خطاب افتتاحي لأمير المؤمنين بالاجتماع السنوي للجماعة الإسلامية الأحمدية

خطاب افتتاحي لأمير المؤمنين بالاجتماع السنوي للجماعة الإسلامية الأحمدية

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطاب افتتاحي

لأمير المؤمنين حضرة إمام الجماعة

مرزا طاهر أحمد أيده الله بنصره العزيز

بالاجتماع السنوي للجماعة الإسلامية الأحمدية

بالمملكة المتحدة، تلفورد، سرى، إسلام آباد، يوم 11/8/1989

 

لاحظ أمير المؤمنين أنه، لم يكن ثمة ترتيب خاص لترجمة ما يُتلى من القرآن الكريم على المنصة مباشرة.. اكتفاء بالترجمة الفورية التي يقوم بها المترجمون عبر أجهزة الاستماع الخاصة بكل لغة. فقال حضرته: هذا الأسلوب خطأ. ولقد بينت مراراً ضرورة إعداد ترتيب خاص ومنفصل لترجمة آيات القرآن الكريم بعد تلاوتها مباشرة، لأن الترجمة الفورية تتعارض مع ما ينبغي للقرآن المجيد من الاحترام، فيجب أن تنتبهوا في المستقبل لهذا الأمر، وأن تكون هناك ترجمة للآيات القرآنية ولو بلغة واحدة بعد التلاوة، ثم تأتي الترجمة الفورية. أما أثناء تلاوة النص العربي للقرآن الكريم فلا بد أن تتوقف الترجمة للاستماع والإنصات الواجبين للقرآن.

وبعد هذه الملاحظة بدأ حضرته خطابه بكلمة الشهادة وبقراءة سورة الفاتحة، ثم قال:

“هذا العام له أهمية غير عادية في تاريخ الجماعة الإسلامية الأحمدية. ففيه تحتفل الجماعة بعيد الشكر المئوي في 120 قطراً من أقطار العالم. وفي هذه المناسبة، فإن ذكر ما أنعم الله تعالى به على الجماعة من انتشار، ووصول رسالة حضرة المهدي والمسيح الموعود إلى أركان الدنيا حسب وعده جل وعلا، لَيملأ الإنسان من قمة الرأس إلى أخمص القدم بالحمد والامتنان لله رب العالمين. ولسوف يتناول خطابي القادم ذكر ذلك إن شاء الله، ولكنني أود في هذا الخطاب الافتتاحي أن أُلفت انتباه الجماعة إلى الخلفية التي تسببت في اجتذاب كل هذه البركات الإلهية الرائعة.

لقد حاولنا أن نضع أمام أنظار العالم بالوقائع والأرقام.. الموقف الذي تواجهه الجماعة الإسلامية الأحمدية في باكستان. بيد أننا لا نجد الرسام الماهر القادر على رسم صورة واضحة ليُريَ العالم ما يلاقيه عباد الله هؤلاء من عميق الألم، وما يقاسونه باستمرار من عدوان.

ونحن لا نعرض هذا الموقف أمام العالم إلا محاولة منا لامتثال أوامر الله تعالى، الذي كلف الإنسان أن يبذل كل ما في وسعه. أما اعتمادنا فليس على هذا العالم. وقد ثبتت صحة ذلك لأن العالم دأب على تجاهل هذا الذي يجري في باكستان، والحال فيها بالغ الألم. لا شك أن بعض بلاد الدنيا تبدي تعاطفاً معنا، ولكنه لا يصل إلى معارضة شديدة كافية لتغيير الحال في باكستان. وأبدت بعض البلاد تعاطفاً سطحياً، والبعض الآخر كان تعاطفهم أكثر عمقاً. ولكن حتى الآن لم تبد أية دولة ما يدل على الجدية الحقة. لا أقول ذلك شاكياً، وإنما أقوله لأذكركم بأن اعتمادنا الكامل على الله وحده. يجب أن يكون في بالكم دائماً ما قاله سيدنا يعقوب : (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله).

إنها محكمة الله تعالى وحدها هي التي تنظر إلى قلوبنا بعين الاعتبار، ولا حاجة بنا للإفصاح عما بنا، لأن كل شيء مكشوف لعلمه جل وعلا. إنه عز وجل يعلم مشاعر المسلمين الأحمديين في باكستان وفي غيرها من بلاد الدنيا. إنه تعالى صاحب الأمر في كل هذا الكون، وهو القادر على أن يخرج الخير من تحت ستار الشر. إننا نعتمد على أمره هذا. إن دعاءنا وتضرعاتنا إنما هي أمام ربنا ذي السيادة المطلقة، الذي إن شاء بدل حال الدنيا تبديلاً كلياً. إنه القدير على إعزاز المستضعفين وإذلال المتجبرين. لقد وضعنا أمام أنظار العالم حالنا في أرقام وأحداث، ولا نملك مقياساً يوصل إليهم أحاسيس القلوب.

عندما كنت أتفكر غي هذا الموضوع، أحسست أن الرسائل التي وصلتني من باكستان من الشباب والرجال والنساء، ومن العجوز ومن الطفل، كلها تعبير عن مشاعر القلوب. كانت دموع الذين شهدوا الأحداث تسيل بأعينهم، وتسيل على رسائلهم تبللها وتشوه بعض الحروف فيها. كانت تلك الكلمات الباهتة تبدو أكثر إشراقاً، وكان لها وقع في نفسي لا يدانيه أجمل الخطوط. وأود أن أضع أمامكم نموذجاً لأحاسيس الذين عانوا الآلام وعبروا عن أحاسيسهم بالأقلام. فإذا سمعتم بما تنزل على الجماعة من البركات الإلهية، عرفتم أنها لم تنزل بسبب مهارتكم أو خططكم أو فعلكم أنفسكم، بل ستدركون أن معاناة هؤلاء المساكين المستضعفين هي التي كانت وسيلة استقطاب البركات الإلهية وامتصاصها. كثيراً ما ترتفع درجة الحرارة في بلد، ولكن المطر لا ينزل فيه، وإنما في بلد آخر. والحقائق الكونية تقول إن هبوب الرياح الممطرة يكون نتيجة لارتفاع الحرارة في بلد آخر. وهكذا يشاء التقدير الإلهي أن يختار بلداً لتضحي. وما يختار الله تلك البلد إلا لعلمه أن أهلها قادرون على تحمل التضحية لفترة طويلة.

إن مدلول قوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) يكشف عجائبه. قد يقول المرء في الظاهر: أنا لا أملك القوة، ولا أستطيع حمل هذا العبء، فلماذا يضع الله كل هذا الحمل على ظهري؟ ولكن الله عز وجل يعلم أسرار عالمه ومخلوقه. إنه لا يضع على أحد حملاً أكثر مما يطيق. فالقوم الذين كتب الله لهم البقاء لا يمكن أن يحملهم فوق قدرتهم ويهلكهم. والله يحب الباقيات الصالحات.. فالطيب باق. إنما يريد الله لهم طيب الذكر، فتذكرهم أجيالهم القادمة بالتشريف والإعزاز. فالأحمال التي حملوها لم تكن لإهلاكهم، وإنما وضعت عليهم بحسب مقدرتهم.

فيا أهل باكستان.. الذين جاءوا إلى هنا بدافع الحب الخالص لله تعالى! يا من جئتم من مكان بعيد تلاقون فيه أقسى المحن! أهنئكم بأن حملكم الثقيل يشير إلى قدرتكم العظيمة، ومكانتكم الكبيرة في نظر لله تبارك وتعالى. وما تنهمر البركات وتنصب الرحمات الإلهية على هذه الدنيا إلا من حرارة قلوبكم التي تصعد إلى السماء، حيث تمتص البركات الإلهية، وتعود إلى الأرض غيوثاً من الرحمة على الدنيا جمعاء.

سوف أذكر لكم غدا وبعد غد إن شاء الله تعالى شيئاً عن عيد الشكر المئوي الذي تحتفل به الجماعة الإسلامية الأحمدية في 120 قطراً من العالم، وعندما تسمعون ما سوف أخبركم به من أحداث، ستمتلئ قلوبكم بحمد الله، وتفيض بأطيب الثناء عليه. فعليكم عندئذ أن تتذكروا إخوانكم المضطهدين هؤلاء، وتجعلوا لهم نصيباً خاصاً من دعائكم.

لا أستطيع العدل إزاء موضوعهم لأني أستقبل منهم 300 رسالة يومياً، ويرتفع العدد في بعض الأحيان إلى 1000 وربما أكثر. ولا يمر يوم إلا وهو تجربة شديدة لقلبي. كل يوم تصلني الرسائل المنداة بالدموع. الأطفال الأطهار الذين لا يعرفون الكتابة يطلبون من أمهاتهم وذويهم أن يكتبوا باسمهم. الطلاب الأبرياء الذين كانوا هدفاً للمظالم والاعتداءات الوحشية، وتعرضت آذانهم لسماع الشتائم المتواصلة؛ والفتيات البريئات اللاتي أُهِنَّ.. إذا لم يجدوا القدرة على الكتابة سألوا غيرهم ليكتب لهم، ويرسلون إلي رسائلهم. لو أن العالم سمع حكايات يوم واحد.. يوم واحد فحسب.. لتقطعت نياط قلوبهم حزناً لهم. إنه فضل من الله وحده أن منحني الشجاعة والقوة. وعندما يكون الأمر فوق طاقتي فإنه تبارك وتعالى يعطيني الشجاعة. اعلموا أن الله لا يحمل إنساناً فوق طاقته. وإذا حملني فوق طاقتي فإنه يزيد قوتي. وفي مثل هذه المناسبة أتذكر قول الشاعر الأردي وما معناه: إذا كان من قدري هذا الحزن الكبير، فليتك يا رب أعطيتني قلوباً كثيرة. ولكني أشهد الله رب السماوات والأرض أنه قد منح في قلبي قوة آلاف القلوب، ولولا ذلك ما استطاع رجل واهن القلب مثلي أن يسمع بما يعانيه أحباؤه في يوم واحد أو أن يتحمل ما أقرأه من عذابات يوم واحد. ولكن الله من فضله قد زاد من شجاعتي، وحول ما أقاسيه إلى دعاء. وأعانني على الابتسام والخروج والسير، ومكنني من القيام بكل أعبائي التي أحسبها فوق قدراتي، ولكن الله عز وجل يزيد من قدراتي دائماً.

إني أتسلم خطابات كثيرة من الطلاب لا تتخيلونها.. تلاميذ من مختلف الصفوف الدراسية، وطلاب بالدراسات العليا الجامعية من ماجستير ودكتوراه.. المحيط العام حولهم يموج بالجهل. فما من معهد تعليم واحد في باكستان.. من أي مستوى يمكن للمرء أن يصفه بالتحضر والمدنية. الجهل مشهود في كل مكان من باكستان. هناك يعاملون الطالب الأحمدي بتحقير لو تعرض له سواه لفقد صبره.

كتبوا يقولون: لو أننا لقينا هذه المعاملة لسبب دنيوي لما اكترثنا له، ولانتقمنا لشرفنا وكرامتنا مهما كانت النتائج. ولكن أوامرك إلينا بضبط النفس هي التي تمنعنا، سنستمسك بها وسنواظب على ضبط النفس، ولكن إلام يكون ذلك؟

إن قول (متى) لم يكن كثيراً في الماضي، ولكن التساؤل يزداد يوماً بعد يوم: متى متى؟ ولربما تحول هذا السؤال إلى متى نصر الله؟ وعندئذ يصعد ويطرق أبواب السماء، ويهز العرش الإلهي. لأن قلوبنا مع الله وحده.

أقول لهؤلاء الطلاب المساكين المستضعفين: انشغلوا بدراستكم من أجل الله، واستمروا في تحمل الأذى، واصبروا وصابروا. كونوا مثالاً للصبر، فإن الله لا يضيع أجر الصابرين. إن أقدار العالم في يده تعالى، وما من مكر بشري بقادر على أن يبدل أمر الله. ولسوف ترون أن هذه الرحمات الربانية التي تتنزل اليوم على سائر العالم سوف تنهمر عليكم أيضاً بغزارة تشبعكم تماماً. ينبغي أن تظلوا ثابتين في إيمانكم وصبركم، وعندئذ لن تستطيع الدنيا بأسرها أن تضيركم.

لقد اخترت لكم بضع رسائل من رسائل هؤلاء الطلبة: كتب طالب في عمر الزهور، يدرس في الصف الثامن يقول:

“سيدي المحبوب. منذ أن وعيت وأنا أشاهد (المُلا) الذي يعمل بالمسجد المجاور لمسكننا لا ينفك يتحدث بلغة قذرة ضد حضرة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود . ومضخم الصوت يواجه بيتنا، فنضطر إلى غلق بابنا، ونصلي الجمعة خلف الأبواب والنوافذ الموصدة. ولقد تجاوزت شتائمه الآن كل الحدود”.

وليس ذلك الحال قاصراً على هذا الابن وحده، بل إن الشتامين موجودون بجوار كل أحمدي في باكستان. وكل يوم يمتحن صبر الأحمديين ليل نهار.

وكتب أحدهم من (إسلام آباد، باكستان) يقول:

“جارنا منذ سنوات طويلة لفتنانت كولونيل متقاعد، اعتاد أن يقفز فوق جدارنا، ويكتب الشتائم داخل بيتنا، ويلقي قصاصات من الورق تتضمن أقذع السباب. وفي هذه الأيام أكثَرَ من هذه العادة القذرة. وبوسعي أن أضبط نفسي إزاء تصرفاته هذه، ولكن ذلك يفوق احتمال الأطفال. إننا ندعو لجارنا هذا بالهداية حتى يكف عن عادته المرذولة”.

الأخ محمد صديق صاحب فَجلا من عائلة أشراف لها نفوذ كبير في الإقليم، وكان لوالده أياد كثيرة على أهل المنطقة، وينظرون إليه بالاحترام والتقدير، وقد زرته ذات مرة واستضافني في بيته.. كتب يقول:

“عندما عدت إلى بيتي الذي أحرقوه وجدته في حالة سيئة. لقد سمم الملات (المشائخ المتوحشون) علاقة جيراننا بنا. وحسبت أن فرارنا من المكان يسعدهم، فلم أقبل بمغادرة مسكني مهما كان الثمن، بل فضلت أن أقيم في البقايا المحترقة منه. والمسجد ذو الطابقين هو الآن كومة من الأنقاض. فوضعنا عليه بعض الأستار، وأدينا صلاة العيد، واحتفلنا متوسلين الله تبارك وتعالى. وقد أكره (الملا) أهل القرى على مقاطعتنا. إنه رجل شرير للغاية، والناس في قرارة نفوسهم يبغضونه، ولكنهم لا يملكون الشجاعة للكشف عن شعورهم علانية. والمسلمون الأحمديون يصرون على التمسك بحقهم في الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وبحقهم في الشكوى دفاعاً عن أنفسهم، لذلك يَلقَون أشد العنت والانتقام”.

وكتب إلي شاب من (سيالكوت):

“عند توزيع إحدى النشرات اعتقلتني الشرطة مع الأخ صلاح الدين. وقاموا أولاً بضربه ضرباً مبرحاً بنعل مطاطي. ثم نادوا علي، وأجلسوني، ثم أجبروني على أن أمسك بأذني من تحت ساقي. ولبثت في هذا الوضع العقابي هكذا لمدة عشر دقائق حتى انتفخ الفتق الذي أعاني منه. فأخبرت مساعد المفتش بحالي وأن الفتق معرض للانفجار. وكنت أثناء جلوسي أتمتم بالدعاء. فزعم أحد الشرطة أني أدعو عليه، وأخذ يلكمني بقبضة يده حتى تعب من الضرب. فأودعوني حجرة السجن. وفي الليل أحضروا اثنين من السكارى وأخذوا يضربونهما ويضربوننا معهما بالحذاء الجلدي. لقد نال الأخ صلاح الدين ضربتين، وكان نصيبي ست أو سبع ضربات تركت أثرها على جسدي.

وذات مرة جاء شرطي حين رفعنا الأذان في السجن، فقذفنا بمجموعة من الشتائم البذيئة بما لا يمكن لكم تخيلها. ثم نقلنا إلى سجن سيالكوت، وهناك كلفونا بالعمل الشاق في إدارة رحى الطحين”.

وكتب مدرس يعمل “بالوقف الجديد” يقول:

“عقاباً لي على جريمة تحية الإسلام.. أي قول (السلام عليكم)، تهجم علي أعضاء عصابة (حفظ ختم النبوة)، وضربوني حتى فقدت الوعي. وأخذوني هكذا إلى مركز الشرطة حيث اتهموني تحت المادة 29 AC، من قانون العقوبات الباكستاني. وبعد 8 أيام في السجن أخرجوني بكفالة مالية”.

وفيما يتعلق بمسؤوليات الجماعة فإن الطلبة الأحمديين، مع ما يتعرضون له، يقومون فيها بدورهم كاملاً، وعلى الرغم من متطلبات أيام الامتحانات.. التي لا يستطيع الطلاب خلالها التفريط في دقيقة واحدة من وقتهم، فإن الطلاب الأحمديين، بفضل الله تعالى، يمرون في هذه الصعاب بقلوب ممزقة ومشاعر جريحة، ولكنهم يوفون بمسؤولياتهم نحو الجماعة بشجاعة فائقة.

كتب طالب من (لاهور) يقول:

“يقوم خدام (أي الشباب) الأحمدية هنا في مسجدنا (دار الحمد) بأداء واجباتهم المقررة عليهم بروح عظيمة وعمل جاد. لا يهتمون بالامتحانات، ويلبون مسرعين كل نداء للواجب. وكلما طلبوا أو حيثما وجهوا يبادرون بالذهاب. وهناك من الخدام من كان عليهم أن يحضروا الامتحان في الصباح.. وأمضوا ليلهم ساهرين في خدمة الضيوف. نرجو منكم أن تذكرونا جميعاً في دعاء خاص”.

وكتبت فتاة عن زوج أختها تقول:

“إن للمسكين محلاً للتصوير، فحطموا مراياه. وحرضوا الجميع على مقاطعته. وبذلك أوصدوا باب كسب العيش في وجهه. ولما حاول الذهاب إلى النرويج علم المعارضون بغرضه، وذهبوا إلى سفارة النرويج يحذرونها من أنه سيطلب اللجوء فلا تعطوه التأشيرة. وبذلك عرقلوا مغادرته للبلاد”.

وكتب صاحب مدرسة خاصة بفيصل آباد يقول:

“..قاموا أولاً بدعاية مكثفة ضد مدرستي فلم ينجحوا في صرف التلاميذ عنها. فهاجموا المدرسة بدعوى أن المدرسة تجرح مشاعرهم، وحطموا الأثاث وأغلقوا المدرسة.”

وكتب شاب من حيدر آباد، مبشر أحمد صاحب غوندل، وهو هنا هذه الأيام في خدمة ضيوف الحفل قال:

“كانت جراح (ننكانة صاحب) لا تزال تنزف عندما استشهد الدكتور منور أحمد في سكرند. في 17 من مايو تنازع صبي أحمدي مع صبي في مدينة (كنرى)، وسرعان ما تصالحا. ولكن (الملات) حركوا النزاع، وأثاروا الناس فكتبوا شتائم قبيحة على بيوت الأحمديين بأسلوب لا يمكن للشريف أن يتحمل بضع كلمات منها. وأقاموا على ما كتبوه حراساً حتى لا يزيلها أحد. وهددوا بأن هذا ليس سوى البداية. وقالوا: إن لم تغادروا البلدة فسنحرق مساكنكم ونجبركم على مغادرتها”.

وبرغم كل هذا فإن تبليغ الدعوة الأحمدية مستمر. ولم تشرق شمس يوم واحد في باكستان إلا وانضم إلى الأحمدية أعضاء جدد.

أما عن رسالة الإمام المهدي والمسيح الموعود .. فإن الله تعالى ولا ريب ناصرنا. وعلامات هذا النصر واضحة، ليس في هذه البلاد فحسب، ولكنها أيضاً مشهودة في باكستان، ومن زوايا متعددة، فمثلاً: أعان الله، تبارك وتعالى، الأحمديين الجدد على تحمل المعارضة الشديدة بشجاعة فائقة وابتسامة مطمئنة، مع أن الفظائع مستمرة ضدهم عامة وضد من بلَّغَهم دعوة الأحمدية خاصة.

واقعات مماثلة كتب عنها صديق من (جرانواله) يقول:

“بايع مزارع يدعى جاويد موسى محمد، وانضم إلى الأحمدية بواسطتي. وكان ابنه عدواً لدوداً للأحمدية. فلما لم يستطع مهاجمة أبيه لجأ إلى الخداع معي، ودعاني للقائه في مكان محدد كي يتناقش معي. وهناك انضم إليه نفر حبسوني وضربوني ما لا أستطيع وصفه، وقالوا: “هذه دفعة أولى وليست الأخيرة. إذا لم يرجع أبي عن الأحمدية فسوف يكون العقاب القادم أنكى وأشد، ولن يكون هناك ضمان لحياتك”.

وكتب شخص آخر يقول:

“وصلتني رسالة تبدو من أول وهلة أنها من رجل مهذب، ولكن إذا ما كشفت لك عن مضمونها تبين لك أي متمدن ذاك الذي كتبها! تقول الرسالة: السلام عليكم.. أمرنا ربنا الواحد القدوس أن نقابل كل أحد بوجه مبتسم. ولكني أطلب منك بكل احترام أن تتبرأ من (المرزائية) وتعود مسلماً. إني أدعوك لدخول الإسلام، وأرجو أن تقبل دعوتي. ولكن إن لم تقبل بها فإن البوابة الحديدية التي أقمتها خارج محلك لن تجديك نفعا. وسأكتب لك رسالة ثانية ثم ثالثة، وأمهلك أسبوعاً، ثم يكون اغتيالك مباحاً لي حسب ديننا، لأن القرآن (هكذا يقول الجاهل، والعياذ بالله)، يقرر قتل الكافرين حيثما قابلناهم. وأود ألا تموت كافراً ولذلك أمهلك. فإذا لم تعد إلى الإسلام.. فبالله سوف أقتلك وكل (المرزائيين) الآخرين الذين سوف أرسل لهم مثل هذا الإنذار. ووقع على الرسالة هكذا: من كلب الرسول ومحارب الكفار.. علم الدين!”.

أقول: ما كانت هناك حاجة لأن يضيف كلمة (الرسول) في توقيعه، ولو أنه اكتفى بكلمة (كلب) لكان أنسب، لأن (كلب الرسول) يكون بلا شك أكثر رقة ونزاهة. ولا يمكن لكلب تربَّى في فناء حضرة المصطفى ، أن يهاجم الناس أو ينبحهم. وهكذا كان كاتب الرسالة هذا ظالماً أيضاً فيما كتب.

وكتب طبيب أحمدي من (ججرات):

“بينما كان ابني يوزع الطعام على الفقراء بمناسبة عيد الشكر المئوي إذ شتمه أحد المعارضين بألفاظ بذيئة. ثم أحاطت الشرطة بالمنزل، واعتقلوه، وأرسلوه إلى السجن، واليوم 12 من مايو خرج من السجن بكفالة مالية”.

وفي مجال العمل والوظائف، هناك آلاف من المسلمين الأحمديين الذين أوقفت ترقياتهم الوظيفية.. فيما عدا قلة قليلة حيث رئيس العمل متحلٍّ بالشجاعة والأمانة، فلا يضع العراقيل في طريق ترقية الأحمديين. نعم، ثمة حالات قليلة من هذا النوع، ولكن يحرم الأحمديون على وجه العموم من الترقيات التي يستحقونها.

ومن أسباب هذه الظاهرة ما يجري من معارضة ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية. ولكني أحس أن هناك سبباً آخر.. ذلك هو انعدام الأمانة في الناس. وقد سمعنا في الماضي عن تلك الحالات التي كان الموظفون في المكتب يتضايقون من أمانة زميلهم الأحمدي، وكانوا لا يجدون عذراً لإزالة هذه العقبة من طريق خياناتهم. والآن أصبح تشجيع الحكومة لمعارضة الأحمدية عذراً يُعطي لكل من يشتم من يشاء من الأحمديين. وصارت مناهضة الأحمدية عذراً للناس. وباتت الخيانة المتزايدة في البلاد تجعل من الأحمديين الأمناء قذى في عيون الخونة. ومن ثم يوقفون ترقياتهم حتى صار عدد كبير منهم جامدين في مكانهم لكونهم أحمديين. وعندي نسخ من الخطابات الرسمية التي كتب فيها صراحة: أنت مفصول من عملك لأنك أحمدي، وعندما اشتكوا لم يلتفت أحد إليهم.

وقد أرسلت القوات الجوية الباكستانية رسالة إلى أحد ضباطها تقول فيه: بسبب أنك أحمدي فليس لك وظيفة لدينا. وعندما استأنف القرار رفض الاستئناف بدعوى أنه لا أساس للطعن في القرار ولا حق له فيه. ثم أرسل التماسا إلى رئيس الوزراء.. ويعلم الله كيف سيتعاملون مع هذا الالتماس. ولكنهم قبل ذلك أعلنوها بجرأة مجردة من رائحة الحياء، بل وضعوها كتابة على الورق الرسمي: أنت مفصول لأنك أحمدي!

وهناك حالات أعيد فيها الموظفون إلى درجاتهم السابقة بعد ترقيتهم. فمثلاً صديق أحمد السنوري من لاهور، كتب يقول:

إنه بعد أن تسلم أمر تعيينه كبيراً للمهندسين في مكان عمله، هاج الموظفون وقالوا: لن نسمح لقادياني أن يكون كبير المهندسين. ونتيجة لذلك أُلغِي الأمر الذي سبق صدوره.

والحالات كهذه كثيرة، وإنما يكفي ذكر حالة منها أو اثنتين.

كتب شاب من ربوة يقول:

“اليوم 23 من مارس، ويبدي كل أعضاء الجماعة ابتهاجهم علانية، ولكنهم وضعوا علينا قيودا إضافية في هذه الأيام. هناك شعور بالانقباض في ربوة.. فعند عودتنا من المسجد بعد صلاة الفجر وتوزيع الحلوى، عجبنا لوجود (قوات الشرطة المجاهدين) مسلحين بالهروات والبنادق وغازات الدموع وما لا يعلم إلا الله من أسلحة، متخذين مواقعهم في أماكن كثيرة كما لو كانوا يستعدون لعملية كبيرة. ومع أننا شعرنا بغصة الألم إلا أننا ضحكنا في أنفسنا، لأن أولئك المساكين يسيرون في دوريات ويقفون وقفة الاستعداد لمجرد أننا سعداء مبتهجون!

الأخ أمير جماعة (مَردان) رأى مسجد الجماعة منهدماً فبكى قلبه دماً، وكتب يقول:

“لقد هدموا مسجدنا وبات مهجوراً. وهؤلاء الطغاة قد ألقوا بكل أنواع القمامة فيه. وقضية المسجد منظورة أمام المحكمة، ومسجلة عند الحكومة تحت المادة 145. والسلطات هنا على وجه الخصوص لا يريدون حتى أن نقترب من المسجد. إن قلبي يتوق بشدة لأن نطهر المسجد ونرتبه ونسجد فيه حيث سجد من سبقنا من الصالحين”.

فتاة أحمدية تدعى (قرة العين)، عمرها بضع سنوات، كانت تقطن في مدينة (ننكانة صاحب)، طلبت من خالتها أن تكتب باسمها رسالة، فكتبت خالتها ما قالته الفتاة الصغيرة:

“يوم 12 أبريل الساعة 11 صباحاً ذهبنا من ربوة إلى ننكانة صاحب، فوجدنا منزلنا ومتاعنا يحترق. فخافت أمي مما جرى، وسألت أحد الرجال. فأخبرها أن مساكن القاديانيين قد أحرقت. أبي العزيز أمير المؤمنين، لقد أحرقوا كل لعبي، ودراجتي، ولوح الكتابة، وكل شيء.”

عندما أقرأ هذه الرسالة تسيل الدموع من عيني رغماً عني. ولكن سرعان ما أشعر بالخجل وأرى لزاما علي أن أتعلم الدرس من هذه الطفلة الصغيرة، التي طلبت من خالتها أن تكتب:

“ولكني لم أبك مطلقاً، لأن الله سوف يعطيني أكثر من قبل. سيعطينا بنجالو وسيارة ودمية كبيرة ودراجة وبعض اللعب الأخرى. أمي الحبيبة تقول: إن كل ما ننفقه في سبيل الله يعطينا أكثر منه”.

ما أصدق الكلمات التي نطقت بها هذه الطفلة! وما أعظمه من خُلقٍ ذلك الذي كشفت عنه! لا شك أن الله تعالى سيعوضهم عن كل ما خسروه أو قاسوه في الماضي أضعافاً مضاعفة. ولسوف يمطر عليهم من بركاته ما لم يكونوا ليحلموا به من قبل. وكلما طال أمد الابتلاءات كلما طال تنزل البركات الإلهية والثواب العظيم. ومن هذه الجهة، لا أجد في نفسي أي أثر للشك في أن المسلمين الأحمديين الذين قاسوا ستتنزل عليهم بركات السماء، وسينالهم من الله تعالى أعظم الفضل، وستصل إليهم حتماً رحمات الله وبركاته بوفرة وغزارة حتى يشعروا بالخجل كلما تذكروا معاناتهم. ولسوف يقولون: يا ربنا، بدرت منا العجلة، والحق أنه لا وجه للمقارنة بين بركاتك وبين معاناتنا. لقد هطلت علينا بركات لا تحصى لكل شوكة أو وخزة أصابت أحداً منا. ولسوف تشهدون المضطهدين الأحمديين اليوم وقد رفعهم الله عزوجل إلى مقام سام، ولسوف يعطيهم الشرف والثراء، في هذه الدنيا وفي الآخرة.. سيعطيهم بلا حساب.. وبقدر لا يتصورونه.

وكتب صديق آخر من ننكانة صاحب:

“لقد عرفنا بالموقف قبله بعدة أيام، وحذرنا السلطات المسؤولة، وأرسلنا برقيات إلى الجهات العليا. ثم ذهبنا إليهم وأطلعناهم على الأخطار التي نواجهها، وطلبنا منهم اتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة. وفي مقابلة مع رئيس الشرطة المسؤول، أكد لنا ألا داعي لأن الملات جميعاً وعدوا وأقسموا أنهم سينظمون مظاهرة فقط، ولن يكون هناك شيء بعد ذلك. فاطمئِنوا في مساكنكم، ودعوا المظاهرة تمر، وليس هناك ما يهمكم.

وبعد ذلك، ماذا فعل هؤلاء الناس الحالفين بالله؟ لقد نظموا أنفسهم مجموعات، وفي خلال ساعة من الزمان حولوا بيوت الأحمديين إلى رماد. وأنا العبد الفقير كنت قد بنيت مسكني منذ أربعة أشهر، واستدنت لذلك 55000 روبية، لا أزال مديناً بها. لقد هدم هؤلاء الذين يزعمون أنهم حماة الإسلام بيتي هدماً تاماً، وأتلفوا كل محتوياته بالنار. حتى أوراقي وملفاتي الشخصية أصابها التلف. لم يترك لنا الطغاة شيئاً سوى ملابسنا التي على أجسادنا. وقد تمكنت بفضل الله تعالى من استنقاذ شيء واحد، وهو دارجة نارية كانت عندي بصفة أمانة لشخص غير أحمدي”.

وقد عبرت عن نفس المعنى الطالبة خولة بنت الدكتور عبد الغفور صاحب، وكتبت تقول:

“استيقظنا مبكراً صباح يوم 12 أبريل، وكان هناك إعلان عن مسيرة ضد القاديانيين. ولم نكن أبداً نتصور أنهم يتآمرون للعدوان على حياتنا وأملاكنا. وفجأة ظهرت مسيرة تتجه نحونا، وتهتف هتافات عالية، وقد وفر لنا جيراننا المأوى في بيوتهم. ودخلت المظاهرة إلى المسجد، فهدموا المئذنة. وطلبت أمي من أبي أن يذهب لحماية المسجد مهما كان الحال. فذهب أبي وزوج أختي إلى المسجد حيث ضربوهما ضرباً شديداً، وهما الآن في مستشفى (شيخوبورا) بلا حراك. وجاء المعارضون إلى بيتنا، فنهبوه، ثم هدموه. ولم نتمكن من إنقاذ حاجياتنا، ولم يعد لنا سقف يسترنا”.

ومضت تقول:

“إنني طالبة بالثانوية، وسوف أدخل الامتحان بعد أيام. فأرجو الدعاء لي كي يساعدني الله تعالى لاجتياز الامتحان. ولقد ذهب راعي المسجد إليه لحراسته فضربوه، وحاولوا إلقاءه في النار لولا أن ملائكة الله أنقذوه من أيديهم”.

إنها حكايات طويلة، وهذا بعض ما وصلني في البريد خلال أيام قلائل بعد حادثة ننكانة صاحب. ومن ذلك يمكنكم تصور مقدار ما يصلني يومياً من الرسائل التي تقوم على الحقائق، وليس فيها مبالغات. ولقد كتب بعض الأطفال يصفون مشاعرهم عندما شاهدوا الحادث، وبعض الكبار أيضاً كتبوا يصفون الموقف حولهم. وأهل الجماعة الإسلامية الأحمدية في كل أنحاء باكستان يعانون كثيراً.

كتبت سيدة من ننكانة صاحب تصف ما شاهدته بنفسها فقالت:

“عندما تأكدنا من وقوع الاعتداءات الفظيعة مكثنا في بيوتنا، ولكنهم هاجمونا في بيوتنا. أسرعت بالتقاط مفرش سرير واتخذته حجاباً لي. وتسلق زوجي الدرج إلى السطح، فلاحظ أن النيران تهب من ناحية منزل مرزا ألطاف الرحمن. فقال يجب أن تأخذي الأطفال وتبحثي عن مأوى آخر، ولا تذهبي في اتجاه البلدة، وسأبقى أنا هنا. واصطحبت أطفالي الثلاثة، وخرجت ملتفة بالمفرش، ولم أعرف إلى أين أتجه. وأخيراً وفقني الله تعالى ومنحني القوة والفكر لأغادر المستعمرة فوراً، وتوجهت إلى حقول القمح على بعد نصف ميل. وكان أطفالي يبكون لمرأى سحب الدخان الكثيفة تتصاعد من البلدة، وقالوا: نرجوك يا أمي أن تذهبي بسرعة وتحضري أبانا معك. فأسرعت في اتجاه بيتنا كالمجنونة، وقفزت في النار أنادي على زوجي. فسمعت صوتاً من عند الجيران يصيح: أيتها السيدة الطيبة، تعالي إلى هنا فزوجك عندنا في منزلنا. وعلمت أنه كان مستعداً للشهادة، ولكن الجيران سحبوه من يديه إلى داخل منزلهم لإنقاذه.

لقد جلس المسكين في البيت المجاور يسمع ما يدور. لقد سرق المتظاهرون كل ما يستطيعون حمله، ثم جمعوا الأثاث في كومة كبيرة وأشعلوا فيه النار. ولم ينصرفوا حتى تأكدوا من أن كل شيء قد هلك.

وأخذت أسكب الماء من غلاية ماء أحاول إخماد ما لم يزل مشتعلاً من النيران. فلما بلغت الساعة الواحدة توضأت للصلاة، وتشهدت بعد الوضوء. فلما سمع المشاهدون ممن تجمعوا حولي قولي: لا إله إلا الله ومحمد عبده ورسوله.. قالوا: ما هذا؟ نحن لا نفهم شيئاً. إنها تنطق بالشهادتين مثلنا. هذا شيء عجيب.

إنهم يروون عنا أكاذيب كثيرة في باكستان، وأثاروا زوابع الكراهية ضدنا حتى إن جيراننا الأقربين بدأوا يصدقون أننا، والعياذ بالله، نتشهد بطريقة مخالفة لسائر المسلمين”.

وتمضي السيدة في روايتها فتقول:

“عندما كنت أفتش في الأنقاض لعلي أجد شيئاً صالحاً عثرت على وريقات من المصحف، وعند ذلك فقدت صبري وقلت: يا قوم، لا يهمني متعلقاتي، ولكني لا أحتمل هذه الإهانة للقرآن الكريم. فأسرع الجيران نحوي يتطلعون، وعلى مرأى منهم وجدنا مصحفاً من طبع (شركة تاج)، أصابته النيران ايضاً”.

كانت السيدة تُدرس القرآن لأولاد الجيران ومنهم غير الأحمديين، والمصحف المذكور لهم.

“فلما شاهد الناس المصحف المحترق أخذوا يطوفون بالقرية ويعرضونه قائلين: إن هؤلاء الطغاة يدعون بأن الأحمديين يحرقون القرآن، في حين أنهم هم الذين يحرقونه”.

وفي أي موقع احتفل فيه المسلمون الأحمديون بعيد الشكر المئوي كان عليهم أن يدفعوا الثمن لهذا الاحتفال. كتب أحدهم:

“عندما غادرنا المسجد حيث كنا أعددنا وليمة، لأنهم حرموا علينا توزيع أي شيء بالخارج، فقال أحد الأصدقاء: لم يكن في استطاعتي الحضور إلى وليمتكم فأرجو إحضار بعض الأرز إلينا. فوضعت بعض الأرز في وعاء وحملته على الدراجة النارية. فجاء رذل و دفعني من فوق الدراجة، وصاح: قادياني كافر.. يوزع الأرز من معبدهم على المسلمين. أمسكوهم واضربوهم. وفي لحظة تجمهر علينا 40 أو 50 من الأراذل طفقوا يضربوننا، ويتدافعون ليحظى كل منهم بدوره في الضرب. ثم سحبوني ووضعوني على عربة، وساقوها إلى مركز الشرطة حيث حبسوني في إحدى محابسه. والعجيب أن المسجونين الآخرين لما عرفوا سبب سجننا وسوء معاملتنا أخذوا يقبلون جراحنا ويقولون: ما اسعد حظكم.. فأنتم تقاسون بسبب عقيدتكم!

وكما قلت آنفاًن الأحداث كثيرة، والوقت لا يسمح بذكر كل التفاصيل، فلا يكفي يوم أو بضعة أيام لسرد ما يعانيه المسلمون الأحمديون من يوم لآخر.. وقد بلغ ما يكفي ليملأ الحياة كلها بالأحزان، ولكن الله تبارك وتعالى ينزل علينا من فضله فيوضاً من الرحمات، ويهب الجماعة تقدماً عظيماً مطرداً يغسل جراحنا أولاً بأول. ومع أن بعض الجراح عميقة شديدة الألم، وتستعصي على النسيان لكن بركات السماء تعضدنا وتمدنا القوة ما يثبت القلب. وهكذا يسَّر الله لنا الوفاء بالتزاماتنا.

ولسوف أضع أمامكم، إن شاء الله تعالى، بعض مشاهد هذه البركات الربانية في خطبة الغد وبعد الغد. أما الآن وقبل إنهاء خطابي والدعاء، أود أن أخبركم بأني قلت آنفاً أن الله عز وجل هو سندنا الوحيد. ونذيع تلك الفظاعات على العالم، ونعلم أنه عالم سياسة وليس عالم دين. وكل هذه الأحداث الفظيعة.. وإن كانت تقع في محيط الدين إلا أن مسؤوليتها تقع على كاهل رجال السياسة أيضاً. كلها ألاعيب سياسية ولا علاقة لها في الحقيقة بالدين. ولو كان هناك في باكستان تعاطف حقيقي مع الدين لبدا فيها قلق بسبب نوعية الجرائم التي تزداد انتشاراً وعنفاً، ولكان هناك هم في قلوب بعض (الملات)، ودخلتها خشية الله عز وجل، ولعرفوا أن الإسلام في الحقيقة اسم يدل على خلق المسلم.

البلد الذي اختفت منه القيم الإنسانية، واختفت منه حرمة الأطفال، وحرمة النساء، وكل يوم يختطف فيه الأطفال طلباً للفدية، ويتعرضون للقتل إن لم تدفع الأموال للخاطفين المجرمين، أو يضطر بعض الفقراء إلى بيع كل ما جمعوه من كدحهم لاستخلاص أطفالهم من براثن الخاطفين.. البلد الذي تربو فيه القسوة والتزوير والاختلاس والرشوة، واضطرب فيه أمن المجتمع كله.. في هذا البلد الذي تتحملون فيه كل تلك الأوضاع مبتسمين.. ثم لا تبدر فيه أية إيماءة إلى أن الإسلام يتهدم في الطرقات وفي المدن وفي البيوت وفي كل مكان.. فعن أي إسلام تتشدقون بأنكم حماته؟

وبدلاً من أن يعترفوا بذلك يخلقون مساجلات وهمية حول العقائد يخدعون بها الجماهير. فالمسألة ليست دينا، بل هي سياسية تلعب لعبتها. والسياسة في باكستان قد زيفت وباتت فاسدة، حتى أني على ضوء الموقف المشهود في باكستان.. لا أكاد أرى بصيصاً من الأمل في أن تعود الأمور إلى نصابها في المستقبل القريب. أعني أنه بتحليل الموقف الواقعي الحالي فلا أمل هناك، بل إن قدر الله تعالى محتوم أن ينزل بهم العقاب الذي أنبأ به المهدي والمسيح الموعود، والذي سيتحقق بلا شك. وليس بعيداً ذلك اليوم الذي يتوجب على هذا البلد أن يتخذ قراراً خطيراً وحاداً بما يحفظ عليه ثباته، وإلا فقدوا النعمة الإلهية من أرضهم بإصرارهم وإغراقهم في الشرور. وعندما تتضح هذه المسألة، وتزداد جلاءً يوماً بعد يوم، فإن هذا الشعور سوف يتزايد أيضاً عند جماهير باكستان، ويدركون أنهم واقفون عند مفترق الطرق بحيث أن المسألة أصبحت حياة أو موتاً، مسألة أن نكون أو لا نكون. هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، وينبغي مواجهته. ويتحتم على الأمة أن تأخذ قراراها. إن دعائي اليوم، واسألكم جميعاً أن تجعلوه دعاءكم، أن يمكن الله تعالى هذه الأمة عند مفترق الطرق من اتخاذ القرار الصائب!

ولا شك أنه ما دامت لعنة (الملات) مسلطة على راس البلد.. فلن يكون بوسعها أن تمضي إلى أي تقدم في أي مجال. إنها هكذا سوف تعاني الخزي بعد الخزي.. يوماً بعد يوم. ولا يمكن أن يُفرض هؤلاء الملات الجهلة على الأمة ثم لا يدفعوا بها إلى هاوية الدمار. الملا بلاء مثل حكاية (الشيخ المقعد) في قصص ألف ليلة وليلة. ومن العجيب أن السياسة واقعة في قبضته. إن سياسة بلدنا غريبة عمياء، لا تعرف كيف تتعلم من دروس الماضي وعبره. ولعل بعضكم سمع بقصة سندباد مع الشيخ المقعد، ولكن لا بأس من أن أرويها لكم لأنها تمثل الموقف تماماً في باكستان.

في إحدى رحلات سندباد البحرية تحطمت سفينته، فلجأ إلى جزيرة ذات أشجار وأثمار وأنهار. وبدت الجزيرة هادئة آمنة. فأخذ يشرب الماء من الجداول الرقراقة، ويقطف الثمار الدانية من أغصان الأشجار. وبينما هو كذلك سمع صوتاً واهناً يناديه. التفت سندباد فرأى عجوزاً يسأله العون، قال: أنا رجل كسيح أقعده الشلل، إني يا بني، أكاد أموت جوعاً، ولا يكفيني ما يتساقط على الأرض ملوثاً وتأكل الطير أكثره. ارحمني من فضلك، واحملني على كتفك لآكل من الثمار التي فوق الشجر. فرق له قلب سندباد وحمله على كتفه. وما أن أخذ العجوز مكانه على كتفيه حتى أحاط رقبته بساقيه كأنه الحية العاصرة عندما تلتف حول فرائسها وتضغط عليها حتى تحطم عظامها. ولم يستطع سندباد أن يتخلص من ربقة هذا العجوز الخبيث، الذي تمسكن حتى تمكن. وقال: إني سعيد لأن الله أعطاني ساقين إضافيتين. أنت ساقي، وسوف أستعملهما طول حياتي!

تقول الحكاية أن الشيخ ذكر اسم الله! نعم، إنها حكاية، ولكنها تتضمن درساً عميقاً. فبعض الناس لهم أرجل شلاء، ولكنهم يستطيعون خراب الدنيا بشرورهم وفساد طويتهم. والملا في وطننا ينشأ شريراً فاسداً فيخزيه الله، وفي بلاد أخرى يحفظ (الملا) كرامة نفسه ويخلص للإسلام، ويكون ذا مقام محترم. ولست أتحدث عن هؤلاء، ولكن لسوء الحظ أنه في إقليم (بنجاب) بالذات، وفي مناطق كثيرة من شبه القارة الهندية ينشأ الملات كشخصيات شائنة، إذا تطلع المرء إليها تذكر على الفور قول المصطفى : “علماؤهم شر من تحت أديم السماء”. فهم بدون سيقان، والأمة لا تتنبه إليهم كثيراً، ولكنهم بالتدريج صاحوا وطالبوا المساندة بالاسم المقدس لنبي الإسلام، ومن أجل الإسلام وكرامته، وألحوا في السؤال والرجاء كي ترفع الأمة خسيستهم.. إن لم يكن لشيء فعلى الأقل لاستخدامهم في محاربة الأحمدية. وهكذا وقع في قبضتهم بعض التعساء من الساسة العميان. والآن، وكما فعل الشيطان المتنكر في صورة شيخ واهن عجوز مع سندباد.. يُحكم هؤلاء الملات لف أرجلهم حول رقاب الساسة. ولكني أؤكد لكم أن بغض الناس لهم يتزايد يوماً بعد يوم في باكستان. وهؤلاء الذين يكتبون الشتائم على جدران بيوت المسلمين الأحمديين ويوجهون مكبرات الصوت نحوهم لتصدع رؤوسهم بالسباب واللعنات، ويتقيؤون بذاءاتهم على اسم حضرة المهدي والمسيح الموعود .. تبلغني الأخبار مؤكدة أن الجماهير تلعنهم وتسبهم أنفسهم. هذا اتجاه ينمو باستمرار.

كتب المهدي والمسيح الموعود : سوف يكرمني الله، وأما أنتم فسوف يهينكم. تحققت في الواقع هذه النبوءة. أما الأعداء الذين يستخدمون الألفاظ النابية فإن إهانتهم لا نهاية لها. والجماهير تسب قادتهم، ولا يذكرونهم إلا بالإهانات واللعنات، ويقولون إنهم ينتظرون فرصة سانحة كي يلقوهم درساً بليغاً..

فهذا هو الخزي الحقيقي، وهذا قدر (الملات)، وهو يتربص بهم ويقوي على الأيام. فبالصبر والثقة في الله واصلوا مسيرتكم لقطع الأيام المعدودة من المعاناة أو ما قدر لنا مهما كان. وإني أؤكد لكم أن الأفضال التي تتنزل على المسلمين الأحمديين وتسترهم في كل مكان سوف تنزل عليكم مدراراً، وتصل إليكم في بيوتكم. ولسوف يبدل الله تعالى الحال، ويروي ظمأكم من فضله. ولسوف تسمعون مني، إن شاء الله تعالى، غداً وبعد غد، ذكر بعض البركات الإلهية التي أعلم أنها سوف تغسل الآلام من قلوب إخواننا القادمين من باكستان، وسيحمدون الله تعالى ويشكرونه قائلين: اللهم إن تضحياتنا مهما عظمت تتضاءل أمام فضلك العميم. وإذا كانت هذه البركات ثمرة لتضحياتنا فليس في نفوسنا أي شكوى.

وعلى كل المسلمين الأحمديين في أرجاء العالم أن يذكروا إخوانهم هؤلاء الأبرياء، لأن ما تحرزه الجماعة من تقدم ليس بفضل تخطيطهم وتدبيرهم وجهودهم. كلا، ليس بتدبيري ولا تدبيركم. ولسوف تشعرون أن القدر الإلهي يأتي بكل تلك الأفعال العجيبة، وينعم على الأحمديين كل يوم بآفاق متجددة من التكريم. فها هو اسم حضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود يذكر بالتكريم والتعظيم، في دنيا الأحمديين وغير الأحمديين، وحقق الله تعالى وعده له بأن (يحمل رسالته إلى أقصى أركان الأرض). واليوم يجلس بيننا ممثلون من مختلف بلاد العالم، ولسوف أذكرهم لكم غدا إن شاء الله تعالى، ولكني أود اليوم أن أذكر (كندا). ففي احتفال الجماعة الكندية بعيد الشكر المئوي، أشار إلى صورة المهدي والمسيح الموعود أحد الكنديين المرموقين من ذوي المركز والنفوذ وأعلن قائلاً: إني أشهد اليوم بصدق هذا الرجل الذي أعلن منذ 100 سنة أن الله أنبأه بأنه سوف يحمل رسالته إلى أركان الأرض.

وأذكر لكم شخصية أخرى.. لا أتذكر إن كان نائب وزير أو عضو برلمان قال: أعلم أنكم لا تستطيعون الاحتفال بعيد الشكر المئوي في باكستان، وأن لكم في كندا مطلق الحرية لتحتفلوا كما تشاؤون، لكن دعوني أؤكد لكم أنه سيأتي الوقت الذي تعودون فيه جميعاً إلى باكستان، وتحتفلون هناك بعيد الشكر.

أود قبل الختام بالدعاء أن أذكر لكم شخصية أخرى. لقد أنبأ الله تعالى سيدنا المهدي والمسيح الموعود : “أن الملوك سوف يتبركون بثيابك”. وإني على ثقة من أن هذا هو القرن الذي سوف تتحقق فيه هذه النبوءة، وها هي علاماته بين أيدينا. اليوم يحضر معنا ضيوف مكرمون كثيرون من بلاد عديدة، وهذا في حد ذاته آية عجيبة، وليس لها سابقة في العالم على حد علمي. يجتمع هذا العدد من جماعة لا تملك أغلبية في أي مكان بالعالم. فيأتي ممثلون من دول عظيمة، ويقطعون مسافات طويلة ليحضروا جلستها. إن هذا لكرم عظيم من جهة هذه البلاد، ولكنه أيضاً آية من الله تبارك وتعالى.

إننا نرحب كثيراً بهؤلاء القادمين، ونفتح لهم أذرعنا بالتكريم العظيم، ونؤكد لهم أن الجماعة الإسلامية الأحمدية في كل أنحاء العالم لن تنسى لهم هذا الجميل، وتحيّي تواضعهم وصداقتهم ومودتهم. ولسوف يذكرونهم دائماً في دعائهم، ولا نعرف لضيوفنا هدية أفضل من الدعاء.

وضيوفنا هؤلاء أهل للتشريف العظيم، وهم ممثلون لملوك دنيويين، ولكني أحب أن أقدم لكم واحداً حضر إلينا مندوباً من ملك السماء. أنا لا أشير إلى خليفة الوقت، ولكني أتحدث عن صحابي من صحابة حضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود . فمنذ عدة أيام فكرت في أن عدداً من كبار الرجال الدنيويين سوف يحضرون في الاحتفال، ومن حقهم علينا وواجبنا نحوهم أن نحتفي بهم ونكرمهم، ولكن ينبغي ألا تغفل الجماعة عن أن التكريم الحقيقي هو التكريم السماوي، التكريم الذي يرتبط بالدين الحق. وأي احتفال بعيد الشكر هذا إذا خلا من أحد صحابة الإمام المهدي والمسيح الموعود ليشارك فيه؟ فأرسلت فوراً إلى (ربوة) كي يرسلوا واحداً من النفر القلائل الأحياء من حضرات صحابة المهدي والمسيح الموعود.

فحضر إلينا المولوي محمد حسين، مع أن صحته ليست بجيدة، ورفض قبل ذلك أن يسافر، ولكن عندما بلغته رسالتي أجاب دعوتي بسرور عظيم وقال: إن ضعفي لا يهم، ومع أني مضطر للتردد كثيراً على دورة المياه لمرضي، ولكن رسالة خليفة الوقت وصلتني، ولزاماً علي أن ألبي دعوته مهما كلفني ذلك من مشقة أو معاناة. والآن، هذا الضيف المكرم الجليل بيننا، أقدمه لكم، وأرجو أن يتفضل بالحضور والجلوس إلى جواري.

ويجب أن تعرفوا أن المراد أيضاً من لفظ (ثياب) الوارد في نبأ التبرك بالثياب هو أصحابي. لقد قال القرآن المجيد أن الرجل لباس الزوجة وأن الزوجة لباس الرجل. فالوحي المذكور لا يقتصر على الثياب وحدها. وعندي أن المعنى الأول هو أصحاب المهدي والمسيح الموعود. ويكون معنى النبوءة أن الناس يتباركون بهم ويجدون فيهم البركة. وستفعلون ذلك. إنا كنا محظوظين لنلتمسها منهم.

وفيما يتعلق بالمعنى المادي للثياب، فقد تحقق ذلك فعلاً. وسيأتي الوقت الذي يبحث فيه الناس عن ملابسه. ولكن ما دام صحابته أحياء فهم أولى بأن يكونوا ثيابه. وهذا فضل من الله تعالى أنه بعد مرور قرن من الزمان، وفي هذا الاجتماع الهام لعيد الشكر المئوي يحضر معنا صحابي للإمام المهدي والمسيح الموعود . بارك الله تعالى في صحته وحياته، ومد مظلة الصحابة في القرن الثاني. اللهم حقق لنا هذا. آمين!

ولسوف يأتي يوم يذكركم فيه الأجيال القادمة، لأن من ألقى نظرة على هذا الصحابي كُتب من التابعين. وكل من رأى هذا الصحابي منكم هو من السعداء، لأنه رأى بعينيه صحابة حضرة المسيح الموعود . وسيأتي يوم يكون فيه أحدكم موضع تكريم لأنه تابعي، فيكرمه خليفة الوقت على هذا الأساس، ويحتضنه بفخر وإعزاز على أنه واحد من التابعين الذين تباركوا بلقاء الصحابة المباركين. ولسوف يزيد الله تعالى هذه البركة وينشرها، ولسوف يضيء كل مصباح مصباحاً آخر.

كلمتي الأخيرة لكم، اقبلوا نور الحق، كونوا تابعين من الجيل الثاني، متتبعين خطى الصحابة، مصطبغين بصبغتهم. يجب ألا تكونوا أمة تعيش في الماضي. لا تقولوا: كان آباؤنا من الصحابة، بل يجب أن تقدموا لون الصحابة، ويشع منكم نورهم، ويفوح منكم عطرهم.. عطر الصحبة.

اللهم مكن لنا ذلك. آمين!

والآن هيا بنا إلى الدعاء.

Share via
تابعونا على الفايس بوك