سيرة المهدي - الجزء 1 الحلقة 23
  • صداقات وعلاقات طيبة
  • النشاط المبكر في الدفاع عن الدين
  • مشوار العلوم الدنيوية
  1. بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرني حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود أن حضرته كان يرتبط بـ “لاله بهيم سين” السيالكوتي بعلاقات طيبة لدرجة لاحظتُ أن حضرته في آخر أيامه أيضا إذا كان يحتاج إلى بعض المال فكان يستقرض منه، ورغم وجود عدد كبير من الإخوة في الجماعة ممن كانوا يقدرون على تأمين أي مبلغ، إلا أنّ حضرته كان قد استقرض منه قبل وفاته بسنتين أو ثلاث بضع مئات من الروبيات.

أقول: لقد بدأت علاقة المسيح الموعود مع “لاله بهيم سين” منذ توظّفه في سيالكوت، واستمرت علاقة المحبة هذه إلى آخر لحظة من حياته. كان “لاله بهيم سين” أيضا يكنّ لحضرته إكرامًا وتقديرًا عظيمَين.

يقول حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود : أرسل “لاله بهيم سين” برقية إلى المسيح الموعود لما رُفعت ضدّه قضية في “جهلم” قال فيها: اسمحوا لابني المحامي أن يتولى متابعة هذه القضية نيابة عنكم، فشكرَ له حضرته ولم يقبل عرضَه.

أقول: اسم ابن “لاله بهيم سين” المذكور هو “لاله كنور سين” وهو محام بارع، وكان في الفترة الأخيرة عميدًا لكلية الحقوق بلاهور، وهو الآن يتولى منصب قاضي القضاة في إحدى الولايات.

يقول حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود : لعلّ “لاله بهيم سين” كان موجودًا عند حدوث واقعة سقوط سقف الغرفة  *.

أقول: كان “لاله بهيم سين” مع حضرته في الاستعداد لتقديم امتحان التوكيل. فقد نجح في هذا الامتحان وصار وكيلا أما حضرته فقد قُدّرتْ له من الغيب مهمةٌ أخرى لذلك فقد جنّبه الله هذا الطريق.

أقول: لقد رأى حضرته في الرؤيا عن نجاح “لاله بهيم سين” أنه لم ينجح أحد من المتقدّمين لهذا الامتحان إلا “لاله بهيم سين”، وهو ما حصل.

  1. بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: لقد أورد شيخ يعقوب علي العرفاني في كتابه “حياة النبي” ما كتبه المولوي سيد مير حسن السيالكوتي عن الفترة التي توظّف فيها المسيح الموعود في سيالكوت، وأنقل فيما يلي تلك الرواية بكلماته. المولوي سيد مير حسن عمّ سيد مير حامد شاه السيالكوتي وهو شيخ كبير ومعروف في سيالكوت. المولوي المذكور ليس أحمديًا أي ليس تابعًا للمسيح الموعود بل هو من المعجبين بأفكار السير سيد أحمد خان، يقول المولوي المذكور:

كان حضرة المرزا قد قدم إلى سيالكوت للوظيفة في عام 1864 وأقام فيها. ولما كان يحب الخلوة والتعبد، وكان تقيًّا يجتنب اللغو واللهو، لذلك لم يكن يحبّ مقابلة العامة التي كانت تسبب في معظم الأحيان هدرًا للوقت. كان الوكيل “لاله بهيم سين” – الذي كان جدّه “متهن لال” مساعدًا إضافيًا للمفوض في “بطاله” – صديقًا حميمًا له. ولما كانت بين المرزا المحترم و”لاله بهيم سين” معرفة مسبقة منذ زمن إقامتهما في “بطاله” فقد استمرت هذه الصداقة بينهما في سيالكوت أيضا. وإذا كان أحد صديقًا حميمًا لحضرة المرزا في هذه المدينة فكان ذلك “لاله بهيم سين”. ولما كان “لاله بهيم سين” يتسم بطبع سليم وتوقد ذهني وبراعة في اللغة الفارسية لذلك كان المرزا المحترم يحبّه كثيرًا لكونه صديقًا محبًّا للعلم.

كان أهل المحكمة (التي توظف فيها حضرته – المترجم) يعرفون عن المكانة العلمية للمرزا المحترم. وفي بداية الصيف في تلك السنة دخل المدينة شاب عربي يدعى محمد صالح واتُّهم بالتجّسس واستدعاه نائب المفوض في مكتبِه من أجل التفتيش. (كان اسمه “بركسون” وبعد ذلك تولى منصب المفوض في راولبندي) وكانت ثمة حاجة إلى الترجمان. ولما كان المرزا المحترم يحظى باستعداد كامل على الكتابة باللغة العربية والتكلم بها لذلك فقد دُعي وأُمِر أن يوجه إلى هذا الشاب العربي كلّ ما أردنا سؤاله ثم يملي علينا ردّه بالأردو. لقد أدى المرزا المحترم حق هذه المهمة، وانكشفت كفاءته على الناس.

وفي تلك الأيام نفسها أقيمت مدرسة للموظفين في المحكمة بجهود خاصة للمولوي إلهي بخش رئيس مفتشي المدارس في المحافظة، وذلك حتى يتسنى للموظفين في المحكمة دراسة اللغة الإنكليزية فيها ليلاً. وعيّن الدكتور أمير شاه أستاذًا فيها – وقد تقاعد الآن عن منصب نائب الطبيب الجراح. لقد بدأ المرزا المحترم أيضا تعلم اللغة الإنكليزية ودرس كتابًا أو كتابين فيها.

كان المرزا المحترم يحب المناظرات الدينية منذ ذلك العصر، وكان كثيرا ما يناظر القساوسة. حدثت مرة مناظرة بينه وبين القس “ألايشه” الذي كان قسًّا محليًّا، وكان يقيم في إحدى الدور الواقعة في جنوب قرية “حاجي بوره”. قال القس: لا يمكن النجاة بدون قبول الديانة المسيحية. فقال له المرزا المحترم: أرجو أن تفصل لنا ما هو تعريف النجاة؟ وما الذي تقصده من النجاة؟ لم يستطع القس أن يعطي أي تفصيل وأنهى المناظرة قائلا: لم أدرس مثل هذا المنطق.

كما ناظر المرزا المحترم القس “تيلر أم أيه” الذي كان قسيسا على جانب كبير من العلم وكان باحثًا أيضا. كان هذا القس يقيم قرب منطقة “غوهد بور”.

قال هذا القس مرةً: كان السرّ في ولادة المسيح من مريم العذراء بلا أبٍ له هو ليكون بريئًا ومنزّهًا من الإثم الذي ارتكبه آدم. فقال المرزا المحترم: إن مريم أيضا من نسل آدم، فكيف صارت بريئة مما ارتكبه آدم؟ إضافة إلى ذلك كانت المرأة هي التي رغّبتْ آدم في أكل الشجرة الممنوعة فأكلها وصار آثمًا، فكان ينبغي أن يكون المسيح من دون أم  أيضا. فسكت القس.

كان القس تيلر يكنّ للميرزا المحترم احترامًا وحبًّا وتقديرًا. وكان يتكلم معه بكل أدب. ولما حان موعد عودته إلى بريطانيا حرص على زيارة الميرزا المحترم في المحكمة. فلما سأله نائب المفوض عن سبب مجيئه قال: جئت للقاء الميرزا المحترم، وبما أنني عائد الآن إلى بلدي لذلك جئت لأودعه وداعًا أخيرا. فذهب إلى مكتب الميرزا المحترم وجلس على الأرض ثم غادر بعد انتهاء هذا اللقاء.

ولحبِّ الميرزا المحترم للمناظرات مع القسس فإنّ أحد سكان “جالندهر” وهو مرزا مراد بيك –الذي كان يلقب بـ”مرزا شكسته” ثم غيّره إلى “مرزا موحِّد”- طلب من حضرته أن يراسل “السير سيد أحمد خان” الذي كتب تفسيرًا للتوراة والإنجيل، لأنه سيكون مفيدا جدًّا له، فكتب حضرته إلى السير سيد أحمد خان رسالة باللغة العربية.

كان “شيخ إله داد” مراقب المكتب الأسبق أكثر مَن يحبه حضرتُه من بين كُتاب المحكمة كلهم، وكان حبه له عميقًا وصادقًا، كما كان حضرة المرزا يحب أحد صلحاء المدينة وهو المولوي محبوب عالم الذي كان يعيش حياة العزلة وكان عابدًا زاهدًا تقيًّا وصوفيًّا تابعًا للطريقة النقشبندية.

الغرفة التي كان يقيم بها حضرة المرزا مع الحكيم “منصب علي” محرر الوثائق كانت واقعة في رأس السوق وكانت قريبة لمحل الحكيم حسام الدين الذي كان يستخدمه لتصنيع الأدوية وبيعها ولمداواة المرضى، ولهذه المناسبة تم التعارف بين حضرة المرزا والحكيم حسام الدين، ودرس الحكيم المذكور على يد حضرته جزءًا من الكتابَين “قانونجه” و”موجز” (حاشية: وهما كتابان في علم الطب- المترجم)

لم يكن حضرة الميرزا يحب التوظف لذلك شرع يستعد لامتحان التوكيل، فطالع كتب القانون والمحاماة، إلا أنه لم ينجح في الامتحان. وأنّى له أن ينجح فيه ولم يُخلق للأعمال الدنيوية؟ ولله درّ القائل:

هر كسى را بهر كارى ساختند

أي: كل سُخِّر لما خلق له.

كانت جامعة بنجاب قد أنشئت حديثًا في تلك الأيام، وكانت هناك حاجة ماسة فيها لأستاذ اللغة العربية، وقد حُدّد له مرتّبٌ قدره 100 روبية، فقد كتبتُ لحضرته أن يتقدم بطلب لهذه الوظيفة لكونه يعرف اللغة العربية جيدًا فلا بد أن ينال هذه الوظيفة، فقال حضرته:

لا أحب التدريس لأن معظم الناس يدْرُسون ثم يقومون بأعمال الشر الكثير ويتخذون العلم ذريعة لأعمالهم غير المشروعة. إنني أخاف وعيد الآية التالية: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ (الصافات 23). يتضح من إجابته هذه أنه كان يتسم بصفاء الباطن وصلاحه.

ومرة سأله أحد: لماذا لا يحتلم الأنبياء؟ أجاب حضرته: بما أن الأنبياء لا يحملون إلا أفكارًا طاهرة نيامًا وقيامًا ولا يدعون الأفكار غير الطاهرة تدخل قلوبهم لذلك لا يحتلمون حتى في منامهم.

ومرة كان الحديث يدور حول اللباس، وقال أحد بأن السراويل ذات فوهة الرِّجل الواسعة والفضفاضة جيدة كما يلبسها أهل الهند. وقال الآخر بل ذوات الفوهة الضيقة جيدة، أما حضرة الميرزا فقد قال:

إن السروال ذا الفوهة الضيقة أفضل مراعاةً للأمر بستر العورة، وإنه أكثر مراعاة للحجاب لأن الإنسان يحتجب حتى من الأرض أيضا بسبب الفوهة الضيقة لسرواله.

أعجب الجميع بقول حضرته.

وأخيرًا، ضاق حضرته ذرعًا بالوظيفة وقدم استقالته في 1868 وغادر سيالكوت. ثم زارها مرة أخرى في 1877 وأقام في بيت “لاله بهيم سين”، كما شرّف بيت الحكيم مير حسام الدين أيضا استجابةً لدعوته.

في تلك السنة نفسها بدأ السير سيد أحمد خان بكتابة تفسير القرآن الكريم. وكان قد وصلني هذا التفسير للركوعات الثلاثة الأولى. فلما ذهبت مع “شيخ إله داد” للقائه في بيت “لاله بهيم سين” تطرقنا في الحديث إلى ذكر السير سيد أحمد ومنه إلى تفسيره، فلما قلت: وصلني تفسير ثلاثة ركوعات وهو يتناول قضية الدعاء ونزول الوحي، قال لي حضرته: خذ هذا التفسير معك عند مجيئك غدًا. وفي اليوم التالي لما جئناه سمع حضرته ما كُتب في هذا التفسير حول الموضوعين فلم يرق له ذلك ولم يعجب بهذا التفسير.

إن عمْر حضرة الميرزا في رأيي في ذلك الوقت لم يكن أقل من 24 ولا أكثر من 28 عاما. باختصار لم يكن حضرته يتجاوز 28 عامًا في 1868.  الراقم: مير حسن.”

أقول: أولا: يجب ألا يفهم من قول المولوي مير حسن أن حضرته درس في سيالكوت كتابًا أو كتابين باللغة الإنجليزية أنّ حضرته كان يتقن الإنجليزية. بل هذا يعني أنه أصبح يعرف أبجديتها لأن الكتاب الأول لتعليم الإنجليزية في تلك الفترة كان يحتوي على أبجديتها، والكتاب الثاني كان يحتوي على الربط بين أحرف الهجاء وتكوين الكلمات الصغيرة السهلة. ولا زال الأمر نفسه يراعى في الكتب البدائية لتعليم اللغة الإنجليزية.

إنني أتذكر جيدًا أنني لما كنت في الصف السابع، كنت واقفًا عند المسيح الموعود وكان عندي مقلمة من طراز إنكليزي وكان بها حبر من ثلاثة ألوان، وكانت عليها الكلمات الآتية: RED Copying. Blue.. أخذ المسيح الموعود هذه المقلمة من يدي وحاول قراءة هذه الكلمات فقرأ الكلمة الأولى والثالثة بعد تركيز وتفكير إلا أنه لم يستطع قراءة الوسطى رغم المحاولة، ثم سألني عنها ومعانيها أيضا. فقد اتضح من هنا أنه كان يستطيع قراءة بعض الكلمات القصيرة السهلة بعد التركيز والتفكير، كما يدل ذلك على أنه  كان قد تعلّم الهجاء الإنجليزي لا أكثر.

ثانيًا: كتب المولوي مير حسن أن المسيح الموعود كان يتقن اللغة العربية إتقانًا كاملا زمن إقامته في سيالكوت وكان قادرًا على الإنشاء والإلقاء فيها. تعليقه هذا صحيح تمامًا إلا أنه أمر نسبي والمراد منه أن قدرة حضرته على اللغة العربية ضمن أوساط معينة في سيالكوت كانت أفضل من الآخرين، وكان إلى حدّ ما يستطيع التعبير عن نفسه باللغة العربية. لأن الحقيقة هي أن العلم المكتَسَب لحضرته لم يكن متجاوزًا عن المستوى السائد آنذاك، ويمكن تحقيق هذا المستوى بواسطة التعلم من أي أستاذ في البيت في قاديان، لأن حضرته لم يسافر إلى أي مركز أو مدينة لكسب العلم.

ثالثًا: كتب المولوي مير حسن أن حضرته اطلع على تفسير السير سيد إلا أنه لم يعجب به. والسبب في ذلك أن حضرته كان يعارض بشدة الأفكار الدينية التي كان السير سيد يتبناها، إلا أنه من ناحية أخرى كان يحترمه ويعتبره مواسيًا لقومه وناصحًا لهم، وذلك لأن السير سيد – بسبب تأثره الشديد بالعلوم الجديدة المعاصرة – كان يتبنى في الأمور الدينية نهجَ تأويل المسائل الإسلامية لتتماشى مع تلك العلوم، ووصل به الأمر درجة في توسيع هذا النطاق وكأنه أنكر بعض المعتقدات الإسلامية كالدعاء والوحي والإلهام والخوارق والمعجزات والملائكة وغيرها. فلما رآه المسيح الموعود على هذه الحالة خاطبه في كتابه “مرآة كمالات الإسلام” بمنتهى المواساة والنصح ونبّهه على نهجه الضارّ جدًّا.

أقول: كان الخليفة الأول المولوي نور الدين متأثرًا جدًّا بأفكار السير سيد ونهجه، إلا أن هذا التأثير تلاشى رويدًا رويدًا بعد مجيئه في صحبة المسيح الموعود . كذلك كان المولوي عبد الكريم أيضا من المعجَبين بالسير سيد في البداية، وقد ذكر عنه حضرته في بيت شعر بالفارسية ما معناه:

لقد ظلّ في نار “الطبيعة” مدة من الزمن ولكن انظروا إلى كرامته أنه خرج منها سليمًا.

(وأقول أيضا أن هناك رواية أخرى للمولوي مير حسن عن إقامة المسيح الموعود في سيالكوت قد سجّلت تحت رقم 280 من هذا الكتاب.)

Share via
تابعونا على الفايس بوك