نعمة ليس كمثلها نعمة!!

نعمة ليس كمثلها نعمة!!

التحرير

حياةٌ ملء باطنها الخوف والبؤس، يغطي سطحها الظلم والفساد.. كلمات وجيزة تصف وصفًا دقيقًا حالة الشارع الإسلامي الذي يتخبط في النكبات وابتعد عن العيش في ظل الأمن والسلام بُعد الأرض عن السماوات. ورب سائل يستفسر: هل هذه هي الحياة التي ارتضاها الله لبني البشر؟ وهل هذا الوضع المزري الذي يعيشه الإنسان هو هدف استخلافه في الأرض؟ وهل هذا هو مصير الإنسان أن يبقى عرضة لهجمات الشيطان أسيرا لشروره مضطرب النفس فاقدا للسكينة والطمأنينة؟

مما لا شك فيه أن قائمة الاستفسارات ستطول وإلى هذا الحد الفاصل ستؤول: هل الغدر، الخيانة، السرقة، الجشع، النفاق، التمرد، البغضاء وإراقة الدماء تستطيع أن ترضي نفوسنا لتنعم بالأمان والسلام؟!

صيحات عديدة تعلو في هذه الربوع وتلك يطلقها الباحثون عن الخلاص من براثن هذه العلل بالرغم من امتلاكهم الأسباب المادية. لقد غاب الأمن والسلام عن الكثير من الناس وانتشرت النـزاعات والحروب وذاب سلام الإنسان الداخلي والخارجي وأصبح العالم ينام ويستيقظ على أخبار الفواجع والنكبات والمآسي والجرائم! ولا شك أن كل ما يحدث هو بسبب نسيان الإنسان الهدف النبيل الذي خُلق من أجله، وما لم يدرك كنهه وهو أن تصير البشرية منصبغة بصفات الله تعالى كوننا فُطِرنا على فطرته عز وجل أي لدينا مؤهلات لكي تنعكس فينا صفاته عز وجل.

إن السبيل إلى السعادة والسلام والرضى مع النفس والمجتمع لا يناله أحد بذهب وفضة ولا بالمساعي الذاتية والمقولات الفلسفية ولا بامتلاك القوة والسلطان، لذلك نرى أنه من سنن الله عز وجل أنه يرسل أنبياءه إلى الناس ليرشدوهم إلى سبيل تحصيل السعادة والسلام الحقيقيين بعد الإيمان به سبحانه وإخلاص العبودية له والتزام بتعاليمه التي أوحى بها إلى رسله.

لقد تحدى كثير من المخالفين عبر التاريخ الأنبياءَ واستهانوا بدعوتهم بسبب اغترارهم بما عندهم من مناهج وعلوم ومكتسبات مادية فظنوا أنها الضامن لتحقيق السعادة والسلام وليس باتباع ما يدعوهم إليه المرسلون..

فالسرّ الذي جعل كل هؤلاء الصديقين والربانيين الأبرار في مختلف العصور يضحون بكل غال ونفيس في نشوة وسعادة روحية ما هو سوى ذلك البريق الذي لمع في قلوبـهم  فـصارت مفعمة بمحبة الله وسلامه ثم عرشا لصفاته.

وإلى يومنا هذا ما زالت البشرية بسبب قلة فهمها وإدراكها لغاية وجودها مغرورة معجبة بسعيها الحثيث وراء المقاصد المادية والأماني الكاذبة، وانصرفت عن مائدة السماء وانهمكت في المفاسد والموبقات من شرب الخمر والمقامرة والكذب واللهو والمجون.. لقد غاب عنها حقيقة أن امتلاك الأسباب والانشغال في المتع والملاهي لا يمكنه أن يمنح السكينة والسلام الداخلي والطمأنينة القلبية، لأن السلام والسكينة تأتي من واهب السلام وهو الله الواحد القهار، ويستحيل تحصيل هذا الفردوس بمال أو ذهب أو سلطان، فسلام الله نعمة جليلة لا يمكن الوصول إليه إلا بمعرفة الله وصفاته والسعي الصادق عملا بتعاليمه وتطهير القلب من كل الأدناس والأرجاس حتى يصير مهبط أنواره عز وجل.

بوسع الإنسان المادي أن يتباهى بماديته وغناه، لكنه ليس بوسعه أن يشعر بالسكينة والطمأنينة التي هي مدار السعادة الروحانية والاستقرار النفسي، وحُقَّ للإنسان المؤمن رغم فقره وبساطة عيشه أن يَسْعَدَ بنعمة السكينة والطمأنينة التي تغمر قلبه باهتدائه إلى الإيمان. إنها نعمة عظيمة عجز الملوك على تحصيلها بسلطانهم وجبروتهم، وأنْهَكَتْ الفلاسفة والحكماء رغم منطقهم وحكمتهم، وافتقر إليها الأثرياء رغم كثرة أموالهم وعقاراتهم وعبيدهم، وغابت عن الكهنة والمشعوذين والمنجمين رغم معابدهم وطَلاَسِمِ كُتُبِهم ومراصدهم.. بلى من تَسَامَتْ أرواحهم وقلوبهم إلى السماء فأولئك هم الوارثون لهذه النعمة، إذ لا يصل إليها أحد إلا بتزكية النفس ومجاهدة الأهواء والأماني الشيطانية بصدق وإخلاص. لقد فاز بهذه النعمة على مدى التاريخ الأنبياء عليهم السلام ومن اهتدى بهديهم، وفازوا بما اسْتَيْقَنَتْهُ أنفسهم على بصيرة من أمرهم بوصال الله تعالى حتى بذلوا نفوسهم وأرواحهم واسترخصوها في سبيل الإيمان ومعانيه العظيمة. فالسرّ الذي جعل كل هؤلاء الصديقين والربانيين الأبرار في مختلف العصور يضحون بكل غال ونفيس في نشوة وسعادة روحية ما هو سوى ذلك البريق الذي لمع في قلوبهم فصارت مفعمة بمحبة الله وسلامه ثم عرشا لصفاته.

إن الإسلام من السلام، والسلام من أسمائه تعالى، وفي هذا الاشتقاق اللفظي دلالة روحية على أن هذا الدين يحوي تعليمُه الطمأنينة والسكينة الروحية إن استسلم المؤمن لله تعالى استسلاما كليا. إن عبادات الإسلام كلها تؤدي بالإنسان إلى السلام مع الله ومع النفس والمجتمع، إنها الجنة الحاضرة التي يحظى بها المؤمن الصادق في الدنيا قبل الآخرة، وأما جنة الآخرة فما هي إلا انعكاس آخر لها بتجليات أقوى وأعظم. فيا ليت عالمنا يبصر ويستشعر هذه النعمة التي غابت عنه للخلاص من الاضطراب الداخلي والخارجي ومن كل الشرور والمآسي من حوله!.

Share via
تابعونا على الفايس بوك