من الصحافة العالمية

من الصحافة العالمية

رشيد أحمد شودري

المسلمون الأحمديون ومسألة سلمان رشدي

المتحدث باسم الجماعة الإسلامية الأحمدية بلندن

 

تسبب كتاب (آيات شيطانية) للكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي في إصابة المسلمين قاطبة بجرح عميق، ليس بسبب مخالفته للعقائد والأعراف الإسلامية، ولكن بالأحرى بسبب لغته المهينة المسرفة، التي استخدمها في التشهير بشخصيات لها من فجر التاريخ الإسلامي كل التوقير والمحبة في النفوس، بما تأذي منه المسلمون كثيرا.

وقد أحست الجماعة الإسلامية الأحمدية في بريطانيا بالفزع وخيبة الرجاء من فشل القيادات الغربية في إدانة هذا الهجوم البذيء، والذي لا مبرر له.. ضد أسمى الشخصيات الإسلامية، وعلى رأسهم نبي الإسلام وأصحابه، وأهل بيته الكرام.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد أحست بالقلق الشديد لرد الفعل الانتحاري غير المسئول من القادة والجماعات الإسلامية إزاء ما يسمى بمسألة سلمان رشدي ؛ فهم بدلا من تقويم الظلم الذي تعرض له الإسلام من جراء فعلة سلمان رشدي.. إذا بموقفهم يشوه صورة الإسلام في عين الغرب أكثر وأكثر!

والإسلام على العكس من الصورة المرسومة له في الغرب، دين متسامح حقا، وإلى أقصى حد. إنه يؤيد حرية الضمير الكاملة، ويعزز الحوار بلا قيود. يعلن القرآن الكريم صراحة أنه لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (البقرة: 257). ويدين القرآن إدانة باتة كل محاولة لكبت حرية التعبير والدينية وغير الدينية. ومع أن الإسلام يدين التجديف بشدة على أنه فعل غير لائق، إلا أنه لم يعتبره مع الجرائم التي تقع عقوبتها في يد البشر.

ويذكر القرآن الكريم بصورة واضحة دقيقة نماذج من التجديف ضد الله تعالى مثل:

وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ (الأَنعام: 109)،

ومثل

…قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (الكهف: 5-6)،

وضد عيسى وأمه عليهما السلام:

وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (النساء: 157)،

وضد نبي الإسلام مثل:

يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ (المنافقون: 9).

وليس في القرآن ما يعطي لأي واحد من البشر الحق في معاقبة المجدفين، وإنما أكد على أن الأمر كله بيد الله تعالى، إن شاء عاقب أو لا. وفي نفس الوقت، يدين القرآن المجيد إدانة شديدة استخدام لغة البذاءة أو التحقير في حق أي إنسان. ويؤكد القرآن الكريم بقوة على ضرورة الاحترام المتبادل وتقوية العلاقات السليمة بين الإنسان وأخيه الإنسان.

والإسلام أشد الأديان تسامحا. وهو في الواقع الدين الوحيد الذي يعلم معتنقيه أن الحق ليس احتكارًا لدين واحد، وأن كل دين في أصله حق مثل غيره. وكل مسلم يؤمن بصدق كل رسل الله عليهم السلام وقتما وحيثما بُعثوا.

ونحن المسلمين الأحمديين في المملكة المتحدة نطالب بأن تدرس مسألة سلمان رشدي في ضوء المبادئ السالفة، والتي تطبق عالميا في كل المواقف المماثلة. ولحسن الحظ أن هناك قانونا عاما في بريطانيا هو موضوع أساسا لحماية المشاعر المسيحية، ولا مانع يحول دون امتداد مظلته ليشمل المشاعر الأخرى بحمايته. وينص هذا القانون على أن: ( كل منشور يتضمن ما فيه ازدراء أو سباب أو بذاءة أو استهزاء تجاه الرب أو يسوع المسيح أو الكتاب المقدس أو الصيغ الكنسية لكنيسة إنجلترا.. يعتبر تجديفا طبقا لهذا القانون. ولا يعد من التجديف إذاعة ما يخالف الدين المسيحي، أو إنكار وجود الله.. ما دامت لغة المنشور مهذبة ومعتدلة. ويقوم المعيار لذلك على كيفية تناول الموضوع وليس على الموضوع ذاته. وكل من ينشر وثيقة تجديف يكون مدانا بإذاعة جريمة تجديف).

ويتضح مما سبق أن قصر تعريف التجديف على دين واحد أمر يجافي الفطرة السليمة، وليس هناك سبب يحول دون انطباقه على الأديان الأخرى. ونعتقد أن قبول حجتنا يصادر مقدما على مثل هذه الواقعات في المستقبل أو يحلها.

ومع ذلك، يجدر بنا التأكيد على أن لفتة عطف أو كرم من جانب حكومة واحدة نحو الجماعات الأخرى لا يحل المشكلة عالميا. وفي الوقت الذي لا تزال فيه هذه المسألة ساخنة، نقترح على الحكومات المسئولة التي تقطنها قطاعات سكانية من المسلمين والنصارى واليهود والهندوس والبوذيين كي تلتمس إمكانية توسيع مجال تطبيق هذا القانون البريطاني العام على كل الأديان والمعتقدات. ولما كان ليس بالإمكان تحقيق ذلك على أساس فردي أو ثنائي فحسب، لذلك ينبغي اشتراك هيئة عالمية مثل هيئة الأمم المتحدة. وهكذا يمكن الحصول على تطبيق أعم وأوسع، بعد الموافقة على إجراء التعديلات اللازمة على أساس متبادل بين قطاعات السكان من المسلمين والهندوس واليهود والمسيحيين والبوذيين وهلم جرا.

وهذه مسألة دقيقة، وينبغي دراستها بعمق. وعلى سبيل المثال، لو أن الحكومة في بلد ما بيد المتعصبين الدينيين، ولا توفر فضيلة الاحترام المتبادل نحو مؤسس الديانات والمذاهب الأخرى، فإن تبعات هذا السلوك السيء تنعكس على البلاد الأخرى التي جرحت فيها المشاعر الدينية بسبب هذا العدوان.. وإن كان قد وقع في بلد آخر.

ولقد وقعت أحداث من هذا القبيل في الماضي، واتخذت الحكومات المتحضرة الإجراءات المناسبة اللازمة للحماية والحفاظة على جو السلام والانسجام بين المجتمعات المختلفة. والمشكلة من هذه الوجهة ليست مشكلة غير معتادة.

(آسيان تايمز (Asian Times) بعددها الصادر يوم الثلاثاء 16 يناير 1990)

Share via
تابعونا على الفايس بوك