اليهود والمسلمون ونقطتا التشابه
  • ماذا كان الوعيد الأول لبني إسرائيل؟
  • هل توعد الله تعالى المسلمين بوعيد مماثل؟ كيف؟
  • ثم على يد من تحقق الوعيد الثاني لهم؟
  • وأي توعد ناظره في حق المسلمين؟
  • كيف يمكن التوفيق بين حتمية مواعيد الله تعالى ونصره المؤمنين؟
__
فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (الإسراء 104)

التفسير:

أي كان فرعون يريد أن يطردهم من الأرض أذلاءَ صاغرين، ولكنه غرق بنفسه. إن أهل الكتاب أيضًا تآمروا مع الكفار ضد الرسول حين جعلوه يخرج لمحاربة جيوش قيصر، ولكن الله تعالى خيّب كيدهم بفضله، حيث رجع النبي من تبوك معافًى معزَّزًا (تاريخ الخميس: الجزء الثاني، غزوة تبوك).

وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إسْرَائِيــــــــلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعــــــــْدُ الْآخِرَةِ جِئـــــْنَا بِكُمْ لَفِـــــــيفًا (الإسراء 105)

شرح الكلمات:

لفيفًا: لَفَّه: ضمَّه وجمَعه. لفَّ الشيءَ بالشيء: ضمَّه إليه ووصَله به. لفَّ الكتيبتَين: خلَط بينهما في الحرب. اللفيف: المجموعُ؛ ما اجتمع من الناس من قبائل شتَّى (الأقرب).

التفسير:

اعلم أن «الأرض» في قوله تعالى اسكُنوا الأرضَ لا تعني بلادَ مصر، لأن بني إسرائيل لم يقيموا بعد ذلك في مصر، وإنما المراد منها الأرض المعهودة في ذهنهم.. أي بلاد كنعان التي وُعدوا بها.

إن للنبي فضلاً على موسى من هذه الناحية أيضًا، ذلك أن الأرض التي نالها موسى لم تكن ملك مصر نفسها، وإنما أرضًا بديلة عنها؛ ولكن الرسول قد نال الأرض التي هي وطنه، إضافةً إلى بلاد الأعداء.

أما قوله تعالى فإذا جاء وعدُ الآخِرةِ جئنا بكم لَفِيفًا فيعني اذهبوا الآن إلى كنعان، ولكنكم ستضطرّون للخروج منها بعد فترة من الزمن، ثم يعيدكم الله إليها بعد حين تارةً أخرى، ولكنكم ستعصون الله ثانيةً ليحلّ بكم العذاب تارة أخرى، وعندها ستبقون في المنفى إلى أن يحين زمنُ تحقُّقِ نبأِ الدمار الثاني للأمة التي هي جُعلتْ مثيلةً للأمة اليهودية، وعندها ستُحشَرون من شتى البلاد إلى الأرض المقدسة.

تؤكد هذه الآية أنه كما ورد في مستهلّ هذه السورة النبأُ عن دمارَين يحلان ببني إسرائيل، كذلك هناك نبأ مماثل يتعلق بالأمة المسلمة التي جُعلت مثيلة للأمة الإسرائيلية، كما جُعل الرسول مثيلاً لموسى. والدليل على ذلك هو أن هذه السورة تحدثت في بدايتها عن وعدينِ لبني إسرائيل، وكلاهما عن العذاب، وقد تحقّق أحدهما على يد الملك البابلي نبوخذنصر، وثانيهما على يد الملك الرومي تيطس Titus (رَاجِعْ تفسير أوائل هذه السورة). وليس في هذين الوعدين أيُّ ذكر عن جمع الإسرائيليين مرة أخرى، وإنما ينبِّئان عن تشريدهم. ولكن هذه الآية تنبئ أنه لدى تحقق الوعد الآخر سيؤتى بهم إلى الأرض المقدسة مرة أخرى؛ مما يعني أن الوعد الآخر هذا هو غير الوعد المذكور من قبل- والمسمى أيضًا بـ وَعْد الآخرة – وأن معه وعدًا آخر هو الوعد الأول. ولو أمعنّا النظر في القرآن الكريم لما وجد فيه هذين الوعدين إلا على النحو التالي: إن سيدنا محمدًا رسولَ الله مثيلٌ لموسى ، وأن سورة الفاتحة تتضمن نبأً أن فريقًا من الأمة المسلمة سوف يتّبعون سُنن أهل الكتاب؛ وبالربط بين هذين الأمرين نستنتج أن هناك وعدين لعذاب المسلمين أيضًا مرتين كما كان ثمة وعدان لعذاب بني إسرائيل مرتين، وأن الوعد المشار إليه في قوله تعالى وعدُ الآخرة يعني العذاب الثاني للمسلمين، حيث أخبر الله تعالى اليهودَ أنه لما يحين موعد العذاب الثاني للمسلمين وتخرج الأرض المقدسة من أيديهم لفترة من الزمن سوف يأتي الله بكم إلى هذه البلاد مرة أخرى.

وبحسب نبأِ القرآن الكريم، فإن دمار المسلمين الثاني كان سببًا في عودة اليهود إلى الأرض المقدسة تارةً أخرى.

وبالفعل هذا ما حدث. فكما أن الأرض المقدسة خرجت من أيدي اليهود في زمن نبوخذنصر لأول مرة، كذلك خرجتْ من أيدي المسلمين إبّانَ الحروب الصليبية (راجِعْ تاريخ القدس لعارف باشا، باب: القدس وحملات الصليبيين). وكما تم نفي اليهود من الأرض المقدسة بعد ثلاثة عشر قرنًا من زمن موسى .. أعني بعد حادث صلب المسيح الذي مات عندها في الظاهر بالنسبة لأهل هذه البلاد، كذلك تمامًا – بعد انقضاء نفس الفترة الزمنية على وفاة النبي – قُضي في عصرنا هذا على حكم المسلمين في الأرض المقدسة مرة أخرى. وبحسب نبأِ القرآن الكريم، فإن دمار المسلمين الثاني كان سببًا في عودة اليهود إلى الأرض المقدسة تارةً أخرى.

ورد في فتح البيان في تفسير هذه الآية: «وقيل: أراد بـ وعد الآخرة نـزولَ عيسى من السماء.» (فتح البيان، والقرطبي). وهذا القول أيضًا يؤيد رأيي.

وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (الإسراء 106)

التفسير:

لما كان النبأ المتعلق بقوم موسى يتضمن نبأً أن أمة النبي أيضًا ستواجه وقتًا صعبًا مرتين، لذا جاءت هذه الآية تأييدًا لهذا المعنى مؤكدةً أن هذا النبأ سيتحقق حتمًا.واعلم أن هذه الآية تُبطل – ضمنيًّا – زَعْمَ الذين قالوا أن الشيطان كان يتدخل فيما نـزل على النبي من وحي الله تعالى. ذلك أنه تعالى يعلن هنا أننا بالحق أنـزلنا القرآنَ كما أنه بالحق نـزل على محمد؛ فما دام القرآن قد وصل إلى الرسول بالحق فلا مجال لتدخُّل الشيطان فيه.

وقال الله تعالى في المقطع الأخير: قد أرسلناك أيضًا بشيرًا ونذيرًا مثل موسى، فكما أن قومه حققوا الازدهار سيحقق قومك الازدهار، وكما أن أعداءه هلكوا سوف يهلك أعداؤك أيضًا.

وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (الإسراء 107)

شرح الكلمات:

فرَقْناه: فرَق بينهما: فصَل أبعاضَهما. فرَق له عن الشيء: بيَّنه (الأقرب). وقوله تعالى وقرآنًا فرَقناه يعني بيّنّا فيه الأحكامَ وفصّلناه. وقيل: فرَقناه أي أنـزلناه مفرَّقًا (المفردات).مُكْث: مكَث يمكُث مُكْثًا: لَبِثَ؛ رَزَنَ (الأقرب).

المُكْث: ثباتٌ مع انتظار (المفردات).

التفسير:

قوله تعالى وقُرآنًا فرَقناه يعني: أنـزلناه أجزاء مفرَّقة. ذلك أن آيات من شتى سور القرآن كانت تنـزل في فترة واحدة، كما أن بعض السور الأسبق نـزولاً كانت تدوَّن لاحـقةً للسور المتأخرة نـزولاً، والعكـس أيضًا صحيح؛ وكان الاعتراض على نـزول وتدوين القرآن الكريم بهذا الشكل أمرًا واردًا، فدحَضه الله تعالى بقوله لتقرَأه على الناس على مُكثٍ .. أي أنزلناه بهذا الشكل كيلا تصاب بالقلق والاضطراب عند القراءة.

والحق أن هذا رد مفحم جدًّا! ذلك أن خطاب الرسول كان موجهًا إلى نوعين من الناس: النوع الأول هم أولئك الذين خوطبوا خطابًا مؤقَّتًا، وهم الكفار في زمنه ؛ والنوع الثاني هم أولئك الذين كان الخطاب موجهًا إليهم بشكل دائم، وهم المؤمنون والذين سيأتون فيما بعد. وكانت القضايا ذات الصفة الدائمة تتطلب ترتيبًا للقرآن الكريم مغايرًا للترتيب الذي تقتضيه الحاجاتُ المؤقَّتة، ذلك أن السور التي كانت تستحق أن يتأخر نزولها بسبب الحاجات ذات الصبغة الدائمة، كانت الحاجات الطارئة – في الوقت نفسه – تتطلب نزولَ تلك السور فوًرا؛ وكذلك كانت الظروف تتطلب بيانَ مضامين معينة لسورةٍ واحدة قبل ذكر مضامينها الأخرى. فلو لم تُراعَ الحاجات المؤقتة ما استطاع المسلمون الردَّ على مطاعن الكفار لسنوات عديدة، كذلك لو لم تتم مراعاة القضايا الدائمة الصفةِ لما كان القرآن نافعًا في المستقبل.

فالله تعالى يوضح هنا أنه أنـزل القرآن على أجزاء مفرَّقة وفقًا للحاجات الطارئة، فأحيانًا عجّل نـزولَ ما هو متأخر من حيث التدوين، كما فعل العكسَ أيضًا؛ ثم أمر بتدوينه بترتيب آخر سدًّا للحاجات التي هي ذات صبغة دائمة. وقد أشار الله إلى ذلك في موضع آخر أيضًا بقوله إن علينا جَمْعَه وقرآنَه (القيامة: 18).. أي لم يُرتَّب القرآن نهائيًا بعد، بل سنعيد ترتيبه على شكل نهائي بعد اكتمال نـزول هذه الأجزاء المتفرقة من الوحي، ليُقرَأ عندئذ وفقًا لذلك الترتيب.

لقد ردّ الله بهذه الآية على من قد يعترض قائلاً: كيف يمكن أن تتضمن سورة الإسراء الردَّ على قضايا ذات صلة بالسور النازلة بعد سورة الإسراء؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك