استرداد مجد الإسلام الغابر..
  • صاحب النور هو الذي يتقدم إلى الله ويقترب منه وليس بإتباع الطقوس الفارغة.
  • تحقق للمسلمين ” وعد الحمد” تحققًا منقطع النظير حتى أصبحت كلمة ” المسلم” بمثابة ذمة وضمان.
  • عناد الإنسان يدفعه  إلى محاربة الحقيقة ومحوها دون أن يدرك أنه بذلك يرتكب جريمة قتل الآلاق قتلا روحانيًا.

__

مسئولية الجماعة الإسلامية الأحمدية

ســورة إبراهيــم

وهي مع البسملة

ثلاثٌ وخمسون آيةً

وسبعةُ ركوعاتٍ

سورة إبراهيم مكية كلها عند الجمهور، غير أنّ ابن عباس وقتادة يريان أن قوله تعالى ألم ترَ إلى الذين بدّلوا نعمةَ الله كفراً…  إلى قوله… فإن مصيركم إلى النار نزل بالمدينة (البحر المحيط). وقد روى النّحاس عن حِبْر أن هذه الآيات نزلت في قتلى المشركين عند موقعة بدر. وهناك رواية أخرى لأبي الشيخ عن قتادةَ بهذا المعنى. (روح المعاني)

الترابـط:

إن سورة إبراهيم استمرار لنفس الموضوع الذي تحدثت عنه السور السابقة، ولكنها تبين هذا الموضوع على أساس الرؤية الإلهية. بمعنى أن الله تعالى قد ذكر فيها أحوال الأنبياء السابقين للتدليل على صدق نبيّنا محمد ، موضحاً أن الأنبياء السابقين أيضاً مرّوا بنفس ما يمرُّ به محمد وواجهوا مثله ظروفاً غير مواتية ومع ذلك نجحوا في مهمّتهم.

خلاصة محتواهـا:

إن هداية الناس هي الغاية الحقيقية من نزول القرآن الكريم. لقد كان الناس في ضلال، فنزلت هذه الشريعة لتخرجهم من الظلمات إلى النور. لقد سبق أن بعثنا الرسل لتحقيق نفس هذا الهدف، ومنهم موسى الذي أعلن للناس أنه قد جاء من قبله الرسل لهذه الغاية نفسها. ثم بيّن الله تعالى سرّ نجاح رُسله، ألا وهو أنهم كانوا على الحق، ولذلك كانوا هم الغالبين.

كما أنذر الكفار بأن إبراهيم إنما أسّس مكة لتكون مركزاً لتوحيد البارئ تعالى، فإذا لم تكفّوا عن الأعمال الوثنيّة فسوف تُطردون بعيداً عنها، ليكون هلاككم دليلاً على صدق التوحيد.

ثم أوجز علامات الوحي الحق، ودعا الناس أن يروا ما إذا كانت هذه العلامات متوفرة في القرآن الكريم أم لا! ثم خاطب الذين أُخرجوا من الظلمات إلى النور أي المسلمين وعلّمهم الطرقَ التي تساعدهم على الانتفاع من هذا الكلام العظيم.

كما وضّح أن هذه الثورة الموشكة أن تتفجَّر في العرب ليست وليدة هذه الساعة وإنما سبق أن خطّطنا لها منذ القدم، فقد دعانا إبراهيم قبل آلاف السنين لإحداث هذه التطورات. بل الواقع أن مكة إنما أُنشئت لهذه التطورات نفسها، ولا نمدّ أهلها بالثمرات بشكل غير عادي إلا لهذه الغاية، فكيف يمكن إذن أن نتغافل عنها اليوم.

ثم نبّه المؤمنين بأننا قد بيَّنّا واجباتكم على لسان إبراهيم، فحذارِ من أن تتغافلوا عنها أبداً.

كما أنذر الكفار بأن إبراهيم إنما أسّس مكة لتكون مركزاً لتوحيد البارئ تعالى، فإذا لم تكفّوا عن الأعمال الوثنيّة فسوف تُطردون بعيداً عنها، ليكون هلاككم دليلاً على صدق التوحيد.

الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1و2)

شرح الكلمـات:

العزيز: المنيع الذي لا يُنال ولا يُغالَب ولا يُعجزه شيء ولا مثل له (الأقرب).

الحميد: المحمود (الأقرب).

التفسـير:

كلمة “كتاب” في الآية خبرٌ مبتدأه محذوفٌ، والتقدير: هذا القرآن كتاب أنزلناه إليك.

لقد بيّن الله تعالى هنا أن القرآن الكريم نور يُخرج به محمد الناسَ من الظلمات إلى النور. ثم شرح هذا النور بقوله إلى صراط العزيز الحميد موضحاً أن صراطه هو النور الحقيقي. ذلك أن الجميع يحبّون النور، ولكنّهم مختلفون في شرحه. فمثلاً نجد اليوم فئة من الناس يسمّون أنفسهم أصحاب النور الحديث، ويقصدون بالنور الفلسفةَ العصرية والحضارة الحديثة والإباحيّة والعلمانية. بينما نجد المسيحيين يدّعون بأنّ المسيحيّة هي نور الله. ويزعم الهندوس أن الهندوسية هي نور الله. ونحن المسلمين نعلن أن الإسلام هو نور الله. فكل واحد يدّعي أنه صاحب النور. ولكنّ هذه الآية تذكّر بأن الطقوس الفارغة أو القشور الخالية من  اللُّب لا يمكن أن تُسمّى نوراً، بل النور اسمٌ لقرب الله تعالى. فالذي لا تقرِّبه خُطواته من ربِّه باستمرار لا يمكن اعتباره من أهل النور أبداً، وإنما صاحب هذا النور مَن يتقدّم إلى الله ويقترب منه فعلاً.

ولقد حقق الله هذين الأمرين كليهما على يد النبي ، إذ أخرج العرب من حضيض الذلّة والهوان، كما طهّرهم من ظلمات الجهل والشرك والضعف الخُلُقي. لقد صاروا ملوكاً يسوسون العالم كلّه،كما أصبحوا أساتذة الدنيا بأسرها في مجال العلم والمعرفة.

لقد ذكر هنا صفتي (العزيز والحميد) من صفات البارئ تعالى تدليلاً على وجوده ، لأن إحداهما تُشير إلى النور المتجلّي في أفعاله جلّ وعلا، والأُخرى تشير إلى النور المتجّلي في عِلمه الكامل سبحانه وتعالى. فمن حَظِيَ بصحبة هذا (العزيز) صار غالباً على أعدائه، ونجا من ظلمات الشدائد والمحن. ومن كان مع (الحميد) تغلب على عدوّه الداخلي أي الشيطان، وخرج من ظلمات نفسه من وساوسَ وشبهات وجهل، واستحقّ الحمد.

ولقد حقق الله هذين الأمرين كليهما على يد النبي ، إذ أخرج العرب من حضيض الذلّة والهوان، كما طهّرهم من ظلمات الجهل والشرك والضعف الخُلُقي. لقد صاروا ملوكاً يسوسون العالم كلّه،كما أصبحوا أساتذة الدنيا بأسرها في مجال العلم والمعرفة. ويمكن تقدير حالة العرب البائسة قبل بعثة النبي من الحادث التالي الذي سجّله التاريخ . فقد ورد في التاريخ أن المسلمين عندما شنّوا الحرب على بلاد الفرس في زمن سيدنا عمر ، أمر مَلِكُهم قائدَ جيشه أن يردّ المسلمين عن الحرب بإغرائهم بالمال. وكان المبلغ زهيداً جداً أي ديناراً أو دينارين لكلّ جنديّ مسلم. (السيرة الحلبية).

وهذا يؤكد أن الشعوب المجاورة للعرب كانت تنظر إليهم بغاية الاحتقار والازدراء، وتعتبرهم فقراءَ مدقعين وقليلي الهمة للغاية. ولكن انظروا إلى تأثير الإسلام فيهم، إذ لم يفتحوا دولة الفرس فحسب، بل تمكنّوا أيضاً من بسط سلطانهم على الشام وفلسطين ومصر والأناضول وأرمينيا والعراق وإفريقيا الشمالية وأفغانستان والهند والصين. وذلك قبل انتهاء القرن الأول من نشأة الإسلام.كان معظم الصحابة من الفقراء أو من متوسطي الحال اقتصادياً، ولكنهم بفضل الإسلام حازوا على ثروات هائلة، حتى إن الصحابي عبد الرحمن بن عوف ترك لدى وفاته من المال ما يساوي 25 مليون روبية، وهي ثروة هائلة جدّاً بمقاييس اليوم.

وما أروَعَ وما أعظَمَ ما حققه المسلمون مِن عز وغلبة بحسب هذا الوعد الإلهي! إذ كان خليفتهم يصدر الأوامر وهو جالس بالمدينة، فيهبُّ العالم الإسلامي كله ويستجيب للخليفة بكل إخلاص. هل تجدون أي مثال في تاريخ العالم لحكومة كهذه.

والثورة الثانية أيضاً بيّنة ظاهرة في العرب. كانوا لا يحبّذون القراءة والكتابة، ولم تكن لديهم أيّة علوم ولا معارف، ولكنهم بفضل الإسلام صاروا أساتذة العالم في كلّ مجال علميّ. لقد وضعوا الأسس لعلم التاريخ وعلم الجبر وعلم الصرف والنحو والمعاني والبيان واللغة. وهناك عشرات العلوم الأخرى التي اخترعوها أو أخذوها من حالتها البدائية وطوّروها إلى حد الكمال مثل: الفقه، فلسفة الفقه، المنطق، الفلسفة، الطب، السياسة، الهندسة، الكيمياء والفلكيات وغيرها. حتى إن الباحثين الغربيين قد اعترفوا أنه لولا المسلمون العرب، لما كان العالم كما هو عليه اليوم علماً وثقافةً.

أما فيما يتعلق بالمجال الروحاني فقد حققوا فيه من الرقي ما لا نجد له مثيلاً في أي شعب منذ فجر الإنسانية.

الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ   (3)

شرح الكلمـات:

ويل: الويلُ: حلول الشر؛ وقيل هو تفجيعٌ. والويلُ: كلمة عذاب. والويلةُ: الفضيحةُ؛ البليةُ (الأقرب).

التفسـير:

لقد وردت هنا كلمة “الله” بعد صفتي “العزيز، الحميد” كعطف بيان، والمراد أن “صراط العزيز الحميد” يعني صراط الله الذي يملك الكون كله، وجميع المخلوقات شاهدة على كون الله حميداً حيث لا تجد في خلقه أي عيب ولا فتور. ومن اهتدى إلى إلهٍ كهذا فلا بد من أن يلمس في نفسه تطوراً طيباً غير عادي، وينال سلطاناً على السماوات والأرض.

وما أروَعَ وما أعظَمَ ما حققه المسلمون مِن عز وغلبة بحسب هذا الوعد الإلهي! إذ كان خليفتهم يصدر الأوامر وهو جالس بالمدينة، فيهبُّ العالم الإسلامي كله ويستجيب للخليفة بكل إخلاص. هل تجدون أي مثال في تاريخ العالم لحكومة كهذه.

كذلك تحقق لهم “وعد الحمد” تحققاً منقطع النظير، حتى أصبحت كلمة “المسلم” بمثابة ذمةٍ وضمانٍ لم يكن أحد يشك فيه.كما أن وعد المسلم كان يُعتبر بمثابة قضاء سماوي لا يُخلَف بل لا بد أن ينجز. ولا نزال نسمع إلى اليوم صدىً لمدائحهم يدوِّي في العالم. حتى إنك لتجدها مسجلة في قصص الغرب وقصائدهم. خذوا مثلاً حادث الصحابي أبي ذَر الغِفاري . يذكر التاريخ أن أحد المسلمين ارتكب جريمة وحكم عليه بالإعدام. وعندما عُرض على الخليفة توسَّل إليه قائلاً: عندي أمانات لأبناء عمي الأيتام، أرجوك أن تمنحني مهلة يوم حتى أؤدي هذه الأمانات والواجبات إلى أصحابها، وسأعود إليك غداً في موعد كذا لتنفذ فيَّ عقوبة الموت. فقال الخليفة: من الذي يضمن لي ذلك؟ وكان أبو ذرّ الصحابي في المجلس، فقال الرجل مشيراً إليه: هذا يقوم بكفالتي ويحمل ذمّتي. ولم يكن للصحابي أية معرفة سابقة بالرجل، ولكن مروءته دفعته إلى حمل ذمته، فإن أخاه المسلم يأمل فيه أملاً جسيماً. فذهب الرجل ومضى اليوم واقترب الموعد المضروب، ولكن الرجل لم يرجع. فقال الناس لأبي ذرّ في قلق: هل كنت تعرفه؟ فقال: لا، ولكني رأيت أن مسلماً يسألني ذمتي فآتيته إياها، وما دام كان يثق بي فلم لا أثق به. وعندما أوشك الموعد أن ينتهي خاف القوم على حياة أبي ذر، وبينا هم كذلك إذ رأوا عن بعد شبحَ فارسٍ يحثُّ حصانه المنساب تحته كأنه يسابق الريح، ولما وصلهم نزل عن جواده ووقع على قدمي أبي ذرّ من شدة الإرهاق، معتذراً إليه على التأخير، ووضح له أنه تأخر لكثرة الواجبات التي كان عليه أداؤها. فانظروا إلى روح الإيثار والتضحية التي عمل بها أبو ذر، ثم انظروا كم كان هذا الرجل صادقاً في قوله وفيّاً بوعده!، هل تجدون نظيراً لهذا الوفاء  في تاريخ الأمم الأخرى؟ وكما ذكرت فإن الكتّاب الإنجليز أيضاً قد دوّنوا حادث هذا المسلم العربي في قصصهم وروائعهم الشعرية.

وإليكم مثالاً آخر: لقد سجل التاريخ أن المسلمين فتحوا الأراضي السورية أول الأمر، ولكن بعضها وقعت مرة أخرى في أيدي المسيحيين، فاضطر الجيش المسلم للانسحاب، فأمرهم سيدنا عمر بإرجاع الضرائب لأهل المنطقة. فردوها إليهم معتذرين لهم بقولهم: ما دمنا لا نستطيع الدفاع عنكم فلا يحق لنا أخذ الضرائب منكم. وكان أهل المنطقة من المسيحيين، وكان الغزاة الجدد من إخوتهم المسيحيين أيضاً، إلا أنهم تأثروا من حسن معاملة المسلمين لدرجة أنهم جاءوا إلى خارج المدينة لتوديع المسلمين، وهم يبكون على مغادرتهم قائلين: لو كان الجيش المسيحي مكانكم لسلبوا ما بأيدينا بدلاً من أن يردوا إلينا الضرائب كما فعلتم. ثم إنهم دعوا الله بأن يعيد المسلمين إليهم حاكمين مرة أخرى.

آه، ما أبعَدَ الشُقةَ بين مسلمي ذلك العصر وبين مسلمي اليوم! لقد كان المسلم عندئذ أكثر أهل الأرض أمانةً ووفاءً وسلماً. أما اليوم فإن علماء المسلمين أنفسهم قد أفتوا بسلب أموال غير المسلمين، واعتبروا الغدر بالحاكم غير المسلم من صميم الإيمان، كما أفتوا أن قتل غير المسلم ثوابٌ ومكرمةٌ. وبالاختصار، فما من حسنة كانت تُعتبر مفخرةً وشرفاً للمسلم إلا وقد انعدمت  اليوم في المجتمع الإسلامي. إنا لله وإنا إليه راجعون. يا ليت جماعتنا تدرك حجم المسؤولية الملقاة عليها وتستردّ للإسلام مجده الغابر حتى ترى الدنيا مرة أخرى غلمان محمد رسول الله متحلّين بالأخلاق المحمدية الفاضلة بحيث يجد الرائي في وجوههم تجلياً لوجه الله تعالى. فيجب أن يكونوا أمناء للغاية بحيث يُؤْثرون الموت لأنفسهم ولأهليهم جوعاً على أن يخونوا أمانات الآخرين؛ وأن يكونوا صادقين جدّاً بحيث يضحون بالحياة والمال والمنصب والوظيفة، ولكنهم لا يتفوهون بكلمة كذب واحدة؛ وأن يكونوا أوفياء بحيث إذا عاهدوا عهداً أوفوا به ولو على حساب حياتهم؛ وأن يكونوا ذوي همم عالية بحيث إذا عزموا على أمر نفّذوه ولو بفداء أرواحهم.

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (4)

شرح الكلمـات:

يستَحبّون: استحبّه: أَحَبَّه؛ استحسنه. واستحب الكفرَ على الإيمان: آثَرَه (الأقرب).

يبغون: بغاه يبغيه: طَلَبَه. يقال: ابغِني ضالتي أي اُطلبْها (الأقرب).

التفسـير:

يقول الله تعالى إن الذي يُعرض عن مثل هذا التعليم يكون مصيره واضحاً، إذ كيف ينال العز والحمد من يُعرض عن العزيز الحميد. ولكن قاتَلَ الله  العناد، فإن الكفار المتعنتين يحرمون أنفسهم من أفضال الله تعالى كما يتسببون في حرمان الآخرين منها، ولا ينهون غيرهم عن الإسلام فحسب، بل يَعرضون عليهم تعاليمه بشكل مشوَّه ممسوخ، ساعين لحرمان الآخرين من قبولها إلى الأبد.

آه، ما أبعَدَ الشُقةَ بين مسلمي ذلك العصر وبين مسلمي اليوم! لقد كان المسلم عندئذ أكثر أهل الأرض أمانةً ووفاءً وسلماً. أما اليوم فإن علماء المسلمين أنفسهم قد أفتوا بسلب أموال غير المسلمين، واعتبروا الغدر بالحاكم غير المسلم من صميم الإيمان….

إن عناد الإنسان- لسوء حظه – يدفعه إلى محاربة الحقيقة ومحوها، دون أن يدري أنه بذلك يرتكب جريمة قتل الآلاف قتلاً روحانياً.

والمراد من قوله تعالى ويبغونها عوجاً أنهم يتمنون -من جهة- أن يعثروا على السبيل المؤدية إلى الله تعالى، ولكنهم من جهة أخرى لا يريدون التخلّي عن عاداتهم القبيحة وسلوكهم الخاطئ المشين. والنتيجة أنهم يسمّون  ما اخترعوه من طقوس وبدعات ديناً،  ذلك لكي يخدعوا أنفسهم ويخنقوا صوت الضمير، فيَطمئنون بهذه البدعات هم وأولادهم اطمِئناناً موهوماً باطلاً، فيُحرَمون من نور الهدى. وبهذا المفهوم سيكون “سبيل الله” هنا بمعنى الحق مطلقاً.

فالآية تبطل زعم الذين يقولون بوجود الصلحاء المقربين عند الله حقّاً في كل ديانة وأمة. لأن الله تعالى يقول: إن صراطي المستقيم لن يهتدي إليه إلا من يتّبع التعاليم التي أنزلت من لدنِّي لا غير. ولكن الذي لا ينفك مصرّاً على اتباع ما وجد عليه آباءه، فلا يمكن أن يُعتبر باحثاً عن سبيل الله ، وإنما هو يبحث عن سبيل آبائه، وما دام متجهاً إلى غير سبيل الله فأَنَّى له أن يصل إلى الله جل شأنه؟ إن الذي يبغي عوجاً، أي يتجه إلى جهةٍ خاطئة سيصل إلى غاية خاطئة حتماً.

يا ليت جماعتنا تدرك حجم المسؤولية الملقاة عليها وتستردّ للإسلام مجده الغابر حتى ترى الدنيا مرة أخرى غلمان محمد رسول الله متحلّين بالأخلاق المحمدية الفاضلة بحيث يجد الرائي في وجوههم تجلياً لوجه الله تعالى.

وقد تعني الآية أنه يبدو للرائي لأول وهلة أن الكفار يديرون حواراً جادّاً عن الإسلام ليفهموا موقفه ويعرفوا الحق ويتبعوه، ولكن الحقيقة أنهم يجادلون أهل الإسلام تعصباً وعناداً فقط، لا بحثاً عن الحق. وبما أنه لا يمكن أن يعثر على سبيل الله إلا الذي يتمسك بالحق فسوف يبقى هؤلاء الكفار محرومين من الهداية. ونظراً لهذا المفهوم تكون كلمة “سبيل الله” بمعنى الإسلام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك