ما حقيقة اتهام الإسلام بظلم المرأة؟!

ما حقيقة اتهام الإسلام بظلم المرأة؟!

التحرير

  • على من تقع المسؤولية التاريخية في جريمة ظلم المرأة؟!
  • ما حقيقة تورط الإسلام في ذلك الظلم؟!
  • هل من شواهد تاريخية وحضارية لدى الإسلام ترفع عنه تلك التهمة البغيضة؟!

__

ظلم المرأة عبر التاريخ حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها، وقد انصب الظلم كذلك على من نادى بحقها، بحيث صرنا نسمع ونرى اتهامات وقحة يرمي بها المجرم من يدافع عن الضحية، وهو ما يعرفه علماء النفس بالاستبطان، وفحواه أن يتهم الشخص غيره بما فيه هو من نقائص، فالكذاب مثلا طالما يتحدث عن كراهيته للكذب والكذابين، والفجار يتحدثون مليا عن الشرف ويذمون العهر، واللص يطيل الحديث عن عصاميته ويذم سائر اللصوص.. واتَّفق أن كان سيدنا خاتم النبيين ودينه القويم والقرآن العظيم دريئة لذلك الاستبطان البغيض، فعلى الرغم من الجهاد المجيد الذي بدأ مع نزول وحي القرآن في سبيل تحرير الفئات المستضعفة تاريخيا، ومنها المرأة، نال الإسلام الحظ الوافر من الاتهامات الباطلة بأنه هضم حقوق النساء، وحرمهن من فرصتهن في التعلّم وحيازة الثروة، وحق اتخاذ القرار في الزواج والطلاق وما إلى ذلك من القائمة الطويلة من الاتهامات الملفقة والمزورة. بيد أننا نرى شريعة القرآن تعاملت بمبدأ القسط الواضح بين الرجل والمرأة. والقسط مطلب أرقى بكثير من مجرد المساواة المنادى بها مؤخرا، فعلى حين تُعرف المساواة بأنها تقديم نفس المزايا إلى كافة الأطراف، يأتي القسط ليعبر به عن منح كل طرف ما يحتاج إليه ليبقى ويؤدي وظيفته المثلى، وعلى الرغم من أن المرأة وفق تعاليم الكتاب المقدس حُرمت من العديد من حقوقها الأصلية، بشهادة العهد الجديد نفسه، والتي حملت قول بولس:

«لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضًا. وَلكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئًا، فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ»(1)،

إلا أننا لسنا بصدد نقد أي من المعتقدات في الوقت الراهن بقدر ما نهدف إلى بيان قيمة المرأة في نظر من يأخذ هذا التعليم البولسي على محمل التطبيق، وننزه السيد المسيح من هذه الأمور. على أية حال قد جاءت شريعة القرآن وفي طياتها رد لكافة المظالم، فكانت تعاليم القرآن وتطبيقها المتمثل في السنة المحمدية على نفس النسق في إكرام المرأة، بل وخطت شريعة الإسلام خطوة أوسع بأن عوَّضت المرأة وجعلتها مثلا مضروبا للإنسانية ككل، مؤمنها وكافرها، قال تعالى:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (2)،

والحديث يطول عن الدين المستحق الذي استخلصه الإسلام للمرأة من آكليه، بحيث صار الإسلام وحضرة خاتم النبيين في حد ذاته موضع اتهام لمن أكلوا حقوق المرأة من قبل، حتى كانت تلك الاتهامات الباطلة مصداق قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (3).

فأمر الشريعة القرآنية بالقسط فيما يتعلق بقضايا المرأة أدى إلى أن يضع المجرم الحقيقي من يدافع عن تلك الضحية في دائرة الاتهام، ولسان حاله ينطق: المرأة ليست وحدها، فصديقُ عَدُوِّي عدُوي أيضا بالضرورة، وعلى أية حال لم تعدم ساحة الفكر السليم وجود مفكرين ومستشرقين دافعوا عن حقيقة نصرة الإسلام لقضايا المرأة، ولماذا نذهب بعيدا؟! فمهما نقَّبْنا في أرض التاريخ لا نجد غير الحضارة الإسلامية بيئة بلغت الفئات المهمشة فيها مقام السيادة، فالعبيد المسترقون في ظل هذه الحضارة يصبحون أمراء روحانيين كحضرة بلال بن رباح وحضرة عمار بن ياسر (رضي الله عنهما)، كما أصبح منهم أمراء دنيويون، كمماليك مصر والشام، والذين كانوا نجوم الساحة طيلة ما يقارب سبعة قرون، احتل فيها هؤلاء المماليك صدارة المشهد، أمراء ووزاء وقادة جيوش.

وتاريخ الحضارة الإنسانية يحتفظ بنماذج عديدة لنساء عشن في بيئات مسلمة وأنتجن إنجازات لا تزال مثار إعجاب العالم إلى اليوم، فهناك على سبيل المثال لا الحصر نماذج مشرفة مثل: فاطمة الفهرية، مؤسسة أول جامعة في العالم (جامعة القرويين) ومريم الأسطرلابية، والخاتون فاطمة ست الشام راعية العلم وبانية المدارس، وفي مجال الأدب والفنون حدث ولا حرج!

وعلى ذكر المرأة فحدث ولا حرج، ففي ظل الإسلام وحده لم تكتف المرأة بالتعلم، بل اعتَلتْ كرسي التعليم، فأخذت عنها الأمة نصف الدين، بعد أن كان محرما عليها أن تنبس في الكنائس ببنت شفة!!

أهي مصادفة أن يحدث هذا الانقلاب الجذري لأكثر من فئة مهمشة في ظل الإسلام وحده دون سواه؟!

وتاريخ الحضارة الإنسانية يحتفظ بنماذج عديدة لنساء عشن في بيئات مسلمة وأنتجن إنجازات لا تزال مثار إعجاب العالم إلى اليوم، فهناك على سبيل المثال لا الحصر نماذج مشرفة مثل: فاطمة الفهرية، مؤسسة أول جامعة في العالم (جامعة القرويين) ومريم الأسطرلابية، والخاتون فاطمة ست الشام راعية العلم وبانية المدارس، وفي مجال الأدب والفنون حدث ولا حرج!

قراء التقوى الأفاضل، بالنظر في محتوى هذا العدد، يُلاحظ أنه مُكرس كمحامي دفاع في قضايا المرأة، فبدءا بالمادة المحورية في كل عدد من أعداد المجلة، أي كلمة خليفة الوقت (أيده الله بنصره العزيز)، يعلن حضرته أن ما من عمل يؤديه الرجال تعجز نساؤنا المسلمات الأحمديات عن القيام به على الوجه الأكمل.

يلي ذلك باقة مقالات تتخذ من كلمة حضرته (نصره الله) محورا تدور حوله في ثلاثة أفلاك، فلك تأصيلي لحقوق المرأة التي ردها إليها الإسلام بعد طول ضياع، وفلك اجتماعي يتعلق بأصل وفصل علاقة الزواج وبعض جوانب قدسيتها، وفلك ثالث نطلع من خلاله على جانب من سير النساء الفضليات، ليكون هذا العدد، كما أسلفنا، محامي دفاع في قضية رد حق المرأة المسلوب إليها.

الهوامش:

  1. (رِسَالَةُ بُولُسَ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ 14 : 34-35)
  2. (التحريم: 11-13)
  3. (آل عمران: 22-23)
Share via
تابعونا على الفايس بوك