المتحابون في الله

المتحابون في الله

محمد طاهر نديم

من أشرف الأهداف لبعثة الأنبياء والرسل هو إقامة التوحيد والقضاء على أرباب متفرقة من ناحية، ومن ناحية أخرى إقامة الوحدة بين الناس، وإبعاد شبح التفرق والتشتت، وجمعهم على الحب والوئام، وإرساء دعائم الألفة والأخوة، وإنشاء مجتمع بطابع التكافل الاجتماعي والتلاحم والتراحم. وهكذا فإن الأنبياء يأتون ليخرجوا الناس من ظلمات الشرك والوثنية إلى نور التوحيد والروحانية، ومن حوالك الانحلال الحلقي والهمجية إلى نور القيم الأخلاقية والإنسانية. وكفى على صدق الأنبياء دليلاً أنهم يجدون قومهم منغمسين في أرذل الأعمال وأحطّها فيحوّلونهم صلحاء يعملون الصالحات، ويصادفونهم غارقين في العداوة والبغضاء فيجعلونهم محبّين صادقين، ويجدونهم وقد انقطعت صلاتهم، وتفككت أواصر الألفة والوداد، فيجعلون منهم إخوة في الله يتحابون في الله، ويجتمعون على الحب لله، ولِمَ لا، فإنهم يقصدون الله من وراء كل عمل يقومون به وهو وحده يصبح مبتغاهم في كل الأحوال.

هذا هو شأن كل نبي من الله تعالى، وقد تحققت هذه الأهداف بصورة أسمى في زمن النبي ، وإلى ذلك يشير الله بقوله:

{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}،

وبقوله:

{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}.

وهكذا فقد صار من أبرز صفات المسلم الصادق حبه لإخوانه حبّاً خالصاً وسامياً، مجرداً عن كل منفعة، بريئاً من أي غرض، نقياً من كل شائبة، وذلك أن الرابطة التي تربط المسلم بأخيه مهما كان جنسه ولونه ولغته، هي رابطة الإيمان بالله وإنما المؤمنون إخوة.

تعالوا نلاحظ كيف أسس رسولنا الكريم و أسس الأخوة والمحبة، وكيف أرسی دعائم الألفة والتآخي بين أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.

أفضل الأعمال

لقد حثّ النبي على الحب في الله، وجعله من أفضل الأعمال حيث قال: أَفْضَلُ الْأَعْمَال الْحُبُّ فِي الله والبُغْضُ فِي الله. (سنن أبي داؤد، کتاب السنة).

فالحب في الله أوثق الروابط، وأمتن العرى، وأسمى الصلات. فلا عجب أن تثمر تلك العلاقة الفريدة نمطاً من الحب يجد المسلم الصادق فيه حلاوة الإيمان، لقوله :

«ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمان أَنْ يكُونَ الله ورَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْه مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْء لا يُحبُّهُ إلا لله، وأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْر كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار». (صحيح البخاري، كتاب الإيمان)

الحب في الله يكفل الجنة

لقد دعا رسول الله المسلمين إلى التحابب والتقارب، ورَبَطَ هذا الموضوع بالإيمان كما أرشد إلى الطرق التي تؤدي إلى إنشاء أواصر الحب فقال:

«لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» (صحيح مسلم، كتاب الإيمان)

ثم جعل تلك العلاقة سبباً اللغفران و موجبا للمغفرة فقال:

«مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْل أَنْ يَتَفَرَّقَا» (سنن الترمذي، کتاب الاستئذان)

بل الإسلام يذهب أبعدَ من ذلك في نشر المحبة في المجتمع المسلم، فيطلب من المسلم إذا أحب أخاه أن يخبره بأنه يحبه،  وفي ذلك يقول النبي : «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ». (سنن أبي داود، كتاب الأدب)

مقام المتحابين في الله

لقد أشاد الإسلام علاقة الحب في الله ورغّب فيها أيما ترغيب حتى قالَ رَسُولُ الله :

« {مَا أَحَبَّ عَبْدٌ عَبْدًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَكْرَمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» (مسند أحمد بن حنبل باقي مسند الأنصار)

ولقد جاءت الأحاديث الشريفة تتری، ترفع من مقام المتحابين في الله، وتصور لنا منزلتهم السامية التي أعدها الله لهم في جنانه، والشرف الرفيع الذي يمنحهم الله يوم القيامة. من هذه الأحاديث حدیث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه  يوم لا ظلّ إلا ظلّه، ومن بينهم رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه. (راجع موطأ الإمام مالك، کتاب الجامع) فهذا نص صريح يُدخل المتحابين في الله في زمرة السبعة المصطفين الأخيار، الذين سيظلّهم الله في ظلّه يوم الحشر، ويشملهم برحمته وفضله، وفي ذلك تكريم لهم أي تکریم! وحسب المتحابين في الله شرفاً أن رب العزة يحفل بهم في ساحة الحشر يوم القيامة، فيقول: «أين المتحابون بجلالي؟ اليوم

أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلا ظلّي». (صحیح مسلم، کتاب البر والصلة) فما أرفعه من شرف! وما أوفاه من جزاء! وما أجزله من ثواب يلقاه المتحابون الصادقون في الله، يوم الشدة والهول والكرب العظيم. وذلك لأن الحب في الله مرتقى صعب،  لا يستطيع بلوغه إلا من صفت نفوسهم من المطامع، وسمت أرواحهم من الشهوات والملذات الدنيوية، فلا غرو أن يعد الله لهؤلاء من المكانة والنعيم ما يليق بسموهم في الدنيا. وهذه هي المكانة السامية التي تسعى لنيلها نفوس الأتقياء وتهفو إليها قلوب الصلحاء، وذلك لحديث قدسي حيث قال الله : «المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء». (سنن الترمذي، کتاب الزهد)

وفي رواية قال :

{إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (سنن أبي داوود, كتاب البيوع) .

ليس المقصود من التحابب أن يكون بين الموجودين في مكان واحد وفي زمن واحد، بل الحب في الله أبعد من هذه الفواصل الزمنية والمسافات الأرضية. فإذا أحب مؤمن في عصرنا هذا رجلاً كان قد خلا قبل قرون مضت أو سيأتي في القرون القادمة فالحب في الله يقضي على البعد الزمني والمسافة لأن الرجل الذي أحب قوماً ولما يَلْحَقْ بهم سيُعدُّ منهم، وينطبق عليه قوله عندما سئل عن مثل هذه الحالة فقال: «المرء مع من أحبّ.» (صحیح مسلم، كتاب البر والصلة)

لا شك أن الذي يحب أخاه لله تعالى فقط ولا يشوب تلك العلاقة أيّ نوع من الأغراض الدنيوية والمقاصد الشخصية فلا بد أن تكون هذه العلاقة مقدسة، وهذا الرابط محترم عند الله تعالى، فإنه تعالى يقدّر ذلك ويمطر على صاحبه برذاذ حبه تعالى ويمتعه بألطافه، وهذا ما نلاحظ فيما ذكر لنا النبي عن رجل حيث قال: «أن رجلًا زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبُّها عليه؟ | قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه.» (مسلم، كتاب البر والصلة).

فما أعظمه من حب، يرفع الإنسان إلى الدرجة التي يحبه الله فيها ويرضى عنه!

المجتمع المثالي

الإسلام دين السلام، وهو دين جاء لنشر الحب والوئام كما جاء للقضاء على شقاق النفور وبذور الكراهية. فجعل الإسلام من أساسياته أن يحب المسلمُ المؤمنُ للناس ما يحب لنفسه ويكره لهم ما یکره لنفسه. وهذا المبدأ حجر أساس في تقويم المجتمع وإحلال السلام في العالم كله. هذا وإذا أضفنا معه مبدأ آخر وهو أن يحب الإنسان أموراً لا يحبها بدوافع رغباته الشخصية وإنما لله تعالى ولا يبغضها إلا لله تعالى، فلو تمّ ذلك لسادت المجتمع الأمانة والإخلاص، وراج الصدق، وعمّت تقوی الله. فهذا هو المجتمع المثالي الذي يقدمه الإسلام وهو عبارة عن أفضل الإيمان الذي سأل عنه معاذ بن جبل فقال :

«أَنْ تُحِبَّ لِلَّهَ وَتُبْغِضَ لِلَّهِ وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ» (مسند أحمد بن حنبل مسند الأنصار)

أسوة الرسول

لقد كان الرسول الكريم يدرك ما لهذا الحب النقي القوي من أثر في بناء المجتمعات والأمم، فكان لا يدع مناسبة تمر إلا ويدعو المسلمين إلى التحابب والتأخي. فعن أنس أن رجلاً كان عند النبي ، فمر به رجل، فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي : «أأعلمته؟» قال: لا، قال: «أعلمه». فلَحِقَه فقال: إني لأحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له». (سنن أبي داود، كتاب الأدب)

وكان رسول الله لا يفعل ذلك بنفسه، وذلك ليعلّم المسلمين كيف يبنون مجتمع المحبة والتواد والتآخي، فمرةً أخذ بيد معاذ وقال: «يا معاذ، والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ: لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلّ صلاة تقول: اللهم أَعِنّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك». (سنن أبي داود، کتاب الصلاة) وقد انطلق معاذ ينشر شذى هذا الحب الطاهر بین المسلمين، فيحدثهم بما سمع من رسول الله عما أعده الله للمتحابين فيه من ثواب جزیل، وحب وفير، وشرف رفیع؛ فقد روى الإمام مالك عن أبي إدريس الخولاني قال:

« دَخَلْت مَسْجِد دِمَشْق فَإِذَا فَتًى بَرَّاق الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاس مَعَهُ , وَإِذَا اِخْتَلَفُوا فِي شَيْء أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيه فَسَأَلْت عَنْهُ ؟ فَقِيلَ : هَذَا مُعَاذ بْن جَبَل فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد هَجَّرْت , فَوَجَدْته قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ , وَوَجَدْته يُصَلِّي , فَانْتَظَرْته حَتَّى قَضَى صَلَاته , ثُمَّ جِئْته مِنْ قِبَل وَجْهه , فَسَلَّمْت عَلَيْهِ . ثُمَّ قُلْت : وَاَللَّه إِنِّي لَأُحِبّك , فَقَالَ آللَّه ؟ قُلْت : آللَّه , فَقَالَ آللَّه قُلْت آللَّه فَأَخَذَ بِحَبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ , فَقَالَ أَبْشِرْ , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ , وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ , وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ , وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ “} (تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية, كتاب الأدب» (الموطأ للإمام مالك، كتاب الجامع)

تأثير هذا الحب في حياة المسلمين

بهذه المحبة الناصعة بني رسول الله جيل الإسلام الأول. وبهذه المحبة الصادقة العجيبة استطاع رسول الله أن ينشئ محتمع المؤمنين الأمثل في تاريخ الإنسانية، الذي كان صورة عملية لقوله:

« مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». (صحیح مسلم، کتاب البر والصلة والآداب)

وثلة من الآخرين

وفي عصرنا هذا حيث بات المسلمون مشغولين عن هذه الأمور الأساسية وصاروا کالناسين لهذه المبادئ القيمة حتى وصلوا إلى حالة يرثى لها، وانتهوا إلى عاقبة لا يحسد عليها. وعندما انتفى التآلف والحب في الله حلّ التشتت والتفرق، وانقطعت أواصر الخلة والأخوة، وتفككت عرى الترابط والتلاحم. نعم في هذا العصر الذي اتسع فيه الصدع بين الأمة الإسلامية وكثر الانشقاق، أرسل الله تعالى الإمام المهدي عليه السلام للمّ شمل المسلمين ولتحقيق الوحدة بينهم ولجمعهم مرة أخرى على يد واحدة، ومن ثم لتكوين ذلك المجتمع الإسلامي الأمثل الذي كان في زمن سيدنا محمد المصطفى حيث تكون المحبة والوداد والتآخي والتآلف من ميزاته البارزة. فقال الإمام المهدي :

«إنني أنا ذلك الشخص الذي كان سيبعث من عند الله على رأس هذا القرن لتجديد الدين، لأقيم في الأرض مِن جديدٍ الإيمانَ الذي كان قد ارتفع منها، وأَجذبَ العالمَ، بعون الله وبجاذبية يده هو ، إلى الإصلاح والتقوى والصدق، وأصحّح أخطاءَهم العقائدية والعملية». (تذکرة الشهادتين، الخزائن الروحانية ج ۲۰ ص ۳)

لقد جاء ذلك الإمام المهدي وكوّن جماعة على الأسس التي هي كفيلة بنشر الحب في الله وإرساء دعائم الألفة والتلاحم. فقال: «إن کنتم تريدون أن يرضي الله عنكم في السماء فكونوا أنتم مع بعضكم كما يكون توأمان مولودان من بطن واحد. وإن أفضلكم من كان أكثر غفراناً لأخيه، وشقيّ الذي يتعند ولا يغفر» (سفينة نوح الخزائن الروحانية ج ۱۹ ص ۱۲- ۱۳)

لقد أرشد الله الإمام المهدي إلى السبل التي هي كفيلة لتكوين ذلك المجتمع السامي، ومن بينها أنه أسس المؤتمر السنوي لأفراد الجماعة وحثّهم على الحضور فيه. وبيّن الغرض الحقيقي من الاشتراك في هذا المؤتمر وهو الحب المتبادل واللقاء على أصفى العلاقات، وخلق الروابط التي تنبع عن الحب في الله وتُروَى بالإخلاص.

فبيّن حضرته أهداف هذا المؤتمر في عدة مناسبات أقتبس بعضها هنا، يقول حضرته:

«الإخوة الذين يكونون قد انضموا إلى الجماعة خلال كل سنة منصرمة سوف يقابلون، بحضورهم في التاريخ المحدد، إخوتهم الذين سبقوهم، وسوف تتقوى علاقات الوُدّ والتعارف نتيجة معرفتهم الشخصية فيما بينهم.» (مجموعة الإعلانات ج ۱، ص 341- 342)

ويقول أيضاً: «الغرض والهدف الحقيقي من هذا الاجتماع هو أن يُحدِث أبناءُ جماعتنا تغييراً في نفوسهم باللقاءات المتكررة حتى تميل قلوبهم إلى الآخرة ميلاً كاملاً، وتنشأ فيها خشية الله تعالى، ويكونوا أسوة حسنة للآخرين في الزهد والتقوى وخشية الله والورع ورقة القلب، والحب المتبادل والمؤاخاة، وأن ينشأ فيهم التواضع والانكسار والصدق، وليتحمسوا للمهمات الدينية». (شهادة القرآن، الخزائن الروحانية ج6، ص ۳۹4)

فعلى هذا الحب في الله يلتقي المسلمون الأحمديون كل سنة حيث يحضرون من كل أنحاء العالم ليشتركوا في فعاليات المؤتمر السنوي للجماعة والذي ينعقد حالياً في بريطانيا. فإنهم لا يأتون لأي غرض دنيوي أو مكسب مادي وإنما يجمعهم روابط الإيمان وعرى الأخوة في الله وصلات الحب والمحبة. فيتبادلون الأفكار والمعلومات ويتعارفون فيما بينهم، يشتركون في مجلس الشورى المركزي حيث تؤخذ القرارات بشأن أمور تخص إعلاء كلمة الإسلام والخطط المستقبلية لذلك . وتكون خطب سيدنا أمير المؤمنين نصره الله هي محور هذا المؤتمر بحيث يوجه حضرته النصائح إلى أفراد الجماعة المنتشرين في كل أنحاء العالم عبر القناة الفضائية الإسلامية MTA إذ تنقل جميع فعاليات المؤتمر على الهواء مباشرة وإلى كل بقعة من بقاع العالم عبر هذه القناة ، ترى المبدأ الإسلامي القائل : ((لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود )) يتحقق في هذا المؤتمر حيث تجد الناس من كل منطقة ولون ، ولغة وقوم قد جمعتهم رابطة الحب في الله .

ما أروعه من منظر يبرز للعيان لدى البيعة العالمية حيث يبايع أولئك الذين قد انضموا إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية ، في السنة سواء أكانوا من الحاضرين في المؤتمر أو الذين لم يتمكنوا م الحضور ، لأنهم سيشتركون في هذا الحفل العالمي عبر القناة الفضائية الإسلامية الأحمدية ويرددون كلمات البيعة خلف أمير المؤمنين نصره الله ، وفي نهاية هذه البيعة سيجدون شكرا لله على هذه المنة . ترى القلوب متحدة و الأصوات تتعالى متحدة خلف صوت واحد هو صوت أمير المؤمنين نصره الله .

إن معظم المشتركين في المؤتمر يحلون ضيوفا على الجماعة فتوفر لهم السكن وتؤمن لهم الأكل والشرب على مدى لأيام المؤتمر .ونفقات هذا المؤتمر وا تلحقها من نشاطات دينية بحتة تسدد من تبرعات يؤديها أفراد الجماعة من مداخيلهم الشهرية ومنهم من يتبرع بالملايين والله يضاعفه له وهو يرزق من يشاء بغير حساب .

فهؤلاء المتحابون في الله سيحضرون هذه السنة أيضا على أجنحة الشوق واللوعة، ويلتقون مع بعضهم على أصفى الروابط وأنقى العلاقات ،  وتدور الأحاديث الروحية ، وتذكر ألطاف الله وأفضاله ، فيملؤون قلوبهم بالإيمان ، ويشحنون أنفسهم بالروحانية والتقرب إلى الله، ويزدادون حبا لله وتحابا في الله .

يا له منجو عجيب يتضوع بعبير الحب والإيمان ، وشعور يصعب أن يعبر عنه بالكلمات.

هذا هو عالم المتحابين في الله ، وهو دليل ناطق على صدق الإمام المهدي عليه السلام الي مكن الله إياه وخلفاءه من تأسيس مثل هذه الجماعة الإسلامية المباركة من جديد .

Share via
تابعونا على الفايس بوك