
- كيف كانت الخلافة منذ البدء مشروع توحيد وتأليف للقلوب؟
- لماذا يمنى العالم بالعذاب رغم مقابلته كلمات الخليفة بالتصفيق؟!
___
لم يعد هناك شك في أن ساسة وزعماء هذا العصر باتوا يدركون تمام الإدراك أن مصلحة العالم إنما تكمن في اتباع السبيل الموصوف في وحي الله تعالى، ولكن مصالحهم ورغباتهم الشخصية والقومية هي ما يحرمهم من قبول الحق إلى الأبد ويُعرِّضهم للعذاب(1)، يقول عن موقف أسلاف هؤلاء:
وها هي بوادر العذاب تلوح في الأفق، ومع هذا لا تزال الفرصة سانحة، ولم يُغلق باب التوبة بعد، ولكن، من يدري إلامَ يظل مفتوحًا؟!
لقد قدَّر الله تعالى منذ البدء أن يكون هذا الباب هو مشروع الخلافة الرباني، والذي استنَّه كمشروع توحيد وتأليف للقلوب، ومع ذلك لا يُلغي هذا التوحيد حرية الاختيار، بل يؤصِّل لاحترامها، بحيث لن يجد الناظر المتفكر خيرًا من هذا النظام الرباني في احتواء هذه القيمة الإنسانية، أي حرية الاختيار. والعجيب أن كلمات التنزيل الحكيم تعاملت مع موضوع الخلافة ذاك كقضية حيوية، وبوصفه سبيل النجاة الوحيد، ولا نجاة في سلوك أي سبيل سواه، فليت الإنسانية تدرك ألاَّ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ. وقد عانت الأمم الخالية من مثل ما تعاني أمتنا هذه في آخر الزمان، مع الفارق في حجم المعاناة، باعتبار الفارق في حجم واتساع الأمم أيضا، وجاء النبيون تباعا ليقدموا إلى أقوامهم سبيل الخلاص. وثبت بوضوح ألا جدوى من حمل الدواء والاعتناء به، بل لا بد من تعاطيه، بغية التماثل للشفاء، وبنفس الأسلوب نرى ضرورة التعامل مع الخلافة، فلا يكفي تصفيق الساسة والقادة والبرلمانيين والصحفيين لإرشادات خليفة الوقت وخطاباته، بل ينبغي كذلك السير بمقتضى توجيهه لبلوغ المرام المنشود.
ومن المفارقات الجديرة بالالتفات أن لفظ “الخلافة” لفظ مفرد لا يُجمَع إلا على “الخلافات”. وقد رأينا من أحداث التاريخ مصداقية هذه المفارقة مرارا، بما يُثبت أن الخلافة الربانية مثلت عامل التوحيد الأول للبشرية، بينما مثلت كافة الحركات والأنظمة المناهضة لها عامل الشقاق والتفرقة الأبرز.
إن أقدم القضايا الخلافية في تاريخنا الإنساني هي قضية الخلافة، حتى إننا لا نجانب الصواب لو قلنا إنها أقدم القضايا الإنسانية على الإطلاق، وأكثرها إثارة للجدل إلى هذه اللحظة، الأمر الذي يتضمن ما لهذه القضية، أي الخلافة، من أهمية كبرى، وهي على الأرجح، مدار الخليقة الإنسانية في هذا العالم.
وثبت بوضوح ألا جدوى من حمل الدواء والاعتناء به، بل لا بد من تعاطيه، بغية التماثل للشفاء، وبنفس الأسلوب نرى ضرورة التعامل مع الخلافة، فلا يكفي تصفيق الساسة والقادة والبرلمانيين والصحفيين لإرشادات خليفة الوقت وخطاباته، بل ينبغي كذلك السير بمقتضى توجيهه لبلوغ المرام المنشود.
والجدير بالذكر في هذا الصدد أن هذا الشهر مايو من كل عام هو الشهر الذي سطعت فيه شمس نهار الخلافة الثانية على منهاج النبوة، بعدما أفل قمر الأمة بانتقال سيدنا المسيح الموعود إلى الرفيق الأعلى في السادس والعشرين من مايو عام 1908م، ففي السابع والعشرين منه تعودُنا ذكرى تضميد الله تعالى ذلك الجرح في قلب جماعة المؤمنين، وكان الضِّمادُ الإلهي الفوري بقيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ليكون عهد الخلافة امتدادًا طبيعيًّا لعهد بركة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ومن قبله سيدنا خاتم النبيين محمد المصطفى .
ويحفل إصدار هذا الشهر من مجلة التقوى بباقة مميزة من المواضيع الدائرة في أفلاكها حول محور واحد، هو قضية الخلافة، فيتحدث حضرة أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) في كلمته عن السبيل الأمثل لنشر السلام في أرجاء المعمورة. كذلك يأتي ضمن مواضيع العدد موضوع يتناول الخلافة بوصفها العلاج الفعال لكافة مشكلات العالم ومعضلاته المزمنة. هذا بالإضافة إلى شيء من مُلح الأدب على هامش الموضوع الرئيس.
إن الخلافة استمرار لاتصال السماء بأهل الأرض، ذلك الاتصال الذي ظننا أنه سينقطع، لا سمح الله، برحيل النبي. أفلا ينبغي لنا أن نبتهج إذن بذلك الاتصال وما يترتب عليه من هدي ووصال؟!
الهوامش:
- حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد، التفسير الكبير، ج4، ص1-2، الطبعة العربية الأولى، الشركة الإسلامية المحدودة، لندن، 2004.
- (النمل: 15)