رسالة مفتوحة

رسالة مفتوحة

التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد/ المدير المسؤول إذاعة الرياض

(القسم الإنجليزي)

بالمملكة السعودية العربية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد أذاع راديو الرياض (القسم الإنجليزي) يوم التاسع من نيسان (إبريل) عام 1988 في الساعة الواحدة ظهراً، تعليقاً لمدة خمسة دقائق بعنوان “القاديانية”.

وباستماعنا لما بثته إذاعة الرياض صُدمنا لغفلة مسؤولي الإذاعة حتى عن هذا التعلم القرآني المعروف: “لا تنابزوا بالألقاب.”

فالجماعة الإسلامية التي تطلقون عليها “القاديانية”، اسمها في الحقيقة “الجماعة الإسلامية الأحمدية” وليس “القاديانية”. فعليكم يا أكباد العرب بتقوى الله والتجنب عن تلك المنكرات التي كان المشركون يأتونها في حق مؤسس الإسلام سيدنا ومولانا محمد رسول الله وحق أصحابه – رضوان الله عليهم أجمعين. ودعوا مثل هذه الأعمال الخسيسة الدنيئة للمشائخ الباكستانيين، فإنها تليق بهم وهم يليقون بها، ولا تليق بكم أبداً يا خدام الحرمين الشريفين. ما الذي ناله مشركو مكة من المسلمين عندما سموهم صابئين؟ وأي ضرر ألحقه المستشرقون بالإسلام حينما أطلقوا عليه Muhammadanism “المحمدية”.

هذا، ومما يؤسفنا أكثر أن كل هذا التعليق كان مليئاً بالتهم المنكرة والافتراءات الصارخة على جماعتنا. والغريب أن صاحب التعليق كيف وجد هذه الجسارة الوقحة للافتراء والكذب، ولم يفكر، وهو يلصق بنا هذه التهم، أنه قائم في أرض الحجاز، تلك الأرض المقدسة التي تفجر منها أكبر ينابيع الصدق والحق.

وخلال سماع هذا التعليق المليء بالكذب الصريح والبهتان المبين كان يخطر ببالي ذلك المثل الفارسي القائل:

جزن كفر از كعبه بر خيزد كجا ماند مسلماني

أي إذا بدأ الكفر يخرج من الكعبة نفسها فأين يبقى الإسلام؟

يجب أن تخافوا الله ربكم، فإن مسؤوليتكم نحو الإسلام مضاعفة كبيرة بسبب جواركم ببيت الله الحرام. واعلموا أنكم لو تسببتم في تلويث وجه الإسلام الأغر فسوف تكونون أول المسؤولين أمام الله تعالى.

لي انطباع شديد أن هذا التعليق لم يكتبه أبداً أي عالم عربي، وإنما صاحبه باكستاني أو هندي. وكما أعلم، فإن العلماء العرب، رغم اختلافهم مع عقائد الآخرين، لا ينجسون ألسنتهم وأقلامهم بقول الزور والافتراء على الآخرين. نعم، يمكن أن يصدر منهم قول خاطئ لعدم العلم، أما الكذب والافتراء فلم نعهده فيهم أبداً. أما العلماء الباكستانيون والهنود فهم، وللأسف الشديد، يتهافتون على نجاسة الكذب والافتراء كتهافت الذباب على الشراب. وهذا التعليق نفسه يظهر عياناً أنه ليس من قلم عربي، وإنما صاحبه شيخ من مشائخ الباكستان، حيث يقول:

التهمة الأولى

أن المرزا غلام أحمد ادعى النبوة وأتى بشريعة جديدة.

ونرد عليه أن هذا القول كذب صريح وبهتان مبين، لأن حضرة المرزا غلام أحمد لم يدّع قط بنبوة جديدة ولا بشريعة جديدة، وإنما قال أنه نبي تابع لشريعة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مائة بالمائة. وكان حضرته يعدُّ تحريف حرف واحد من الشريعة المحمدية كفراً وإلحاداً، فما بالك بأن يدعي هو بشريعة جديدة معارضة للشريعة الإسلامية.

إن كل من يقرأ بعدل أي كتاب لحضرته لن يصدق أبداً بأن حضرته كان يجيز الشذوذ عن حظيرة الشريعة المحمدية، ولو قيد شعره. ونكتفي هنا باقتباس واحد من مئات أمثاله من كتاب حضرته   حيث يقول:

“أقسم بالله جل شأنه أنني لست من الكافرين، وأن عقيدتي هي: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. كما أؤمن بقوله تعالى في حق نبيه : “ولكن رسول الله وخاتم النبيين”. وإنني أستطيع أن أقسم على صحة إيماني هذا اقساماً بجميع أسماء الله، وبعدد حروف القرآن وبعدد كمالات الرسول التي هي في علم الله تعالى. ولا أعتقد بأي اعتقاد يعارض قول الله ورسوله. ومن ظن بي ذلك فهذا خطأه هو. ومن كفّرني بعد ذلك ولم يكفّ عن التكفير فليستيقن أنه يسأل عن ذلك بعد الموت. وإنني أقسم بالله العظيم أنني أؤمن بالله ورسوله إيماناً راسخاً بحيث لو وضع إيمان جميع الخلق في هذا الزمن في كفة، ووضع إيماني في أخرى لرجحت كفتي بفضله تعالى”. (كرامات الصادقين، ص 25)

هذا، والأمر الآخر المضحك الذي ذكره صاحب التعليق هو أن حضرته أوجد تقويماً جديداً بدلاً من التقويم الهجري القمري الإسلامي.

ونرد عليه:

(أولاً) أن هذا افتراء محض لا أساس له من الصحة، فإن حضرته لم يضع أي تقويم جديد. نعم، هناك تقويم هجري شمسي وضعه لفيف من علماء الجماعة الإسلامية الأحمدية بأمر من خليفته الثاني، ولكن هذا التقويم لم يوضع بدلاً من التقويم القمري الهجري الإسلامي، وإنما هو تقويم هجري شمسي إسلامي وضع بدلاً من التقويم الشمسي المسيحي المعمول به في العالم. وليس لهذا التقويم الجديد أية علاقة بولادة المسيح ولا بوفاته، وإنما وضع في ضوء الوقائع والأحداث النبوية بدايةً من هجرة سيدنا ومولانا محمد رسول الله . ونحن الآن في سنة 1367 حسب هذا التقويم الهجري الشمسي الإسلامي الأحمدي.

(ثانياً) ويجهل صاحب التعليق أن مثل هذا التقويم الشمسي رائج حتى في بعض الدول الإسلامية بفرق بسيط. فهل يعتقد المسؤولون في راديو الرياض بأن كل هذه الدول الإسلامية قد أوجدت تقويماً غير إسلامي بدلاً من التقويم الهجري القمري الإسلامي.

التهمة الثانية

أن الأحمديين يحجُّون “قاديان” بدلاً من بيت الله الحرام.

بكل وقاحة وجسارة يلصق بنا المعلق هذه التهمة المنكرة قائلاً أنهم يقيمون اجتماعاً كبيراً في “قاديان” شبيهاً بحج بيت الله الحرام، وهذا الاجتماع عندهم بمثابة الحج.

مع أن الواقع أن هذا الاجتماع المركزي السنوي للجماعة الإسلامية الأحمدية ليس بحج، وإنما هو اجتماع ديني يلقي فيه العلماء الخطب في مواضيع دينية وتربوية، ولا يؤدي فيه الأحمديون أبداً أية مناسك كمناسك الحج. وجميع الفرق الإسلامية في كل العالم تقيم مثل هذه الاجتماعات الدينية السنوية، فمثلاً يقام احتفال كبير سنوي في “أجمير شريف” بالهند، وكذلك يعقد في كل سنة اجتماع كبير على ضريح العارف بالله حضرة على الهجويري داتا كنج بخش رحمه الله بلاهور (الباكستان)، ويتشرف كبار الناس ومن بينهم رئيس الباكستان بالحضور فيه، ولا يبالون مطلقاً بما يقام في هذا الاجتماع من طقوس غير إسلامية وبدعات منكرة كالسجود لقبر هذا العارف بالله. فهنالك العديد من الاجتماعات الدينية السنوية التي تقيمها مختلف الفرق الإسلامية والتنظيمات الدينية في العالم الإسلامي كله. فمن العجيب حقاً أن صاحب التعليق لا يستسيغ الاعتراض على أي من هذه الاجتماعات الدينية والاحتفالات المقامة على الأضرحة في كل أنحاء العالم، ولكنه يجد الجرأة للاعتراض فحسب، بل يلصق تهمة منكرة ذات خطورة كبيرة بأننا نقيم ذلك الاحتفال، ونستبدل به الحج إلى الكعبة المشرفة. ومن المدهش حقاً كيف أن هؤلاء المشائخ يتجاسرون على إلصاق هذه التهم الصارخة بالجماعة الإسلامية الأحمدية، وكأن قلوبهم تخلت من خشية الله كما يخلو العش الذي يهجره الطائر. ولم لا يعترض المعلق على الاجتماع السنوي الذي يعقده “مجلس تحفظ ختم النبوة” في “شنيوت” بالباكستان، ذلك المجلس الذي هو من أكثر القوم عداوة لنا وافتراء علينا. ثم لم لا يعترض المعلق على الاحتفال السنوي الذي تقيمه الجماعة الإسلامية المودودية في مركزها الرئيسي “منصورة” بلاهور، نعم تلك الجماعة التي هي من أحب الجماعات الإسلامية وأكثرها حظوة لدى الحكومة السعودية في هذه الأيام، نعم تلك الجماعة التي لا تدخر وسعاً في التملق والاستجداء لدى الحكومة السعودية بعد أن أنعم الله عليها بالذهب الأسود (النفط). ومن المؤسف جداً أنه لم يخطر ببال الحكام والعلماء السعوديين بأن هذه الجماعة (المودودية) وأمثالها كانت من أشد الجماعات الإسلامية اعتراضاً وطعناً في المملكة السعودية وحكامها قبل إنعام الله عليها بنعمة النفط حيث يقول مؤسس هذه الجماعة السيد المودودي:

“منذ زمن طويل، والجهل لا يزال ينمو ويزدهر في الجزيرة العربية، ومنذ مئات السنين يحاول الحكام الجهلاء الإضرار والنيل من الذين يسكنون في مركزهم الديني بدلاً من أن يرفعوهم. لقد أدوا بالعرب إلى حضيض الخزي والذلة علماً وثقافة وخلقاً وحضارة لدرجة، أن تلك الأرض المقدسة التي أشرقت بنور ربها الذي نوَّر العالم كله في الماضي، وقد اقترب أهلها من نفس الجاهلية الأولى التي كانوا عليها قبل الإسلام. فلا توجد فيهم الآن ثقافة إسلامية ولا أخلاق إسلامية ولا حياة إسلامية. يتجه الناس من أقاصي الأرض إلى البيت الحرام بكل حب واحترام، ولكنهم عندما يجدون في كل طرف من هذه الأرض الجهل والمعصية والطمع وقلة الحياء وحب الدنيا وسوء الخلق وسوء التنظيم والمستوى المتدهور للناس عامة فإنهم يصابون بصدمة عنيفة وتتبخر أحلامهم تماماً، حتى أن معظم الحجاج يضيعون إيمانهم بدلاً من أن يزدادوا فيه. فقد عاد هؤلاء الناس إلى نفس العادة عادة الاحتراف والامتهان من الكعبة والحج.. تلك البدعة المنكرة التي اتخذها الناس في زمن الجاهلية بعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، والتي قضى عليها النبي . فالمشرفون على الكعبة قد اتخذوها دكاناً، وجعلوا بيت الله ملكاً لهم، وينظرون إلى من يكنُّون لهذا البيت حباً وتقديراً نظر البائع إلى زبائنه. فقد عينوا وكلاء يعملون لهم في مختلف أنحاء العالم بأجر عال ليرسلوا إليهم زبائنهم. وفي كل سنة يخرج فوج من السماسرة والوكلاء من مكة ليسوقوا الزبائن من كل أنحاء العالم. يحضون الناس على الحج بقراءة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ولكن ليس ذلك تذكيراً لهم بأداء فرض فرضه الله عليهم، وإنما حضاً لهم للسفر إلى الحج حتى يجد هؤلاء فرصة سنية للكسب والتجارة. وكأن الله تعالى قد سن فريضة الحج دعماً لتجارة هؤلاء التجار المحترفين وسماسرتهم”. (خطبات المودودي، باب حقيقة الحج، الناشر: المكتبة المركزية الإسلامية، دلهي، الجزء الخامس، ص 59-60).

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تؤمن من أعماقها بسائر أركان الإسلام، وخاصة بفريضة حج البيت الحرام، كما تؤمن بأن تعظيم شعائر الله من صميم الإيمان. وكان ولا يزال المسلمون الأحمديون يذكرون الحج بكل حب وتقدير واحترام، وقد لفت مؤسس الجماعة حضرة المرزا غلام أحمد القادياني نظر أتباعه إلى عظمة بيت الله وفريضة الحج قائلاً:

“وننصح جماعتنا بأن يؤمنوا بصدق القلب بشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبألا يموتوا إلا على نفس الشهادة، وبأن يؤمنوا بجميع الأنبياء وبسائر الكتب التي صدقها القرآن الكريم، وأن يتبعوا عن وعي وبصيرة بكل ما أمر الله به ورسوله من فرائض من صوم وصلاة وزكاة وحج، وينتهوا بكل وعي وبصيرة عن كل ما نهى الله عنه ورسوله.

فخلاصة القول أنه لا بد لنا من الإيمان بكل ما أجمع عليه السلف الصالح من أهل السنة عملياً واعتقادياً. ونحن نشهد السماوات والأرض على أن هذا هو ديننا”. (أيام الصلح، الطبعة الأولى، ص 86-87)

وكذلك قال عن حقيقة الحج:

“وهنالك نوع آخر من العبادة وهو الحج. ولكن يجب ألا يكون الحج حجاً ظاهرياً فقط؛ بأن يأخذ الإنسان ما جمع من حلال وحرام من المال، ويتجه إلى بيت الله الحرام بالباخرة أو غيرها، ويردد بلسانه فقط ما يردد الناس هنالك، ثم يرجع ويفتخر بأنه الحاج. كلا، فإن الغرض الذي من أجله وضع الله الحج لن يحصل هكذا، والحق أنه من آخر مراحل العبادة والسلوك أن ينقطع الإنسان عن نفسه، ويعشق ربه، ويغرق في بحر حبه. فالمحب الصادق يضحي بقلبه ومهجته. والطواف ببيت الله الحرام رمز لهذه التضحية وهذا الفداء. وكما أن هناك بيتاً لله تعالى على الأرض فكذلك هنالك بيت لله في السماء، وما لم يطف به الإنسان لا يصح طوافه”. (خطبات الاجتماع السنوي سنة 1906)

ومن العجب أن تلك الجماعة التي تعد الحج الذي يتم تحت إشراف الحكام السعوديين شركاً وبدعة ومهنة وتجارة واتباع هوى وصورة أخرى لمراسيم وطقوس هندوسية فإننا نرى أن الحكومة السعودية تحتضنها اليوم بحب وتقدير، وتحسبها من أصدقائها المخلصين، وعلى النقيض نراها تظلم وتحرم من أداء عبادة الحج تلك الجماعة التي تؤمن من صميم القلب بقداسة وعظمة حج بيت الله الحرام، والتي لا تقبل أي انتقاد على هذه الفريضة الإسلامية الأساسية المقدسة، والتي تتبرأ من الشرك والبدعة أكثر مما يتبرأ منه أتباع الإمام الرباني حضرة عبد الوهاب رحمة الله عليه. إن هذا التناقض محير للعقل، فمن ناحية يقال إن الجماعة الإسلامية الأحمدية لا تؤمن بحج البيت الحرام، ومن ناحية أخرى، يحرمونها من أداء الحج. فإذا كان الأحمديون لا يؤمنون بالحج فلم يأتون لحج البيت الحرام حتى تضطروا أنتم لمنعهم منه؟

اخشوا الله ربكم واتقوه، وإذا كنتم حقاً من أهل التقوى والعدل فمن واجبكم نشر وبث هذه الرسالة أيضاً من نفس البرنامج الذي أذعتم منه ذلك التعليق المليء بالكذب والافتراء والبهتان، وبالتالي ابتعدتم عن جادة العدل والإنصاف، وجرحتم به كذلك مشاعر الملايين من عشاق وخدام النبي محمد رسول الله .

وما علينا إلا البلاغ. فاعتبروا يا أولي الأبصار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (التحرير)

Share via
تابعونا على الفايس بوك