نحن قوم أعزنا الله بالإسلام.. فإن ابتغينا العزة بغيرِه أذلنا الله!

نحن قوم أعزنا الله بالإسلام.. فإن ابتغينا العزة بغيرِه أذلنا الله!

التحرير

  • أعراض مرضية خطيرة ستؤدي إلى المزيد من تراجع السلام.
  • المؤسسة الدينية ضييعت مصالح الشعوب والحكام .
  • القادة إنعكاس لأخلاق الناس.
  • إن تبخر العز والسلام وتمكن الضعف والهوان يدل على خلل في العقيدة.

__

تشهد الساحة الإسلامية منذ مطلع هذا العام أحداثا غير مسبوقة، ويرى كثيرون أنها ستكون أولى بوادر المخاض الذي سيساهم في نهضة الأمة، ويأملون أنها ستكون الدافع الفعلي المبشر بقرب عودة الروح إلى جسد الأمة الذى أنهكته عقود الاستبداد الطويلة. إلا أنها وبمنظار فراسة المؤمن توحي بأعراض مرضية خطيرة ستؤدي إلى مزيد من التراجع والتبعية والضعف على شتى الميادين، ولا سيما الفكر الإسلامي التقليدي الذي يقدم مسكنات بعيدة عن الواقع الديني الصحيح.

لا شك أن هذه الأجواء المشحونة بالأزمات تفرز على الدوام أفكارًا وأطروحات متنوعة تحمل بصمات الانقسام، وتتأثر بها بشكل واضح، لأن الجدلية الموجودة بين الواقع والفكر نابعة من تخمينات مشايخ لا همَّ لهم إلا مصالحهم الشخصية وإرضاء أصحاب السلطة تارة والاستحواذ على مقاليد الحكم تارة أخرى.

ولقد كُشف الستار على روابط الوحدة الزائفة بينهم فكان منهم، ومِن نفس الجماعة، مَن يتحمّس للمظاهرات مهما أدّت إلى قتل، ومَن يستنكرها ويدينها ويحرمها، ويوجب طاعة الحاكم مطلقا. وهكذا اتضح أنهم لا يفتون بناء على مبادئ ولكن بناء على مصالح وأهواء. فهذا هو منهجهم الذي لا ينتعش إلا في سيادة الديكتاتورية والغموض. وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.

لقد ضيّعت المؤسسة الدينية مصالح الشعوب والحكام على حد سواء، حيث عاشت متنعمة غانمة في ظل الحكومات الظالمة وفشلت فشلا ذريعا في أن تقول كلمة الحق للحكام الجائرين المغتصبين وتنصحهم بأمانة ومصداقية عن عواقب أعمالهم وتقدم لهم بديلا نافعا. فكانت مثل الدمى في أيدي حكامها وأصدرت لهم الفتاوي إرضاء لنـزواتهم وميولهم غير مبالين باصطدامها بالنص القرآني الصريح. كما أنها فشلت في توعية الرأي العام بحدود الله وما يتوجب عليهم من واجبات وحقوق. فتاريخهم المظلم يطلعنا أنهم إرضاء لحكامهم أصدروا فتاوى تحلل ليأجوج ومأجوج غزو الدول الإسلامية وقتل أبنائها ونهب خيراتها. ونفس المؤسسة انضمت لصفوف المتظاهرين تطالب بتنحية الرئيس لما رأت الكفة ترجح في غير صالحه، وتناست جميله وعطاياه. أين الحياء والمصداقية في هذه الازدواجية، إنهم  “لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء”!!

ولقد ساهمت المظاهرات في إشعال نار الثورات التي أدت إلى مزيد من الإضعاف في بُنية كثير من الدول وخلقت روح التمرد. فالذين اعتادوا السكوت عن الحق أصبحوا الآن متمردين على أي أمر لا يتوافق مع أهوائهم. مما أدى  وسيؤدي إلى إضعاف نظام الحكم في بلدانهم التي ستصبح أكثر ضعفا أمام المتربصين بهم.

إن القادة انعكاس لأخلاق الناس، فكيف يُعقل أن يولي الله عليهم حاكما ظالما متغطرسا وهم في قمة الصلاح والتقوى؟! فمن الحكمة أن يتحلى المحللون بالموضوعية والمصداقية في معاينة أحداث هذه الفزعة المشتعل لهيبها منذ عقود طويلة والتي بلغت أشدها في ظل غياب حقيقة دامغة رفض الشارع الإسلامي أن يقبلها ويعي أبعادها ومتطلباتها. إنها حقيقة لا شبهة فيها ولا جدل حيث بينها سيدنا عمر بن الخطاب حين قال ما معناه “نحن قومٌ أعزّنا اللهُ بالإسلام، فإن ابتغينا العزّةَ بغيرِه أذلّنا الله!”.

إن ما يشهده الشارع الإسلامي من حالة تبخّر العز والسلام وتمكن الضعف والهوان يدل على خلل في عقيدة الأمة التي لن ينصلح حالها بالديمقراطية ولا بالتعددية ولا بالمسميات والمصطلحات المفرغة من جوهر الدين الحق.. ذلك أن نهضتها منوطة بإصلاح وإحياء دينها والذي لن يتمّ إلا بإيمانها بالمبعوث السماوي المسيح الموعود والإمام المهدي .

ولمن يرون أن الأمة في غنى عن هذا المبعوث بحجة أن القرآن والسنة تكفيان لإصلاحهم، فإننا نذكرهم أن زِيَاد بْن لَبِيدٍ قد سبقهم في طرح هذه الشبهة فَقَالَ له رسول الله :

ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟ (الترمذي)

إن هذه الثورات قدر غضبٍ إلهي لابتعاد الأمة حاكما ومحكوما عن المسار الدين القويم وذلك بإنكار إمام الزمان وعدم الإيمان به. إنها سنة إلهية أبدية لا تتأثر بمؤثرات الزمن والفكر. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وليس حتى يغيروا رئيسهم بخروجهم في مظاهرات قد تحرق الأخضر واليابس، وهي إنْ نجحت في الظاهر في بعض البلدان فقد تدمر بلدانا أخرى، ومع هذا فنجاحها شكلي لا أكثر.. ما دامت هذه الأمة قد ربط الله إصلاحها بتقيدها بدينها فعليها أن تسعى لفقه كيفية اتباع الدين بما يرضي الله تعالى. هذا هو طريق الإصلاح. وبإصلاح الفرد يصلح الحاكم.

إننا لا نبحث عن مصالح ولا شهرة، ولن نركب الموجة، ولن نصعد على أكتاف الذين يُزَجُّ بهم ليقتلوا، بل نبحث عن كلمة الحق ونؤديها بحذافيـرها مهما كانت النتيجة. وتاريخ جماعتنا المباركة يزخر بمواقف مماثلة كُفِّرنا من أجلها ولكننا لا نبالي، ولن نقدِّم شهرة على حساب المبادئ.

إن تاريخ جماعتنا يشهد ومنذ بعثة المسيح الموعود أننا لا نتملق أحدا، ونقول كلمة الحق للجمهور الجائر كما نقولها للسطان الجائر، وقد صدع المسيح الموعود بتوضيح معنى الجهاد الذي أغضب ملايين المسلمين عليه في ذلك الوقت، وكان يعلم أنهم سيغضبون، ولكنهم الآن عادوا يقولون بقوله. ونحن نعلم الآن أن موقفنا يُغضب الجماهير، لكن مواساتنا لخلق الله تفرض علينا أن نقدِّم النصيحة مهما أفقدتنا من شهرة، لأننا لا نسعى للشهرة، ولا للحصول على مناصب في هذه الدنيا. ونعلم أنهم سيعودون إلى قولنا يوما ما، ولكن بعد فوات كثير من الأوان للأسف. وسنظل نسعى للحفاظ على مصالح الأمة مهما كلفنا ذلك من ثمن، وسلاحنا الدعـاء والنصـح وطاعـة المسؤولـين والصـبر وكلمـة الحق.

سنظلّ نكرر أن ما يحصل هو غضب من الله، وأن على المسلم أن يبتعد عن كل ما يمكن أن يسبب قتلاً للأبرياء أو إضاعة للمتلكات أو تمردا على قرارات المسؤولين أو غيبة لهم أو  تشهيرا بهم وافتراء عليهم.. وعليه أن يبـتعد عن المشاركة في لعبات سياسية لا يعلم من يوجههـا وإلى أين يسـير بها.

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نستحضر كلمات الدعاء الجياشة التي دعى بها حضرة الخليفة الرابع رحمه الله: استمطروا رحمة السماء على بلاد العرب ليحفظهم الله تعالى من كل ابتلاء وينورهم بنور هدايته. آمين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آحله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك