في عالم التفسير

(من تفسير سورة الكهف للجماعة الإسلامية الأحمدية)

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (الكهف: 11)

المفردات: رَشَدٌ هي المصدر من رَشِدَ كما أن رُشْدٌ هي المصدر من رَشَدَ. رَشَدَ تعني سلك طريقًا قويمًا في شؤونه، بلغ رشده أي بلغ السن الذي أصبح فيه قادرًا أن يتصرف بأموره ويتخذ لنفسه الطريق الصحيح. يقول البعض إن رشدًا تتعلق بأمور هذه الحياة والحياة الأخرى ورشدٌ تتعلق فقط بأمور الحياة الأخرى، لكن هذا التمييز لا يتفق مع التعبير العربي (لين، أقرب الموارد، مفردات).

التفسير:

تشير الآية إلى أن أصحاب الكهف قد دعوا ربهم طالبين الرحمة والنجاة من الحالة الصعبة التي كانوا فيها.

فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (الكهف: 12-17)

المفردات: ضرب لها معان شتى، يقال ضرب على يده أي منعه من عمل قد شرع به، ضرب على أذنه منعه من السمع. “ضربنا على آذانهم” إذا تعني منعناهم من السمع، كذلك تعني أنمناهم بحيث منعنا وصول أي صوت إلى آذانهم مما قد يسبب لهم الايقاظ.

أمَدًا: مشتقة من أمد يقال ضرب له أمدا يعني حدد وعين له وقتا، بلغ أمده يعني وصل إلى أو حصل على منتهى حد أو أقصى مجال، أمدٌ تعني وقت وزمن بالنظر إلى آخره ومنتهاه، أبعد أو أقصى حد أو زمن أو مدى نقطة أو هدف، مدة الحياة التي عاشها الإنسان، الحدين من حياة البشر وقت ولادته ووقت وفاته، المبتدأ والمنتهى (كما في سباق الخيل) أي فترة من الزمن، فترة من الزمن لا يعلم حدودها، زمن خاص. والفرق بين أمد وزمان هو بينما تعني زمان وقتًا باعتبار آخره فإن أمدًا تعني وقتًا باعتبار بدايته ومنتهاه. كذلك الفرق بين أمد وأبد بينما تعني أمد وقتا محدودا فأبد تعني وقتا دائما لا نهاية له، يقول العرب الدنيا أمد والآخرة أبد بمعنى أن هذه الدنيا محدود أجلها لكن الآخرة دائمة الأجل (لين وأقرب الموارد ومفردات).

التفسير:

لغويًا تعني الآية (12) منعنا وصول أي صوت إلى آذانهم أي ظلوا منقطعين عن العالم الخارجي كلية وإلى مدة من السنين دون أن يعلموا بما يجري. والآية (13)- كان في المسيحيين الأوائل حزبان. الحزب الأول: أولئك الذين لم يرغبوا في التنكر لدينهم ولم يساوموا أهل الكفر والوثنية، ولذلك تحملوا الاضطهاد بسبب معتقداتهم برباطة جأش وصبر.

والحزب الثاني: أولئك الذين رأوا في الحيطة والحذر أفضل شجاعة فأخفوا دينهم وبذلك نجوا من الاضطهاد. والفريق الذي قاسى أكثر هم الذين كانوا أقرب إلى معرفة المدة التي اضطهدوا فيها من الفريق الذي لم يلاق ما لاقوا من الاضطهاد. نعم هكذا يحدث في زمن كل نبي، إن الجماعة التي تؤمن بالنبي قد تنقسم إلى قسمين، قسم يعرف ويقدر زمن نبيه ويبقى محافظا على تعاليم نبيه ومتمسكا بالمبادئ، ويضحي في سبيل عقيدته، وقد يضطر إلى الهجرة عن وطنه وأهله، وقسم يفضل البقاء مع الكفار على أمل الحصول على منفعة مادية حتى ولو اضطر إلى التخلي عن عقيدتهم ظاهريا، ولو أنهم ما زالوا متمسكين، كما حدث ذلك في زمن النبي ، حيث فارق الصحابة رضوان الله عليهم أوطانهم وأقاربهم، وهاجروا إلى الحبشة والمدينة، وبعضهم لم يهاجر، والقرآن الكريم يمدح المهاجرين ويذم الذين لم يهاجروا.

تظهر الآية (14) أنه كانت تروج قصص غريبة كثيرة عن أصحاب الكهف زمن النبي ولكنها لم تكن صحيحة. والآن يسرد القرآن المجيد القصة الحقيقية. والحقيقة أنهم فتية ذو سيرة طيبة نبيلة، قدموا كل ما لديهم لأجل ربهم، وأن عقيدتهم نمت وازدادوا هدى باستمرار تحت الظلم والاضطهاد. والحق أن الشبان هم الذين يخدمون دين الله الحق أكثر من غيرهم في كل زمن، كما نرى في زمن النبي أن معظم الذين آمنوا به كانوا أصغر منه سنًا.

وقد يكون المراد من “فتية” جماعة خاصة من الشبان من بين جماعات مختلفة خلال مدة 300 سنة التي قدمت فيها التضحيات لأجل ربها أكثر من غيرها وبصورة بارزة. وقد يكون المراد من الفتية كل فتى نبيل طيب من المسيحيين الذي صبر على الإيذاء، وتمسك بالعقيدة، وقدم التضحيات لأجل ربه خلال مدة 300 سنة زمن الاضطهاد، وهذا المعنى أرجح، والله أعلم.

الآية (15) ربط الشيء أي أوثقه وشدّه، ربط جأشه أي اشتد قلبه. ربط الله على قلبه صبّره (الأقرب) “ربطنا على قلوبهم” معناه شددنا قلوبهم أي شددنا قلوبهم لتحمل الإيذاء والصبر عليه. ورغم أن قومهم كانوا ضدهم وعذبوهم بلا هوادة، لكنهم لم ينحرفوا عن معتقداتهم، وقد أعانهم الله تعالى بالصبر وثبت قلوبهم ومنحهم الإخلاص لعقيدتهم والتمسك بها.

كلمة شطط تعني مجاوزة القدر والحد، تباعد عن الحق، الافراط (الأقرب) “لقد قلنا إذًا شططا” أي لقد قلنا إذًا الشيء الذي هو بعيد من الحق والصدق.

الآية 16: السلطان: أي الحجة والبيان، تعني الواضح والجلي. تُظهر الآية باستعمال كلمة “قومنا” أن القوم الذين انتمى إليهم أهل الكهف كانوا عبدة الأوثان، وهكذا كان الرومان وقتها من عبدة الأوثان.

الآية 17: تُلقي هذه الآية الضوء على الحقيقة أن هؤلاء الفتيان الموحدين لم يكونوا أفرادًا مشتتين بل كانوا جزءًا من جماعة دينية منظمة يجتمع أعضاؤها بين الحين والآخر على انفراد. وكلمة “الكهف” هنا تُظهر أن هؤلاء الفتية كان ببالهم كهف معين معلوم عندما فكروا بالالتجاء إلى الكهف. ويبدو أن هذا الكهف كان يلجأ إليه العبيد الرومان الهاربون من سادتهم الظالمين.

كذلك يظهر من الآية أن أولئك الفتية قبل التجائهم إلى الكهف كانوا قد قرروا بأن يلتجئوا إلى ذلك الكهف المعين، عندما يزداد الاضطهاد ولم يعد لهم طاقة به ويصبح من المستحيل عليهم العيش مع قومهم. واللفظ “وإذا اعتزلتموهم” يظهر أنهم كانوا ضحية مقاطعة اجتماعية صارمة، وبأنهم عاشوا كجماعة منفصلة وفي معزل من قومهم.

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (18)

المفردات: تزاور هي حقيقة تتزاور وهي مشتقة من زار، يقولون زاره أي ذهب لزيارته، ازوَّر عنه أو تزاور عنه تعني عدل عنه وانحرف.

يقرض: مشتقة من قرض، يقولون قرضه أي قطعه، قرض الوادي جاوزه، قرض المكان عدل عنه وتنكبه، فلفظ القرآن “وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال” يعني عندما تغرب الشمس تتركهم إلى ناحية الشمال، تمر بهم أو تجتازهم تاركة إياهم إلى الشمال، تتحول عنهم أو تبتعد عنهم إلى ناحية الشمال.

الفجوة: الفرجة بين شيئين، ما اتسع من الأرض، ساحة الدار. المرشد معناه الهادي، أرشده هداه وأوصله إلى منزله (لين، أقرب الموارد)

التفسير:

تصف هذه الآية موقع الكهف. ويظهر أن القوم المشار إليهم هنا قد عاشوا في مناطق بعيدة جدًا نحو الشمال، وأن باب الكهف كان يفتح نحو الشمال الغربي لأن الشمس تمر بالمكان الذي اتجاهه نحو الشمال تمر به من اليمين إلى الشمال. وكلمة “فجوة” أي هوة واسعة تُظهر أن الكهف كان يغطي مساحة كبيرة. وإن وضع المغارات (كتاكومز) التي لا تزال موجودة في روما حتى يومنا هذا يؤيد هذه النظرية.  فهذه المغارات تغطي مساحة هائلة تقدر بنحو 870 ميلا كذلك يظهر أن هذه المغارات قلما يصل إليها النور، فقد صممت كي تكون مخبأ. يقول القديس جرومي الذي زار هذه المغائر في القرن الرابع “أنها مظلمة إلى حد أن ما قاله النبي في المزامير 55: 15 يبدو وكأنه تحقق حيث قال: لينحدروا إلى الهاوية أحياءً. ثم إن النور لا يدخل هذه المغائر إلا نادرًا لأجل التخفيف من رهبة الظلام، ولا يدخل هذا النور من خلال نافذة بل من ثقب صغير. (الموسوعة البريطانية الطبعة 11 مجلد 5 ص 491)

بالإشارة إلى موضع الكهف الذي كان اتجاهه نحو الشمال أراد الله تعالى أن يحذر المسلمين بأن لهم عدوًا في المناطق الشمالية، وعليهم أن يحتاطوا لأنفسهم منه. وقوله “من يهد الله فهو المهتد” يعني: يفهم هذه الإشارة من يرشده الله تعالى إليه. ولكن المسلمين لم يعبأوا بهذا التحذير فوقعوا ضحايا رخيصة لمكر أعدائهم، وبدل أن يقفوا جبهة متراصة اختلفوا فيما بينهم، ومكنوا هذا العدو منهم. إن مؤامرات العباسيين في بغداد وطلبهم العون من الإمبراطورية البيزنطية في القسطنطينية وما انطوى عليه من المهانة من ناحية ومؤامرات الموريين في اسبانيا مع الفاتيكان من ناحية أخرى أدى إلى انحطاط المسلمين المستمر ودمارهم المحتم. إن التضامن الإسلامي لاقى ضربة قاضية من جراء هذه النزاعات الداخلية. إن لله وإنا إليه راجعون.

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (19)”

المفردات: أيقاظ: جمع يَقِظ ويَقُظ ويقظان، وهي مشتقة من يقظ معناها استفاق، وقام، لم ينم، وتنبه للأمور، وحذر وفطن.

رقود: جمع راقد هي مشتقة من رقد ومعناها نام، يقال رقد عن الأمر يعني امتنع أو تراجع عن الأمر أو أهمله، رقدت السوق يعني سكنت وأصبحت مملة.

وصيد: مشتقة من وصد يقال وصد المكان يعني لزم البيت، أوصد البيت أغلقه، وصيد معناها مكان واسع أمام البيت، العتبة أو مدخل، بيت كالحظيرة يتخذ من الحجارة للمواشي في الجبال، الجبل، النبات المتقارب الأصول، الضيق المطبق. (لين، أقرب الموارد)

التفسير:

لا تشير الآية إلى أهل الكهف في أول عهد النصرانية، بل إلى الشعوب المسيحية زمن النبي وقد حذر الله المسلمين في ذلك الوقت أن الشعوب المسيحية القاطنة في المناطق الشمالية كانت في حالة سبات لكن هذه الشعوب ستنهض قريبًا من سباتها العميق الذي ظلت فيه قرونا، وستنتشر وتتسلط على جميع أطراف العالم، مما يتوجب على المسلمين أن يستعدوا لأنفسهم قبل ذلك الوقت لحماية أنفسهم من هذا الهجوم الكاسح. لكن المسلمين ألقوا بهذا التحذير أدراج الرياح، وبعد مقتل سيدنا عثمان مزقتهم الخلافات، ولم يعوا الخطر الذي كان ماثلاً أمامهم في الإمبراطورية البيزنطية وعلى مقربة منهم ولو هاجمها المسلمون واحتلوها، وكان لديهم مبرر شرعي لذلك لأن الروم كانوا أول من هاجم العرب، لأصبحت خارطة العالم السياسية غير ما هي عليه اليوم.

ولفظ “كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد” يشير إلى ولع هذه الشعوب المسيحية بالكلاب ويمكن أن ينطبق هذا اللفظ أيضًا على الإمبراطورية البيزنطية التي كانت تحرس أوروبا على جانبي بحر مرمرة، هذا البحر الذي يشبه الكلب الحارس الذي تمتد يداه إلى الأمام على الجانبين. لقد احتل الأتراك هذه البلاد في القرن الخامس عشر، لكن ذلك الاحتلال كان متأخرا لأن يقظة سياسية عظيمة كانت قد نشأت بين الشعوب المسيحية في المناطق الشمالية وقتها. ولو أن الموريين والعباسيين تعاونوا وهم في أوج قوتهم لأجل إخضاع وكسر شوكة هذه الشعوب لانتشر الإسلام في هذه المناطق ولنجت البشرية من كثير من المآسي وسفك الدماء.

ولفظ “لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا” يشير إلى الزمن الذي ستحصل فيه هذه الشعوب على القوة. ومعلوم أنه حتى الزمن الأخير كان يتمتع مواطنو هذه الدول الغربية باحترام زائد ويخشاهم الناس في جميع بلدان العالم. هذه الحقيقة فيها برهان على أن القرآن المجيد من الله تعالى، وأنه أنبأ عن هذه التطورات قبل سنين وفي وقت كانت فيه الشعوب المسيحية غارقة في سياستها، ولم يكن يدور في خلد إنسان أو مخيلة أحد أن تصل هذه الشعوب إلى هذه العظمة التي وصلوا إليها.

وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (20)

المفردات: “أيها أزكى طعاما” تعني حلالا لا يستوجب عقابه، الطعام: اسم ما يؤكل. وقد غلب الطعام على البُرَّ وربما أطلق على الحبوب كلها.

الرزق: ما ينتفع به ولما يصل إلى الجوف فيتغذى. تلطف بفلان: احتال له حتى اطلع على أسراره (أقرب الموارد، مفردات)

التفسير:

الكلام في هذه الآية كما في الآية السابقة ليس عن المسيحيين الذين التجأوا إلى الكهف، بل عن الشعوب المسيحية الغربية بعد انتشارها في مختلف أقطار العالم. واللفظ “بعثناهم” يشير إلى التقدم العظيم الذي كان مقدرًا لهذه الشعوب أن تصل إليه. ومن المميزات الخاصة لأسلوب القرآن الكريم أنه يستعمل صيغة الماضي للدلالة على الحوادث التي ستقع في المستقبل، وذلك ليؤكد حتمية وقوعها كقوله تعالى في سورة النحل أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ، فلفظ “بعثناهم” يعني أن اليوم آت لا محالة عندما سيحدث الله في هذه الشعوب النائمة يقظة ونهضة. والعبارة “قال قائل منهم كم لبثتم” تدل على أن الشعوب المسيحية ستبدأ تشعر أن الوقت قد حان ليتحركوا ويخلعوا عن أنفسهم ذلك النوم العميق. إن هذه اليقظة قد ظهرت زمن الصليبيين عندما اتحد ملوك بريطانيا وألمانيا وفرنسا ومن ورائهم أوروبا بأسرها وقاموا بهجوم مدبر على المسلمين لاحتلال الأراضي المقدسة من أيديهم. ولفظ “يومًا أو بعض يوم” لا يعني أن أهل الكهف على علم أكيد بالمدة التي قضوها في النوم. وبحسب الاصطلاح العربي يدل هذا التعبير على زمن طويل وغير محدود، وقد استعمل هذا الاصطلاح في القرآن المجيد كقوله تعالى للكفار كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ فأجابوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (المؤمنون: 114)، والمراد منه إننا لبثنا زمنا غير معين. وقد حدد القرآن الكريم في مواقع أخرى الفترة التي قضتها هذه الشعوب المسيحية في نوم أو ركود بألف سنة. يقول تعالى يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (طه: 103-104)، فلفظ عشر هنا يدل على عشرة قرون والكلمة زرقا تشير بوضوح إلى شعوب الغرب ذات العيون الزرق بوجه عام، وكان العرب يسمون الرومان بأزرق، ويستعمل الأزرق بمعنى العدو (أقرب الموارد). قد يسأل البعض أن هذه الآيات تذكر عن الرومان فأي علاقة للأوروبيين بمضمونها؟ والجواب أن هذه الآيات تضمن أهل أوروبا لأنهم خلفاء الرومان حيث ورثوا حضارتهم وثقافتهم واعتنقوا ديانتهم المسيحية، فحلوا محلهم.

إنها لحقيقة تاريخية معلومة أن أسس السلطة البريطانية في الشرق قد أرسيت في أوائل القرن السابع عشر حول سنة 1611م عندما أقامت أول شركة تجارية بريطانية مركزا لها في سورت، الهند، وشرعت بنشاطها التجاري في خليج البنغال. (مارج أوف مين المطبوعة لشركة الموسوعة البريطانية). وهذا التاريخ يقارب الألف سنة بعد بدء النبي بالدعوة إلى الإسلام سنة 611 م. ويكمن سر قوة بريطانيا التي نشأت في القرون التالية في نجاحهم بإنشاء مراكز لهم في الشرق. أما الشعوب الأوروبية الأخرى فقد تبعت بريطانيا في يقظتها ونهضتها. ولفظ “طعاما” في الآية لا يعني طعاما مطبوخا كما يفهم خطأ على العموم، بل لكلمة “طعام” معنى أهم وأشمل، فيمكن أن تعني حنطة أو شعيرا أو ذرة أو تمرا أو أية مواد غذائية أخرى، ولفظ “فليأتكم برزق منه” يشير إلى المواد الغذائية التي استوردتها أوروبا من الهند لمدة مائتي سنة وكان التجار الأوروبيون بارعين بالتظاهر بالأدب “فليتلطف”. أما الكلمات “ولا يشعرن بكم أحدا” فتشير إلى التوغل المستمر للنفوذ الغربي في الشرق وخاصة في الهند قبل التقسيم.

إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21-22)

التفسير:

تعني الآية (21) أن الشعوب التي ترسلون إليها جماعات من التجار إن علمت بمقاصدكم الحقيقية، أو قبل أن ترسخ أقدامكم في أرضهم ينشأ نزاع سياسي أو تجاري فتغلبوا على أمركم، وعندها لا يكون لكم مندوحة إلا أن تغادروا بلادهم أو تقبلوا بدينهم، وعلى كلا الحالين لن تفلحوا بوضع قدم دائم لكم، وتبوء جميع أحلامكم لإقامة امبراطورية في أرضهم بالفشل التام.

والواقع أن أهل أوروبا يؤيدون المسيحية في كل مكان لأغراضهم السياسية، ويشيعون أفكارهم وثقافتهم، ولا يفسحون المجال لأفكار ومعتقدات أخرى أن تؤثر عليهم وعلى معتنقي الديانة المسيحية.

تعلمنا الآية (22) أن هذه الشعوب التي بقيت منعزلة عن العالم مدة طويلة ستعرف فيما بعد في أقاصي الأرض، وبذلك يتحقق النبأ عن نهوض هذه الشعوب الغربية في الأزمنة الأخيرة وحصولها على السلطة والسيطرة في العالم، وعندها سيأتي زمن الإنذار الذي وجه لهذه الشعوب.

وفي الكلمات “لنتخذن عليهم مسجدا” يعود القرآن الكريم فيشير إلى تاريخ أهل الكهف القديم، ويذكر إحدى علاماتهم المميزة وهي أن الشعوب المسيحية، ستأتي بعدهم ستبني كنائس لذكرى قديسيهم. أما المسلمون أو اليهود فلم يشيدوا معابد لذكرى أوليائهم، والمسيحيون هم الوحيدون الذين يبنون الكنائس لإحياء ذكرى قديسيهم الموتى، حتى أنهم يدفنون موتاهم في ساحات الكنائس. ومن الجدير بالذكر أن كثير من مثل هذه الكنائس قد وجدت في المغائر (الكتاكومز) في روما.

سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (23)

المفردات: تُمَارِ: مشتقة من مرى، يقولون مرى حقه يعني عارض أو شك أو أنكر حقه، امترى الشيء أظهره واستخرجه، الريح تمري السحاب أي تجلب السحاب، ماراه أي خالفه أو ناقشه بعناد.

ظاهِرًا: مشتقة من ظهر يعني كان أو أصبح واضحا أو بائنًا، ظهر البيت يعني صعد فوق البيت، ظهر عليه يعني عرفه وعلم به أو ألفه، تغلب على أو قهر أو أخضع أو تسلط أو انتصر على أو ساد على، يقال فلان لا يظهر عليه أحد يعني هو شخص لا يقدر على قهره أو غلبه أحد. (أقرب الموارد)

التفسير:

تشير هذه الآية إلى الحوار حول عدد أهل الكهف. والقرآن يعتبر كل تقدير لعددهم وهمًا وتخمينا باطلا. ولفظ “قل ربي أعلم بعدتهم” يعارض كل حوار كهذا وإنه جهد لا طائل منه، لأن الله وحده هو الذي يعلم عددهم. وحسب الاصطلاح العربي “ما يعلمهم إلا قليل” يعني – أولا: لا يعرف عددهم أحد. الكلمة قليل في العربية تعني لا شيء. ثانيا: يعني الاصطلاح أن أناسا قلائل جدا يعرف حقيقة أمرهم أو يعلمون تاريخهم، وهؤلاء القلة المحظوظون يعلمون أن أهل الكهف كانوا من أوائل المسيحيين التجأوا إلى مغارات (كتاكومز) روما نتيجة الاضطهاد الذي لاقوه تحت حكم قياصرة الروم وبأنهم كانوا بضعة آلاف.

وفي آخر الآية تحذير للمسلمين بأن لا يصرفوا جهودهم لمعرفة التفاصيل عن أصحاب الكهف، لأن أية محاولة في هذه الناحية لن تؤدي بهم إلى شيء، بل بعكس ذلك تؤدي محاولة كهذه إلى بلبلة أشد وأعمق.

وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24-25)

المفردات: الغد: اليوم الذي يأتي بعد يومك على أثر. ثم توسعوا فيه حتى أطلقوا على البعيد المترقب (الأقرب).

التفسير:

تشير الآية إلى الزمن الذي تصبح فيه الشعوب الغربية ذات سلطة وسيادة في العالم. وفي ذلك الحين (عصرنا هذا) يحذر الله المسلمين بأنه يكون من قبيل الانتحار من جانبهم إن هم سعوا لقتال هذه الشعوب المسيحية الغربية بالوسائل المادية، لأن ما يكون لدى هذه الشعوب من قوى عسكرية ووسائل مادية يزيد على مقدور أي شعب أو مجموعة شعوب أخرى قد تسعى لقتالهم أو التغلب عليهم. وإلى هذه القوة العظيمة المتناهية التي تكون لهذه الشعوب المسيحية الغربية في الأيام الأخيرة يشير الحديث النبوي المعروف “لا يدان لأحد لقتالهم” (مسلم في ذكر الدجال)

كما ويحذر الله المسلمين أنه في زمن ضعفهم حيال هذه الشعوب الغربية عليهم أن لا يشغلوا أنفسهم بالمفاخرات الفارغة بتبنيهم هذا النظام أو ذاك لحماية أنفسهم، بل عليهم أن يلتفتوا ويصغوا لصوت ذلك الإنسان الذي سيقيمه الله تعالى لإنقاذهم من هذه الهوة التي سقطوا فيها، لكن المسلمين لم يعبأوا بهذا التحذير وأعلنوا الجهاد بالسيف مرارًا، وفشلوا حتى ذهبت ريحهم كلية، لأنهم خالفوا أمر الله بالصبر في زمن الضعف. وكل من ذكرهم بهذا وقدم النصيحة ودعاهم إلى التعليم القرآني ويذكرهم وعد الله تعالى هو كافر عندهم، ومن يبعدهم من القرآن ويجلب لهم الضرر والإهانة هو مسلم عندهم.

وقد تعني الآية أنه في وقت هذا الانحطاط سيفقد المسلمون كل مبادرة لأي عمل نافع حقيقي، وسينهمكون فقط في أحلام النهار، ويهددون أعداءهم وهم عاجزون، وستقتصر جميع أعمالهم على الكلام عن المستقبل دون أن يعلموا شيئا لإصلاح البؤس الذي هم فيه.

اعتبر بعض المفسرين معنى هذه الآية على أساس ما جاء في الأسطورة القائلة أن النبي غفل في إحدى المناسبات عن ذكر “إن شاء الله” قبل أن يبدأ بعمل ما، ولذلك تنبه هذه الآية إلى وجوب ذكر هذه الكلمات. إن هذه الأسطورة لا أساس لها وليس في القرآن المجيد ما يؤيدها.

تفيد الآية (25) أن المسلمين عندما يغلب عليهم اليأس ويفقدون الأمل ويصبحون ضعفاء أمام قوى الشعوب المسيحية التي لا تقهر، عليهم أن لا يغفلوا ولا لحظة واحدة أنه يتعذر عليهم محاربة هذه الشعوب بالقوى المادية والتغلب عليها، وعليهم بعكس ذلك أن يؤمنوا بوعد الله إيمانا جازما بأنه لن يترك الإسلام يهان، وسيخلق الظروف التي تنهار فيها هذه الشعوب وستدمر تدميرا تاما. ويظهر الله العزيز الإسلام على الأديان كلها بالأدلة والبراهين. فعلى المسلمين أن يصبروا حتى يأتي الله بأمره، ويبعث من عنده حسب وعده من يقوم بهذا الجهاد الكبير. إن الله لا يخلف الميعاد.

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (26).

التفسير:

تلقي هذه الآية الضوء على مدى الزمن الذي كان المسيحيون الأوائل فيه عرضة للتعذيب والاضطهاد، ونتيجة لذلك اضطروا أن يلتجئوا إلى الكهف والأماكن الأخرى لحماية أنفسهم. هذا الزمن امتد إلى 309 سنين، وتؤكد هذا الوقائع التاريخية. فكما هو مسلَّم به عموما بدأ اضطهاد المسيحيين منذ صلب المسيح سنة 28 م وانتهى بقبول القيصر قسطنطين المسيحية سنة 337 (الموسوعة البريطانية الطبعة 14 مجلد 5) وهذه الفترة تقارب 309 سنين.

إلا أن هذه التواريخ ليست صحيحة، وإذا تعمقنا أكثر في مطالعة تاريخ المسيحية تظهر لنا الحقيقة بأن القيصر قسطنطين لم يقبل المسيحية سنة 337 كما هو معتقد عموما، بل سنة 309 م، ثم إن الحقيقة المدهشة أن التقويم المسيحي المستعمل حاليا لا يخلو من الأخطاء التاريخية، ويعترف بهذه الحقيقة العلماء المسيحيون أنفسهم. فالمطران أوشرز والدكتور كيتو في كتابيهما المعروفين “علم التاريخ” و”شروح الإنجيل المتداولة” اعترفا بأن التقويم المسيحي ليس بصحيح، واضطرا بعد بحث محكم دقيق في تاريخ النصرانية الأول بأن الوقائع التاريخية تظهر بأن المسيح عند حادثة الصلب كان عمره خمس سنوات وليس 33 سنة وهذا يعني أن مأساة الصليب وقعت بعد التاريخ المسلم به بـ 28 سنة، فإن نسقط 28 من 733 تكون السنة التي تنصر فيها قسطنطين هي 309 م عندما أصبحت المسيحية دين الدولة، وبذلك انتهت كلية موجة الاضطهاد للمسيحيين. وهكذا نرى أنه حتى التواريخ المسيحية تؤيد دعوى القرآن المجيد بأن اضطهاد المسيحيين استمر إلى مدة 309 سنة.

وفي هذه الآية إشارة للمسلمين الذين حالتهم تشبه حالة أصحاب الكهف والذين هم ضحايا اضطهاد مماثل، فقد يمتد بهم هذا الحال إلى وقت، وفيها تنبيه بأن الأفضل أن يتحملوا هذه المصائب بصبر ورباط جأش كي يستحقوا فضل الله المنان.

قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (27)

التفسير:

يدل لفظ “قل الله أعلم بما لبثوا” أن التواريخ التي كتبها المسيحيون تعين فترة اضطهاد المسيحيين الأوائل بـ 337 سنة، مما يبدو مناقضا للفترة التي يعينها القرآن الكريم وهي 309 سنين، لكن هذا الحساب كما ورد في الآية السابقة خاطئ، لأن القرآن الكريم هو كلام الله، والله لا يخطئ في حسابه. ثم إن الأبحاث حول الوقائع التاريخية القديمة كما هو مشروح في مكان آخر تؤيد دعوى القرآن المجيد. والآية التي نحن بصددها لا تتناقض وقوله تعالى “لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا”، فهذه الألفاظ لا تشير إلى الرأي المتداول عن المدة التي قضاها المسيحيون الأوائل في الكهف، بل هي قول الله تعالى، ولفظ “الله أعلم بما لبثوا” لا تعارض، بل تؤيد هذا القول.

أما لفظ “أبصر به وأسمع” فيؤيد الرأي بأن المؤرخين المسيحيين أخطأوا في تعيينهم التاريخ المتداول لميلاد المسيح ولصلبه، وبأن قول القرآن المجيد عن المدة التي ظل فيها أصحاب الكهف مختفين عن الناس هو الصحيح.

وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (29)

التفسير:

توضح الآية (28) أن القصة الوارد ذكرها عن أهل الكهف لم يعن بها ان تكون مجرد قصة، بل هي إشارة إلى وقائع حدثت في الماضي ذات أهمية روحية عظمى، وفي الوقت ذاته تتضمن نبأ وتنبيها للمسلمين بأن يكونوا على استعداد دائم لمواجهة المصاعب كتلك التي قاسى من جرائها أهل الكهف، وفي الوقائع حسب ما روى ابن عباس أن النبي قد قال “إن أصحاب الكهف أعوان الإمام المهدي” (منثور). ثم إن لفظ “لا مبدل لكلماته” تؤيد كذلك القول بأن قصة أصحاب الكهف تشتمل على أنباء عظيمة، وإلا فلا معنى من استعمال كلمات تحدٍّ كهذه.

تضيف الآية (29) تأييدا آخر للحقيقة بأن الآيات السابقة تشتمل على أنباء هامة عن المستقبل وتخبرنا هنا حقيقة أنه سيكون في العالم زمن تسلط الشعوب المسيحية أناس يمثلون الإسلام تمثيلا صحيحا، ويكون هؤلاء منكبين على العبادة والصلاة ليلا ونهارا وأنه في ذلك الزمن – زمن الإمام المهدي سيبني المسلمون آمالهم للمجد والعظمة على الوسائل المادية، وسينظرون بعين الازدراء نحو أولئك الضعفاء أتباع المهدي لانعكافهم على العبادة والصلاة ولافتقارهم إلى القوة السياسية. والآية تنبه المسلمين أنه على العبادة والصلاة فقط يرتكز خلاصهم ونجاحهم.

كذلك تذكّر الآية المسلمين بالأسباب الأساسية الثلاثة التي أدت بهم إلى الكوارث وحالة البؤس هذه، وهي:

أولاً: لأنهم أهملوا الصلاة وعبادة الله.

ثانيًا: حبهم للدنيا الذي ملك عليهم مشاعرهم.

ثالثًا: سعيهم وراء الرخاء المادي وحياة الرفاهية التي أضلتهم.

لكن خلاصهم ونجاحهم منوط بتغيير جذري لمظاهرهم ومناهج حياتهم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك