ولكن شبه لهم

طالَعَنا كُتيبٌ للشيخ محمد يوسف اللدهيانوي بمقال تحت عنوان “رد على بعض الشبهات المتعلقة بنزول عيسى (عليه السلام)” .. كتبه جوابًا على خطاب من “مسلم متواضع” ليس له أي ارتباط بالأحمدية، ولكنه يعتقد بوفاة عيسى ، ويكتب في بداية خطابه أن كثيرًا من العلماء في الأمة يعتقدون بوفاة المسيح عيسى .

وقد حاول السيد اللدهيانوي بذل مجهود كبير لإثبات حياة سيدنا عيسى في مقالته، وفي السطور القادمة ستعرفون مدى نجاحه في هذا الصدد، لأن إثبات حياة الموتى ليس سهلاً وخاصة في القرن العشرين الذي هو قرن العلوم والتكنولوجيا والذي لا يتقبل فيه أي إنسان عادي هذه العقيدة البالية المهملة، فما بالك بأهل العلم والعقول الذين أضيئت فراستهم بنور القرآن الكريم والنور المصطفوي.

لقد تسربت عقيدة حياة المسيح في الإسلام في القرون الأولى عن طريق المسلمين الجدد الذين اعتنقوا الإسلام من المسيحية. ووقع الكثير من العلماء الكبار فريسة لهذه العقيدة الخاطئة، على أساس خلفية الأنباء المتعلقة بنزول المسيح. ولقد ترسخت هذه العقيدة بمرور الزمن وأصبحوا يعتبرونها أصلاً من أصول الدين وأفتوا بالكفر لمن ينكرها.

ولقد كان هناك في كل الأزمان بعض العلماء الذين دحضوا هذه العقيدة الخاطئة بسبب نور فراستهم، معتمدين على القرآن الكريم والحديث الشريف. لقد تغير الزمن الآن. وسئم عدد كبير من المسلمين من هذه العقيدة غير القابلة للفهم. ومع ذلك حاول اللدهيانوي إقناع هذا السائل بحياة المسيح، ولكن سيتبين عندما يأتي الرد هنا مدى خطأه في هذه العقيدة.

إجماع الأمة!!

يقول السيد اللدهيانوي في مقدمته للكتيب: “إن عقيدة حياة سيدنا عيسى (عليه السلام) ومجيئه ليست بالعقيدة المختلف عليها، بل إن كل الأمة الإسلامية من سيدنا محمد حتى مجدد القرن الثاني عشر ومحدّث الأمة شاه ولي الله الدهلوي قد أجمعوا على هذه العقيدة.

إنه لشيء محيّر أن السيد اللدهيانوي قد أشار إلى “إجماع هؤلاء العلماء” وتجاهل القرآن والسنة وأحاديث الرسول المتعلقة بهذا الأمر الأساسي، وبهذا يظهر بوضوح ضعف موقفه!!

أيها الأستاذ!! لو كان موقفك صحيحا لهذه الدرجة، فلماذا لم تبدأ بالاستدلال من القرآن والأحاديث. لقد وصفت هذه العقيدة الفاسدة المريبة التي انتشرت لعدم فهم الناس في القرون الضالة، باسم الإجماع، وسنكشف سر هذا الإجماع وسنثبت كالشمس في نصف النهار جسارتك على قولك بانعقاد الإجماع على هذه العقيدة. ولكن عليك أن تخبر لماذا لم تفضّل القرآن على إجماع العلماء؟ ألم تعرف، برغم ادعائك أنك عالم دين، أن مسألة الإجماع لا تتحقق إلا عند انعدام وجود نصوص صريحة في القرآن والأحاديث على صحة هذه القضية. فلماذا لا تفضل القرآن. أم ترى أن الأمة بأجمعها لم تتفق مع القرآن الكريم؟ لقد اضطررت لعدم ذكر ما ورد في القرآن لأنك تعرف أنه لا توجد أي آية في القرآن تؤكد حياة المسيح، بل على العكس هناك الكثير من الآيات التي تثبت وفاة المسيح بالقطع. والكثير من أقوال الرسول ترشدنا في هذا الصدد وتدل على وفاة المسيح قطعا. ولم نر أي حديث صحيح قال فيه الرسول أن المسيح لم يمت وأنه موجود حي في السماء. ثم كيف تدعي بالإجماع في حين أن كثيرا من علماء الأمة ومن الأسلاف قد اعترفوا دائما بوفاة المسيح، وعبروا دائما عن نزول سيدنا عيسى بتعبير مجازي.

إجماع الصحابة على وفاة المسيح

ثم نتعجب لماذا أغمضت عينك عن ذلك الإجماع ذي الشأن العظيم الذي وقع بعد وفاة نبينا الأكرم مباشرة. إن الإمام البخاري رحمة الله عليه قد ذكر هذا الإجماع الأول للصحابة في الإسلام في صحيحه، وفي عدة أماكن عن ثلاثة رواة. وهذا هو تفصيل هذا الإجماع ذي الشأن العظيم:

“أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا”. (صحيح البخاري، كتاب الجنائز)عن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ: اجْلِسْ. فَأَبَى فَقَالَ: اجْلِسْ. فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ … إِلَى الشَّاكِرِينَ (صحيح البخاري، كتاب الجنائز)

وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمَعُ بشرا من الناس إلا يتلوها. فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعُقرتُ حتى ما تُقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي قد مات.

أيها الشيخ اللدهيانوي! أخبرني كيف تنكر هذا الإجماع العظيم. لو كان هناك أي صحابي كان يعتقد أن سيدنا المسيح الناصري موجود حي في السماء لرد بشدة على هذا الاستدلال الذي قدمه سيدنا أبو بكر على وفاة كل الأنبياء ومن بينهم النبي ، ولقال: يا أبا بكر، إن سيدنا عيسى موجود حيّ في السماء، فكيف تقول إن الأنبياء السابقين قد توفوا ولذلك لا بد وأن يتوفى الرسول !

من يمكنه أن ينكر هذا الإجماع ذا الشأن العظيم بعد أن سجله صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله. إننا نترك هذا القرار لكل صاحب بصيرة وليس للسيد اللدهيانوي. هذا الحديث الصحيح للبخاري والآية القرآنية:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (آل عمران: 145)..

يشهدان على بطلان زعمك بإجماع الأمة على حياة المسيح عيسى ابن مريم. وإننا نقول كما قال سيدنا أبو بكر : من كان يعبد سيدنا عيسى فليعرف أن إلهه (عيسى) قد مات بدليل القرآن.

أقوال صلحاء وعلماء الأمة بوفاة عيسى

والآن نقدمُ فيما يلي بعض أقوال صلحاء الأمة، مما يوضح كذبك المتعمد في ادعاء الإجماع للأمة كلها.

1- إن سيدنا الإمام الحسن (رضي الله عنه) لم يعتقد بالرفع الجسدي للمسيح، بل على عكس ذلك كان يعتقد برفعه الروحاني وموته الطبيعي. ولقد نقل ابن سعد قول سيدنا الإمام الحسن (رضي الله عنه) في الطبقات الكبرى عند وفاة سيدنا علي (كرم الله وجهه) وهو:

“ولقد قُبض في الليلة التي عُرج فيها بروح عيسى بن مريم: ليلة سبع وعشرين من رمضان” (2).

2- كما اعترف الصحابي الكبير ومفسر القرآن عبد الله بن عباس ، بوفاة المسيح. ولقد نقل الإمام البخاري مذهبه هذا في صحيحه قائلا: “قال ابن عباس: متوفيك: مميتك” (3).

3- لقد أعلن وفاة عيسى ابٍن مريم جارودُ بن معلّى الصحابي في خطبته بعد وفاة الرسول . وقد ذكره العلامة محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية في كتابه “مختصر سيرة الرسول ” قائلا:

“إنه قال: ما شهادتكم على موسى؟ قالوا: نشهَدُ أنه رسول الله. قال: فما شهادتكم على عيسى؟ قالوا: نشهد أنه رسول الله. قال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. عاش كما عاشوا ومات كما ماتوا” (4).

4- إن الإمام مالك رحمة الله عليه يعترف بوفاة المسيح، وقد كتب العلامة الشيخ محمد طاهر في مؤلفه “مجمع بحار الأنوار”: “والأكثر أن عيسى لم يمت وقال مالك: مات” (5).

5- والعالم الشيعي المشهور العلامة القمي المتوفي عام 381 هجريا يعترف بوفاة المسيح وهو يقول في كتابه “إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الرجعة”: “ولم يقدروا على قتله وصلبه لأنهم لو قدروا على ذلك كان تكذيبا لقوله تعالى، ولكن رفعه الله إليه بعد أن توفاه” (6).

6- والعلامة الجبائي وهو عالم شيعي يعترف بوفاة المسيح. يقول العلامة الطبرسي في تفسيره مجمع البيان تحت آية فَلَمَّا تَوَفَيْتَنِي **: “أي قبضتني إليك وأمتَّني: عن الجبائي” (7)

7- وقد ذكر العلامة ابن تيمية في مؤلفه “مجموعة الرسائل الكبرى” عن وفاة المسيح: “ومعلوم أن هذا الذي في التوراة والإنجيل من الخبر عن موسى وعيسى بعد توفيهما ليس هو مما أنزله الله ومما تلقوه عن موسى وعيسى” (8)

8- وقد قال العلامة ابن قيم في “زاد المعاد” ردا على عقيدة الرفع الجسماني للمسيح : “وأما ما يذكر عن المسيح أنه رُفع إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة فهذا لا يُعرف له أثر متصل يجب المصير إليه” (9)

9- وقد اعترف بموت المسيح العلامة ابن حيان في القرن الثامن في تفسيره “فتح القدير” نقلا عن بعض العلماء فيما يتعلق بمعنى كلمة التوفي أي الموت وذَكَرا: “قيل هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه” (10)

10- ويعترف العلامة أبو مسلم الأصفهاني بوفاة المسيح حيث يقول العلّامة الرازي في تفسيره الكبير تحت آية وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ (آل عمران: 82): “(الأول) ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني فقال: ظاهر الآية يدل على أن الذين أخذ الله الميثاق منهم يجب عليهم الإيمان بمحمد عند مبعثه، وكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكونون عند مبعث محمد من زمرة الأموات” (11)

11- ويقول العلامة محيي الدين ابن عربي في تفسير قوله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ردًّا على رفع المسيح بجسده واعترافًا برفعه الروحاني: “رَفْعُ عيسى اتصال روحه عند المـُفارقة عن العالم السفلي بالعالم العلوي” (12)

والعلامة ابن عربي كان من ضمن هؤلاء الأصفياء الصلحاء الذين يقصدون بنبأ البعث للمسيح بجسده الآخر أنه نزوله الروحاني، وهو يقول: “ولما كان مرجعه إلى مقره الأصلي لم يصل إلى الكمال الحقيقي وجب نزوله في آخر الزمان بتعلقه ببدن آخر” (13)

12- وها هي شهادة العلامة ابن الوردي: “وقالت فرقة: نزول عيسى خروج رجل يشبه عيسى في الفضل والشرف كما يقال للرجل الخَيّر ملك، وللشرير شيطان، تشبيهًا بهما ولا يُراد الأعيان. (14)

13- ويعترف العلامة ابن حزم بوفاة المسيح ويكتب في كتابه “المحلَّى” : “إن عيسى لم يقتل ولم يصلب، ولكن توفاه الله ثم رفعه إليه.” (15)

14- قد أفتى الإمام الأكبر العلامة محمود شلتوت مفتي مصر بتأكيد وفاة عيسى في “الفتاوى” قائلا: “والمعنى أن الله توفى عيسى ورفعه إليه وطهره من الذين كفروا…. وقد فسر الألوسي قوله تعالى إنِّي مُتَوَفِّيْكَ بوجوه منها، وهو أظهرها.. إني مستوفي أجلك ومُميتك حَتف أنفك. لا أُسلط عليك من يقتلك، وهو كناية عن عصمته من الأعداء وما هم بصدده من الفتك به ، لأنه يلزم من استيفاء الله أجله وموته حتف أنفه.. وظاهر أن الرفع الذي يكون بعد التوفي هو رفع المكانة لا رفع الجسد. فمن أين تؤخذ كلمة السماء من كلمة (إليه)؟ اللهم إن هذا لظلم للتعبير القرآني الواضح خضوعًا لقصص وروايات لم يَقُم على الظن بها، فضلا عن اليقين، برهان ولا شبه برهان” (16)

15- مفسر القرآن العلامة محمد عبده مفتي مصر اعترف بوفاة المسيح وكتب: “فإن هذه بشارة بإنجائه من مكرهم ولم ينالوا منه ما كانوا يريدون بالمكر والحيلة…. فالمتبادر في الآية إني مُميتك وجاعلك بعد الموت في مكان رفيع كما قال في إدريس : وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ” (17)

16- وقد قال مفسر القرآن العلامة رشيد رضا في “تفسير القرآن الحكيم” تحت آية إنِّي مُتَوَفِّيْكَ بموت المسيح ورفعه الروحاني: “إن الآية على ظاهرها وإن التوفي على معناه الظاهر المتبادر هو الإماتة العادية، وأن الرفع يكون بعده وهو رفع الروح”. (18)

17- وقد كتب العلامة أحمد المصطفى المراغي في تفسير آية إنِّي مُتَوَفِّيْكَ : “إن الآية على ظاهرها وإن التوفي هو الإماتة العادية، وأن الرفع بعده للروح … والمعنى إني مميتك وجاعلك بعد الموت في مكان رفيع كما قال في إدريس : وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ” (19)

18- ويقول العلامة الدكتور محمد محمود الحجازي (أستاذ جامعة الأزهر) “مكر الله بهم إذ قال الله: يا عيسى إني متوفيك أجلك كاملاً ولن يعتدي عليك معتدٍ أبدًا. فهذه بشارة له بنجاته من مكرهم وتدبيرهم. ورافعك في مكان أعلى. والرفع رفع مكانة لا مكان كما قال تعالى في شأن إدريس : وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ، وكقوله في المؤمنين : فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ فليس المعنى .. والله أعلم به. أن عيسى رُفع إلى السماء وأنه سينزل آخر الدنيا وستوفي أجله ثم يموت”. (20)

19- ويعترف الأستاذ عبد الوهاب النجار بوفاة المسيح ويكتب في مؤلفه (قصص الأنبياء) عن نهاية سيدنا المسيح الناصري : “والذي اختاره أن عيسى قد أنجاه الله من اليهود. فلم يقبضوا عليه. ولم يُقتل ولم يُصلب. وأن الوجه الثاني وهو أن المراد من الآية إني مستوف أجلَكَ ومُميتُك حتف أنفك لا أسلط عليك من يقتُلك. وأن الآية كناية عن عصمته من الأعداء ..هو الوجه الوجيه الذي يجب أن يصار إليه” (21)

20- ويقول الألوسي أن قوله تعالى إنِّي مُتَوَفِّيْكَ : معناه على الأوفق: إني مستوفٍ أجلك. ومميتك موتا طبيعيا. ولا أسلّط عليك من يقتُلك والرفع الذي كان بعد الوفاة هو رفع المكانة لا رفع الجسد. خصوصا وقد جاء بجانبه قوله تعالى: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا . مما يدل على أن الأمر تشريف وتكريم. (22)

21- ويقول الإمام الرازي: “إني متوفيك: أي إني مُنهي أجلك. ورافعُك: أي رافع مرتبتك ورافع روحك إليّ. ومطهرك: أي مخرجك من بينهم ومفرق بينك وبينهم. وكما عظّم شأنه بلفظ الرفع إليه خبَّر عن معنى التخليص بلفظ التطهير. وكل هذا يدل على المبالغة في إعلاء شأنه وتعظيم منزلته”. وقال في معنى قوله تعالى: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا .. “المراد بالفوقية: الفوقية بالحجة والبرهان”. ثم يقول : “واعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله وَرَافِعُكَ إليَّ هو رفع الدرجة والمنقبة لا المكان والجهة. كما أن الفوقية في هذه الآية ليست بالمكان بل بالدرجة والمكانة”. (22)

22- ويقول الأستاذ سيد قطب: “لقد أرادوا قتل عيسى وصلبه. وأراد الله أن يتوفاه وفاة عادية ففعل. ورفع روحه كما رفع أرواح الصالحين من عباده. وطهره من مخالطة الذين كفروا ومن البقاء بينهم وهم رجس دنس”. (24)

23- وقال الأستاذ محمد الغزالي: “أميل إلى أن عيسى مات. وأنه كسائر الأنبياء مات ورُفع بروحه فقط. وأن جسمه في مصيره كأجساد الأنبياء كلها. وتنطبق عليه الآية إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون والآية وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ .. وبهذا يتحقق أن عيسى مات. (25)

24- ويقول الأستاذ صلاح أبو إسماعيل: “إذا كان رفع عيسى رفعًا حسيا معجزةً فما فائدة وقوعها غير واضحة أمام معاندي المسيح وحاجبي رسالته. وأنا اعتقد أن كلمة “متوفيك” تعني وعدًا من الله بنجاة عيسى من الصلب ومن القتل كما وعد محمدًا بأن الله يعصمه من الناس. (26)

25- والأستاذ محمد أبو زهرة يقول: إن نصوص القرآن لا تلزمنا بالاعتقاد بأن المسيح رُفع إلى السماء بجسده. وإذا اعتقد أحد أن النصوص تفيد هذا وترجحه فله أن يعتقد في ذات نفسه. ولكن له أن يلتزم ولا يُلزم. (27)

26- ويقول الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية العلوم بجامعة القاهرة: “خير لنا أن نرى الرأي الذي يقول إن عيسى مات وإنه انتهى. وإنه كغيره من الأنبياء لا يحيا إلا بروحه فقط حياة كرامة وحياة رفعة الدرجة”. (28)

27- السيد الخواجة غلام فريد (من قرية جاجران شريف. بالهند) يعترف بوفاة المسيح . ورد في “إشارات فريدي” باللغة الفارسية ما ترجمته: “تطرق الحديث عن رفع سيدنا عيسى . فسأل أحد من الحاضرين: يا سيدي. هل رُفع سيدنا عيسى بجسده العنصري أم رُفع بروحه الطاهرة بعد موته الطبيعي؟ فقد قال السيد الخواجه: إن سيدنا عيسى قد رُفع مثل الأنبياء والأولياء الآخرين أي رُفع روحانيًا”. (29)

28- والعلامة عبيد الله السندهي قال في “إلهام الرحمان في تفسير القرآن” ما ترجمته: “متوفيك” أي سأميتك. وما هو معروف لدى الناس عن حياة سيدنا عيسى فهو أساطير من اليهود والنصارى. (30)

29- والنواب أعظم يارجنغ يعترف بوفاة المسيح ويقول: “إن سيدنا عيسى قد مات يقينا. وهذا الخبر موجود في موضع آخر في  القرآن المجيد أي: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ (آل عمران: 56). إن المفسرين قد اختلفوا في تفسيرها بل إنهم عكسوا ترتيب قراءتها هكذا: “رافعك إليّ ومتوفيك”. ولكن هذه ليست عبارة القرآن الأصلية. نعم. إذا كان لدى المفسرين مصحف جديد فقد تكون فيه .. وقد وضح الله هذا في موضع آخر بالآية: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ (المائدة: 118)

ثم هناك دليل على موته في هذه الآية التالية: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا (الزمر: 43). (31)

30- السيد أحمد خان السير مؤسس جماعة عليكره الشهيرة يعترف بوفاة المسيح ويكتب: “إن مسألة وفاة المسيح تحتاج إلى التفكر … لا بد أن نفكر في القرآن المجيد ونرى ماذا كتب فيه. قد ذُكر موت سيدنا عيسى في أربعة مواضع في القرآن المجيد : (آل عمران: 56 والمائدة: 118 ومريم 33 إلى 35). ويتبين منها أن موت سيدنا عيسى واضح جدا ولكن بعض علماء الإسلام اعتقدوا. قبل أن يتفكروا في هذا المعنى للقرآن المجيد. بأن عيسى قد صعد إلى السماء. وهذا تقليد لبعض فرق النصارى. ولذلك حاولوا تغيير بعض كلمات هذه الآيات طبقا لمعتقدهم غيرالسليم … وفي الآية الرابعة ذكرت كلمة الرفع المقصود بها بيان مقام ومنزلة سيدنا عيسى “. (32)

31- ويقول العالم الشهير في كل القارة الهندية مولانا أبو الكلام آزاد: “إن ذكر وفاة المسيح موجود في القرآن”. (33)

32- ويقول العلامة عناية الله المشرقي (مؤسس حركة خاكسار) في تفسيره “تذكرة” تحت آية بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ : “بل يوجد فيه العبرة بأن موت سيدنا عيسى قد وقع حسب سنة الله التي قال عنها القرآن: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (34)

33- ويقول غلام أحمد برويز : (مدير مجلة “طلوع الإسلام”) في كتابه “شعلة مستور”: “وفيما يتعلق بعقيدة النصارى أنه رُفع إلى السماء حيًّا. فإن القرآن لم يؤيد ذلك بل توجد هناك الشواهد التي توضح أنه قد توفي مثل الرسل الآخرين بعد انتهاء مدة عمره”. (35)

34- والعلامة إقبال الشاعر الشهير قد اعترف في إحدى مقالاته المكتوبة عن الجماعة الإسلامية الأحمدية بوفاة المسيح بوضوح وكتب: “وحسب ما فهمت عن هذه الحركة فإن المرزائيين يعتقدون أن سيدنا عيسى قد تُوفي مثل أي إنسان فان، ويقصدون بظهوره مرة ثانية ولادة أحد يشبهه روحانيًّا. وهذا معقول إلى حدٍ ما. (36)

والآن يا سيد اللدهيانوي !!! قل؟ أين إجماعك المزعوم عن حياة المسيح؟

نعم، أين إجماعك الذي تشدقت عنه كذبا و زورًا ومحاولة لذر الرماد في أعين العالم. (يُتبع)

 

الهوامش

(1)البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي وكتاب الجنائز، باب الدخول على الميت، وكتاب المناقب، باب مناقب أبي بكر.

(2) الطبقات الكبرى لابن سعد، المجلد الثالث في البدريين من المهاجرين والأنصار ص 39، دار بيروت للطباعة والنشر.

(3) البخاري، كتاب التفسير، سورة المائدة.

(4) مختصرسيرة الرسول للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 187، دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

(5) مجمع بحار الأنوار ص 286، تحت مادة حكم، مطبوعة في مطبعة منشي نول كشور، الهند.

(6) إكمال الدين واتمام النعمة في إثبات الرجعة، للشيخ أبي جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ص 291 المطبعة الحيدرية، نجف.

(7) مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، الجزء الثالث ص 269.نه

إحياء التراث العربي، بيروت.

(8) الجزء الأول من مجموعة الرسائل الكبرى لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي ص 80 و 81، الطبعة الأولى 1323، المطبعة العامرية الشرفية ،بمصر.

(9). زاد المعاد في هدي خير العباد. لابن الجوزية، ج1 ص 84، مؤسسة الرسالة، بيروت.

(10) أ. تفسير البحر المحيط، ج4 ص 61، الناشر مكتبة ومطابع النصر الحديثة، الرياض 1350 هـ

ب. تفسير فتح القدير للعلامة الشوكاني الجزء الثاني ص90، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة

(11) التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي ج8 ص 116 الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، طهران.

(12) تفسير القرآن الكريم للشيخ محي الدين ابن عربي المتوفى سنة 638هج. تحقيق وتقديم الدكتور مصطفى غالب، المجلد الأول ص 296، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

(13) المرجع السابق.

(14) جريدة العجائب وفريدة الغرائب ص 263 لسراج الدين أبي حفص عمر بن الوردي المتوفى 749هـ، النشر مصطفى البابي الحلبي، مصر. الطبعة الثانية.

(15) المحلّى للحافظ أبي محمد علي بن حزم الأندلسي الظاهري، الجزء الأول ص 24، مطبعة الإمام، مصر.

(16) الفتاوى.. دراسة لمشكلات المسلم المعاصر في حياته اليومية والعامة، للإمام الأكبر محمود شلتوت ص 63، دار الشروق، القاهرة.

(17) تفسير القرآن الحكيم للأستاذ محمد عبده، الجزء الثالث ص 316، الطبعة الأولى، مطبعة المنار، مصر 1325هـ.

(18) تفسير القرآن الحكيم، الجزء الثالث ص 317، تأليف السيد محمد رشيد رضا، الطبعة الثانية، أصدرتها دار المنار، 1366هـ، القاهرة.

(19) تفسير المراغي لأحمد مصطفى المراغي الجزء الثالث ص 169، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة.

(20) التفسير الواضح للدكتور محمد محمود الحجازي، ج1 ص 64، مطبعة الاستقلال، القاهرة.

(21) قصص الأنبياء ص 423، تأليف عبد الوهاب النجار، الطبعة الثالثة، دار الإحياء للتراث العربي.

(22) روح المعاني للألوسي.

(23) التفسير الكبير للرازي.

(24) في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب.

(25) مقارنة الأديان رقم 2، المسيحية، للدكتور أحمد شلبي، الطبعة الثانية، 1984 م، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ص 57 إلى 70)

(26) المرجع السابق

(27) المرجع السابق

(28) المرجع السابق

(29) إشارات فريدي الجزء الرابع ص 163، المطبعة العمودية لرفيق، لاهور1346هـ

(30) إلهام الرحمان في تفسير القرآن، سورة الفاتحة إلى سورة المائدة، العلامة عبيد الله السندهي ص 240، الناشر علامة محمد معاوية، إدارة بيت الحكمة، ملتان، باكستان.

(31) تهذيب الأخلاق، المجلد الثالث ص 221 و 222. مقالات النواب أعظم يارجنغ المولوي علي خان، طبع في سنة 1896

(32) التصانيف الأحمدية الجزء الأول المجلد الرابع وتفسير القرآن المجلد الثاني ص 40 إلى 47 سنة 1903 في مطبعة مفيد عام في آغرا، الهند.

(33) مخطوطات آزاد، ترتيب محمد أجمل خان ص 130

(34) تذكرة المجلد الأول ص 17 للعلامة محمد عنايت الله خان المشرقي الهندي، مطبعة وكيل أمرتسار، تحت إشراف محمد عبد العزيز.

(35) سلسلة معارف القرآن و (شعلة مستور) ص 72، الناشر إدارة طلوع الإسلام، لاهور.

(36) رسالة الدكتور محمد إقبال عن (المرزائيت) إلى بندت جواهر لعل نهرو، الناشر سكرتير الإشاعة والتبليغ، بالمسجد المبارك في شارع برانس بلاهور، 17 فبراير 1936. الأحمدية والإسلام وختم النبوة، إدارة طلوع، كراتشي، ص 29.

Share via
تابعونا على الفايس بوك