتها الجسدية، ونعلم كثيرا من الكائنات التي تفوق الإنسان جسديا، ولكنها لم توفَّق لإنشاء حضارة لافتقارها إلى تلك السمة الإنسانية المميزة (سمة العقل، أي الربط، ربط الأنباء بمظاهر تحققها، وربط الأشياء بأشباهها)، لأجل هذا طالما طالعنا الحث القرآني: أَفَلَا يَعْقِلُونَ وغيره..
وإذا كان عهد خلافة سيدنا عمر بن الخطاب عهد عمران وتعمير، حيث شهد إنشاء مدن جديدة كالكوفة في العراق، والفسطاط في مصر، فكذلك كان عهد الخلافة الميمون للمصلح الموعود، إذ أنشأ حضرته «ربوة» بالباكستان في موضع قفر غير ذي زرع كان يسمى بـ «جك دغيان»
الآن نحن أمام دعوة إلى العقل، أي الربط، أقصد ربط نص نبوءة وردت ضمن إلهامات المسيح الموعود بحق ابن موعود من أبناء حضرته، والذي سيتبين فيما بعد أنه الصاحبزاده مرزا بشير الدين محمود أحمد .. وفي سياق متصل ضمن إلهامات المسيح الموعود ، أُشير إلى ذلك الابن الموعود بـ «فضل عمر».
والفضل في العربية من معانيه الزيادة بالمثل، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
ففضل أي شيء هو زيادته ومِثله الآخر. بهذا المنطق يمكننا ولا جناح علينا أن نفهم معنى الإلهام «فضل عمر» هو بالضبط (عُمر الآخر، أو عمر في تجلٍّ آخر). إلى الآن نبدو في نظر الغير مدفوعين بحماسة زائدة غير مبررة، فعلينا إذًا تقديم «معقولات» أي أمور واقعية تؤكد تحقق إلهام «فضل عمر» في حق الصاحبزاده مرزا بشير الدين محمود أحمد . وسيحيلنا هذا إلى شخصية حضرة عمر الفاروق ، والذي يعرف الجميع عنه أنه أحد أعظم الصحابة وأحد الخلفاء الراشدين الذي خلَّد التاريخ ذكره بباقة من الإنجازات غير المسبوقة، وقد عُرف عمر بن الخطاب بلقب الفاروق، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الرسول لكونه مظهرا للتفريق بين الحق والباطل. فحال المسلمين بعد إسلام عمر اختلف جليا عما كان قبل إسلامه. كذلك كان الحال باستلام الخليفة الثاني مهام خلافة الجماعة الإسلامية الأحمدية، فاستحق أن يكون مصداقا لعبارة «…وليجيء الحق بمجيئه، ويزهق الباطل بظهوره» الواردة في النبوءة الشهيرة لدينا. ألم تنطق تأليفاته شاهدة على عظمة علمه ودينه؟! يكفي للعرب مثلا كتابه «التفسير الكبير» الذي رغم كتابته بالأردية وترجمته لاحقا إلى العربية، إلا أنه يتضمن من لآلئ العربية الكثير والكثير، الأمر الذي أقر به أبناء العربية أنفسهم، مبايعين أو غير مبايعين من المنصفين.
ففضل أي شيء هو زيادته ومِثله الآخر. بهذا المنطق يمكننا ولا جناح علينا أن نفهم معنى الإلهام «فضل عمر» هو بالضبط (عُمر الآخر، أو عمر في تجلٍّ آخر)
وكما وصف النبي الخاتم عمر بن الخطاب بالفطنة وحدة الذكاء، كذلك ورد في نبوءة المسيح الموعود عن فضل عمر أنه «… فَهِيمٌ وَذَهِينٌ وَحَسِينٌ».
إننا على صعيد السمات والمناقب لا نكاد نطلع على منقبة من مناقب حضرة الفاروق الأول عمر بن الخطاب إلا ونجد مثيلتها في شخص «فضل عمر» بشير الدين محمود أحمد . فهل ترى الأمر ذاته على صعيد الإنجازات العملية؟! وكيف؟!
بلغت جماعة المؤمنين الأولى في عهد خلافة عمر بن الخطاب مبلغا من الرقي نتيجة قيام حضرته بمجموعة من الإصلاحات الإدارية والتنظيمية، فيرجع الفضل إلى حضرته في إنشاء نظام الدواوين لأول مرة في تاريخ الإسلام، فأنشأ حضرته ديوان الخراج، وديوان الرواتب، وديوان الجند، كما أسس أول بيت مال للمسلمين، ليكون أول مؤسسة إسلامية لإدارة المال العام، كما وضع نظاما محكما للقضاء. باختصار، كان لحضرته الفضل في إظهار ملامح دولة الخلافة الإسلامية الأولى بشكل مؤسسي أكثر تنظيما يضاهي، إن لم نقل يفوق، أفضل الأنظمة الإدارية لدى الدول العظمى آنذاك، أي الفرس والروم.
ننا على صعيد السمات والمناقب لا نكاد نطلع على منقبة من مناقب حضرة الفاروق الأول عمر بن الخطاب إلا ونجد مثيلتها في شخص «فضل عمر» بشير الدين محمود أحمد . فهل ترى الأمر ذاته على صعيد الإنجازات العملية؟! وكيف؟!
وبالانتقال بالنظر إلى جماعة المؤمنين الثانية، وتحديدا إلى خلافة الخليفة الثاني نجد أن حضرته قام بإصلاحات مشابهة دعت إليها حاجة الجماعة في خلافته، فكما أنشأ حضرة عمر نظام الدواوين، استحدث سيدنا المصلح الموعود عام 1919 دوائر شتى في مؤسسة ”صدر أنجمن أحمدية“ وكل دائرة منها تختص بمهمة من مهام الجماعة، وتسمى «نظارة» كنظارة التبليغ، ونظارة التبشير، ونظارة المال، ونظارة التصنيف، وغيرها. كما عينَ حضرته المولويَ «شير علي» ناظرا أعلى فيها.
وعلى صعيد الفتوحات الإسلامية التي اتسع نطاقها في عهد عمر الفاروق، ففاضت بركات الإسلام في خلافته بدءًا من شبه الجزيرة العربية لتسقي أهل الفرس والروم، بفتح العراق والشام ومصر، فكذلك حدث تماما بخلافة عمر الثاني، إذ اتسع نطاق التبليغ بدعوة الإسلام الحقيقي في عهد خلافة المصلح الموعود، فتم إرسال دعاة الجماعة لأول مرة إلى خارج شبه القارة الهندية، فوصل دعاتنا إلى لندن، وأمريكا، وغانا، وسيراليون، وموريشيوس، وبخارى، وهنغاريا (المجر)، وكثير من البلدان الأخرى، حتى أن أول مسجد في بريطانيا قائم بفضل الله حتى الآن هو المسجد الذي وضع بنفسه حجر أساسه، والذي اسمه «مسجد فضل» ولعل تسمية هذا المسجد بهذا الاسم بالذات أمر بعيد عن المصادفة، وهو إشارة جلية إلى تحقق نبوءة «فضل عمر» في شخص مؤسس مسجد «فضل» الذي هو بحق «عمر الآخر».
وإذا كان عهد خلافة سيدنا عمر بن الخطاب عهد عمران وتعمير، حيث شهد إنشاء مدن جديدة كالكوفة في العراق، والفسطاط في مصر، فكذلك كان عهد الخلافة الميمون للمصلح الموعود، إذ أنشأ حضرته «ربوة» بالباكستان في موضع قفر غير ذي زرع كان يسمى بـ «جك دغيان»، والآن يقارب عدد سكان ربوة الـ ٧٠ ألف نسمة، ويشكل المسلمون الأحمديون نسبة 95% منهم.
ومن إنجازات حضرة عمر بن الخطاب التي لا نزال نلمسها في حياتنا اليومية استحداثه التقويم الهجري لتأريخ الأحداث على التقويم القمري، وهو إنجاز حضاري مشهود بضرورته ونفعه، ونجد لهذا الإنجاز الفريد نظيرا في الجماعة الإسلامية الأحمدية، إذ حدث في 26 يناير 1940 أن ابتكر حضرة المصلح الموعود التقويم الهجري الشمسي، وهو تقويم شمسي يبدأ من هجرة الرسول بدلاً من ميلاد المسيح . وقد بنى حضرته أسماء الأشهر على أحداث بارزة في سيرة النبي الخاتم ، فجعل كل حدث مميز في سيرته اسمًا للشهر الذي وقع فيه الحدث. وهذه الأشهر هي: الصلح (إشارة إلى صلح الحديبية)، التبليغ (إشارة إلى رسائل النبي إلى الملوك)، الأمان (إشارة إلى خطبة حجة الوداع)، الشهادة (إشارة إلى استشهاد 77 صحابيا غدرًا في الرجيع وبئر معونة)، الهجرة (إشارة إلى الهجرة النبوية)، الإحسان (إشارة إلى إطلاق سراح قبيلة طيء تقديرا لذكرى كرم حاتم الطائي)، الوفاء (إشارة إلى وفاء الصحابة للنبي في ذات الرقاع)، الظهور (إشارة إلى معركة مؤتة التي كانت علامة أولى على بدء ظهور الإسلام)، تبوك (إشارة إلى غزوة تبوك)، الإخاء (إشارة إلى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار)، النبوة (إشارة إلى البعثة النبوية)، الفتح (إشارة إلى فتح مكة). وقد دعت الحاجة المسلمين إلى مثل هذا التقويم في العصر الحالي نظرا إلى تمسكهم بالتقويم الهجري بينما يسيرون كل أمورهم الحياتية وفق التقويم الميلادي، فرأى حضرته أن يدمج التقويم الهجري مع النظام الشمسي المتبع في التقويم الميلادي، وبهذا تحل إشكالية ازدواجية التقويم التي يعاني منها المسلمون اليوم.