الزوجة شاهد عدل
  • كيف كان وضع المرأة في عموم العالم وفي الهند تحديدا حتى القرن ال 19؟
  • وكيف كان الأمر مختلفا داخل بيت المسيح الموعود عليه السلام؟
  • كيف كان خلقه عليه السلام مع أهل بيته؟
  • وأي نموذج قدمته أم المؤمنين في الرضا بالقضاء؟

__

مثالية الحياة العائلية لسيدنا المسيح الموعود عليه السلام

كان القرن التاسع عشر من أسوء القرون بالنسبة للمرأة في عموم العالم، حيث بلغ الظلمُ ضدها منتهاه، فقد كانت مسلوبةَ الإرادة والحقوق كقطعة أثاث، فإذا كان للكرسيّ أن يتذمر ويشتكي، فللمرأة أن تتذمر وتشتكي، ورغم أن القرآن الكريم سمّى هذا العصر بعصرِ «الموؤودة» وهي المرأة التي سُلبت كل ما يمُتُّ للإنسانية بصلةٍ؛ إلا أن عمودًا من نور سطع في بيت من بيوت الهند، حيث يقيمُ مرزا غلام أحمد الذي أنبأ فيما بعد أنّه هو المسيح الموعود به في سائر الأديان، جاء في البعثة الثانية لمحمد خاتم النبيين ، مصداقًا لقوله تعالى وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (1) فكان خير النّاس لأهله كما كان سيده، حيث ورد عنه :

«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي.»(2) وكأن الله أراد أن يتمثل محمدٌ أمام الناس حيًّا يُرزق ببعثته وبزواجه من السّيدة نصرة جهان، ليرى من لم يكن رأى، ويسمع من لم يكن سمع كيف كان سيدنا محمد مع أزواجه وأهل بيته، وهكذا كان هناك نموذج حيٌّ في هذا العصر يتأسى به الأزواج ويستنيرون بهديه.

قلبٌ واحدٌ يخفق في صدرين

لقد كانت حضرتها تصغر الإمام بـثلاثين عامًا تقريبًا، وكأننا أمام محمد وعائشة رضي الله عنها من حيث فارق العمر،  كذلك جاء الأمر بزواجه منها من الله عبر الوحي كما كان من أمر عائشة تمامًا، وكانت رضي الله عنها من جهة أخرى كخديجة أمّ المؤمنين، حيث سمّاها الوحي الذي نزل على الإمام «خديجة» فقال: «اذكر نعمتي رأيت خديجتي» (3). وكأنّ الله قد أرسلها له سنداً وعونًا كما كان قد أرسل خديجة رضي الله عنها سندًا وعونًا لسيدنا ومولانا خاتم النبيين ، وقد تزامنت تلك الزيجة المباركة مع إعلان حضرته دعواه أنّه هو مجدد هذا القرن، مما أتاح لها فرصة معاينة سوانحه وأدق تفاصيل حياته عن قرب، وإذا أردت أن تعرف حقيقة رجل فاسأل عنه زوجته، فهي الأعلم بما لا يعلم به غيرها، وتطَّلع كل ساعة على ما يخفى على كل من سواها كائنًا من كان، فعاينتْه عن قرب، وتيقنت تيقن خبيرٍ أنّه مبعوث الله بحق، وليس هناك من يصلح سواه لتلك البعثة، فعاشا معًا حياة كأنها جنة، حياةً ترفرف عليها السكينة، وتعمها الرحمة، وتحفها الملائكة، وكانت تَكِنُّ لحضرته كل الاحترام والإجلال بقناعة إيمانية تامة، وكانت دائمًا تقول له أن عهد سعادتها قد بدأ فقط بعد مجيئها إلى بيته، لقد كانا بحق قلبًا واحدًا يخفق في صدرين.

خُلُقه مع أهل بيته

كان المسيح الموعود لسيدنا محمد كالظل للشّجرة، وكان نموذجًا له مع أزواجه كنسخة طبق أصلها، فكان غاضّ الطرف إذا رأى شيئًا من التقصير، وكان الملاطف المواسي في أوقات القلق والاضطراب، وكأنه شربة ماء باردة في أشد درجات الحرّ والقيظ، كان سرُّ الحياة العائلية الهانئة للمسيح الموعود يكمن في الدعاء؛ حيث قال: «أما أنا فلا تخلو أية صلاة لي من الدعاء لأصحابي وزوجتي وأولادي».(4) ولعلّ حياتنا تصير جنةً لو أننا تمسكنا بالدعاء والتزمناه بكل يقين كما تمسّك به حضرته والتزمه بيقين تامّ راسخٍ رسوخ الجبال.

ملكان كريمان

إنّ زواجًا يدوم خمسةً وعشرين عامًا دون أدنى أثر لخصومة أو رائحة شجارٍ أو حتى مجرد عتابٍ ليظنه السّامع زواجًا بين ملَكين “لو كانت الملائكة تتزاوج”، فليست هذه طبائع البشر، ربما ليقينها الناتج عن المعاينة لأدق الدقائق، وربما ليقين حضرته التّام أنها هدية أهداها الله إياها، ونعمة أنعم بها عليه، وكيف يتعامل المرء مع هدية أُهديت له من الله ونعمةٍ أنعمها عليه؟ إنها شقيقة الروح ومصداق الوحي ووالدة الابن الموعود الذي منه يحترق الأعداء غيظًا وكمدًا ويرتفع به لواء الدّين وكأنّه امتداد لنفَسه المسيحيّ، ومنها يكون له نسل غزير وينقطع نسل أعدائه ليُظهر الله بهم هذا الدّين على الدّين كلّه ولو كرِه الكافرون.

ومن المواقف اللطيفة بين الزوجين الطّاهرين أن كانت حضرتها قد علمت أنَّ المسيح الموعود يحب الأرز المحلَّى بالسكر، فأحبت أن تعده له بيديها، وبذلت كل جهد في ذلك، إلا أنها لم يكن لها سابق علم به، فلم تكن النتيجة  على ما يرام، فحزنت واستاءت غاية الاستياء، إلا أن حضرته قرأ دخيلة نفسها، ولاطفها وخفف عنها حتى إنه أكله كله مبديًا سعادته وسروره مواساةً لها وإعفاءً من الحرج، لا شك أن هذا من شيم الأنبياء حقًّا.

وإذا أردت أن تعرف حقيقة رجل فاسأل عنه زوجته، فهي الأعلم بما لا يعلم به غيرها، وتطَّلع كل ساعة على ما يخفى على كل من سواها كائنًا من كان، فعاينتْه عن قرب، وتيقنت تيقن خبيرٍ أنّه مبعوث الله بحق، وليس هناك من يصلح سواه لتلك البعثة، فعاشا معًا حياة كأنها جنة، حياةً ترفرف عليها السكينة، وتعمها الرحمة، وتحفها الملائكة، وكانت تَكِنُّ لحضرته كل الاحترام والإجلال بقناعة إيمانية تامة، وكانت دائمًا تقول له أن عهد سعادتها قد بدأ فقط بعد مجيئها إلى بيته، لقد كانا بحق قلبًا واحدًا يخفق في صدرين.

إيمان راسخ

كانت رضي الله عنها تسمع بكل وحي، وتتناهى إلى أذنيها كل نبوءة، وكانت تشهد بعينيها تحقُّقَ تلك النبوءات واضحة كفلق الصبح، ورأت كذلك تأييد الله ونصرته له في كل موطن، ومع أنّ والدها السيد ناصر نواب لم يبايع أول الأمر، والأبناء لآبائهم تبع في معتقداتهم؛ إلا أنها رضي الله عنها لم تبالِ باعتقاد والديها، ولم تقِم لمعارضة أبيها أيَّ وزن قط، بل كان إيمانها بصدق الإمام يزداد يومًا بعد يوم، ذلك لأنها شاهدت بأم عينيها آيات الله ترفرف في كل ركن من أركان البيت حولها، فكم من أدعية تستجاب، وكم من مرضى يُشفَون، وكم من بركات تحلّ، وكم من نبوءات تتحقق، وكم من خوارق تراها أمامها رأي العين.

موقفها من احتمالية الزواج الثاني

حينما نشرَ المسيح الموعود نبوءته عن محمدي بيغم، مؤكداً أن والدها لو لم يوافق على زواج حضرته بها سوف يهلك ويهلك عدد من أفراد أسرته لا محالة، وسوف يعمهم الخراب وتندثر عائلتهم هباءً، والمعلوم أن خبر زواج الرجل من أخرى إنما يكون شبحًا مخيفًا للزوجة يزلزل كيانها، ويهد أركانها، إلا أن شيئًا من ذلك لم يحدث لها رضي الله عنها، بل على النقيض تمامًا، فقد رآها وسمعها حضرتُه ذات يوم وهي تصلي في خلوتها، وتبكي وتتضرع إلى الله بإلحاح وتدعو بحرقةٍ ولوعة أن يحقق الله تعالى هذه النبوءة بفضله ورحمته، وحين فرغت من صلاتها ودعائِها بقلب ملتاعٍ سألها : أنّى لك أن تدعي بهذا الدعاء؟ أولستِ تعلمين أن نتيجة استجابته أن تأتيك ضرة؟! فأجابته بلا تردد: مهما يكن من أمر، فلا أبالي بنفسي، إنما أتوق أن يصدُق كلام الله وتتحقق نبوءتك، هنا تكمن سعادتي، ويكتمل هنائي، وربما لم يشأ سبحانه أن تتحقق تلك النبوءة المشروطة ظاهريًا، وإنما تحققت على وجه آخر إكراماً لها.

نموذجٌ منقطع النظير للرضا بالقضاء

كان حضرته قد تنبأ بولادة ابن يكون له من الصفات ما لا يكون لغيره، فوُلد له بشير الأول في عام 1887، فظنه هو الابنَ الموعود، إلا أنه تُوفّي بعد خمسة عشر شهرًا، فأثار المعارضون ضجةً وأشاعوا فشل النبوءة، وطال الشكُّ بعضَ الأصدقاء والمؤيدين أيضًا، وتطاولت الألسنة وعلا صوت الشامتين والمستهزئين، إنه لوقتٌ عصيبٌ حقًّا، فما بال الأم التي وثقت في نبوءة زوجها واعتبرتها قضاءً مبرمًا، إنّه مبعوث من الله يتلقى منه الوحيَ الصادق، ألا يزلزل هذا الحادث كيانها، ألا يُضعف إيمانها، ألا تتردد وتعيد تدبر الأمر والتفكر فيه؟ أبدًا، لم يقترب منها شيء من ذلك ولا اقتربت هي منه، بل قالت بكل ثبات بعد التيقن من وفاته: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولزمت الصمت، وجلست آمنة هادئة مطمئنة، ولم تشتكِ، ولم تجزع، وهكذا ضربت أروع الأمثلة على مواساة الزوج في ساعات العسر واليسر، ثم كان أن وُلد لهما غيره ومات كثير منهم في صغرهم، إلا أنهما أبديا معاً ثباتًا وصبرًا لا نظير له، حيث كان قد تنبأ من قبل بموت بعض أبنائه صغارًا: «سيموت بعضهم في الصغر». وكانت حضرتها إذا حضر الموتُ أحد أبنائها تضطرب بعاطفة الأمومة الطبيعية بلا شك، إلا أنّ حضرته كان يقول لها مذكرًا إياها بالمصير المحتوم لكل حيّ: هل لكل إنسان مصيرٌ غير الموت؟ وكان يذكرها دائمًا بقوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (5) ثم حين توفي مبارك أحمد عن عمر ثماني سنوات كان أول ما نطق به لسانها، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وأبدت رضًا منقطع النّظير، حتى إن الله أعجبه ثباتها وأوحى إلى المسيح الموعود : «لقد سُرَّ الله» وحين أخبرها حضرته بهذا الوحي قالت: «لقد فرحتُ بهذا الوحي حتى إنّه لو مات لي ألفا مبارك أحمد «لما باليت.» قد أشاد حضرته طويلًا بعظمة صبرها على وفاة من مات من ولدها، وكان يقول: إذا كان الله يؤكد معيته للصابرين في قوله: إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فما الذي يريده الناسُ أكثر من ذلك؟

شمعة تذوب ليبصر الآخرون

في لاهور، وفي أصعب اللحظات، كان المسيح الموعود مسجّىً على فراشه، وكانت حضرتها جالسةً بقربه منهمكة في دعاء يذوب له القلب بألم وحرقة، وهي تردد في خشوع: يا حي يا قيوم، يا إلهي الحبيب، يا ربي القادر يا مطلق القدرة، يا إلهي يا محيي الأموات، انصرنا، يا من لا شريك له، يا ربي اغفر لي الذنوب، أنا مذنبة آثمة، يا مولاي أعطه حياتي أيضًا فماذا تنفعني حياتي، أما هو فيخدم الدين. فقد جرت تلك الكلمات على لسانها، وظلت ترددها مرارًا وتكرارًا، ولما استشعرت أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة استغاثت برحمة الله قائلة: «يا ربي الحبيب، إنه يكاد يتركنا، فأرجو أن لا تتركنا أبدًا» (6). كانت أم المؤمنين رضي الله عنها تعيش أكثر اللحظات مرارة في حياتها، ولِمَ لا وشريك عمرها وتوأم روحها يوشك أن يفارقها إلى الأبد؟ وعلى الرغم من مرارة تلك الساعة، إلا أنها جسّدت لنا درسًا عظيمًا نحن أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية في الرضا بالقضاء، والتشبث بالدعاء إلى الله وحده والخرور على عتباته، إنّ كلماتها تلك قد استدعت إلى الأذهان كلمات سيدنا أبي بكر التي أعادت الصّحابة إلى صوابهم بعد أن طار لبُّهم بوفاة نبينا محمد ، حتى نادى فيهم الصّديق: «من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت»(7) فهل نسي أحدٌ هذا الثبات الذي أبداه سيدنا أبو بكر الصّديق رضي الله عنه؟ ولا يدانيه في هذا الزمان سوى الوقفة الشّجاعة لأم المؤمنين أمام صحابة المسيح الموعود رضي الله عنهم، وكأنّ الزمان يعيد نفسه.

المراجع:

  1. (الجمعة 4)
  2. (سنن الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله)

3 و4 سيرة أم المؤمنين السيدة نصرة جهانْ بيغم رضي الله عنها للبروفيسورة السيدة نسيم سعيد

  1. (البقرة 156)

6 و7 من المرجعين 3 و4 نفسهما.

Share via
تابعونا على الفايس بوك