أخبار الجماعة في باكستان

أخبار الجماعة في باكستان

رشيد أحمد شودري

قصة مثيرة لمسلم أحمدي مضطهد

مرزا مبارك أحمد نصرت.. شاب أحمدي، عمره ثلاثون عاماً، وله طفلان، كان واحداً من ضحايا المرسوم البغيض رقم 20 الصادر في أبريل 1984 على يد الدكتاتور الهالك ضياء الحق. اعتقلوه من صيدليته في مير بور خاص بإقليم السند، يوم 14/4/1989. رئيس مركز شرطة (تاندو آدم) وهو يدعى مقصود أحمد، مع جماعة من رجال الشرطة المسلحين هاجم محله في الساعة الحادية عشرة والنصف نهاراً، واعتقلوه ومضوا به. ورفضوا إعطاءه حقه في إبلاغ أسرته أو أصدقائه قبل الذهاب معهم. وكان الاتهام موجهاً إليه من أحد الملات الأشرار من أهل المنطقة، ويدعى أنه على صلة وثيقة بالدكتاتور الباكستاني الهالك: ضياء الحق.

وأصل القضية أنه عندما وجه حضرة إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية دعوته إلى أئمة المكفرين والمكذبين للجماعة.. بالدخول معه في دعاء المباهلة، أرسل مرزا مبارك نسخة من الدعوة في رسالة مسجلة إلى الملا حمادي، يحثه فيها على قبول الدعوة، وتفويض الأمر إلى الله تبارك وتعالى، ليحكم بين الفريقين، ويكشف للعالم من الصادق ومن هو في زمرة الكاذبين..

ورداً على ذلك، أرسل الملا حمادي بعض المطبوعات التي تضمنت شتائم بذيئة ضد مؤسس الحركة الإسلامية الأحمدية، وفيها الاتهامات القديمة عن عقائد الأحمدية، تلك الاتهامات الممجوجة المستهلكة التي طالما قدموها منذ نشأة الحركة الأحمدية في الإسلام.

ورد عليه مرزا نصرت قائلاً: كان ينبغي عليك قبول المباهلة، إن كنت صادقاً في اتهاماتك، بدلاً من إرسال هذه النشرات المسيئة، والتي بسببها وأمثالها أعلن حضرة إمام الجماعة دعوته للمباهلة. وأضاف: في السنوات الأخيرة دأب من يُدعون بالقادة الدينيين من أمثالك على نسبة معتقدات إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية لا أساس لها؛ وانهمكوا بتعضيد من الحكومة الباكستانية، في دعاية شريرة ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية. كان من الأنسب لك أن تقبل تحدي المباهلة، وتوقع على نشرتها، وتدعو صراحة وعلانية لاستنزال لعنة الله تعالى على الكاذبين، بدلاً من التملص مما عرض عليك. وعلى ضوء الظروف الحالية، ينبغي عليك إما أن:

1.تتعظ بآيات الله تعالى التي ظهرت تأييداً للجماعة الأحمدية، وتبدي شيئاً من الندم على ما قدمت يداك؛ أو

2.توقع على وثيقة المباهلة، وقد أرفقت لك نسخة ثانية مع رسالتي هذه، وتكون بذلك طرفاً ثانياً في تحدي المباهلة، التي طرفها الأول حضرة مرزا طاهر أحمد ممثلاً للجماعة الإسلامية الأحمدية كلها.

ولم يرض الملا حمادي عن هذا الرد المستقيم المباشر من أحمدي، وإنما حرر رسالة قذرة إلى مرزا نصرت، ورفع ضده قضية تحت المادتين 298 و295 مطالباً بعقوبة الإعدام ضد مرزا مبارك أحمد نصرت!

وفي مذكرة الدعوى كتب المولوي:

“أنا المفوض الإقليمي لاجتماع مجلس عمل ختم النبوة بالسند.. في التاسع من نوفمبر عام 1988، وفي الساعة الثالثة مساء، وصلتني رسالة بريدية مسجلة وبداخلها نشرة المباهلة الصادرة من مرزا طاهر أحمد. وفي مستهل هذه الرسالة كتب: بسم الله الرحمن الرحيم. نحمده ونصلي على رسوله الكريم، وعلى عبده المسيح الموعود. والتوقيع أسفل الرسالة: خاكسار مرزا مبارك أحمد نصرت. وعلى ظهر المظروف نفس الاسم والعنوان: ص.ب 2، إقبال نجر، مير بور خاص، السند. وقد بلغني بوسائلي الشخصية أن صندوق البريد المذكور لقادياني معروف يدعى دكتور صديق..ولما كان غلام أحمد قادياني وخلفاؤه وأتباعه كفاراً بحسب قانون الدولة، لذلك فإن مرزا مبارك أحمد نصرت إذ صلى على النبي الكريم ، وصلى في نفس الوقت على كافر.. يكون قد ارتكب إثم قول مسيء للنبي الكريم ، يعاقب مرتكبه بالمادة 295 (C)، من قانون العقوبات الباكستاني.

وبكتابة بسم الله الرحمن الرحيم، ونصلي على رسوله الكريم، وعلى عبده المسيح الموعود، وبإرسال تحدي المباهلة المنسوب إلى مرزا طاهر أحمد يكون المذكور قد عرض نفسه كمسلم، فجرح مشاعري الدينية، ويكون بذلك قد ارتكب مخالفة للمادة 298 (C)، من قانون العقوبات الباكستاني”.

يقول مرزا مبارك نصرت:

يبعد مركز شرطة (تاندو آدم) حوالي 60 ميلاً من مير بور خاص. وصلنا هناك الساعة الرابعة والنصف مساءً. وهناك سلب ضباط المركز مني مبلغ 275 روبية، هي كل ما كان معي من النقود وقتئذ. ثم ألقاني في زنزانة الحجز. وكان فيها أربعة مسجونين آخرين، ومساحتها تبلغ 9 على 8 أقدام تقريباً. وليس بها من تجهيز لدورة المياه سوى ساتر صغير في أحد الأركان. كان المكان كله منتناً، ولا يأتي مسؤول المرحاض سوى مرة واحدة في اليوم ليلقي قليلاً من الماء لغسل النفايات. أما ماء الشرب ففي وعاء من الطين موضوع في العراء بلا غطاء؛ وعلينا أن نحصل على الماء من خلال القضبان الحديدية. والإناء خال من الماء في معظم الوقت، ولا بد من الاستجداء لنيل رشفة من الماء.

أمرتنا الشرطة أن نبتاع طعامنا بأنفسنا. ولما أخبرتهم أنهم قد صادروا نقودي، أعادوا إلي 75 روبية فقط.

وفي التاسعة من صباح يوم 15 يناير جاء الملا حمادي مع بعض زملائه ليراني مسجوناً في زنزانة الشرطة. كنت هادئاً تماماً، أشغل وقتي بذكر الله تعالى والتماس عونه. رآني أحد الملات أؤدي الصلاة بعد الظهر فاشتعل غيظه، وشكاني للشرطة، فجاءني أحدهم وأرعد نحوي بلغة بذيئة للغاية: أيها القادياني، إنك تسبب الإزعاج حتى في السجن. انظر! أنت كافر، ولا حق لك في الصلاة. توقف عنها وإلا سجلنا ضدك قضية أخرى. ثم كلف واحداً منهم لمنعي من الصلاة. وبعد ساعة حضر ضابط المركز، وبدوره وبخني بسبب أدائي الصلاة.

ومثلت أمام المحكمة يوم 15/1 فقررت استمرار حبسي لخمسة أيام أخر. وحضرت بعدها ويدي في القيد، بينما المسجونان الآخران بلا قيود. وسأل بعضهم مشيراً نحوي: لماذا قدمتموه في القيد؟ فقال الشرطي: هذه قضية الملا حمادي. ثم أرسلت إلى سجن (تاوند آدم) ووضعت في ثكنة بها 16 مسجوناً. سألني من فيها عما انتهى بي إلى السجن، فلما أوضحت لهم أني أحمدي أصابهم الغضب؛ وجاءوني بمطبوعات بذيئة من تصنيف أعداء الجماعة، تتضمن مزاعم لا أساس لها ضد الأحمدية، بعث بها إلى السجن الملا حمادي. وأخذ كل واحد من المسجونين يثير الاعتراضات ضد الجماعة. ولما هدأوا بعد 15 أو 20 دقيقة، حاولت أن أناقشهم بالعقل وأكشف لهم الحقيقة، وأخبرتهم عن عقائدنا. اقتنع كثير منهم ووافقوا على السماح لي بأداء الصلاة وقتما أشاء.

هنا، حذروني قائلين: إياك وإثارة المتاعب وإلا..!

وضعوني في ثكنة مع 18 مسجوناً، منهم رجال العصابات والقتلة وقطاع الطرق ومهربي المخدرات. ولما علم هؤلاء بأني من الأحمديين أحدثوا كثيراً من الهياج، وأظهروا لي الكراهية الشديدة، ورفضوا السماح لي بالجلوس أو الأكل معهم. عزلوا أدواتي ووسموها حتى لا يلمسوها بأيديهم. ومضى الحال على ذلك ولكني في النهاية كسبت بعضهم إلى صفي بالتدريج بعد أن شرحت لهم عقائدنا الأساسية وبينت لهم أنها كعقائدهم. قلت لهم إننا نؤمن بالكلمة الطيبة، (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، والصلاة اليومية والزكاة والصوم والحج كما يفعلون. وقد اهتم بعضهم بالأحمدية كثيراً وشرعوا يصلون معي.

بعد أيام نقلت إلى سجن شهدادبور، ويبعد 15 ميلاً. هددني السجان وهيئة السجن بأوخم العواقب إذا حاولت أي عمل مزعج. كنت قد قضيت بالسجن شهراً ونصف شهر عندما بلغني أن قضية أخرى قد أقيمت ضدي.. بسبب أداء الصلاة بالسجن. لقد شكاني الملا الشرير قائلاً:

“يوم 15/1/1989 في الساعة الثالثة مساء، توجهت إلى مركز الشرطة لمقابلة الضابط المسؤول، وضابط التحقيق السيد مقصود أحمد، وذلك بشأن القضية الخاصة بمرزا مبارك أحمد نصرت، الذي بمقتضى المادتين 298 (C)، و295 (C).وبينما كنا في مركز الشرطة، رأينا بأعيننا من خلال القضبان الحديدية للسجن.. مرزا مبارك أحمد نصرت وهو يؤدي الصلاة في اتجاه بيت الله الشريف، وكان يركع ويسجد. وطبقاً للمرسوم المناهض للأحمدية، المادة 298(C)، لا يسمح لقادياني أن يتظاهر بأنه مسلم بطريق مباشر أو غير مباشر. وقد صلى السيد مرزا مبارك أحمد نصرت كما يصلي المسلم، وقد شاهدته هيئة الشرطة جميعهم وهو يصلي. لذلك أرجو منكم تسجيل قضية أخرى تحت المادة 298 (C)، ضد المتهم لأنه جرح مشاعرنا نحن المسلمين”.

وهكذا أخذوني للمحكمة لأواجه تهمة جديدة. وبعد المحاكمة بينما كنا ننتظر في موقف الحافلات بمدينة شهدادبور، ظهر الملا حمادي وأخذ يشتمني بألفاظ بذيئة جداً. وصاح في رجال الشرطة قائلاً: “ملكني هذا الحقير في يدي، سأشق بطنه. ألا تعرف أنه يهين النبي الكريم. إنه يستحق القتل. لا تتساهل معه”.

واجتمع الناس على صياحه، فشرع يخطب فيهم محاولاً تحريضهم عليَّ. وأحس الشرطة المسؤولون عن حراستي بالقلق على سلامتي. وفجأة ظهر شرطي مرور، نصح حراسي باصطحابي بعيداً خشية أعمال العنف. ولحسن الحظ أن الحافلة أقبلت فركبناها وعدنا إلى السجن سالمين.

واظبت على تبليغ رسالة الأحمدية إلى رفاق السجن. وأخيراً، تقبل الله دعائي، وأخبرني أحد زملائي المسجونين صبيحة أحد الأيام أنه رأى مناماً وأنه يود دخول الأحمدية.. وفي اليوم التالي كتبت رسالة إلى حضرة إمام الجماعة باسم زميلي طلباً للبيعة.

وفي 16/4 قبلوا طلب الكفالة، وأطلقوا سراحي من السجن يوم 17/4 بعد دفع كفالة مالية قدرها 200000 روبية.

وفي أحد رسائله التي كتبها من السجن إلى عمه مرزا محمود أحمد، المبلغ الإسلامي الأحمدي في برمنجهام بالمملكة المتحدة قال:

“اليوم هو السابع عشر من أيامي بالسجن، أيام تأتي وتذهب. والحياة هنا رهيبة. أرجو أن تدعو من أجل خلاصي من هذه التجربة. إن نظر والدي قد تدهور حتى أنه يكاد لا يرى، وأشعر بألم من أجله..الساعة الآن السادسة مساء. كل ما حولي قضبان حديدية مرتفعة، وبوابات موصدة بأقفال ضخمة تتدلى منها. المكان كله موحش بغيض. أرجو أن تدعو لي ولسائر السجناء في سبيل الله”.

من المحزن أن والده، مرزا عبد الحميد توفي يوم 17/5/1989 بعد الإفراج عن ابنه من السجن بشهر واحد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك