سيرة المهدي - الجزء 2 الحلقة 1
  • المكالمات الله لأولياءه
  • عقاب الله على المتقولين
  • دعم إلهي لمسيحه الموعود
  • الاسترجاع والتوبة من شيم الصالحين

__

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم        وعلى عبده المسيح الموعود

مع التسليم

المقدمة

عن عمر بن الخطاب أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.” (البخاري، كتاب الإيمان)

لقد طبع الجزء الأول لسيرة المهدي ووصل إلى القراء الكرام. لقد بقيت فيه بعض الأخطاء الطفيفة، ويرجع أسبابها إلى سهو الناسخ وإلى عدم تمكني من مراجعة بعض الروايات مراجعة كاملة للعجلة والإسراع، وسيتم تصحيح ذلك في هذا الجزء الثاني.

واليوم يوم الجمعة المصادف لـ 27 رمضان المبارك 1343هـ والموافق لـ 2 مايو 1924م أبدأ الجزء الثاني من سيرة المهدي، والتوفيق لإكماله بيد الله البارئ، ولا تمثل شيئًا إرادةُ الإنسان ضعيف البنيان. فإنني أدعو الذات الإلهية وألتجئ إليه قائلا: يا عليم ضرورة الزمان ويا خبير قلبي، لك القدرة كلها؛ وفقني لجمع سوانح مسيحك ومهديك وسيرته وأقواله وأحواله وغيرها، وذلك لتتنوّر بها قلوب الناس بشمس الهداية هذه، ولكي يروي عبادك غليلهم من هذا المعين الصافي، وليجد الباحثون عنك سبيلا موصلا إليك من خلال تأسيهم بأسوة مبعوثك ومرسَلك،  ولكي يتحقق بذلك الهدف من بعثة هذا الظل الكامل والبروز الأكمل لتاج المرسلين والنبي الكريم سيدنا محمد المصطفى ، فيقضي عبادك حياتهم عابدين لك. اللهم آمين.

العبد المتواضع

مرزا بشير أحمد

قاديان

بسم الله الرحمن الرحيم

305- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني المولوي شير علي أن المسيح الموعود كان يقول: لما كنت في لدهيانه ذات مرة، وقد خرجت للتمشي، وبينما كنت أمشي في طريق إذ قدم إليَّ رجل من الإنجليز وسألني بعد التسليم: سمعت أنك ادعيت بأن الله تعالى يتكلم معك. قلت: نعم. سألني: وكيف يتكلم معك؟ قلت: كما تتكلم معي الآن. فخرج من فمه بصورة عفوية: سبحان الله! ثم غرق في فكر عميق ورجع ببطء شديد.

يقول المولوي شير علي: أعجب حضرته بقوله: سبحان الله بهذه الطريقة، لأجل ذلك ذكر حضرته هذا الأمر.

أقول: عندما أنظر إلى دعوى المسيح الموعود يمتلئ القلب باللذة والسرور، لأن الميدان الذي خاضه أسد الله هذا كالبطل الجليل لا يسع لمفتر أن يضع فيه قدمه بكامل وعيه ثم لا تحرقه نار وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ  (الحاقة: 45-46) وتجعله رمادًا. وينبغي التذكر أن لكل جريمةٍ عقوبةً في قانون الله تعالى، ولا يعاقب بحسب وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا… إلا الذي يؤمن أن الله الخالق والمالك يمتاز بذاته وصفاته عن ذاته هو وصفاته، بل هو مغاير لجميع المخلوقات وممتاز عنهم ومغاير لهم، ثم ينسب إليه عن طريق الافتراء وبكامل وعيه كلماتٍ معينة أو قولا أو أقوالا ويقول: هذا ما أوحى الله إليّ، ويعتبر هذا الكلام الإلهي مميزا ومتباينًا عن كلامه هو وعن أفكاره، أي لا يطلق على الكلام النابع عن وضع خاص وحالة خاصة ولا على أفكار القلب وحيا إلهيا، ولا يكون مدعيًا الألوهية كما هو ظن الطبيعيين أو أتباع البرهموسماج أو البهائية. إنْ فُقدت الشروط المستنبطة من آية وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا… ما عوقب أحد بوعيد وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا وإن عاش أحد 200 سنة ناهيك عن 23 عاما، ولكنه يتلقى عقوبات أخرى على جرائمه الأخرى. على سبيل المثال لو ظل أحدٌ يؤخَذ به طول حياته بجريرة السرقة والخداع والأكل بالباطل وغيرها من الجرائم ويعاقَب بحسب ما ارتكبه، فإنه لن يعاقب بالعقوبة الخاصة بالسطو، لأنه لم يرتكبها. فافهم.

306- بسم الله الرحمن الرحيم. كان حضرة المولوي نور الدين الخليفة الأول رضي الله عنه يقول: حدث في إحدى المناقشات أن أحد المعارضين طالب المسيح الموعود مرجعًا لرواية ما، وصادف أن حضرته أو أحدا من أصحابه لم يستحضره، وخيف أن يشمت بذلك الأعداء، لكن حضرته عليه السلام طلب بكل وثوق وطمأنينة كتاب صحيح البخاري، وأخذ يتصفحه في عجل، إلى أن وصل إلى صفحة معينة منه وقال للمطالِب: ها هو الشاهد، فدهش الحاضرون لما جرى، واستفسر عن ذلك أحدٌ حضرتَه، فقال حضرته: عندما أمسكت الكتاب وبدأت بتصفحه تراءت لي جميع صفحاته بيضاء وكأنه لم يكتب عليها شيء لذلك قلّبتها بسرعة، حتى وجدت أخيرًا صفحة مكتوبة، وأيقنت أنها صفحة المرجع المطلوب. فبسبب تصرف من الله تعالى بدت لحضرته جميع الصفحات بيضاء إلا المكان الذي كان فيه المرجع المنشود.

أقول: بعد سماعي لهذه الرواية من الخليفة الأول سمعتها مرة أخرى بتفصيل أكثر وفي جموع من الناس على لسان مفتي محمد صادق أيضا، حيث قال: هذا الحادث حصل في لدهيانه حيث احتاج حضرته أثناء النقاش لدليل من الحديث على النون الثقيلة أو الخفيفة. فأولا صعُب العثور على كتاب صحيح البخاري، ولما عُثر عليه صعب العثور على الشاهد المطلوب ولكن من ناحية أخرى كان إخراج الدليل ووضعه أمام الشيخ المعترض ضروريًا جدًّا، فأخذ حضرته صحيح البخاري بيده وجعل يتصفحه، وبعد تصفحه بصفحات قليلة قال له: اكتب عندك هذا الشاهد. لما لاحظ أحد الخدام هذه السرعة قال لحضرته: سيدي إذا بحثنا براحة وتريّث فلعلنا نعثر على شواهد أخرى. قال حضرته: لا، هذه هي الشواهد المطلوبة التي ذكرتها، وليس ثمة شاهد آخر موجود في هذا الكتاب لأنني وجدته أبيض دون كتابةٍ فيه إلا في مكان الشاهد.

أقول: إذا صار الإنسان لله تعالى هيّأ له من الغيب كل ما يلزمه عند الحاجة الحقيقية. وإذا استحال توفير الأسباب تحت قانون القدر العام، وكانت الحاجة حقيقية وقصوى، فإن الله تعالى يحقق له بقدره الخاص مراده دون أن يكون للأسباب المادية دخل فيه، بشرط أن يكون أهلا لذلك. ولكن الذي لا يتجاوز بصره العالم المادي يظل جاهلا بهذه الحقيقة. ما أروع ما قاله الرومي:

فلسفى كو منكرِ حنّانه استاز حواس انبياء بيگانه است

أي إن الفيلسوف الذي ينكر بكاء الجذع، لا يدرك أحاسيس الأنبياء الباطنية.

لقد ذكر لي بير سراج الحق خطيًّا عن هذه الواقعة ما يلي:

لقد حصلت هذه الواقعة أمامي، وكانت المناظرة مع المولوي محمد حسين البطالوي وكنتُ ناسخًا فيها، أي كنت أنسخ الأوراق التي كان يكتبها المسيح الموعود . أما ما ذكره مفتي محمد صادق بأن حضرته احتاج إلى شاهد على النون الثقيلة أو الخفيفة فيبدو أنه مخطئ فيه لأنه لم يكن موجودًا في المناظرة. إن النقاش حول النون الثقيلة والخفيفة قد تم في دلهي في المناظرة مع المولوي محمد بشير البهوبالوي، أما واقعة البحث عن شاهد من البخاري فقد حصلت في لدهيانه. الحقيقة أن المولوي محمد حسين البطالوي طالب حضرته بشاهد من البخاري، وكان كتاب البخاري موجودًا إلا أنه لم يكن يُعثر على مرجع هذا الشاهد، وفي نهاية المطاف جيء بكتاب شرح التلويح على التوضيح واستُخرج هذا الشاهد الذي كتب عنه صاحب التوضيح: هذا الحديث موجود في البخاري.

وأرسل لي الشيخ يعقوب علي العرفاني خطيًّا عن هذه الواقعة ما يلي:

لقد ذكرت واقعة متعلقة بالرواية رقم 206 التي رواها الخليفة الأول رضي الله عنه وسُلّط عليها الضوء أكثر من خلال رواية مفتي محمد صادق، ولكن مفتي محمد صادق نسب حدوثها إلى لدهيانه وإلى النقاش المتعلق بالنون الثقيلة إلا أنه ليس صحيحًا؛ لعل مفتي محمد صادق أخطأ فيه لأنه لم يتطرق النقاش في لدهيانه إلى النون الثقيلة ولا الخفيفة ولم تطرأ الحاجة لتقديم مثل هذه الشواهد، إنما احتيج إلى البحوث العلمية عن النون الثقيلة في المناظرة التي حدثت في دلهي مع المولوي محمد بشير البهوبالوي الذي تخبط في بحث النون الثقيلة، وعلى ما أذكر أنه لم يقدّم استشهاد من البخاري لهذا الغرض، ويمكن التحقق من الأمر من خلال الرجوع إلى كتاب “الحق مناظرة دلهي”.

الحقيقة أن هذه الواقعة حصلت في لاهور في مناظرة المسيح الموعود مع المولوي عبد الحكيم الكلانوري حول المحدثية والنبوة. ولقد حدثت هذه المناظرة في المكان المتصل ببيت السيد “محبوب رائيون” والمسمى “لنغي مندي”، حيث ذكر المسيح الموعود حقيقة المحدثية وذكر من البخاري استشهادًا يُستَدلّ به على محدثية عمر رضي الله عنه. وكان المولوي أحمد علي من مساعدي المولوي عبد الحكيم وهو من طالب بالشاهد وأرسل البخاري أيضا. لقد حاول المولوي محمد أحسن استخراج هذا الشاهد إلا أنه لم ينجح، وأخيرا أخرجه المسيح الموعود وقدّمه له. والشاهد المذكور كان حديثا موجودا في صحيح البخاري المجلد 14 الجزء الأول باب مناقب عمر رضي الله عنه وكلماته كما يلي:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ.

فلما أخرج حضرته هذا الحديث وأراه للفريق الآخر أسقط في يديه وكأنه قد طرأ عليه الموت وعند ذلك أنهى المولوي عبد الحكيم المناظرة.

أقول: لا يسعني أن أقول شيئًا عن الاختلاف الحاصل في هذه الروايات ولا أعرف ما الحقيقة، إلا أن الذي أعرفه أن بحث النون الثقيلة قد اُحتيج إليه في المناظرة مع المولوي محمد بشير ولا علاقة له في الظاهر بالشاهد من البخاري. فواضح أن هذه الواقعة لم تحدث في مناظرة دلهي. أما أنها حصلت في لاهور أم لدهيانه فلا يسعني أن أقول فيه شيئا. كما أقول متأسفًا أنه عند تأليف الجزء الثاني لسيرة المهدي قد توفي بير سراج الحق الذي كان كنـزًا ثمينًا لروايات متعلقة بالمسيح الموعود عليه السلام.

307- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني خالي الدكتور مير محمد إسماعيل أنه احتيج في البيت لذبح دجاجة، ولم يكن في البيت أحد يقوم بهذا العمل فأخذ حضرته الدجاجة وشرع يذبحها إلا أنه مرّر السكين على إصبعه بدلا من عنق الدجاجة فجرحها وتعرض لنـزيف كثير، فترك الدجاجة وقام قائلا: التوبة التوبة. ثم ذبح أحد آخر تلك الدجاجة.

أقول: كان حضرته يعتاد على الإسراع في التلفظ بالتوبة عند إصابته بصدمة أو جرح وغيرهما. والحقيقة أنه كلما أصيب الإنسان بأذى فإنما سببه مخالفته لقانون ما سواء كان قانون الشريعة أو قانون الطبيعة أي قانون القضاء والقدر أو أي قانون آخر. ويجب على الإنسان صحيح الفطرة أن يرجع إلى التوبة عند تعرضه لأي أذى أو صدمة، وهو المعنى الكامن في القول الذي يعلمنا القرآن الكريم التلفظ به عند حدوث المصيبة وهو: إنا لله وإنا إليه راجعون.

وبما أن المسيح الموعود لم يذبح الحيوانات بيده قط لذلك مرّر خطأ السكين على إصبعه بدلا من عنق الدجاجة، وقد أسفر ذلك عن عدم علمه بالجانب العملي لقانون الذبح. والله أعلم

لقد ذكر لي بير سراج الحق النعماني خطيًّا أن حضرته جاء المسجد وقت العصر وكانت هناك ضمادات مبللة بالماء على إصبع من يده اليسرى. سأل المولوي عبد الكريم السيالكوتي حضرتَه: لماذا ضُمّدت إصبعك؟ تبسم حضرته وقال: أردت أن أذبح دجاجة ولكن السكين جرحت إصبعي. ضحك المولوي عبد الكريم السيالكوتي وقال: لماذا فعلت ذلك بنفسك؟ قال حضرته: لم يكن أحد موجودًا في ذلك الوقت.

Share via
تابعونا على الفايس بوك