معترض مجهول

معترض مجهول

شخص مجهول.. يبدو من أسلوب كتابته عربياً.. وفي حوزته عناوين العديد من المسلمين الأحمديين العرب.. يُرسل إليهم في هذه الأيام رسائل مليئة بالطعن والتكذيب لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود .

ومن الاعتراضات التي يثيرها في رسائله أن حضرته قد كذب على سيدنا محمد .. حيث نسب إليه حديثاً مفترى، وهكذا استحق، والعياذ بالله، النار حسب تحذير المصطفى .. “من كذب عليّ متعمداً فليتبوَّأ مقعده من النار”. (صحيح البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي )

ولكن هذا المجهول لم يأت بالحديث الذي افتراه، والعياذ بالله، سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود، على سيدنا محمد المصطفى ، ولن يستطيع ذلك أبداً، وإنما اقتبس عبارة من كتاب لسيدنا المهدي والمسيح الموعود للطعن فيها، والعبارة هي:

“.. وكذلك ورد في الأحاديث الصحيحة أن المسيح الموعود سوف يُبعث على رأس القرن، ويكون مجدداً للقرن الرابع عشر”. (ضميمة البراهين الأحمدية، ج 5، ص 359)

الواقع أن ما ذكره في هذه العبارة هو عبارة عن استدلال مبني على العديد من الأحاديث الصحيحة، وقد ذكر حضرته بعضها وبكل وضوح، على نفس الصفحات التي استرق منها هذا المجهول هذه العبارة. ولجلاء الحقيقة نقدم إليكم النص الكامل من الصفحة السابقة للعبارة. يقول حضرته :

“.. وكذلك قد ظهر مركب جديد قد أشير إليه في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، أعني مركب القطار الذي حل محل الإبل. فقد جاء في القرآن الكريم: (وإذا العشار عطلت) .. أي في ذلك الزمن الأخير سوف تُصبح إناث الإبل غير مستعملة. وكما ورد في حديث مسلم في شأن علامات ظهور المسيح الموعود: “وليتركُنَّ القِلاص فلا يُسعى عليها” .. أي عندئذ تصبح إناث الإبل غير مفيدة.. فلا يركبها أحد”. (ضميمة البراهين الأحمدية، ج 5، ص 358)

بعد قراءة هذا الكلام الصريح لن يصعب على القارئ المنصف أن يدرك أن المعترض (المجهول) قد حاول محاولة شنيعة لتزييف الحقيقة وتلبيس الحق، كما لن يوافق على قوله أن المهدي والمسيح الموعود قد افترى، والعياذ بالله، على النبي حديثاً وضعه من عنده.

ولتوضيح الأمر أكثر نذكر الحديث المشار إليه في المقتبس الآنف الذكر بكامله من صحيح مسلم:

“والله، لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، وليُتركن القلاص.. فلا يُسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليَدْعوَن (وليُدعَوُنَّ) إلى المال، فلا يقبله أحد”. (صحيح مسلم (مع شرح مختصر للنووي وترجمة أردية، ناشر خالد إحسان ببليكيشن، لاهور)، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً).

فما دامت هذه العلامات الدالة على نزول المسيح الموعود قد ظهرت على رأس القرن الرابع عشر ظهوراً قطعياً فقد تحققت بذلك الدعوى بأن المسيح سوف ينزل في القرن الرابع عشر طبقاً لما ورد في الأحاديث الصحيحة.

هذا، ولكي يفهم القارئ فحوى قوله هذا فهماً صحيحاً لا بد له من أن يعرف أنه كان يعتقد أن (المسيح الموعود) و(الإمام المهدي) اسمان لشخص واحد، وقد اعتبر حضرته هذين الاسمين، أو هاتين الصفتين مترادفتين، واستخدامهما مكان بعضهما البعض. واعتقاده هذا مبني، علاوة على أدلة أخرى، على حديث ابن ماجه القائل: “لا المهدي إلا عيسى ابن مريم” (سنن ابن ماجة، باب شدة الزمان).

أما فيما يتعلق بتحديد زمن ظهور المسيح الموعود فإنه إذا ثبت وتحدد زمن الإمام المهدي من الأحاديث الصحيحة (كما سيرى القارئ في السطور القادمة) فلا بد وأن يكون نفس الزمن هو زمن ظهور المسيح الموعود، إذ لا فرق بينهما، كما مر، بل كلاهما صفتان لشخصية واحدة.

ثم هناك عدد كبير من علماء المسلمين القدامى والعصريين ممن يعتبرون الإمام المهدي والمسيح الموعود شخصين منفصلين، ومع ذلك يعتقدون أن زمن ظهورهما واحد. إذن فالذين يفرقون بين المهدي والمسيح، ويؤمنون بنزول المسيح نزولاً مادياً هم أيضاً يعترفون أن نزول المسيح الموعود سوف يتم في زمن المهدي نفسه. إذن فالحديث الذي يعين زمن الإمام المهدي هو نفسه يعين زمن المسيح الموعود.

ولقد قام سيدنا حضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود أيضاً بنفس الاستدلال من حديث سيدنا المصطفى القائل:

“إن لمهدينا آيتين.. لم تكونا منذ خلق السماوات والأرض.. ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه.. ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض”. (سنن الدار قطني، باب صفة الخسوف والكسوف وهيئتهما).

وعلق عليه قائلاً:

“هذا الحديث من الدار قطني ذو فائدة كبيرة للمسلمين.. فإنه، أولاً، قد حدد القرن الرابع عشر لظهور المهدي المعهود على وجه القطعية، وثانياً، قد قدم على صدق وتأييد هذا المهدي آية سماوية لم يزل جميع أهل الإسلام يترقبون ظهورها منذ 13 قرناً.. إنني أستطيع أن أحلف بالله، واقفاً في الكعبة المشرفة، بأن هذه الآية قد حددت القرن.. ذلك أنه ما دامت هذه الآية قد ظهرت في القرن الرابع عشر تصديقاً لشخص، فثبت أن النبي لم يحدد لظهور المهدي إلا القرن الرابع عشر” (التحفة الجولروية، ص 56-57).

بعد قراءة هذه العبارة الصريحة لا بد أن يدرك القارئ سبب قول المسيح الموعود بأن الأحاديث الصحيحة تذكر أن القرن الرابع عشر هو زمن المسيح الموعود.

إذن فهذا الحديث أيضاً من الأحاديث الصحيحة التي تبنى عليها سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود استدلاله الذي لم يحدد فيه زمن ظهور المهدي المنتظر فحسب، بل أيضاً زمن المسيح الموعود. ولذلك كتب حضرته:

“حسب نبوة سيدنا المصطفى قد وقع الكسوف والخسوف في البلاد مرتين. وكان هذا من آيات على ظهور المسيح الموعود.” (ضميمة البراهين الأحمدية، ج 5، ص 358).

ومن البديهي أنه لما كان زمن ظهور الإمام المهدي هو نفس زمن ظهور المسيح الموعود فلا بد أن يكون علامة ظهور الإمام المهدي هي العلامة لنزول المسيح الموعود أيضاً.

وفيما يتعلق بقوله في صدد المجددية فهو أيضاً نوع من الاستدلال.. ذلك أن الذي هو إمام زمانه هو الذي يعتبر مجدد ذلك الزمان بالبداهة.. إذ كيف يمكن أن يكون الإمام المهدي والمسيح الموعود إماماً لزمنه في حين يكون مجدد ذلك الزمن شخص آخر؟؟

وعلاوة على هذا، فإن النبي قد سمَّى (المسيح الموعود) حكماً عدلاً، كما قرأنا في حديث مسلم. ومعناه أنه يحكم ويفصل فيما اختلف فيه المسلمون، ويزيل تلك الأخطاء التي تطرقت إليهم، والتي تُنسب خطأ إلى الإسلام ونبيه . وهكذا يُعيد للدين حياة جديدة، ويقيم الشريعة من جديد.

إذا لم يكن هذا تجديداً للدين فلا ندري ماذا يعني التجديد؟ إن كل ذي عقل سليم إذا قارن بين كلمة: “حكماً عدلاً” وبين كلمة: “من يُجدد لها دينها” فإنه لن يرى أي فرق بينهما من حيث المعنى، وإنما يعتبرهما مترادفتين.

وما دامت علامات (الحكم العدل) قد ظهرت في القرن الرابع عشر فلا بد وأن يكون هذا (الحكم العدل) هو المجدد لهذا القرن. إذ كيف يُعقل أن يكون المتربع على كرسي (الحكم العدل) شخص، بينما يقوم بالتجديد غيره.

أما المعاند الذي أعماه العناد وحرمه من نور البصيرة والتدبر في الكلمات لمعرفة مغزاها، والذي عادته التشبث بالقشر دون اللُّب، فلا بد وأن يصر على الرفض. أما نحن فنفوض أمره إلى الله، لأن هناك الكثير من أمثاله الذين كانوا دائماً يثيرون اعتراضات سخيفة كهذه ضد أنبياء الله المطهرين والأديان الحقة السماوية، ولن يزالوا يثيرونها إلى الأبد.

ألا ترى أن التشبث بظواهر الكلمات هو الذي جعل أعداء الإسلام المتشددين المتعصبين من اليهود والنصارى والآريين يؤلفون ملايين الكتب طاعنين في كتاب الله الذي لا ريب فيه والأحاديث النبوية الشريفة.

وإفحاماً لمثل هؤلاء المعترضين المتشبثين بظواهر الكلمات نقدم هذا الحديث النبوي ليرُدوا على سؤال هام.. والحديث هو: “.. قام رسول الله في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه.. ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه؛ إنه أعور، وإن الله ليس بأعور” (البخاري، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال).

فهل للمعترض المجهول المتشبث بالظاهر أن يخرج لنا، كما ذكر في الحديث صراحة، تلك العبارات التي أنذر بها هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، أقوامهم من الدجال، وخاصة أقوال أولئك الأنبياء الذين ذكرت أسماؤهم في القرآن، والذين لا تزال صحفهم باقية.

لا شك أن ذوي العقول السليمة سوف يجدون في طيات الصحف الأولى ما حذر به هؤلاء الأنبياء الكرام عليهم السلام، أقوامهم من زمن مخيف هو في الحقيقة زمن الدجال، وإن كانوا لم يستعملوا في تحذيرهم كلمة الدجال.

أعتقد أن جوابي هذا سوف يشفي غليل كل من هو من أهل التقوى، أما الذين حرموا من نعمة التقوى فلا نقول لهم إلا (سلاماً)  (التقوى)

Share via
تابعونا على الفايس بوك