الوقت وقت دعاء لا وقت الملاحم وقتل الأعداء

                                

“وأما الآفات التي قدر ظهورها في وقت المسيح فمن أعظمها خروج يأجوج ومأجوج ، وخروج الدجال الوقيح ، وهم فتنة للمسلمين عند عصيانهم وفرارهم من الله الودود ، وبلاء عظيم سلط عليهم كما سلط على اليهود. واعلم أن يأجوج ومأجوج قومان يستعملون النار وأجيجها في المحاربات . وغيرها م المصنوعات ، ولذلك سموا بهذين الاسمين فإن الأجيج صفة النار ، وكذلك يكون حربهم بالمواد الناريات. ويفوقون كل من في الأرض بهذا الطريق م القتال ، ومن كل حدب ينسلون ، ولايمنعهم بحر ولا جبل من الجبال ، ويخر الملوك أمامهم خائفين ، ولا تبقى لأحد يد المقاومة ، ويداسون تحتهم إلى الساعة الموعودة . ومن دخل في هاتين الحجارتين ولو كان له مملكة عظمى فيطحن كما يطحن الحب في الرحى . وتزلزل بهما الأرض زلزلتها ، وتحرك جبالها ، ويشاع ضلالها ، ولا يسمع دعاء ولا يصل إلى العرش بكاء . ويصيب المسلمين مصيبة تأكل أموالهم وإقبالهم وأعراضهم ، وتهتك أسرار ملوك الإسلام ، ويظهر على الناس أنهم كانوا مورد غضب الله من العصيان والإجرام . وينزع منهم رعبهم وإقبالهم وشوكتهم وجلالهم بما كانوا لا يتقون . ويبارون الأعداء من طريق وينهزمون من سبعة طرق . بما كانوا لا يحسنون . يراءون الناس ولا يتبعون رسول الله وسنته ولا يتدينون ، وإن هم إلا كالصور ليس الروح فيهم ، فلا ينظر إليهم الله بالرحمة ولا هم ينصرون . وكان الله يريد أن يتوب عليهم إن كانوا يتضرعون ، فما تابوا وما تضرعوا فنزل على المجرمين وبالهم إلا الذين يخشون ، ويرون أيام المصائب ولياليها كما رأى الملعونون . فعند ذلك يقوم المسيح أمام ربه الجليل ، ويدعوه في الليل الطويل ، بالصراخ و العويل ، ويذوب ذوبان الثلج على النار ، ويبتهل لمصيبة نزلت على الديار ، ويذكر الله بدموع جارية وعبرات متحدرة ، فيسمع دعاؤه لمقام له عند ربه ، وتنزل ملائكة الإيواء فيفعل الله ما يفعل ، وينجي الناس من الوباء . فهناك يعرف المسيح في الأرض كما عرف في السماء ويوضع له القبول في قلوب العامة والأمراء ، حتى يتبرك الملوك بثيابه . وهذا كله من الله ومن جنابه ، وفي أعين الناس عجيب .” (الخطبة الإلهامية ، الخزائن الروحانية ج 16 ص 317-318 )“اعلموا أرشدكم الله أن الأمر قد خرج من أن يتهيأ القوم للجهاد ، ويهلوا له 2 أهل الاستعداد ، ويستحضروا الغزو3 ، من الحضر والبدو 4، ويفوزوا في استنجاد الجنود 5، واستحشاد الحشود 6، وإصحار الأسود7 . فإنا نرى المسلمين أضعف الأقوام ، في ملكنا هذا والعرب والروم والشام ، ما بقيت فيهم قوة الحرب ، ولا علم الطعن والضرب ، وأما الكفارة فقد استبصروا 8 في فنون القتال ، وأعدوا للمسلمين كل عدة للاستئصال 9ونرى أن العدا من كل حدب ينسلون 10،وما يتلقى جمعان إلا وهم يغلبون . فظهر مما ظهر أن الوقت وقت دعاء والتضرع في حضرة الكبرياء11، لا وقت الملاحم وقتل الأعداء . ومن لا يعرف الوقت فيلقي نفسه إلى التهلكة 12 ، ولا يرى إلا أنواع النكبة والذلة .وقد نكست أعلام حروب المسلمين13 .. ألا ترى ؟ وأين رجال الطعن والسيف والمدى14 ؟ السيوف أغمدت 15، والرماح كسرت ، وألقي الرعب في قلوب المسلمين ، فتراهم في كل موطن فارين مدبرين16. وإن الحرب نهبت أعمارهم ، وأضاعت عسجدهم وعقارهم 17، وما صلح بها أمر الدين إلى هذا الحين ، بل الفتن تموجت وزادت ، وصراصر 18 الفساد أهلكت الملة وأبادت ، وترون قصر الإسلام قد خرت شعفاته 19 ، وغفرت شرفاته 20 ، فأي فائدة ترتبت من تقلد السيف والسنان 21 ، وأي منية حصلت إلى هذا الأوان ، من غير أن الدماء سفكت ، والأموال أنفدت 22 ، والأوقات ضيعت ، والحسرات أضعفت . ما نفعكم الخميس23 ، ووطئتم إذا حمى الوطيس 24. فاعلموا أن الدعاء حربة 25 أعطيت من السماء لفتح هذا الزمان ، ولن تغلبوا إلا بهذه الحربة يا معشر الخلان . وقد أخبر النبيون من أولهم إلى آخرهم بهذه الحربة. وقالوا إن المسيح الموعود ينال الفتح بالدعاء والتضرع في الحضرة ، لا بالملاحم وسفك دماء الأمة .” ( تذكرة الشهادتين ، لسيدنا مرزا غلام أحمد عليه السلام الخزائن الروحانية ج 20 ص 81 ، 82)
شرح الكلمات الصعبة :
  1. الملاحم : مفردها ملحمة ، وهي المعركة الكبيرة .
  2. يهلوا له : يهل إهلالا ، إذ لبى ورفع صوته . والمراد هنا أ، يجعلوا أنفسهم على أهبة الاستعداد ويرفعوا أصواتهم ملبين نداء الخروج للجهاد .
  3. ويستحضروا الغزو : أي يستدعوا الغزاة والمقاتلين .
  4. الحضر والبدو : الحضر هم سكان القرى والمنازل والمدن ، والبدو هم سكان الصحارى المتنقلون .
  5. يفوزوا في استنجاد الجنود : أي ينجحوا في الاستعانة بالجنود وإعدادهم للحرب .
  6. استحشاد الحشود : حشد الشيء جمعه ، والمراد هنا تجميع الجنود .
  7. أصحار الأسود : أصحر الرجل اي نزل الصحراء ، وأصحر القوم أي برزوا في الصحراء . والمراد هنا خروج الجنود البواسل الشجعان كالسود إلى الصحراء تأهبا لملاقاة العدو.
  8. استبصروا : استبصر الأمر أي استبانه جعله واضحا وظاهرا .
  9. الاستئصال : استأصل الشيء أي قلعه من أصله وأباده.
  10. العدا من كل حدب ينسلون : العدا، هم الأعداء . والحدب من الأرض هو كل ما غلظ وارتفع منها ، والحدب من الماء هو ما ارتفع وتلاطم من الأمواج . نسل الماشي أي أسرع في مشيته وفي حركه . والمراد أن الأعداء أسرعوا في تحركاتهم وجاءوا عن طريق البر والبحر مسرعين.
  11. حضرة الكبرياء : أي الله سبحانه وتعالى .
  12. التهلكة: الهلاك .
  13. نكست أعلام حروب المسلين : أي أخفضت رايات حروبهم .
  14. المدى : مفردها المدية ، وهي الشفرة أو السكين الحاد .
  15. أغمدت : أغمد السيف أو غمد السيف ستره وأدخله في جرابه .
  16. مدبرين : أدبر أي أدار ظهره .
  17. عسجدهم وعقارهم : العسجد هو الذهب أو الجوهر كالدر والياقوت . والعقار هو متاع البيت وكل ما له أصل وقرار كالأرض والدار .
  18. صراصر : أي رياح الفساد
  19. خرت شعفاته : الشعفات مفردها الشعفة وهي رأس الجبل ، وشعفة كل شيء : أعلاه . والمراد أن بناء الإسلام قد انهار وسقطت القيم العليا .
  20. وغفرت شرفاته : غفرت أي تمرغت في التراب . شرفاته : مفردها شرفة ، وهي أبنية تبنى في أعلى السور .
  21. السنان : جمع سن وهو نصل الرمح .
  22. الأموال أنفدت : أي أن الأموال صرفت ونفذت وفنيت .
  23. الخميس : الخميس هو الجيش .
  24. وطئتم إذا حمي الوطيس : وطئتم من وطأ أي داس بقدمه . حمي : أي التهب . الوطيس الحديد ، ويقال حمى الوطيس أي اشتدت الحرب والتهب القتال .
  25. حربة : جمعها حراب ، وهي آلة للحرب من الحديد لها حد قاطع وهي أقصر من الرمح .
Share via
تابعونا على الفايس بوك