بِـر الأبـنـاء
  • التربية بناء على تعاليم عقائدية
  • انعكاس سلوك الآباء على الأبناء
  • أمثلة تربوية خالدة
  • التربية سلسلة لا تنتهي

__

لا شك أن للتربية والعقيدة أثراً بالغاً على سلوك الإنسان. لقد عد رسول الله بداية تربية الطفل بعد ولادته مباشرة وأمرنا بتعليم الأولاد الأدب والأخلاق منذ الصغر. فعندما علمنا بأن نؤذن في أذن المولود، كانت الغاية من وراء ذلك لفت انتباه الآباء بأن وقت تربية الولد قد بدأ من لحظتها.

يقول المسيح الموعود عن الأذان في أذن المولود: “فالكلمات التي تتناهى إلى الأذن في هذا الوقت تترك تأثيراً ملحوظا في أخلاق الإنسان وظروفه…”

لقد ورد في الحديث الشريف أن الحسن وهو طفل صغير تناول مرة تمرة من تمر الصدقة، فأدخل النبي إصبعه في فمه وأخرجها منه قائلا:

“كِخْ كِخْ فَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ” (مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين).

يشرح المصلح الموعود هذا الحديث قائلاً: أن رسول الله كان يريد القول للحسن: عليك أن تأكل بكد يمينك ويجب ألا تكون عالة على الآخرين”. وفي واقعة أخرى قال النبي لطفل عند تناول الطعام:

“يَا غُلَامُ سَمِّ الله وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” (صحيح مسلم، كتاب الأشربة).

من الملاحظ من أمثال هذه الأحاديث بأن الأطفال الذين وجهت لهم هذه الملاحظات التربوية كانوا في طفولتهم المبكرة ومع ذلك كان رسول الله يعلمهم الآداب والأخلاق الحسنة. إلا أنه، في أيامنا هذه، كثيراً ما يظن الآباء خطأً أن ولدهما ما زال صغيراً كي يفهم وكي يبدأوا بتربيته.

ولكن الطفل مفطور على التقليد، فهو يقلد أبويه ويستمع إلى أحاديثهما. فإن لم يعلمه أبواه شيئا قلد أفعال الآخرين. وعليه فإن لم تتلق أذنه أحاديث البر والخير فستتلقى أحاديث الشر حتماً وينحرف سلوك الطفل رويداً رويداً. ومع مرور الوقت، يدرك الآباء بأن طفلهما يسيء معاملتهما ويكذب ويسرق ويرتكب غير ذلك من المساوئ؛ ويبدأان بنسب هذه الصفات السيئة إلى الوراثة تارة وإلى الآخرين تارة أخرى بما تعلمه منهم، ويصفونه بأنه ولد عاق بالأصل، وهم لا يدركون بأن تقصيرهما وسلوكهما تجاه بعضهما وتجاه ابنهما كان خاطئاً مما أدى به إلى الانحراف.

إن سلوك الآباء ينعكس على سلوك الأبناء. لذلك علينا مخاطبة الطفل بكل أدب، لأنه سيخاطبنا ويخاطب الآخرين كما رآنا نخاطبه. لقد ذكر النبي الكريم نكتة رائعة حيث قال ما معناه لا تشتموا أولادكم لأنه إذا شتم أحد ولده قال ملَكٌ أن يكون كذلك فيصبح كذلك. يعني هذا الحديث أن الملائكة تظهر نتائج الأعمال. فإذا قيل للطفل مراراً بأنه سيء، فإنه يُرسخ في ذهنه هذه الصورة وفي النهاية يصبح كذلك. فيجب ألا يشتم الولد بل يعلَّم أخلاقاً حميدة ويُمدح على محاسنه ويشجَّع على فعلها والإتيان بالمزيد منها.

على الآباء أن يغرسوا في قلب الطفل فكرة أنه صالح ولطيف، لقد قال رسول الله : كلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ. ويؤكد سيدنا المسيح الموعود : “إن الإنسان خُلق صالحاً وليست السيئة إلا صدأ علاه، أما المعدن الذي خلق منه فهو الحسنة كلها. فيجب أن يطلع الطفل منذ صغره على هذه الحقيقة حتى يتحلى بالشجاعة ويزول عنه اليأس والقنوط، فخلو القلب من الأمل بالطهارة هو أصل السيئات كلها”. (إنجازات المسيح الموعود )

ينبغي أن يعهد للطفل وظائف تناسب عمره. يمكننا، على سبيل المثال، أن ننمي شعور الطفل بالمسئولية والثقة بالنفس وذلك بإعطائه بعض المال وتعليمه كيف يتصرف بحكمة بهذا المبلغ.

فنوجهه بأن يقسم المبلغ إلى أجزاء فيشتري لنفسه بجزء ويشتري لإخوته بجزء آخر ويخصص الجزء المتبقي للتبرع للمحتاجين. هكذا نُعلِّم الطفل الابتعاد عن الأنانية كما نعلمه منذ صغره كيفية إدارة مبلغ من المال.

فعندما يكبر هذا الطفل الذي تلقى تعليماً صالحا في صغره، سيقوم بتقسيم راتبه الشهري بالطريقة التي علمه إياها والداه مدركاً معنى الآية القرآنية الكريمة

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات: 20).

فيتصدق مطهراً ومزكياً نفسه. وبالتالي سيزهد بالمال ويعرف بأن المال وسيلة وليس غاية. عندها لا يسع هذا الشخص إلا أن يترحم على أبوين غرسا فيه التعاليم الإسلامية السامية. بهذه الطريقة ننقذ أطفالنا من أن يكونوا ماديين يسعون إلى جمع المال بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

فإذا قيل للطفل مراراً بأنه سيء، فإنه يُرسخ في ذهنه هذه الصورة وفي النهاية يصبح كذلك. فيجب ألا يشتم الولد بل يعلَّم أخلاقاً حميدة ويُمدح على محاسنه ويشجَّع على فعلها والإتيان بالمزيد منها.

فالخليفة الأول للمسيح الموعود ، سيدنا الحاج نور الدين كان حافظاً للقرآن الكريم وكان حكيماً، وخلوقاً. فلننظر إلى التربية التي تلقاها، فقد ورد في كتاب “حياة نور” مآثر والدته فيقول: “كانت والدتي مغرمة جداً بتعليم القرآن الكريم، وإن تأثيرها فينا قد جعلنا كلنا مشغوفين بالقرآن الكريم”. ويقول سيدنا نور الدين أيضاً:

“قد سمعت القرآن الكريم وأنا في بطن أمي، ثم سمعته في حضنها، ثم درسته على يدها”.

هذه أسوة حسنة لنا، علينا المثابرة لجعل أبنائنا، أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية، كأمثال هؤلاء الرجال والنساء الصالحين. وهذا ما تمناه المسيح الموعود منا ومن الأجيال القادمة فيقول:

“إن روحي لتتطلع لرؤية ذلك اليوم الذي أرى فيه الكثيرين من جماعتي الذين قد تخلوا عن الكذب حقيقة وعقدوا عهداً صادقاً مع ربهم أنهم سيجتنبون كل شر”(منهاج الطالبين)

يجب أن نسعى بكل جهدنا لنكون مصداقاً لرغبة المسيح الموعود فنكون صادقين ونعلم أبناءنا الصدق. لا بد من إنقاذ أطفالنا من الكذب. فالكذب أخطر الأمراض لأنه أساس كل رذيلة.

إلا أن الوالدان، ودون انتباه منهما، يعلمان طفلهما الكذب بشكل غير مباشر. فمثلاً إذا فعلت الأم شيئاً ورآها ابنها، وسألها الأب ردت عليه بأنها لم تفعل ذلك. أو أن تنادي الأم طفلها واعدة إياه أن تعطيه شيئا إن أتى، فيأتي فلا تعطيه شيئا.

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ الله قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله َ: “وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟” قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله : “أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ”.

حوادث كهذه، على عدم أهميتهما في نظر الآباء والناس أحياناً، تشكل درساً قوياً لن ينساه الطفل في الكذب وعدم الوفاء. ومهما بذل الآباء من جهد لاحقا لتعليم ابنهما بأنه “من وعد وفى” أو “لا تكذب، لا تسرق” فلن يجدي نفعاً لأنه رأى بشكل عملي الكذب وعدم الوفاء صادرا منهما. وسيدرك هذا الطفل مبكِّرا بأن أفعال والديه تخالف أقوالهما.

فالآباء هم قدوة لأبنائهم، فعلينا أن نتحلى بالصدق بوجود الطفل أو بغيابه كي نُلغي نهائياً سيئة الكذب من بيوتنا ونجنب انتقال هذا المرض إلى الأجيال القادمة. يقول سيدنا محمد :

“إن الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّابًا” (صحيح البخاري، كتاب الأدب).

وعندما يخرج الطفل من المنزل يتأثر بسيئات الآخرين، لذلك نصحنا أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز “أن نراقب المحيط الذي يكون فيه أولادنا”. وبالتالي للتقليل من تعرُّض الأطفال من هجمات خارجية من سوء الخُلق ، يجب أن لا يُسمح لهم باختيار أصدقائهم وحدهم بل ينبغي أن يتم ذلك بإشراف الوالدين، وليوجه لاختيار من كانت أخلاقهم عالية. وسيستفيد الوالدان من هذا الاختيار بالتعرف على آباء الأطفال ذوي الأخلاق العالية.

يقول أمير المؤمنين نصره الله في ختام خطبته التي ألقاها في 10-01-2014 : “لإصلاح الحالة العملية ثمة حاجة ماسة للجهود الكثيرة والفحص المستمر”. علينا إذاً كآباء أن نراقب سلوكنا وألفاظنا، أثناء تربية أطفالنا، مراقبة حثيثة، كي نكون نحن وأبناؤنا مسلمين حقيقيين بحسب ما كان يريد منا المسيح الموعود .

Share via
تابعونا على الفايس بوك