الجماعة الإسلامية الأحمدية في الكتابات الغربية الحديثة

الجماعة الإسلامية الأحمدية في الكتابات الغربية الحديثة

مؤلف كتاب (يسوع مات في كشمير. يسوع وموسى وقبائل بني إسرائيل العشرة).. فيلسوف ألماني اسمه فابر كايزر، وعالم في الأديان المقارنة، وصحفي بارع.

(A.Faber-Kaiser, Jesus Died in Kashmir. Jesus, Moses and the Ten Lost Tribes of Israel. Gordon, Cremonesi Ltd., London, 1977)

أغرته أنباء (مدفن يسوع في كشمير). فقام بتحقيقات شخصية، وذهب إلى كشمير للتقصي. ونشر رسالة تسد عددًا من الثغرات الكتابية التي حيرت العلماء والعقائديين قرونًا عديدة. ويؤيد بحثه المفهوم القرآني عن عيسى.. والذي تنشره الجماعة الإسلامية الأحمدية.

لقد وجد فابر كايزر طائفة من الناس يعيشون اليوم في كشمير.. ويدعون بأنهم (أبناء إسرائيل)، مصداقًا لمهمة يسوع الدنيوية.. للعثور على قبائل إسرائيل الضالة. وهذه الطائفة تقدس قبر يسوع، ومن بينهم سلالة تنحدر من نسله.. ومعهم شجرة نسب كاملة ترجع إلى ألف سنة. ويؤيد هذا البحث القول بأن المسيح بقي حيًا بعد واقعة الصليب، وأتم رسالته السماوية، وأنه تزوج وأنجب ذرية، وتوفي بعد حياة طويلة. وهكذا فإن هذا دليل مثير لفكر من يحسبون أن يسوع فوق البشر.. أو من يعتقدون بأن موته الدموي على الصليب كان فيه خلاص البشر.

ولقد خص المؤلف بالذكر عدة مرات كتاب (يسوع في الهند. Masih Hindustan Mein) لحضرة مؤسس الجماعة الأحمدية، واتخذ منه أساسًا ودعامة لبحثه المستقل. وقد أفرد بابًا كاملاً للحديث عن الجماعة.. (وهو غير واف من بعض الوجوه).. نسب فيه الفضل كله إلى ذلك العمل الرائع في كتاب حضرة المهدي والمسيح الموعود عن يسوع. ويشهد كايزر بأن مسألة موت يسوع على الصليب عرضت على شيخ الأزهر في مصر (فضيلة الإمام الشيخ شلتوت)، فأصدر فتوى يعلن فيها أن عيسى مات فعلاً ميتة طبيعية طبقًا للقرآن المجيد.

ومما يثير الانتباه أن كايزر لم يكتف بتعقب وتخطيط قبر يسوع في حي (خانيار) بمدينة (سري نجر) بكشمير بالصور الفوتوغرافية الواقعية.. بل اكتشف أيضًا قبر موسى وعصاه وحجره. ويرى كايزر أن قبر موسى يحظى بالتقديس منذ أكثر من 3500 سنة، ويقع في موضع يتفق تمامًا مع الوصف الوارد في التوراة لمدفن موسى. وهناك جماعة يهودية صغيرة تحرس وترعى المقبرة التي تضم جسد زعيمهم القديم. ويثبت كايزر أن بحثه كان نتيجة تحرياته وزياراته إلى الأماكن المرتبطة بالأقوال التي تشير إلى ذهاب موسى إلى كشمير. حيث استقرت قبائل إسرائيل العشرة المفقودة، ثم بعده ذهب إليها المسيح واستقر هناك ومات فيها.

ويقول المؤلف: “الغرض من هذا الكتاب تعريف أكبر عدد من الناس بمسائل لا تزال مجهولة لدى الكثيرين، ليتبين لهم مدى خطورة معتقداتهم عن يسوع، وهو الشخص الذي له، من خلال أشكال المسيحية المختلفة، الأثر الأكبر في تطور التراث الغربي بلا منازع. هذا الكتاب ملفُّ لما يقال اليوم، وما هو معروف، وما هو معتقد.. عن احتمال أن يسوع لم يمت على الصليب، ولم يصعد إلى السماء بجسده المادي”.

ويؤكد كايزر في مقدمة كتابه أنه لا ينبغي اعتبار كتابه دعاية للأحمدية، وأنه لا يدين في أصول كتابه إلى أية طائفة أو ملة.

وإذا كان كتاب فابر كايزر يبحث أساسًا في التاريخ والأنثروبولوجيا، فهناك كتاب آخر اسمه (يسوع في القرآن).. وهو كتاب ديني لمؤلفه جوفري بارندر، وهو أستاذ لعلم دراسة الأديان المقارنة في جامعة لندن: (Geoffrey Parrinder. Jesus in the Quran, Faber & Faber, London 1965)

يذكر فيه عقائد الجماعة الإسلامية الأحمدية على وجه الخصوص. ويجمع الدكتور بارندر تعاليم القرآن عن عيسى ويناقشها على ضوء نظائرها في التوراة والإنجيل.

وفي الفصل الخاص بأسماء يسوع يقول: يرى الرازي وآخرون أن لفظ (مسيح) مشتق من (ساح) بمعنى سافر كثيرًا، لأن يسوع سافر كثيرًا. وعند المسلمين المحدثين أصبح يسوع نموذجًا للحجاج ومثالاً للصوفية. وقد استعان الأحمديون بفكرة السياحة هذه في اعتقادهم بأن يسوع سافر شرقًا إلى كشمير.

وعندما ذكر سورة مريم وفيها يقول القرآن:

وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (مريم: 34)..

يقول المؤلف:

“إن أسلوب القرآن لا يحمل معنى الاستقبال الذي يفهم منه الموت بعد آلاف السنين، وإنما يبدو من المعنى الصريح للآيات أنه الموت الجسدي في نهاية حياته البشرية الأرضية وقتئذ”.

وعند ذكر سورة المائدة (5: 118) عن لفظة (توفيتني)، يقول بارندر: “تتحدث اللفظة عن موت يسوع”. وفسرها البعض بأنها الموت في وقت لاحق ولكن الدكتور شلتوت، (يعني فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق) فسرها بأنها تعني الموت العادي، وأنه ليس من سبيل لتفسير الوفاة على أنها تحدث ليسوع بعد عودته من السماء، على افتراض أنه كان أو لا يزال هناك حيًا.. ذلك لأن الآية تحدد بكل وضوح علاقة يسوع بقومه في زمنه.

وعن موضوع وفاة يسوع وعودته يشير البروفسور بارندر إلى سؤال أرسل إلى شيخ الأزهر يقول: هل فعلاً صعد يسوع إلى السماء بجسده العنصري، وهل سيرجع مرة أخرى في الزمن الأخير؟ ويجيب شيخ الأزهر أنه ليس في القرآن ولا في الحديث النبوي ما يؤيد الاعتقاد بأن عيسى صعد حيًا إلى السماء بجسده أو أنه سينزل من هناك في آخر الزمن. وهذا هو الرأي المعروف عند الجماعة الإسلامية الأحمدية في كتبهم.

وثمة كتاب آخر أفاض في الحديث عن الحركة الأحمدية وهو كتاب (الإسلام وباكستان) لمؤلفه فريلاند أبوت (Freeland Abbot, Islam and Pakistan. Cornell Univ Press, Ithaca 1968)

في فصل بعنوان (تشكيلة من استجابات القرن العشرين).. يقول البروفسور أبوت “كان مرزا غلام أحمد يعد عصريًا Modernist، ركز اهتمامه كلية على تطهير الإسلام من المؤثرات والممارسات المفسدة، ودافع عن الإسلام ضد هجمات المسيحية” وهنا كان الكاتب يقارن بين حضرته والسير سيد أحمد خان الذي كان يؤكد على إصلاح التعليم العالي الإسلامي. ويقول الكتاب “بدأ مرزا غلام أحمد بمحاولة الإثبات الجدلي بأنه ليس هناك دين يضاهي الإسلام، وبنى أدلته وتحليله على أساس عقائدي بحت”.

ويقول المؤلف: “إن الأربعين سنة الأولى في حياة مؤسس الأحمدية لم تكن ملحوظة، فقد قضى معظمها في قراءة التراث الديني، أو مناقشة المبعوثين المسيحيين. لقد أثبت تفوق القرآن على كل الكتب الأخرى. ويقول المؤلف: إن نشر سلسلة (كتاب البراهين الأحمدية) لاقى استحسانًا عامًا. ويبدو أن دعوى غلام أحمد بتلقي الوحي الإلهي بأنه مجدد الإسلام للقرن الرابع عشر لم تزعج علماء الدين التقليديين لأنهم تلقوا كتبه بالتقدير.

وفي حاشية للمؤلف أشار إلى أن الأحمدية لم تأخذ اسمها من اسم مرزا غلام أحمد.. وإنما من اسم النبي محمد لأن (أحمد) من أسمائه أيضًا. فالفترة المكية من حياة محمد كانت تتميز بالاضطهاد والصبر والتحمل وبذلك كانت تجليًّا لاسم أحمد، أما الفترة المدنية التي تميزت بالجزاء العادل فقد كانت مظهرًا لاسم محمد.

ويمضي الكاتب فيقول إن مرزا غلام أحمد هبّ ليدافع عن الإسلام بالوسيلة الوحيدة التي يمتلكها.. أعني الالتجاء إلى الحجج العقلية (والكاتب هنا يقارن بينه وبين سيد أحمد شهيد الذي قام يدافع عن الإسلام بالطريقة الوحيدة التي عرفها وهي التوسل بالسلاح). ولم تكن جهوده دفاعية فحسب وإنما كانت هجومية أيضًا. لقد أقام مشروعًا تبليغيًّا شاملاً ومنظمًا للغاية كي يحمل حقيقة الإسلام إلى أركان الأرض ونواحيها. وقد أدرك المرزا أن الوسائل الدفاعية التقليدية لا ثمرة لها، ولذلك أكد على النضال المعنوي بديلاً عن النضال المسلح، ودعا إلى أن نشر الإسلام بقوة السلاح فكرة خاطئة.

وقد استشهد الكاتب على هذه المسألة برسالة حضرة المرزا غلام أحمد إلى مير ناصر نواب والتي جاء فيها: “جهاد هذا الزمن هو الكفاح الشديد في سبيل الإسلام، والرد على كل اعتراضات خصومه، ونشر كمالات الإسلام وصدق المصطفى في كل الدنيا”. ويقرر الكاتب أن رجال الدين اعتقدوا أن الآيات القرآنية التي تقر المفهوم الأساسي للجهاد.. أي النضال بغير أسلحة قتالية.. قد نسختها الآيات التي تحث على الجهاد المادي، أي القتال المسلح. ولكن مرزا غلام أحمد رأى أن القرآن هو كلام الله.. فهو كلام أزلي باق، صادق حق، ومن ثم فلا يمكن أبدًا أن ينسخ بعضه البعض الآخر.

ويقول الكاتب: إن الأحمديين يرون أن التعليم القرآني لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ .. ينطبق على الخروج من الدين، ولو كان دين الإسلام، تمامًا كما ينطبق على الدخول في الدين. ويعتقد رجال الدين التقليديون والمحافظون أن الآية تنطبق فقط على الدخول إلى دين الإسلام، فإذا ما أصبح المرء مسلمًا تحتم عليه أن يبقى مسلمًا. ويعتقدون أن عقوبة الارتداد هي الموت.. لأنه خيانة للعقيدة والدولة. ويختتم الكاتب قائلاً:

“وبالطبع فإن تفسير مرزا غلام أحمد للجهاد لقي شيئًا من التأييد، وخاصة مع استمرار تفوق غير المسلمين في السلاح.”

أما عن مسألة يسوع: فيقول البروفسور أبوت أن هناك مزيدًا من الجدل حول ما يؤكد مرزا غلام أحمد من أن يسوع لم يمت على الصليب وإنما رفع عنه وهو لا يزال حيًا، ثم شفي بدواء خاص، ثم هاجر إلى كشمير بالهند حيث مات بعد أن بلغ 120 عامًا. ومعظم المسلمين يعتقدون بأن المسيح حي في السماء، وأنه لم يوضع على الصليب أبدًا، وأنه سيظهر لخلاص الناس من فتن آخر الزمن. ويقرر المؤلف أن “مثل هذه الفكرة عند غلام أحمد تشبه عقوبة الحرمان.. إذ تبدو في نظره كما لو أن الملجأ الأخير وقتئذ هو يسوع.. وليس محمد هو المخلص الحق للإسلام”. ويخلص أبوت من ذلك إلى أنه لا بد من أن يكون معتقد المسلمين غير الأحمديين خاطئًا، وأن يكون مفهوم مرزا غلام أحمد صحيحًا. كان من الضروري بيان أن يسوع قد مات كما يموت كل البشر.. ومن ثم لا يمكن أن يبقى منتظرًا بجسده في مكان ما ليظهر مرة أخرى على الأرض. إن مجيء عيسى.. عند مرزا غلام أحمد.. لا يعني دعوته جسديًا، وإنما يعني طبيعته الروحانية.

وهنا يقتبس المؤلف ما أعلنه الأزهر في مصر، وهو أعلى سلطة علمية دينية عند المسلمين، من تأييد للآراء التي قال بها مؤسس الأحمدية، وأنها إسلامية، وتتفق مع التفسير الصحيح للقرآن حول هذه المسألة.

وعن لفظ (نبي) يقول الكتاب: “يبدو أن مؤسس الأحمدية اعتقد بأن محمدًا هو آخر نبي يأتي بشريعة كاملة لبني البشر، وأن مهمته بوصفه نبيًا.. أن يقوي ويؤكد شريعة محمد ليؤمن سلامة الإسلام ونجاحه.” ويمكن أن يضاف ها هنا أن البعض يرى هذا الموقف مبهمًا، بل عند المتطرفين يعد موقفًا غير إسلامي. ولكن ليس من العسير فهم موقفه إذا أدركنا أن الغالبية العظمى بين المسلمين يتوقعون وينتظرون مجيء يسوع وظهوره على الأرض.. لنفس الغرض الذي يدعيه مؤسس الأحمدية لنفسه.. وأنه جاء مصداقًا للنبوءات المروية عن النبي محمد. فالواقع إذن أن الفرق بين الأحمديين وغيرهم ينحصر في التعرف على المسيح والمهدي الشرعي.. علمًا بأن هذين الإسمين ينطبقان على شخص واحد حسب العقيدة الإسلامية، وليس ثمة خلاف في العقيدة أو المبدأ. وفضلاً عن ذلك فإن مرزا غلام أحمد يعتقد بأن كل امتيازات الإنسانية والنبوة تجد قمة كمالها في شخص النبي محمد المبارك ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه بمجيء محمد تتوقف تعاليم جميع الأنبياء السابقين، ولهذا وصف محمد في القرآن بأنه (خاتم النبيين).

ويشير البروفسور أبوت إلى أن الجماعة الأحمدية انقسمت إلى قسمين: القسم الأكبر يعتقد بأن كلمة نبي استخدمت بمعناها الحرفي، والقسم الأصغر يعتقد أن معناها كان مجازيًا. ويقول إن ذلك الانقسام كان ينطوي على خلاف في السياسة الداخلية، كما أنه أيضًا خلاف عقائدي. ولكن الفريقين كليهما احتفظا بمهمتهم الأساسية من حيث الدفاع عن الإسلام، وإذاعته عن طريق اجتناب الصراع المسلح، والاستخدام الواسع للجدل والنقاش والنشاط التبليغي المتحمس.

ويقول المؤلف:

“إن إعلان غلام أحمد بشأن تجميع الخلاصة الروحية لدعوات الأنبياء السابقين قد يبدو امتدادًا للحركة التوفيقية بين الأديان التي قامت في الهند، ولكن الواقع أن الأمر لم يكن كذلك”.

ويقول:

“كان غلام أحمد مسلمًا خالصًا، ولم يقم بجهد حقيقي قد يؤدي إلى توحيد الأديان أكثر من هذا. لقد كان مع توحيد الأديان بكليته، ولكن على أساس أن يكون الجميع مسلمين..”

ويقول المؤلف أيضًا: “إن مرزا غلام أحمد ادعى بأن الله اختاره لتعزيز الاتحاد بين الناس، وما كان ليصل إلى نتيجة تخالف ذلك بعد أن قرر بناءً على دراسته أن ستة آلاف عام قد انقضت منذ عهد آدم.. وحان لتفوق الشيطان أن ينتهي (يعني فترة ضعف الإسلام)، وأن أنباء الغيب السماوية تعهدت أن يأتي المسيح في هذا الوقت لإصلاح العالم. كما ادعى بأنه هو ذلك المسيح، وبذلك جاهد ليقنع الناس بصحة دعواه وأنه المصلح العالمي للألف سنة القادمة (آخر الزمن)، وأسس حججه على أحاديث النبي محمد ، وعلى صدق ما يتلقاه من وحي، وعلى مسلكه النموذجي وإنجازاته”.

“وبينما يناضل مرزا غلام أحمد اللامبالاة والعداء من المجتمع المسلم، أخذت جماعته تستبعد أكثر فأكثر من هذا المجتمع. ومع أنه قرر بأن من يرفض دعواه.. حسب قول أبوت.. لا يعتبر كافرًا، ولكن بالرغم من ذلك زادت عداوة المسلمين.. بسبب وجود التنظيم الأحمدي وخصوصيته الشديدة، ووصموا مرزا غلام أحمد وجماعته بأنهم كافرون وخارجون عن الإسلام”.

ثم يقارن المؤلف مرة أخرى بين مؤسس الأحمدية والسير سيد أحمد خان فيقول: “لقد استمد مرزا غلام أحمد كل حججه من القرآن والحديث النبوي وكتابات الأئمة المسلمين السابقين، ولكن السير سيد لم يبدأ بالقرآن والحديث، وإنما استعملها لتدعيم موقفه الفكري. ولكن الرجلين متفقان في أنهما تجنبا التورط السياسي مع البريطانيين. ويقول أبوت: إن هذا الموقف كان شديد الحساسية، وليس أبدًا موحدًا بين المسلمين في الهند، ومع هذا فإنه كان يتصف بعناصر مؤيدة معينة، إذ أنه يعني فصل الإسلام عن الأحزاب السياسية وممارساتها.

ويمضي المؤلف قائلاً: “إن الأهمية الأولى للحركة الأحمدية تكمن في تركيزها على البعوث الإسلامية. فالأحمدي، كأي مسلم، يعتقد أن الإسلام هو الدين الوحيد الخالي من الخطأ، ولكنهم وحدهم.. الذين جعلوا من مبادئهم كشف ما في الديانات الأخرى من الأخطاء، والعمل بنشاط لإدخالهم في الإسلام. ويقول إن الأحمديين.. إذ يهبون بعد تراجع المسلمين الذي بدأ يوم وصول البريطانيين إلى الهند. يمثلون المسلمين على نحو ما بمثل ما يمثل (المؤتمر الإسلامي) بزوغهم السياسي.

ويؤكد أبوت على أنه بمرور الوقت أصبحت حجج الأحمديين ضد الديانات الأخرى مقبولة بكل حماس لدى الجميع حتى أشد خصومهم ضجيجًا.

ولقد غرست الأحمدية الإيمان القوي في نفوس كثيرة من المسلمين من خلال جهودها النشطة في الدعوة إلى الإسلام وإدخال الناس فيه، ومنشوراتهم المتواصلة الذائعة لإثبات تفوق الإسلام على كل الديانات. ونتيجة لكل ذلك فإنهم أقاموا اعتقادًا جريئًا بأن المسيحية لا تفسر قوة أوروبا، وأن الإسلام لا يزال الدين الصحيح لكل العصور القادمة. ويقول الكاتب: ولعله من المفارقات الساخرة.. أن أشد الجماعات تعرضًا لهجمات المسلمين في الهند وباكستان.. لا يزالون الأكثر عملاً وجهدًا للدفاع عن الإسلام ضد الأديان المنافسة الأخرى.

وأخيراً أقتطف من كتاب البروفسور أبوت المقارنة التي عقدها بين المرزا غلام أحمد وبين شخصية معروفة في باكستان.. المولوي المودودي. يقول الكتاب: “لقد أدرك غلام أحمد أهمية الرد على النقاد من غير المسلمين، وتصحيح الأخطاء التي زحفت على المفاهيم التقليدية للإسلام. وكانت تلك التصحيحات ضرورية لدفع الموقف العقلي للإسلام، أو بعبارة أخرى.. حسب تعبير الكاتب، أن مرزا غلام أحمد (مدافع مهاجم)، أما المولوي المودودي فلم يكن مدافعًا، بمعنى أنه لم يكن معنيًا ببيان محاسن الإسلام أو تفوقه على العقائد والديانات الأخرى كما يفترض. ولكن مرزا غلام أحمد على العكس من ذلك كان متحمسًا للغاية في الإعلان والإثبات بأن الإسلام بكل تأكيد هو الأعلى إذا ما قورن بكل الديانات على الأرض.

والآن نأتي إلى نواح أخرى للحركة الأحمدية، وعلى الأخص الأسلمة (أي الإدخال في الإسلام) والدعوة والنشاطات الإرسالية وتنظيماتها في بعض أجزاء العالم، وهي موثقة في كتب منشورة بالعالم الغربي. وللإيجاز، نسلط الضوء على القارة الإفريقية. وفي هذا الخصوص نجد ثلاث كتب قيمة للمستر سبنسر ترمنجهام: الإسلام في شرق أفريقيا، والإسلام في غرب أفريقيا، ونفوذ الإسلام في أفريقيا (Spencer Termingham, Islam in East Africa. Islam in West Africa and the influence of Islam upon Africa. Oxford Univ. Press) وكتاب آخر للسيد فيشر باسم: الأحمدية… دراسة للإسلام المعاصر في غرب أفريقيا. (H.J.Fisher, Ahmadiyya – a study in Contemporary Islam on the West African Coast; London 1965)  يعد أشد تعلقًا بالموضوع للنظر فيه هاهنا، ولكن نسخته ليست تحت يدي اليوم.

في أحد فصول كتاب ترمنجهام تحت عنوان (التنظيم الإسلامي) Islamic Organisation، يتتبع تاريخ البعوث الإسلامية الأحمدية منذ عام 1942 عندما وصل إلى ممباسا أول مبعوث وهو الشيخ مبارك أحمد.. “ومنذ ذلك الوقت افتتح الأحمديون المدارس، وشيدوا المساجد، ونشروا ترجمات للقرآن باللغات المحلية”. ويقول “لقد كان نشاط الأحمديين ملحوظًا تمامًا رغم التأثيرات المتفاوتة بين شرق وغرب أفريقيا، ورغم المعارضة الشديدة من جانب القطاعات المحافظة في المجتمع”. ويقول المؤلف: “لقد تمكن الأحمديون من اكتساب عدد كبير من الأتباع بين المسلمين الجدد في ساحل غرب أفريقيا، وبين قبائل الفانتي. كما لقوا نجاحًا مع المسلمين الصوفيين وفي المدن المختلطة. وهناك عدد من مساجد الأحمديين في عواصم متعددة ومدن أخرى”.

وعند المؤلف، لا يزال الأحمديون مبغضين بشدة من جانب الطوائف الإسلامية الأخرى، ولكنهم ما عادوا يلاقون الكثير من المعارضة المباشرة كما كان يجري من قبل”. ويقول: “إن نفوذ الأحمدية من ناحية أخرى لا يقدر بالمقياس الكمي وحده، إن تأثيرهم أكبر بكثير مما قد يوحي به أعدادهم القليلة، ويستمدونه من دعايتهم المعبرة المناضلة”. ويصرح المؤلف قائلاً: “إن تعاليم الأحمدية وكتاباتهم تثير النقاش والجدل”. وأشار إلى أن ترجمة القرآن للغة السواحلية حثت السيد عبد الله صالح الفارسي ليبدأ ترجمة تقليدية، وإن كانت عقيدته السابقة تحرم مبدأ الترجمة. وذكر أن الكتب والنشرات والدوريات والجرائد الأحمدية تلقى رواجًا واسعًا. وفي كتاب (المسلمون الهنود) يقول الدكتور مجيب Dr. M. Mujeeb, the Indian Muslim, Mc Gill. Univ. Press, Montreal, 1967)):

“في عام 1889 أعلن مرزا غلام أحمد نفسه المسيح والمهدي الذي قالت بمجيئه النبوءات. وكان عليه بالطبع أن يواجه معارضة وشجبًا شديدين، ولكنه نجح في إقامة جماعته، وما برحت تزداد عددًا وتماسكًا. وما زالت أشد الجماعات الإسلامية نشاطًا في توجيه البعوث للدعوة إلى الإسلام. ولقد استند في ادعائه على بعض سماته.. ومنها أنه سبط الشعر، قمحي اللون، يتمتم في كلامه، تلك السمات التي وردت في صفات المسيح الموعود.

ومما يجعل المراقب النزيه مدركًا لأمره.. ما أبداه من اهتمام بالغ بصد الاتهامات الموجهة ضد الإسلام ونبي الإسلام من جانب المسيحيين والآرياسماج، ومن الكيفية التي مزج بها الحاجة إلى صحوة دينية مع مجريات الأحداث في العالم وما يجري فيه من تقدم علمي وفني. ويمكن تصور ما أحدثه من تأثير إذ ما قورن موقف (العلماء) العدائي المشوب بالحيرة والارتباك تجاه الكشوف العلمية.. بموقفه من قبول كل المنجزات على أنها دليل إلى حاجة الإسلام إلى مفسر جديد. ولقد مكن قبوله هذا لجماعته من تنظيم نفسها، وساعد أعضاء الجماعة واستعان بهم، ووضع لهم مستويات عالية للنظافة والكفاءة والأداء الواعي لواجباتهم”.

وفي كتاب (باكستان، شعبها ومجتمعها وتراثها) للمستر ولبر (D. N. Wilber; Pakistan, Its People, Its Society, Its Culture; Haraf Press. New Haven, 1964) يقول مؤلفه: “إن أعضاء الجماعة الأحمدية معروفون بمقدرتهم وحماسهم لإدخال الناس في الإسلام من خلال بعوثهم العديدة في العالم. وتنطوي الحركة الأحمدية على روح تطهيرية للإصلاح التقليدي، ومسحة تحريرية حديثة، واستمساك لا يتراخى بالوحي الإلهي، وحماس شديد لجماعة صغيرة واعية”. ويضيف ولبر: “إن معاداة الحركة الأحمدية لا تقوم أساسًا لسبب عقائدي.. وإنما بسبب نواح اجتماعية.. أي بسبب تماسك جماعتهم، وشدة ترابطهم مع حماسهم المشترك القوي، وأيضًا بسبب إخلاص أعضاء الجماعة المتميز في تكريس أنفسهم لخدمة جماعتهم ككل”.

ويمضي ولبر قائلاً: “في عام 1947، عندما انفصلت باكستان عن الهند البريطانية، كان الأحمديون أفضل الجماعات تعلمًا في المنطقة التي أصبحت باكستان الغربية. ولا شك أن الزعم الشائع بأن الأحمدية توجد لأعضائها وظائف حكومية، ولطلبتها منحًا علمية جامعية، ولا تهتم إلا لأفراد جماعتها فحسب.. إنما هو من قبيل المبالغات. بيد أن الترابط الداخلي القوي في الجماعة هو الذي أدى فعلاً إلى العزلة الخارجية، وأن (الانغلاقية) الاجتماعية هي التي نجم عنها التنافر بينهم وبين بقية المسلمين.

ويكتب إيان ستفنز في كتابه (باكستان) Ian Stephens, Pakistan, Earnest Benn Ltd., London 1967)) إن الأحمديين قوم نشطون، جاهدون في أسلمة الناس. وذلك الفيض من الأدب الإسلامي المعاصر.. الذي يجد المبعوثون المسيحيون أنفسهم في صراع فاشل معه.. إنما هو من مصدر أو من أصل أحمدي. ويشير الكاتب إلى القلاقل والاضطرابات التي حدثت ضد الأحمديين عام 1953 في باكستان فيقول: “إن الأحداث المعقدة التي وقعت لم يكن لها في الحقيقة علاقة تذكر برفض العقائد الأحمدية.. وإنما كانت رياحًا جانبية سياسية ناجمة عن الجدل والخلاف الذي كان يهب وقتئذ في كراتشي.. بسبب الشكل الفدرالي والطابع الإسلامي لدستور باكستان المقترح”.

وفي هذا الصدد أود الإشارة إلى كتاب للبروفسور عزيز أحمد، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة تورنتو بكندا، عنوانه (التحديث الإسلامي في الهند وباكستان)، (Prof. Aziz Ahmad, Islamic Modernism in India and Pakistan, Oxford Univ. Press 1967) يقول الأستاذ عزيز مشيرًا إلى أحداث فتنة 1953 ضد الأحمديين: “لقد شجعت عليها حكومة ممتاز محمد دولتانه المحلية.. من خلال الصحف، والإدارة الإسلامية بدافع من الطموح السياسي والمنافسة بين المحافظات، ولإحراج الحكومة المركزية في كراتشي التي يرأسها خواجه ناظم الدين. ولقد أعلنت الحكومة المركزية أنه لا يمكن اعتبار الجماعة الأحمدية أو أي جماعة أخرى كمجتمع أقلية إذا اختارت لنفسها صفة الإسلام.. حسمًا لموضوع الخلاف بين الحكومة التي ترى الأخذ بمفهوم العلمانية الواقعية الغربي.. وبين الرجعيين والتقليديين من العلماء. وقد أعلنت الحكومة الحكم العسكري في مدينة لاهور لحمايتها من النهب أو الحرق على يد الغوغاء الجامحين من أعداء الأحمدية. ولقد قام القاضيان محمد منير و م. ر. كياني بتحليل أسباب هذه الأحداث ونتائجها تحليلاً فطنًا حريصًا. وواجه تقريرهما بصراحة مفهوم (الدولة الإسلامية) في العصر الحديث.. وتناول المسألة ومعضلاتها، كما يقول المؤلف، وانتهى إلى القول بأن الدولة الإسلامية كما يعرِّفها العلماء لا يمكن أن تكون ديمقراطية بالمعنى الحديث، ومن الناحية التطبيقية لا تكون سيادة مطلقة لأن الملك المطلق لله.

ولقد خصص البروفسور ليونارد بايندر في كتابه (الدين والسياسة في باكستان) فصلاً كاملاً عن الأحمدية. (Prof. Leonard Binder, Religion and Politics in Pakistan, Univ. of California, 1961) ولقد تناول بإسهاب مسألة النزاع المضاد للأحمدية وتأثيره في عملية صياغة القانون في باكستان. ويشرح بالتحليل دور جماعة الأحرار، والجماعة الإسلامية، والعلماء، والكيفية التي لعب بها هؤلاء دوراً سياسياً بارزاً في (استبعاد) المسلمين الأحمديين، وجعل الحكومات المختلفة في باكستان تحقق أهدافهم السياسية.

وفي كتاب (باكستان، مولد ونمو أمة إسلامية) لمؤلفه رتشارد ويكس (Richard Weeks, Pakistan, Birth and Growth of a Muslim Nation, D. Van Nostrond Co., Inc. Priceton, 1964) يقول المؤلف: “إن الأحمديين قد أحيوا روح البعوث بين المسلمين وانتشر نشاطهم في أسلمة البلاد الإفريقية والآسيوية وبلدان أخرى غيرها… حيث يذيعون الإسلام السلفي القويم، مع لمسة من الصوفية والزهد والتحررية. وأشار أيضًا إلى أن الأحمديين كانوا أكثر الجماعات تعليمًا، وأنهم تبوأوا مراكز هامة في الحكومة.. مما أضرم نيران الثورة في باكستان أوائل قيامها. ويذكر (ويكس) على وجه الخصوص.. كما ذكر مؤلفون آخرون.. اسم شودري سير محمد ظفر الله خان، أول وزير خارجية لحكومة باكستان، وسفيرها لدى هيئة الأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن في دورته السابعة عشر، ورئيس محكمة العدل الدولية”.

وفي موضع آخر يقول المؤلف: “لقد شهد البنجاب نشاطًا فكريًا مجددًا بين المسلمين عندما قامت الحركة الأحمدية. إن أتباع الحركة التي أسسها حضرة مرزا غلام أحمد (1835 إلى 1908) مبعوثون نشيطون، ومعلمون محترمون. ولقد هاجموا الجهل والفقر في أهل القرى أكثر من أي جماعة مسلمة أخرى”. (وأحب أن أضيف هنا ملاحظة شخصية: كان أحد رؤساء منظمة التنمية القومية في باكستان يحاضر حول أهمية تنمية التعليم لأهل الريف، فقال: إن الأحمديين يعلمون وينفذون المثل المأثور: كل واحد يعلم واحدا (Each one teaches one) وينبغي علينا أن نحيي الحكمة في ريف باكستان. وجدير بالذكر أن ذلك الموظف لم يكن من الأحمديين).

وأود أن أذكر ثلاثة كتب لمؤلفين مشهورين من العالم الغربي: أولهم كتاب (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) للبروفسور جِب أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد (Dr. H. R. Gibb, Prof. of Arabic in Oxford Univ., Modern Trends in Islam, Chicago Press 1945) يقول المؤلف: “على الرغم من كثرة الحيرة والخلط الناشئة عن الأفكار الحديثة وما فيها من حجج وحدس، ومن الفكر السلفي المتحفظ، ومن الاشتراكية الإسلامية، ومن التعصب اللاديني أصلاً.. والذي اتخذته الجماعات الرجعية في الفترة الأخيرة.. إذ تستخدم اسم الإسلام كشعار سياسي أو اجتماعي.. فقد أخرجت الهند الجماعة الجديدة الناجحة الوحيدة في الإسلام. لقد بدأت الحركة الأحمدية كحركة إصلاحية، تجديدية، سلمية، تحررية، تتيح بداية جديدة لأولئك الذين فقدوا إيمانهم في الإسلام القديم”.

ثم هناك كتابان للباحث الكندي المعروف وِلفرد كانتوِل سميث، الذي كان محاضرًا في التاريخ الإسلامي من كلية فورمان المسيحية بلاهور، ومديرًا لمعهد الدراسات الإسلامية في جامعة ماكجيل بمونتريال، وهو الآن بجامعة دالهوزي في هاليفاكس. كتابه الأول هو (الإسلام الحديث في الهند) Wilfred Cantwell Smith, Modern Islam in India, a Social Analysis, Victor Gollanoz Ltd. London 1946) وهو دراسة تحليلية اجتماعية، وفيه يقرر الكاتب أن الحركة الأحمدية أصبحت ذات أهمية في الغرب لعاملين: الأول لإسهامها الواسع والمقتدر في إرسال البعوث، والثاني لأن الإرساليات المسيحية قد خصتها باهتمام كبير. لقد قامت الأحمدية في خضم الشدائد المصاحبة لسقوط المجتمع الإسلامي القديم، وتغلغل الفكر الحديث باتجاهاته الجديدة، وهجمات الإرساليات المسيحية، ثم مدرسة “عليكرة” الجديدة المسيحية، وفي ذات الوقت معارضة في وجه الانحلال الساري في جسد الإسلام الشائع وقتئذ.

وعن مؤسس الأحمدية يقول سميث: “لقد درج الرجل الصالح التقي مرزا غلام أحمد في شبابه على حياة العزلة الدينية، وأحس إحساسًا أليمًا بالهوة السحيقة التي تردى فيها الإسلام، وكلما تفكر في المسائل الدينية كلما ازداد شعوره أكثر فأكثر بضرورة تنقية الإسلام”. ثم يضيف المؤلف: “لقد اشتهر بالصلاح والورع، ثم لتعاليمه الدينية، وقد اعترف به الكثيرون، ومنهم رجال الدين السلفيون، كمصلح إسلامي كبير.. ثم فجأة جاء عام 1889 لتتحول الشعبية إلى التشهير العنيف به.. عندما أعلن أنه تلقى وحياً يخول له تلقي البيعة من الناس على أنه المسيح الموعود والإمام المهدي، أي أنه المسيح ابن مريم.. وقد عاد إلى الدنيا، وأنه المنقذ المعهود الذي ورد ذكره في الأحاديث الإسلامية ليظهر في آخر الزمان. وهاج المجتمع المسلم وعلى رأسهم علماء الدين لهذا التجديف، وهاجموه بلا هوادة. ولقد تمسك بدعواه دون تردد أو وجل، ثم عززها بالتدريج في السنوات التالية. وعلى الرغم من الاضطهاد الشديد تربو جماعته في إيمانها وعددها.

وعن بعض الجوانب الاجتماعية للجماعة الإسلامية الأحمدية يقول المؤلف: “الجماعة نشطة فعالة بالتأكيد، وهي تزدهر كشجرة الباي الخضراء، ويضمها تنظيم متين الخيوط متقارب النسج. ويعلنون أن نسبة التعليم في الجماعة تبلغ مائة بالمائة بين الذكور، وتبلغ 75 بالمائة بين الإناث في مدارس البردة (البردة هي حجاب المرأة الشرعي). وإذا كان نصف سكان قرية ما من الأحمديين فحري بهذا الجانب الذي يعيشون فيه أن يكون أشد نظافة من النصف الآخر. كما أنهم يختلفون عن غيرهم من المسلمين العصريين في أن لهم برنامجًا إيجابيًا محددًا، وهم مشتغلون دائمًا وأبدًا في تنفيذه. وبالإضافة إلى إعجابهم بالعصر الإسلامي الأول.. فإنهم واثقون من أنهم جادون في استرجاعه. إن أمام أعينهم مشروعًا يتطلب كل طاقاتهم ويرضي كل حاجاتهم، ويوقظ كل حماسهم”.

ويرى البروفسور (سميث) أن الجماعة الأحمدية من الناحية السياسية تتمسك بإحكام بمبدأ اللاحزبية، ويصرون على مساندة كل حكومة في السلطة.. ما دامت تمنحهم حرية الدعوة والعقيدة. ومن الناحية الاقتصادية، فهم بلا شك يؤيدون حقوق الملكية الفردية، وسياستهم المعلنة هي عدم معارضة الوضع الاجتماعي القائم.

وحاول مناهضو الأحمدية في حماسهم المضاد للأحمدية الاستعانة بالشاعر الفيلسوف سير إقبال. ويشير البروفسور سميث إلى هذه النقطة فيقول: “إن إقبال يتناقض مع نفسه عندما يواجه المسألة الأحمدية. ويقتبس عن إقبال قوله: إن الفرق بين المؤمن والكافر ليس فرقًا دينيًا ضيقًا.. وإنما هو الموقف الأساسي تجاه الحياة.. بمعنى هل هو ينمي أو لا ينمي قدراته.. ويستعملها في غزو العالم وإعادة صنعه باسم ربه؟ ويقول (سميث): لقد قال إقبال ذلك ولكنه لم يكن أبدًا قادرًا على التفكير فيها فعلاً.. وعلى سبيل المثال: في نزاعه مع الحركة الأحمدية لم يستخدم المعيار الأساسي الذي قال به لتحديد من هو مسلم، ومن هو غير ذلك؛ ولكنه استخدم المعيار الديني التقليدي الضيق. ثم إن إقبال اقترح إقامة دولة منفصلة للمسلمين في شمال غرب الهند، ولم يكن يعني بالمسلمين أولئك الخلاقين الصالحين.. وإنما أراد كل من يسمى مسلمًا. (يُعرِّف سميث المسلم بأنه كل شخص يسمي نفسه مسلمًا).

أما الكتاب الثاني للبروفسور سميث فهو (الإسلام في التاريخ الحديث) Islam in Modern History by Prof. W. Cantwell Smith

وفي فصل بعنوان (باكستان: الدولة الإسلامية).. يشير الكاتب إلى المشاعر المضادة للأحمدية التي انفجرت في شكل اضطرابات دموية عنيفة في عدد من المناسبات. ويذكر في شكل اضطرابات دموية عنيفة في عدد من المناسبات. ويذكر هذه الانفجارات على أنها من أعمال النفاق الذي يستغل مسائل دينية لتحقيق أغراض سياسية. ثم يقول: إن تقرير القاضي منير 1953.. وهو وثيقة كاشفة بدرجة غير عادية، وتنم عن ذكاء يدعو للإعجاب في مواضع متعددة، ودستور باكستان الموضوعي.. هما الوثيقتان الأساسيتان لتاريخ الإسلام في باكستان في عقدها الأول. ولقد نجح المنظمون للمعارضة الشعبية ضد المسألة الأحمدية، في البلورة التدريجية حول مسألة تم اختيارها بعناية.. متخذين الإسلام رمزًا.. تلك هي الشعور القوي المتزايد بالسخط لدى الأوساط الشعبية، بسبب سوء الأحوال العامة في باكستان بعد أمانيهم المبكرة. فقامت المصادر الدينية الرسمية بتجسيد سخطهم الشديد في رمز ملموس. ولقد تطلب ذلك الهدف سنوات من الجهد الحريص الدؤوب من جانب الحزب السياسي المسؤول، ودعمًا ملائمًا من الظروف الأخرى ومن السلطات لإثارة الجمهور حول هذا الرمز المختار. ولقد شُكلت الآمال الشعبية نحو نظام اجتماعي جديد أفضل وفي صورة إسلامية. ثم صاغوا أيضًا التعبير عن خيبة آمالهم في قالب إسلامي. وأصبحت الحركة متنفسًا للشعور المدبَّر.. ليس لعدم تحقق أمانيهم فحسب، وإنما لأن قادة البلد لم يكونوا جادين في كلامهم، فلم يحاولوا قط الوفاء بما قالوا. ويختم البروفسور سميث قائلاً: وقد خلعت الحركة المناهضة للأحمدية بما حملته من عنف ووحشية على تلك الأحاسيس شكلاً معينًا.. جعلها تتسم من الناحية الدينية بأنها في غير محلها، ومن الناحية الأخلاقية بالخطأ الفاحش، ومن الناحية العملية بالفظاعة الشديدة. ولا يسعنا إلا أن نلفت الانتباه هنا إلى أن هذا الشعور كان موجودًا. لقد أوضحت اضطرابات البنجاب وجود الفشل.. وبعض تبعات هذا الفشل في إيجاد صيغة مناسبة صالحة للشكل الإسلامي المعبر عن الآمال الاجتماعية السياسية. وهذا أيضًا ما يلخص أسباب وآثار القلاقل السياسية الدينية التي وقعت في باكستان عام 1974.. والتي صممها مهندسو القوى الحاكمة وقتئذ.. ليدعموا شعبيتهم المتدنية في الداخل والخارج. وما تزال باكستان تناضل كي تجاري عواقب هذه الاضطرابات التي أخذت شكل أزمة تشريعية وغموض مريب.

وفي رسالة لأستاذ أمريكي عنوانها: (الأحمدية في أزمة عام 1974: نيران قديمة توقد من جديد في بنجاب).. (Prof. Spencer Laffan, The Ahmadiyya in crisis 1974. Old fires, vekindled in Punjab) يقول البروفسور لافان: “في محاولته تحليل الأسباب والنتائج لهذه الأزمة… فإن المراقب الخارجي سرعان ما يرتاب في أهداف النزاع وتصرف الحكومة حياله. ومن المؤكد أنه في بداية الاضطرابات كان بوسع سلطات الشرطة والحكومات المحلية أن تتخذ من الإجراءات ما يحول دون الهجمات على الأحمديين، ولكن كان من الجلي أنها شجعت على تلك الهجمات في المدن. كما جرى في جوجرانوالا Gujranwala، حيث كان مجتمع الأحمديين في موقف ضعيف للغاية بسبب قلة عددهم. إن قرار الرئيس بوتو بعرض المسألة على المجلس بدلاً من اتخاذ موقف حاسم بالوقوف إلى جانب قرار (القاضي منير).. له مظهر ديمقراطي.. ولكن نتائجه أظهرت أن المراد منه إضاعة الفرصة من كل مختص!! وأخيرًا، أود أن أقدم كتابًا شاملاً عن الحركة الأحمدية يغطي تاريخها ومنظورها بالتفصيل. ذلك كتاب البروفسور سبنسر صاحب الرسالة السابقة ويسمى (الحركة الأحمدية، تاريخها ومنظورها) (The Ahmadiyya Movement. A History and Perspective, by Prof. Spencer Lavan. Manohar Book Service, Delhi 1974) والبروفسور لافان حاليًا في إحدى جامعات أمريكا Tufts Univ. Massa USA. وأسوق لكم نبذة من كتابه اقتطفها كاتب آخر هو همفري فيشر Humphrey J  Fisher  في كتابه عن الأحمديّة والّذي سبق الإشارة إليه:

(يلاقي الأحمديّون المتاعب في كلّ مكان ..تطاردهم فيه كلاب الحراسة التّقليديّون ..الّذين تغذّيهم عائدات النّفط بما يكافئ جهدهم. إنّ كتابًا ينشر في عام 1974 لايستطيع أن يتناول الأحداث الجارية، وقد توقّف الدّكتور لافان عند عام 1963، وبذلك استبعدت الاضطرابات المضادّة للأحمديّة عام 1953 في بنجاب. ولكن بسبب مغزاها المعاصر، فإنّ له أهميّة لتفهّم جذور التّطوّر المبكّرة للحركة على النّحو الصّحيح. وفي هذا الصّدد يساعدنا كتاب لافان.

ويختتم (فيشر) استعراضه بسؤال: هل سيؤدّي تجديد الاضطهاد مؤخّرًا .. وهو الآن على نطاق واسع إلى تنشيط الحركة الأحمديّة تنشيطًا عميقًا؟!

(The Review of Religions, January. 1984)

(التّقوى): نُشر هذا المقال في عدد يناير من مجلّة (ريفيو) عام 1984م ، وكان الرّدّ المناسب على سؤال الدّكتور فيشر حينئذٍ هو: بعد اضطرابات 1953 زادت الجماعة الأحمديّة عددًا ونشاطًا، وافتتحت عدّة مراكز. منها مسجد الأندلس الأوّل في إسبانيا، وقد تمخّضت الأحداث السّياسيّة المضطربة عن إعدام (بوتو) بتهمة الخيانة العظمى.. على يد (ضياء الحقّ). واليوم مايو 1984.. يسترضي ضياء الحقّ جماهير الغوغاء، بعد أن منع كلّ الأحزاب السّياسيّة المعارضة.. وحرّم الكتابة السّياسيّة في الجرائد .. اليوم يسترضي الغوغاء بتحريم الأذان وكتابة كلمة مسجد على مساجد الأحمديّين، وتهديدهم بالسّجن 3 سنوات اذا ادّعوا بالإسلام. والقلاقل تزداد .. والظّلام يخيّم، ولكنّ سنّة الله تعالى أن يأتي الفجر وتشرق الشّمس وينزل الغيث.

ولم يرتدع الدّكتاتور ضياء الحقّ عن مظالمه رغم شدّتها وعنفها وتجاوزها كلّ الحدود الإنسانيّة. وأوقعه حظّه العاثر تحت حسام الله.. إذ تحدّى مباهلة إمام الجماعة الإسلاميّة الأحمديّة.. فمضى كأن لم يكن. ولاتزال الجماعة في نشاطها بفضل الله تعالى وتأييده، فله الحمد.

ولاتزال حكومة باكستان لاتضع حدًّا للمظالم والاضطّهادات الّتي يتعرّض لها المسلمون الأحمديّون .. ولم تنفع دروس الماضي ولم يتّخذوا منها عبرة. نسأل الله لهم الهداية، لأن سننه تعالى لا تختلف،

فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا .
Share via
تابعونا على الفايس بوك