عظمة المسلمين الغابرة.. وانحطاط اليوم

عظمة المسلمين الغابرة.. وانحطاط اليوم

محمد نعيم الجابي

ماتزرعه الغربة في قلب المسلم الذي يعيش بعيدا عن وطنه. هو شعور هائل من الفزع يجتاح الإنسان عندما يجد نفسه محاصرا بآلاف إشارات الاستفهام والتعجب. ولذلك تجده مطالبا بإيجاد الأجوبة المقنعة.

فالمسلم محاصر بالغربة بمفهوم هو نتاج تراكمات من الحملات الموجهة ضد الإسلام عبر تاريخه الطويل. هذا المفهوم يشوه صورة التاريخ الإسلامي ويكيل التهم للإنسان المسلم. تهم عديدة. فتارة يتهم الإسلام بأنه رجعي وتارة بأنه إرهابي!

وللأسف. فإن ما يعمق سواد تلك النظرة المشوهة للإسلام والمسلمين في أوروبا وأمريكا. هو مايقوم به العديد من الشباب المسلم من تصرفات غير مسؤولة أو من عجز عن تقديم إجابات مقنعة تعيد لتاريخ الإسلام وجهه الناصع البياض.

إن ما نجده اليوم من انقسامات عميقة وتشويه لحقائق التعاليم الإسلامية وما إلى ذلك من مظاهر الانحطاط الإسلامي تدفعنا لكي نفتش عن عوامل نهضة المسلمين الغابرة. كي نضع أيدينا على مكمن الجرح. ونضع أرجلنا على بداية الطريق. إن عوامل النهضة الإسلامية التي استطاع المسلمون من خلالها إبراز الوجه النقي الإسلامي تتركز فيما يلي:

أولا: نظام الخلافة الإسلامية

إن وجود خليفة للإله على الأرض يجعل من أوامر ذلك الإله دستورا يشرح من خلاله الخليفة لأتباعه حقائق الدين. ويملك بواسطته الحق في أن يأمر أصحابه فيطيعوا. ويوم أن توقف المسلمون عن البحث عن خليفة الله على الأرض ذهبوا يخوضون في متاهات الإنقسامات الدينية..في حين أن الله قد حافظ على نظام الخلافة الإسلامي ببعث الإمام المهدي والمسيح الموعود وخلفائه من بعده.. وهكذا تحقق وعد الله بأن خلافته لن تنقطع.

ثانيا: نظام التربية والتعليم

إن الإنذار أو التحذير الذي تتضمنه قوله تعالى:

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (النصر: 2-4)..

والذي نلاحظه في قوله تعالى (وَاسْتَغْفِرْهُ) يحمل دلالة واضحة على أن دخول الأفواج الكثيرة في الإسلام سيصاحبه خلل يقتضي الاستغفار كي لا يلقي بأثره السلبي على مسيرة الإسلام. وهذا تماما ما حدث عبر التاريخ الإسلامي.

فالإسلام حرص على أن يؤمِّن لتلك الأفواج الكثيرة التي اعتنقت الإسلام التربية والتعليم كيلا يتسببوا في حدوث فتن واضطرابات نتيجة لاختلاط مايحملونه من تقاليد وأفكار من التقاليد والأفكار الإسلامية.. الأمر الذي يفتح ثغرة يتسلل من خلالها المخربون والمفسدون إلى عقول الناس ويخلقون الفتن والانقسامات.لذلك نجد أنه سبحانه وتعالى يأمرنا أن نسبحه ونستغفره في آن واحد. كي نتفادى التقصيرات المحتملة. ونعلم أن عمليه التربية والتعليم في أمة الإسلام قد استمرت بعد وفاة النبي على يد صحابته الذين كانوا نجوما يهتدي بها المسلم الذي ولد في فترة ما بعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى.

إن فقدان هذا العامل اليوم. هو مايجعل الشباب المسلم يقدمون على تنازلات أخلاقية وسلوكية عند مواجهتهم لمغريات الغرب.. فلا أرضية صلبة تمكنهم من الصمود فتراهم يسقطون في امتحانهم الأول.

ثالثا: الأخوة الإسلامية

إن المثال الحي الذي طرحه الإسلام عندما تمت الهجرة من مكة إلى المدينة حيث تآخى المهاجرون والأنصار. يعطينا فكرة واضحة عن الكيفية التي عالج بها الإسلام ثغرة الشقاق. فالمحبة والإيثار والتسابق لفعل الخير دعائم رسخها الإسلام كي يبعث الحياة في الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت لنجدته سائر الأعضاء.

وإن فقدان البيعة في الوقت الحاضر يعمق الهوة بين المسلمين. ويبدو أن ما تم في السابق بين المهاجرين والأنصار هو حلم بعيد المنال لشباب يعيش غربة مع نفسه ومع مجتمعه. والنتيجة دائما مزيد الانقسام والهبوط.

رابعا: الصلاة الإسلامية

إن الصلاة الإسلامية تحوي أربعة أهداف رئيسية واضحة المعالم هي:

  • تأدية المخلوق لواجب الشكر نحو خالقه اعترافا منه بإحسانه عليه.
  • إستعانة هذا المخلوق بخالقه في معالجته لضعف نفسه وتطهيرها من الذنوب والآثام.
  • توسيع معرفة هذا المخلوق بخالقه. والتعرف على ربه. بغية التقرب منه والتشرف بكلامه ووصاله.
  • إصلاح علاقة هذا المخلوق بسائر عباد الله. وخلق الروح الأجتماعية وتأصيلها فيه وفي سلوكياته. ولذلك فالصلاة الإسلامية على هذه الصورة تعتبر أداة شحن روحانية للمصلي مذهلة العطاء. خاصة لمن أدركوا فلسفتها وأهدافها وذرائعها. فالصلاة تشحن المصلي بقوة البذل والعطاء. فضلا عن أنها مطيتهم إلى لقاء إلههم المحبوب ووصاله ونيل قربه ولقائه.

خامسا: الصلة بالله

إن ظاهرة الثنائيات الموجودة في الكون.. كالعين التي لا تبصر إلا بواسطة الضوء والآذان التي تحتاج إلى وجود الهواء لنقل الأمواج الصوتية، إن وجود هذه الظاهرة يدفعنا للبحث عن توأم العقل.

وحين نتأمل في ظاهرة فشل أكثر الفلاسفة في قيادة أتباعهم إلى حقيقة واضحة المعالم.. في حين نجح أنبياء الله ورسله في تأسيس مجتمعات صالحة.

ندرك أن توأم العقل هو وحي السماء. هداية السماء هي زوج العقل. ومن أدرك أن يكون خالصا مخلصا لله تعالى عليه أن يملك اليقين بأن ربه هو المتكلم الذي يجيبه إذا دعا ويجيره إذا استجار.

وكلما اقترب الإنسان من صفات ربه. كلما أصبح عنصرا فعالاً ومثمرا في مجتمعه. وما يحتاجه فقط هو اليقين. وهنا أورد قولاً للإمام المهدي : “ألا ياعباد الله الطالبين لقاء الله وعرفانه. افتحوا آذانكم واستمعوا لما أقوله لكم. لا شيء كمثل اليقين. فباليقين وحده يفك الإنسان نفسه من أسار الذنوب. وباليقين وحده تتأتى للإنسان القدرة على فعل الخيرات. وباليقين وحده ينقلب العبد عاشقا لله صادقا.”

سادسا: الحرية الدينية

لم يلجأ القرآن الكريم إلى الحجر على الحريات وقمع الفكر وكبت الآراء.. بل على العكس. نجد في الآية الكريمة

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ

دليلاً ناصعًا على أن الإسلام هو دين التسامح، وإطلاق الحريات. ولكننا نجد مسلمي اليوم قد اصبحوا سيفا مصلتا على إخوتهم، يقتلون بعضهم البعض ويكفرون بعضهم بعضا لمجرد الأختلاف في الرأي أو الأجتهاد.. رغم تأكيد الرسول الكريم على أن “اختلاف أمتي رحمة”، وأن مهمته ليست قمع الحريات إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ .

إن التصرفات غير المسؤولة هذه تتيح لأعداء الإسلام النيل منه بتوجيه التهم وتقديم الأدلة على أن الإسلام غير مبني على الحرية والتسامح. ولا زلنا نذكر حتى الآن قضية (سلمان رشدي) الذي أساء للإسلام.. ولكن ليس بالقدر الذي أساءت فيه بعض التصرفات اللامسؤولة من جهات إسلامية وقدمت خدمة كبيرة لأعداء الإسلام كي يطلقوا أبواقهم بأن الإسلام يكمم الأفواه ويحجز على الحريات.. عندما أرادوا سفك دم ذلك الكاتب رغم أنه يعيش في بلد آخر له قوانينه وأعرافه.. وكأن قتل الكاتب ينهي المشكلة؟

أعود لأؤكد على أن الحكومات الإسلامية في وقتنا الحاضر عليها المبادرة لضرب المثال الحي في إعطاء الحرية وتنفيذ ماجاء في القرآن الكريم كي تثبت للعالم أنه بالإسلام وحده يمكن أن نملك أرضية صالح لنمو الحريات وتحقيق العدالة.

سابعا: المرأة ومكانتها في المجتمع

نعود أيضا هنا إلى القرآن الكريم وإلى الآية الكريمة

…رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا

حيث يتحدث عن النفس، والنفس هي ذلك الكيان الذي يتولد نتيجة الأعمال. فالإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة.. تتولد له نفس ويتولد له كيان يمر بعدة أطوار ذكرها القرآن الكريم: هي النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة. وبما أن الله سبحانه وتعالى لا يتحدث هنا عن كيان مادي فإن ذلك يلغي المعنى الذي يؤمن به كثير من عامة الناس.. بأن الله تعالى خلق حواء من آدم وهو فهم يقوم في الأصل على كلام التوراة، وهو كلام مجازي لتقريب الأمور إلى أذهان الناس في زمن نزول التوراة. فالآية الكريمة لا تتحدث عن بدء الخلق بل عن الوحدة في أسلوب خلق النفس. وهنا قد يتبادر إلى ذهن القارئ الحديث الشريف الذي يتحدث عن خَلق المرأة من ضلع أعوج، وقد يظن القارئ أن في ذلك إنقاص من مكانة المرأة في الإسلام. ولكننا يجب أن ندرك أن المقصود من الحديث أن المرأة تتأر بالعواطف والأحاسيس أكثر من الرجل. ولذلك قيل أيضا عن النساء على لسان الرسول الكريم : “رفقًا بالقوارير” ولعل هذا هو سر عدم ظهور أنبياء من النساء. فنقطة الضعف هذه تحجز المرأة عن الوصول إلى مرتبة النبوة.

وكذلك جاء في القرآن الكريم وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ولا ننسى قول الرسول الكريم : “الجنة تحت أقدام الأمهات”. فالمرأة في الإسلام عنصر هام جدا. وأي مبادرة لتعطيل دور المرأة في المجتمع تعني هلاك هذا المجتمع. وللأسف أن من بين المسلمين من يشلُّ إمكانية المرأة. وبالتالي يعرض مجتمعه لمزيد من الانحطاط والتقهقر.

ثامنا: العدالة الاجتماعية

وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ هذه الآية أفرزت العديد من الأمثلة التي أكدت أن الإسلام دين يأمر بالعدل وينهى عن الظلم. كلنا قد قرأ الروايات عدل عمر بن الخطاب ، وكلنا يذكر مقولته المشهورة “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.

إن العدل اليوم، بديهية من بديهيات المجتمعات التي ترغب في إثبات شخصيتها وتأكيد تواجدها. وإن انتشار الظلم مؤثر واضح لهلاك تلك المجتمعات.

العدل هو الذي يضمن للقوي والضعيف أن يعيشا في محيط واحد دون أن يلجأ أحدهما إلى إثارة النزاع مع الآخر. أو أن يهيمن أحدهما على غيره.

ويتأتى ذلك من اتصاف المسلم بصفات الله العادل.. من خلال سعيه لاحترام الآخرين وتأكيد حقوقهم المشروعة.

تاسعا: نظام التجديد في الإسلام

إن نظام التجديد الذي هيَّئه الخالق لدين الإسلام هو نظام فريد، فالله جل وعلا أخذ على نفسه وعدًا بصيانة وحفظ القرآن -وهو عماد الدين الإسلامي- من كل تغيير أو تبديل. وجاء هذا في قوله تعالى في سورة الحجر

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .

ونقرأ في الحديث الشريف أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.

وتاريخ الإسلام حافل بأسماء لامعة أمثال السيد عبد القادر الجيلاني ومحيي الدين بن عربي وأبو الحسن الحزقاني وذو النون المصري وغيرهم.. ممن قدموا للإسلام خدمات شتى بكتاباتهم. وهو ما أراده سبحانه وتعالى ليحفظ من خلاله تعاليم الإسلام كلما علاها الغبار أو وصلت إلى تشويه حقيقتها أيدي الأعداء.

إننا لو فتشنا فلن نجد مثيلاً لهذا النظام في الأديان الأخرى. وواجب المسلمين اليوم هو التفتيش عن مجدد وإمام هذا الزمان.. الذي ندرك نحم المسلمين الأحمديين حقيقته ونقتدي بقدوته.

إن نظام التجديد في الإسلام هو عامل ارتقاء المجتمع الإسلامي، وفقدان هذا العامل سيبقي الأمة الإسلامية في ظلمات الانحطاط.

عاشرا: روح التوحيد

عندما بزغت شمس الإسلام، وضحت للعالم حقيقة أن كل ما فيه من المخلوقات دون الإنسان هو في خدمة الإنسان، في حين أن الإنسان في السابق لجأ إلى عبادة قوى الطبيعة. ولكن المسلمين الأوائل جعلوا عبادة الله مركز كل شيء.. أي النقطة المركزية لجميع الكائنات، والمصدر لكل شيء موجود في هذا العالم. ولكننا إذا نظرنا إلى ما يحدث اليوم، فإننا نرى المسلمين وقد عادوا للشرك بالله. وذلك باتخاذهم أربابا من دونه، وأخذنا نسمع عن كلمات “الواسطة” أو “الدعم”.. ولجوء الناس إلى الاستعانة بأناس آخرين كمطية للوصول إلى أمانيهم ومبتغاهم، وكأنهم نسوا أن لهذا العالم مالكا، وأنه محيط بكل شيء.

وحتى على صعيد السياسة.. نجد أن بعض الدول تطمح أن تصبح إلهًا يحكم ويتجبر وينفذ مآربه دون أن يحسب أي حساب للخالق والمالك جل وعلا.

إن غفلة المسلمين اليوم عن الاصطباغ بصفات الخالق، وعدم إيمانهم بفعالية تلك الصفات.. أدى إلى تنزلهم الروحاني وانحطاطهم وبعدهم عن خالقهم.

استعرضت فيما سبق بإيجاز كبير.. الأسباب والعوامل التي كانت حجر الأساس في رقي المسلمين ووصلوا بها إلى ما وصلوا من حضارة ورقي. واليوم إذا أردنا للأمة الإسلامية أن تستعيد صحوتها وتقف بثبات على قدميها.. فعليها أن تأخذ بالأسباب التي أهملتها ففقدت تلك العوامل، وعندها فقط يمكن أن نتحدث عن صحوة إسلامية جديدة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك