تفرد الإنسان الكمال في حمل لواء حقوق الإنسان

تفرد الإنسان الكمال في حمل لواء حقوق الإنسان

الحافظ منور

كاتب وباحث إسلامي
  • من هو صاحب الفضل في إعادة حق المرأة المسلوب؟
  • كيف أعاد نبي الإسلام ص حق المرأة إليها؟
  • أية شهادات يمكن تقديمها من التاريخ والحاضر على انتصار نبي الإسلام للمرأة؟

______

إذا قمنا بعبور سريع عبر نفق ذاكرة البشرية نلحظ كم عانت  المرأة و كيف كانت ضحية كل جهل في كل زمان ومكان، فعُرفت عند الإغريق بالشجرة المسمومة، وعند الرومان أنها بلا روح وعدّها الهنود أسوأ من السم وحكم الفرس عليها بالموت ورأى اليهود فيها لعنة أما النصارى فقد وصل بهم الأمر أن يعقدوا مؤتمرات للبتّ بما إذا كانت المرأة إنسانًا أم لا؟!!

ووصولًا إلى عهد الجاهلية حيث لم يكن حال المرأة في الجاهلية بأفضل من حالها في كافة الحِقَب التاريخية السابقة فكانت فيه المرأة عرضة للوأد ومسلوبة الحقوق… وإن الصورة الحقيقية لمكانة المرأة في ذلك الزمن قد ذكرها لنا القرآن الكريم، إذ يقول الله تعالى:

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (1).

 إحياء الموؤودة

انبلج فجر الحق ونُصرة  المرأة مع انبلاج فجر الإسلام متمثلًا بحامل رسالته النبي العظيم محمد رسول الله   الذي لم يكن أول من دافع عن حقوق المرأة فحسب، بل كان أيضا أول من أنشأ لهن مكانة وكيانا.

فأوقف الهمجية تجاه هذا الكائن المكرم من الله تعالى وحافظ بداية على حياتها فعلّم  أصحابه بما جاء في كتاب الله تعالى قائلاً:

«مَنْ وُلِدَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا يَعْنِي الذَّكَرَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ» (2)

لا شك أنه كان عملاً شجاعًا من رسول الله بأن يدافع عن حقوق النساء في زمن كان المجتمع كله ينظر إليهن بازدراء. وكان متفردًا في حمل لواء حقوق الإنسان .

تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للنساء

تابع عليه الصلاة والسلام في مجتمع يختلس كل حق للمرأة وبدأ  ببذر القيم و تجذيرها  من خلال منح المرأة حقوقها  فقد كانت الأرامل أيام الجاهلية توزع كإرث وبعد وفاة زوجها تعطى ملابس رثة وتعزل في مكان مهجور من المنزل لتستكمل فترة الحداد على زوجها. وبحسب عادات العرب وقتها، كان يسمح لها بالخروج من هذه العزلة بعد عام. (3)

فمنح النبي الكريم محمد للأرامل حق الزواج حيث قال بأن لديها حقوقًا بشأن اتخاذ قرار زواجها أكثر مما لدى وليها. كما جاء في الحديث الشريف قول رسول الله :

«لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ» (4).

ولتبديد مشاعر الكراهية والاشمئزاز من النساء التي كانت سائدة في الجاهلية، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :

«حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ.» (5)

وذات مرة قال رسول الله : «بشكل عام فإن النساء تمتلك مقدرات تجعلها، رغم ضعفها الفكري، تتفوق على الرجال.»(6)

وقد خصص رسول الله بناء على طلب النساء يومًا لهن فقط لتعليمهن وتدريبهن، وكان في ذلك اليوم يعظهن ويجيب على أسئلتهن. (7)

لقد أشرك رسول الله النساء في الحياة الاجتماعية العامة، حيث نصح أن يشارك كل الرجال والنساء والفتيات في العيد وغيره. وقال بأنه إن لم يكن لإحداهن جلبابا فلتلبسها صاحبتها جلبابا ولتشهد الخير ودعوة المؤمنين. ونصح أيضا الحُيَّض أن يخرجن للعيد ليشتركن بالدعاء وإن لم يصلين. (8)

لقد رفع رسول الله من شأن المرأة بصورة فريدة في تاريخ البشرية سواء أكانت أماً أو ابنة أو أختًا؛ فأخبرنا أن «الجنة تحت أقدام الأمهات». (9)

كما بشر بالجنة الذين يحسنون تربية بناتهم،وكان قدوة للصحابة ومدرسة للقيم الإنسانية فعندما كانت ابنته فاطمة رضي الله عنها، تأتي لزيارته كان يقوم إكرامًا لها. لقد أقام احترام وكرامة الزوجات وجعلهن ملكات البيت، وقال : «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي.» (10)

لقد اهتم رسول الله بشكل خاص باحترام النساء وحساسيتهن كما يتبين جليا من الحديث التالي:

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَغُلَامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ يَحْدُو فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : « يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ.َوقَالَ أَبُو قِلَابَةَ : تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ.»(11)

لا شك أنه كان عملاً شجاعًا من رسول الله بأن يدافع عن حقوق النساء في زمن كان المجتمع كله ينظر إليهن بازدراء. وكان متفردًا في حمل لواء حقوق الإنسان .

في مجتمع كانت حقوق النساء فيه مفقودة كليًا وكن يجدن معاملة أسوأ من معاملة العبيد، جعل رسول الله منهن ملكات البيوت وقال: «المرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها».(12) وقد بيّن بالكامل حقوق المرأة.

روى معاوية بن حيدة، أن رسول الله أجاب على سؤال متعلق بحقوق المرآة فقال:

أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ. (13)

 

شهادة المستشرقين

لقد كتبت المستشرقة الإيطالية الأستاذة الدكتورة «فاجليري» في كتابها « تفسير دين الإسلام»، هذه الكلمات عن حماية حقوق النساء في الإسلام: «قبل ظهور الإسلام، لم يكن هناك حد لعدد الزوجات، وما سمحت الشريعة الإسلامية بتعدد الزوجات إلا بشروط كثيرة مفروضة. لم يسمح الإسلام بالزيجات المشروطة أو المؤقتة التي كانت ذريعة لارتكاب الفواحش. كما أعطى الإسلام المرأة حقوقًا لم تكن قد تمتعت بها قط من قبل. ومع أن النساء في أوروبا يتمتعن بمكانه اجتماعية عظيمة، إلا أننا لو رجعنا بضع سنوات إلى الوراء وقارنا استقلالية النساء الأوروبيات باستقلالية النساء المسلمات، لتبين جليًا بأن مكانة النساء الأوروبيات قانونًا كانت أقل بكثير من مركز نظيراتهن المسلمات. وهذا الوضع مستمر في بعض الدول حتى اليوم. وتشارك المرأة المسلمة إخوتها في الميراث. ولا تُزَوَّج كرها، ولا ينبغي أن يعاملها زوجها بقسوة. ومن حقها مطالبة زوجها بالمهر وإعالة حتى لو كانت ثرية. وإذا كانت المرأة قادرة فلها أن تدير ممتلكاتها بنفسها.»(14)

شهادة «جون دافنبورت»:

«لقد ضَمِن محمد قبل ألف وثلاثمئة عام للأمهات والزوجات والبنات المسلمات مكانةً وكرامة لم تؤمّنهما القوانين الغربية للمرأة.» (15)

الحقيقة أن رسول الله الذي هو رحمة للعالمين قد دعم النساء وأقام لهن حقوقهن كاملة، وبتعليمه النقي تمتعت المرأة بكامل حقوقها و أخذت دورها الحقيقي وعرفت دورها في صناعة وبناء الإنسان خليفة الله تعالى في الأرض.

ونختم بكلمات مؤثرة للسيدة ، نواب مباركة بيغم بنت المسيح الموعود ، حيث تحدثت في خطاب مليء بالامتنان عن الثورة التي أحدثها النبي الكريم محمد   في نصرته للمرأة قائلة:

أيتها الأخت، تذكري الأيام التي كنت تدفنين فيها حيّة،

حتى جدران المنزل حزنت حين وُلدت،

عندما كان الشعور الزائف بالشرف لدى الأب يغلي،

كانت أمك تشعر بالرعب كما لو أنها أنجبت ثعبانًا،

أولئك الذين غذّوك بدم الحياة، هم الذين يسفكون دمك،

طغى شعور الكراهية تجاهك على شعور الحب الطبيعي،

ما كانت قيمتك؟ كم كنت تُحترمين؟

كان الأسوأ من ذلك مصيرك، إن صدفَت وبقيت على قيد الحياة،

كونك امرأة كان خطأً فادحًا ومدعاة لكل قهر،

ولا سبيل للتكفير عن هذه الجريمة، كنت تعاقبين حتى النهاية،

كان الأمر كما لو كنت حجرًا بلا شعور أو مشاعر،

تذكرن مذلة أن توّزعي كإرث،

فظهر «الرحمة للعالمين» وأصبح هو حاميك،

أصبحت إنسانا وضمن حقوقك وحماك من الظلم،

صلي يوميا على فاعل الخير هذا مئات المرات ،

النبي الكريم محمد أفضل الرسل!

المراجع

  1. (النحل: 59-60)
  2. مسند الامام أحمد بن حنبل الجزء1 ص223 القاهرة
  3. صحيح البخاري كتاب الطلاق باب الكحل للحادة
  4. صحيح البخاري كتاب الحيل باب في النكاح
  5. سنن النسائي كِتَاب عِشْرَةِ النِّسَاءِ بَاب حُبِّ النِّسَاءِ
  6. مسلم کتاب الایمان باب بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَانِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ. صحیح ابن خزیمه الجزء1ص495
  7. صحيح البخاري كتاب العلم بابمن جعل لأهل العلم أياما معلومة .
  8. صحيح البخاري كتاب العيدين باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد
  9. سنن النسائي كِتَاب الْجِهَادِ باب الرُّخْصَةُ فِي التَّخَلُّفِ لِمَنْ لَهُ وَالِدَةٌ
  10. ترمذی کتاب المناقب باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم
  11. صحيح مسلم کتاب الفضائل باب فِى رَحْمَةِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- لِلنِّسَاءِ وَأَمْرِ السُّوَّاقِ مَطَايَاهُنَّ بِالرِّفْقِ بِهِنَّ. (18)
  12. صحيح البخاري کتاب الاستقراض وأداء الديون باب العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه
  13. سنن أبي داود کتاب النكاح باب فِى حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا
  14. An Interpretation of Islam p.37,41
  15. Muhammad and Teaching of Quran by John Davenport p.126
Share via
تابعونا على الفايس بوك