من أهم أهداف الحج
وَمِنِ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (205)

شرح الكلمات:

ألد الخصام –ألد اسم التفضيل من لدّ يلدُّ. وألدّ الخصام: شديد الخصومة (الأقرب).

التفسير:

يقول الله تعالى إن هناك أناسا في الدنيا عندما يتكلمون في المجالس تقولون في أنفسكم: ما أشدهم عقلا وذكاء! ويُخيل إليكم أنهم محيطون بكل علوم الدنيا، ولا يستطيع أحد أن يبلغ شأوهم. أما فيما يتعلق بصلاحهم ودينهم فيؤكدون للناس أن ليس في قلبنا إلا الخير ولا يعرفه إلا الله، فاستشيرونا وسوف نفعل كذا وكذا. إنه يكون معكم، ويسمّى مسلما، وعندما يكون في مجلس يستولي على الحضور بطلاقة لسانه، ويُقسم على صلاحه وتديّنه، ويدّعي أن قلبه يذوب في حب القوم وخيرهم، وعندما يراه الرائي ويسمعه السامع يظنه أحد الأقطاب والصلحاء، ولكن الله تعالى يقول: الحقيقة على العكس من ذلك. إنه أخطر وأشد عداوة من أعدائكم اليهود أو النصارى وغيرهم من الأمم الأخرى. إنه في الظاهر يبدو تجسيدا للصلاح والتقوى، ولكن الحقيقة غير ذلك. لا يأتي بمعارف دينية، وإنما يتحدث عن أمور دنيوية بكلام يبدو جميلا في الظاهر، ولكن وراءه النفاق. والدليل على كذبه أنه يقسم بالله مرّة بعد أخرى في كل صغيرة وكبيرة، ويقول: والله إني مخلص، وليس في قلبي إلا الإخلاص، ولا أفعل ذلك إلا لصلاح الناس وخيرهم. فلا تنخدعوا بكلماته المعسولة. وإذا رأيتم شخصا كهذا فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتجنبوه، واعلموا إنه شيطان يقسم ويؤكد للناس صلاحه وخلوص نيته ليخدعهم ويخونهم.

 

وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (206)

شرح الكلمات:

تولّى-التولِّي: الانصراف بالبدن أو القول. والتولي أن يصبح الإنسان حاكما أو واليا(اللسان).

الحرث-ما يُستنبت بالبذر والنوى والغرس (الأقرب).

النسل-العقب، أي الأولاد؛ الخلق؛ الجيل القادم (الأقرب).. أي ليس الأبناء فقط وإنما الأولاد إلى أجيال.. كلهم يسمون نسلا.

التفسير:

يقول الله تعالى إن هؤلاء إذا نالوا السلطان وقبضوا على زمام الحكم باستخدام القوى التي خلقها الله لهم.. فبدلاً من أن يخدموا الرعايا والبلد، وبدلا من أن يفعلوا ما يبُث السكينة والطمأنينة بين الناس، يلجأون إلى حِيَلٍ تؤدي إلى الشجار والقتال بين قبيلة وأخرى، وبين أتباع دين وأتباع دين آخر؛ حتى يسود البلادَ حالةٌ من الفوضى والطائفية.

الحرث تعني الزرع أو الحقل، وجاءت هنا بمعانٍ واسعة مجازا. والمعنى أنهم بدلاً من أن يعملوا بما يؤدي إلى تقدم الحالة الحضارية والاقتصادية والأخلاقية في البلد فإنهم يضعون قوانين مدمرة للحضارة والأخلاق والاقتصاد والوضع المالي للبلاد، وهكذا يعرقلون طريق الرقي في وجه الإنسانية، ويقضون على ما في الأجيال القادمة من قوًى، ويحرمونها من علوم وفنون لو أنهم تعلموها لازدهروا وحققوا رقيًا.

(والله لا يحب الفساد).. لذلك ينظر الله تعالى إلى كل ملك ظالم أو حاكم مفسد نظرة غضب وسخط واحتقار. ثبت من هذا أن الملِك الصالح في نظر الإسلام إنما هو ذلك الذي يهيئ الأمن بجميع أنواعه لرعاياه، فيصلح حالتهم الاقتصادية، ويصون أرواحهم، ويعتني بصحتهم، ولا يثير حروبا لا داعي لها، ولا يدفع أبناء أمته إلى الموت بدون مبرر. وكأن الإسلام يرى أن من واجب الحكومة أن تحافظ على أمن المدنيين وأرواحهم وأموالهم، وتهتم برقي البلاد ورفاهية الرعايا دائما.

 

وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ(207)

شرح الكلمات:

اتَّقِ –افْتَعِلْ، من وقي يقي بصيغة الأمر. اتقَّى: تجنَّب خطرًا، ولكن هذا المعنى لا ينطبق هنا، لأن الإنسان لا يمكن أن يحمي نفسه من الله مهما فرَّ منه. والمعنى الصحيح هنا أن يتخذ الله ذريعة لحمايته (اللسان).

أخذته-الأخذ حوز الشيء وتحصيله، وذلك تارة بالتبادل وتارة بالقهر (المفردات). أخذتُه بكذا: حملته عليه.

العزة –تستعار للحمية والأنفة المذمومة كما ورد في القرآن (أخَذَتْه العزة بالإثم) (الأقرب).

جهنم-دار العقاب بعد الموت (الأقرب). وقد استخدم القرآن الكريم كلمات أخرى لجهنم مثل جحيم، سعير، سقر.

المهاد-هو المكان الذي يستريح فيه الإنسان بعد تعب مثل الفراش ونحوه (الأقرب).

التفسير:

يقول الله تعالى أن هذا المذكور عندما يقال له اتق الله، فإنك لا تساوي شيئا في حد ذاتك، لأن كل ما عندك هو من عند الله تعالى.. تأخذه العزة بالإثم. *

ولهذه العبارة معنيان: الأول-أنه بسبب آثامه السابقة يصاب بجنون، لأنه يظن أنه قد أهين بهذا القول، فينأى عن الهداية أكثر. والثاني –أن عزته الدنيوية تأخذه بالإثم.. أي تحضه وترغِّبه وتزيده في ارتكاب الإثم. يقول الله إن مثل هؤلاء يمكن أن يخدعوا الناس في هذه الدنيا، ولكن مصيرهم في الآخرة جهنم، ولبئس المهاد؛ أي ما أسوأه من مصير.

صحيح أن جهنم في الآخرة، ولكن هناك نوعا من جهنم يعدّها الإنسان في هذه الدنيا، فإن الشرفاء عندما يتصدّون لمثل هؤلاء الأشرار فإنهم يتلقون منهم ردّا يكون بمثابة جهنم لهم.

للأسف أن كثير من الناس لا يهتمون بإصلاح نفوسهم، ولو دلّهم أحد على أخطائهم وقال لهم اتقوا الله.. يظنون أنهم قد أهينوا، ويُجنّون غضبا، ولا ينتصحون بنصح الناصح، بل يتصدون له ويعارضونه. ولكن هذا لا يعني أن لكل إنسان الحق أنه إذا رأى في أحد عيبا أو خطأ يبدأ في لومه أمام الناس علنا في الطريق.. بل يجب أن يتم النصح على انفراد، ويلاحظ الناصحُ صلاحيته.. أي هل هو أهل لنصح المخطئ أم لا، حتى لا يكون للنصح أثر سلبي. فكما أن من واجب المخطئ أن يكون صبورا على الانتقاد، وأن يسمع لقول الناصح بهدوء.. كذلك من واجب الناصح أن يكون محتاطًا في تقديم نصحه، فلا يهين أحدا أمام الناس بحجة النصح.

وذكر هذا الأمر مع موضوع الحج، لأن من أكبر أهداف الحج القضاءُ على الفروق القومية بين المسلمين ، وأن يزدادوا حبا ووحدة ووفاقا. ولكن هناك مَن دأبهم الشجار والفساد، فنبّههم سبحانه وتعالى أنه يريد جمع العالم كله حول مركز واحد، فعليهم أن يعملوا بما يؤدي إلى الاتحاد والاتفاق، وينسوا لوجه الله ما بينهم من بغض وعناد. والواقع أن الحاج الحقيقي إنما هو من يتجنب هذه الفتن والفساد، أما المفسد والمؤذي للناس فيضر بعمله الوحدة والمركزية التي لأجلها أمر الله الناس بحج بيته الحرام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك