شر البلية ما يضحك

شر البلية ما يضحك

عيسى الحاج رحمون

قارئي العزيز: في معرض نظمٍ للشاعر العربي أحمد شوقي عن فضيلة الأخلاق قال:

وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بَقِيتْ

فإِنْ هُمُو ذَهَبتْ أخلاقُهم ذَهَبُوا

ولعله يتبادر إلى ذهنك أيها القارئ الكريم أن تتساءل عن أولى مقوِّمات تلك الأخلاق. فأقول لك إنه خُلُق الصدق، فبالصدق وحده نؤدي أماناتنا تجاه خالقنا “من عبادة وطاعة” وتجاه بقية مخلوقاته من محبة ورحمة. فالصادق لا يؤذي ولا يسرق ولا يزني ولا يبخس الناس أشياءهم ولا يأخذ ما ليس له بحق.

كذلك بالصدق تسود الفضيلة كونه المدخل لجميع الفضائل والخصال النبيلة. كيف لا وسيدنا وحبيبنا المصطفى لُقّبَ بالصادق الأمين حتى قبل أن يُكلَّفَ بدعوته المشرَّفة. فكان صدقه بمثابة اللبنة الأولى التي أشاد على أساسها صرح خيرَ أمة أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر حيث لا ظلم ولا عدوان بل أشاد بذلك الصدق بنيان دعوة حق لهجت بها ألسنة صدق، فأثمرت تلك الأمة الخالدة. وحين انهارت أخلاق الناس بابتعادهم عن الفضائل فسدت عقائدهم لتغيب شمسهم إلى حين… وفي عتمة الجهل والغي بزغت إلى الوجود دولةٌ للباطل تربَّع على عرشها فئة من الجهلة والمخرفين وخفافيش الظلام وغربان الشر “فهُدمت صوامع وبِيَعٌ وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرًا” ثم جاءت قاصمة الظهر على أيدي الفئة الظالمة ممن صنعوا من أهواء أنفسهم دينا جديدًا، ومن جهلهم وغشاوة قلوبهم وعيونهم نماذج أخرى للات والعزّى، فعكفوا على عبادتها، ثم أرادوا تسويقها وفرضها على بقية خلق الله. فكان هناك عشراتٌ من أمثال أبي لهب، ومئات من أمثال أبي جهل، وآلاف من أمثال عبد الله بن أُبي بن سلول. وكانت هناك جاهلية جديدة أين منها جاهلية قريش وقضاعة الذين شُغِفُوا بالخمر والميسر والغواني والتجارة وكان لديهم بعض مكارم الأخلاق. فرسول الله قال: “إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق.” وقوله هذا خير شهادة على امتلاك أولئك القوم لبعض تلك الأخلاق غير أنهم حين أطلَّ عليهم فجر الدين خافوا على مكانتهم ورياستهم، فانبروا لمحاربة تلك الدعوة آملين وَأدَها في مهدها. أما جاهلية العصر الحديث فما من خطر يهدّد مكتسباتها وأركانها إن هي أحجمت عن البغي والعدوان، فقد مُنع السيف واستُعيض عنه بالحجة والبرهان، كما أن الجزية وُضعت عن الجميع لأن الحرب وَضَعت أوزارها، فلا فتوحات إلا بالمحبة، كذلك تُركت الرياسة الدنيوية لمحبيها. ففجر الإسلام الذي أشرق من جديد على أيدي الجماعة الإسلامية الأحمدية يبحث عن مملكة سماوية نورانية بعيدًا عن أدران هذه الدنيا. فلماذا إذًا والحالة هذه لم يمتنع آباء الجهل وأصحاب اللهب والسلوليون عن صب جام غضبهم وحنقهم وشرورهم على عباد الرحمن الأحمديين الذين يمشون على الأرض هونا؟!..

وهل صخور الأرض وحجارتها لم تعد تكفي لإخراس الألسن اللاهجة بذكر الله كما صُنع مع آل ياسر، فانبرى القوم للاستعانة بالتدليس والتزوير والتشريعات البرلمانية القراقوشية لدرجة أصبح فيها النطق بشهادة أنه «لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله» جريمةً يعاقب عليها القانون، وكذلك إفشاء تحية الإسلام ورفع الأذان وإقامة الصلاة وبناء المساجد، ودعوة الناس إلى دين الله.

لقد قُتل الكثير ونُهبَت الممتلكات، وأُحرِقَت المزارع وهُدّمت البيوت. حدث كل ذلك البغي باسم الغيرة على الدين. والمضحك المبكي أن جميع هذه الأحكام القراقوشية تم نسيانُها أو تناسيها يوم برز من بين أفراد هذه الجماعة المؤمنة المضطهدة بعض النجباء المرموقين على الصعيد العالمي في المجالات الاقتصادية أو السياسية أو العلمية أمثال المرحوم “محمد ظفر الله خان” الذي عُيّن وزيرًا لخارجية باكستان، فكان أوَّل مسلم يقيم الصلاة في قصر بكنغهام وأروقة الأمم المتحدة، ومن أمثال المرحوم الدكتور محمد عبد السلام الحائز على جائزة نوبل للفيزياء الذي لم يخجل قراقوشيو باكستان من إصدار طابع بريدي تخليدًا لذكراه رغم تشريعاتهم التي تعتبره كافرًا، في حين لم يُرفع الظلم والجور عن بقية أفراد الجماعة التي ينتمي إليها لأنّ مكانتهم العلمية دون مكانة الدكتور عبد السلام. فهؤلاء المنافقون يحاولون تحقيق المكاسب من خلال استغلالهم لأسماء بعض الشخصيات الفذَّة؟!

إننا كأحمديين نفتخر بالدكتور محمد عبد السلام وبمحمد ظفر الله خان كأفراد من هذه الجماعة.. ثم نهنئهما برحيلهما إلى عالم القرار قبل أن يروا صورهما على طوابع القراقوشيين الذين لم يكتفوا باضطهادهما حيّين فلاحقوهما ميّتين. ولو أن هؤلاء الظلمة شتموها كما شتموا بقية أفراد جماعتهما لكان ذلك أجدر، فشتيمة الناقص خيرُ شهادة بالكمال عملاً بقول الشاعر العربي:

وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ

فهي الشهادة لي بأني كاملُ

ويبقى الدكتور محمد عبد السلام وجميع إخوته المسلمين الأحمديين أكبر من أيّ تكريم أو شتائم أو شهادات، فقد وصفهم رب العزّة جل جلاله بأنهم “عباد الرحمن”.

وهنيئاً لك أيها الراحل العزيز لأن الطغاة ضنّوا عليك بالإنصاف حيًا وميّتا، وهنيئًا لك لأنك ما انحنيت يومًا لغير خالقك أو لطبع قبلة على وجنة طفل، في حين انحنى أعداؤك على ثراك لتحقيق مكاسب آنية، ثم هنيئًا لك مرةً أخرى لأنك رحلت عن عالمنا قبل أن ترى هذا الصَّغار من الصِّغار. وتبقى أيها الدكتور عبد السلام وسامًا على صدورنا نحن الأحمديين كما أن الأحمدية وسامٌ على صدرك تفتخر بها أمام وجه ربك يوم تلقاه.

أمّا من أرادوا استغلال اسمك ومكانتك العلمية فنقول لهم: أيها الرعاع إنَّ شر البلية ما يضحك.

Share via
تابعونا على الفايس بوك