لآلي زوجية من البيوتات النبوية

لآلي زوجية من البيوتات النبوية

ضحى أحمد

ضحى أحمد

  • بم استحقت السيدة نصرت جيهان بيغم أن تكون زوجة لسيدنا المسيح الموعود وأما للمؤمنين؟
  • ما وجه الشبه بين أم المؤمنين نصرت جيهان وأمهاتنا الأُوَل؟

___

قد يفلح المرء في إخفاء حقيقته عن سائر الناس من حوله، إلا أنه ليس بمقدوره إنسان، مهما بلغت حيلته وبراعته، أن يستر حقيقة أخلاقه وطبيعته عن أعين أهل بيته جميعا، وعلى رأسهم زوجته التي يُفضي إليها وتُفضي إليه. فإذا أردت أن تعرف حقيقة رجل فاسأل عنه زوجته، فهي الأعلم بما لا يعلم به غيرها، وتطَّلع كل ساعة على ما يخفى على كل من سواها كائنًا من كان، إذ عاينتْه عن قرب، وبدا لها منه، رغما عنه، كل ما يخفيه عن أعين الناس.

من هذا المنطلق، اتخذ أنبياء الله تعالى من أزواجهم شهودا عدولا من الدرجة الأولى،  لا سيما إذا كن معروفات سلفا بالصلاح والتقوى. فما من شك في أن شهادة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) بحق زوجها سيدنا خاتم النبيين كانت ذات أثر بالغ في الشد من أزره، لا سيما في الأيام المبكرة جدا من بعثته المباركة..

اسكن أنت وزوجك الجنة

حين نسمع قول الله تعالى:

اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (1)،

وحتى لو كان مقتطعا من سياقه وسباقه، فإن أذهاننا تستدعي قصة حضرة نبي الله آدم ، وزوجته التي نوقن أنها كانت تشارك حضرته إيمانه ويقينه بالله عز وجل، حتى استحقت أن تترقى من مجرد كونها امرأة إلى مقام الزوجية مع أحد أنبياء الله ورسله (عز وجل)، لما في لفظ الزوج من معنى متضمَّن عميق، وهو «المماثلة التكميلية».. فكل زوج يكمِّل زوجه، حتى إن الوظيفة التداولية للغة تبيح ذلك الاستعمال، حين نقول: زوجان من كذا، يعني فردتان لا استغناء لإحداهما عن الأخرى.

فالزوجة من هذا المنطلق تكمل ما بزوجها من نقص طبيعي، وعلى رأس مظاهر النقص تلك تربية الأبناء، بما تتطلبه من عطف وحنان قد تفتقر إليه شخصية الرجل بوجه عام.

 

«المرأة» و«الزوج» وعُمق أبعد

ولا شك أن كل زوجة هي امرأة أو لنقل أنثى، من الناحية التشريحية الفسيولوجية، أما إذا قصدنا ما يحمله كل لفظ من دلالات خاصة، فينبغي أن تكون لنا هاهنا وقفة.. إذ يبدو بقراءة آيات القرآن الكريم أن أي رجل حيثما حلَّ موضعا من خُلُق التقوى أو الفجور، حلت معه زوجه دائما، نظرا إلى ما يكون بينهما من توافق روحي، يقول تعالى:

إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (2).

ويقول تعالى أيضا:

احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (3).

بينما حين يتحدث القرآن الكريم عن الأنثى بوصفها امرأة فقط، فإنما يشير إلى العلاقة الجسدية  ﺑﻴﻦ اﻟﺬﻛﺮ واﻷﻧﺜﻰ، غاضا الطرف عن الانسجام والتوافق الفكري والمحبة المتبادلة فيما بينهما، فهنا تُدعى اﻷﻧﺜﻰ بالمرأة.. يقول تعالى في معرض حديثه عن بعض نساء النبيين ممن لم تكن بينهن وأولئك النبيين علاقة إيمانية منسجمة:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (4).

نخلص مما سبق إلى أن الدلالة التي تحملها لفظة «زوج» أدق بكثير مما قد تحمله لفظة «امرأة»، وبتعبير أشمل وأعم، فإن كل زوجة امرأة، ولكن ليست كل امراة زوجة بالضرورة.

ومن محاسن العربية، إقرارها للفظة «زوج» في الوظيفة التداولية بمعان عديدة لا تقتصر فقط على أنثى المرء المصاحبة له في إطار العلاقة الشرعية المعروفة، وإنما اكتسب الزوجان تلك الصفة من فكرة أن كلا منهما يُعد مثيلا مكملا للآخر، حتى أن من المفسرين المُحدثين من أهل اللغة كالشيخ متولي الشعراوي، عرَّف الزوج في معرض تفسيره لآية   وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) فقال: «البعض يظن الزوج يعني الاثنين، إنما الزوج كلمة مفردة تدل على واحد معه مثله من جنسه». ومن الضروري التركيز على فكرة أن الزوج يعني واحدًا معه مثيله المكمل، لهذا السبب نجد أن الاستعمال القرآني يضع لفظة «زوج» ومشتقاتها في مواضع الانسجام والتقارب الروحاني والفكري، والتكامل النفسي، بل وحتى الجسدي، ننتقي من الآيات الكثيرة مثلا قوله تعالى عن حضرة زكريا:

وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (6)،

نعم، فقد وصف الله تعالى قرينة زكريا بـ «زوجه» فقط حين اكتملت العلاقة بينهما وساد الانسجام بعد الحمل المبارك بيحيى ، بينما كان الاستعمال القرآني من قبل ذلك الحمل يصفها بـامرأته.

فلفظ «الزوج» إذن من هذا المنطلق يطلق على ما من شأنه تكميل ما بالزوج الآخر من نقص طبيعي هو من صميم الفطرة، واستعير هذا اللفظ ليُعبَّر به عن المرأة التي تُعضد زوجها وتشد من أزره بدءا من إنجاب الولد له، مرورا بدعمه ماديا وماليا، ووصولا إلى شد أزره روحانيا..

نخلص مما سبق إلى أن الدلالة التي تحملها لفظة «زوج» أدق بكثير مما قد تحمله لفظة «امرأة»، وبتعبير أشمل وأعم، فإن كل زوجة امرأة، ولكن ليست كل امراة زوجة بالضرورة.ومن محاسن العربية، إقرارها للفظة «زوج» في الوظيفة التداولية بمعان عديدة لا تقتصر فقط على أنثى المرء المصاحبة له في إطار العلاقة الشرعية المعروفة، وإنما اكتسب الزوجان تلك الصفة من فكرة أن كلا منهما يُعد مثيلا مكملا للآخر

أم المؤمنين نصرة جيهان ومماثلات بأمهاتنا الأوائل

كل ما يُتلى علينا من قصص السابقين ونماذجهم إنما لالتماس تلك النماذح في اللاحقين، فحين حدثنا الله تعالى عن أزواج النبيين الأولين، تضمن ذلك أن من اللاحقات من يَحُزْنَ هذا المقام الكريم، وقد كانت أمهاتنا الأوائل في بيت سيدنا خاتم النبيين مصداقا أول على تلك المماثلات المباركة، ثم تتوالى المصاديق، ليسطع في هذا العصر نموذج جديد لأمهات المؤمنين، ممثلا في زوجة المسيح الموعود وأم أولاده، السيدة نصرة جيهان بيغم (رضي الله عنها)، التي تيقنت تيقن خبيرٍ من أنّه مبعوث الله بحق، وليس هناك من يصلح سواه لتلك البعثة، فعاشا معًا حياة كأنها جنة، حياةً ترفرف عليها السكينة، وتعمها الرحمة، وتحفها الملائكة، وكانت تَكِنُّ لحضرته كل الاحترام والإجلال بقناعة إيمانية تامة، وكانت دائمًا تقول له  أن عهد سعادتها قد بدأ فقط بعد مجيئها إلى بيته، لقد كانا بحق قلبًا واحدًا يخفق في صدرين. «لقد كانت حضرتها تصغر المسيح الموعود بـثلاثين عامًا تقريبًا، وكأننا أمام سيدنا محمد وعائشة رضي الله عنها من حيث فارق العمر،  كذلك جاء الأمر بزواجه من حضرتها من الله عبر الوحي كما كان من أمر عائشة تمامًا، وكانت رضي الله عنها من جهة أخرى كخديجة أمّ المؤمنين، حيث سمّاها الوحي الذي نزل على الإمام «خديجة» فقال: «اذكر نعمتي رأيت خديجتي»(7). وكأنّ الله قد أرسلها له سنداً وعونًا كما كان قد أرسل خديجة رضي الله عنها سندًا وعونًا لسيدنا ومولانا خاتم النبيين  ، وقد تزامنت تلك الزيجة المباركة مع إعلان حضرته دعواه أنّه هو مجدد هذا القرن، مما أتاح لها فرصة معاينة سوانحه وأدق تفاصيل حياته عن قرب، وإذا أردت أن تعرف حقيقة رجل فاسأل عنه زوجته، فهي الأعلم بما لا يعلم به غيرها، وتطَّلع كل ساعة على ما يخفى على كل من سواها كائنًا من كان، فعاينتْه عن قرب، وتيقنت تيقن خبيرٍ أنّه مبعوث الله بحق، وليس هناك من يصلح سواه لتلك البعثة، فعاشا معًا حياة كأنها جنة، حياةً ترفرف عليها السكينة، وتعمها الرحمة، وتحفها الملائكة، وكانت تَكِنُّ لحضرته كل الاحترام والإجلال بقناعة إيمانية تامة، وكانت دائمًا تقول له  أن عهد سعادتها قد بدأ فقط بعد مجيئها إلى بيته، لقد كانا بحق قلبًا واحدًا يخفق في صدرين»(8).

الهوامش:

  1. (يس: 56-57)
  2. (الصافات: 23-24)
  3. (التحريم: 11)
  4. (الأنبياء: 90-91)
  5. البراهين الأحمدية، الجزء الرابع، مجلد ١، ص ٦٦٦
  6. الزوجة شاهد عدل، مجلة التقوى مارس 2021 ضحى أحمد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك