لا شفيع لبني آدم إلا سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (سورة البقرة: 255)

شرح الكلمات:

خُلَّة – الخلة: الصداقة تخلَّت القلب دخلت خلاله. الخليل مَن خُلته مقصورة على حب الله تعالى فليس فيها لغيره متسع ولا شركة من مَحَابِّ الدنيا والآخرة (مجمع البحار). ورد في الحديث قول النبي : “أبرأ إلى كل خليل من خلته. ولو كنتُ متخذاً خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً.” (الترمذي، المناقب).

شفاعة – يقال شفع العدد وشفع الصلاة صيرها شفْعاً أي زوجاً. (الأقرب).

التفسير:

يتبين من هذه الآية أن الإسلام لم يكتف بفتح صندوق من أموال الزكاة والغنائم لمساعدة الفقراء والمساكين، وإنما أوصى المسلمين مرة بعد أخرى بالصدقة وفعل الخيرات لصالح الفقراء والمساكين، وقال: لا تظنوا بسبب وعودنا بالرقي والازدهار أنكم لا تحتاجون الآن لمزيد من التضحيات، بل لا بد لكم من بذلها عند كل خطوة، وعند كل مرحلة.

(لا بَيْعٌ فيه ولا خُلَّةٌ ولا شَفاعة): البيع الذي يُشير إليه مذكور في موضع آخر في قوله تعالى (إنَّ اللهَ اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) (التوبة: 111). عقد الله معكم هذه الصفقة، ولكن هذا البيع يمكن أن يتم في الدنيا فقط وليس في الآخرة.

(ولا خُلَّةٌ) أي لن يكون هناك خليل دون الله يوم القيامة. والسؤال هنا أن القرآن قال في مكان آخر (الأخِلَّاءُ يومئذ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتقين) (الزخرف: 68)، فما دام المتقون يكونون أخلاء لبعضهم البعض فما المراد من قوله (لا خلة) في ذلك اليوم؟

الجواب أنه ما دام المتقون يعتبرون الله خليلاً لهم لذلك فإن خلة بعضهم لبعض لا تُتصور منفصلة عن خلتهم لله، ولا يتنافى مع قوله (ولا خُلَّةٌ). إنما الموضوع الحقيقي الذي أراد أن ينبه إليه هو أنكم لو أردتم أن تتخذوا الله خليلاً لكم فاتخذوه الآن.. وإلا لن يكون لكم خليل في ذلك اليوم؛ وعندئذ لن تنفعكم خلة أولئك الذين تتخذونهم اليوم أخلاء، وإنما يصبحون لكم أعداء. ولكن المتقين فقط هم الذين لن يعادوا أخلاءهم، لأن المؤمن خليله هو الله. فالمراد نفي الخلة التي تتعارض مع خلة الله تعالى.

وقوله (ولا شفاعة) يعني عليكم أن تنشئوا الصلة بالله هنا وتتخذوه صديقا لكم وإلا لن يكون لكم صديق في الآخرة. وقال في موضع آخر: (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (سورة الأنعام: 52)

وكذلك قال في موضع آخر (وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا) (الأنعام: 71)

“.. شفاعة أفراد من الأمة المحمدية تكون شفاعة ظِليّة لشفاعة محمد .. لأن الشفاعة الحقيقية هي شفاعته. فهؤلاء يشفعون إلى محمد، وهو يشفع لأجلهم عند الله تعالى.”

 

يتبين من هذه الآيات أن الذين يتخذون الله في هذه الدنيا ولياً وشفيعاً لهم. هم الذين ينالون حق الشفاعة يوم القيامة، أما من سواهم فلن يكون لهم هذا الحق ولن يُشفع لهم أبداً. ووُصف الله هنا بالشفيع لأنه بدون إذنه لا يمكن أن يشفع أحد، فهو الشفيع الحقيقي. قال تعالى (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) (سورة طه: 110). فثبت بذلك أن الشفاعة يوم القيامة من أحد لا تتم إلا بإذن من الله تعالى. والذين يتخذون الله شفيعاً يُعطَون حق الشفاعة، ولكن غيرهم لا يعطون هذا الحق. قال الله في موضع آخر (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء: 29)، وقال أيضاً في الآية القادمة: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ).

صحيح أنه يتبين من الأحاديث أن النبي والأنبياء السابقين عليهم السلام، بل وبعضاً من أمة محمد سوف يشفعون يوم القيامة (ابن ماجة، الزهد)، ولكن هذه الأحاديث تعني أن شفاعة أفراد من الأمة المحمدية تكون شفاعة ظليّة لشفاعة محمد .. لأن الشفاعة الحقيقية هي شفاعته. فهؤلاء يشفعون إلى محمد، وهو يشفع لأجلهم عند الله تعالى. وقد بين الإمام المهدي مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عليه السلام هذه العقيدة فقال: “ليس لبني آدم الآن على وجه الأرض أي رسول ولا شفيع إلا محمد المصطفى . فحاوِلوا أنتم أن تحبوا هذا النبي ذا الجاه والجلال حباً صادقاً، ولا تفضِّلوا عليه أحداً بأي نوع من الفضيلة، لكي تُكتبوا في السماء من الناجين” (سفينة نوح، ص 15).

فما لم يصل الإنسان نفسه بالله تعالى ورسوله، وما لم يتخذهما شفيعاً لن تتيسر له آية شفاعة. ثم قال (والكافرونَ هم الظالمون).. أي أننا لم نظلم الكفار، ولكنهم هم الظالمون لأنفسهم. (يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك