أضواء على حكم ضياء الحق

أضواء على حكم ضياء الحق

أبو المطيع طه

بعد اعتلاء الجنرال محمد ضياء الحق على كرسي الحكم وإثر الانقلاب العسكري الذي قام به في باكستان يوم 5/7/1977، صرح وأعلن في الملأ أن الحكم العسكري هذا لن يطول أكثر من 90 يومًا، وأن الانتخابات لابد أن تقام إلى ذلك التاريخ، وتنتخب الباكستان لها رئيس حكومة خلفًا للرئيس بوتو الذي أصدر فيه حكم الإعدام. وتعقيبًا على تصريح الجنرال ضياء الحق أن حكمه العسكري لن يطول أكثر من 90 يومًا سأله مندوب جريدة “نيوزويك” العالمية في لقاء صحفي عقد يوم 14/7/1977 قائلاً: “لقد أعلن أيوب خان من قبلك أن حكمه العسكري لن يطول أكثر من 90 يومًا، ولكن دام في الحقيقة 11 عامًا، فهل سيكون هذا هو الأمر بعد تصريحك هذا”. فأجابه ضياء الحق: “انتظر إلى ما بعد الانتخابات، وسترى صدق ما صرحت به”.

ولما انقضت مدة الـ 90 يومًا، ولم يتحقق ما وعد به من انتخابات حرة وخاف زوال سلطته، خرج بتصريح جديد قائلاً: “لقد مضى ثلاثون عامًا على قيام باكستان، وإلى الآن لم تطبق فيه أحكام الشريعة الإسلامية. فهلموا معًا نبني حكومة إسلامية عاملة وفق شرع الإسلام. وكأنه يسخر هنا بالإسلام ويستخف بعقول أبناء الإسلام. فكيف يطبق أحكام الإسلام وهو نفسه أول من خلف ما وعد به.

وبهذا يدعم وجوده في السلطة من يريدون تطبيق الشرع في الدولة، وهم على الأغلبية المشائخ. ولكن ليس جميعهم وإلى ذلك الحين لم يزل في مشائخ وعلماء الباكستان من يرفض استمرار حكم ضياء الحق بحجة تطبيق الشريعة في الباكستان ومن بين هؤلاء العلماء القاضي جاويد اقبال ومجيب الرحمن الشامي وغيرهم. ولكن ضياء الحق لم يجد وسيلة لاستمرار حكمه سوى إعلان تمسكه وتمشيه وفق الشريعة وتطبيقها في بلاده. فهلم نر ما استطاع ضياء الحق تنفيذه من حكم الشريعة في بلاده خلال فترة حكمه التي طالت إحدى عشر عامًا.

كُتب الكثير في الصحف والمجلات عن الانحطاط الخلقي والاجتماعي في حكم ضياء الحق، فالصحف والمجلات الباكستانية مليئة بمثل هذه الأخبار وخلاصتها عند الكثيرين أن الفترة ما بين 5/7/77 إلى 17/8/88 كانت فترة ظلام ونحس على الباكستان. اتسخت فيها سمعة الدين في البلاد وحرم الشعب كثيرًا من حقوقه، وشاع الفسق والفجور والغدر والخيانة. وباختصار أهلك ضياء الحق خلال حكمه الباكستان أخلاقيًا واقتصاديًا أيضًا. فالميزانية الحالية للباكستان أكبر دليل على الحال الذي تركها فيه ضياء الحق.

ومع مرور الوقت بدأ ينكشف لعامة الناس خداع ضياء الحق وعدم صدقه وأن ما وعدهم به لم يتحقق. وهذا ما اعترف به ضياء الحق بنفسه. ولكن قبل أن نتحدث عن تصريح ضياء الحق بفشله تعالوا ننظر إلى هؤلاء المشائخ والعلماء الذين من أجل كسب دعمهم أعلن ضياء الحق برنامجه لتطبيق الشريعة في الباكستان. فهؤلاء المشائخ والعلماء أنفسهم لم يرضوا بما وصلت إليه الباكستان تحت حكم ضياء الحق. فالشيخ منظور الشنيوطي، الذي هو أشهر من نار على علم في الباكستان وباعتقاد الكثيرين هو من كبار علماء المسلمين، قد أعلن وصرح قبل مقتل ضياء الحق، وقد نشر تصريحه هذا في جريدة “نواء الوقت” الصادرة يوم 11/4/1988، جاء فيه ما يلي: سنعمل عاجلاً في إقامة أحكام الشريعة في الباكستان، فالحكومة غير مخلصة في تطبيق النظام الإسلامي فيها، وعبث أن نظن خيرًا بها.

وهنالك الكثير من هذه التصريحات يمكن الاطلاع عليها في مجلات وجرائد الباكستان. ولكن الأهم الآن أن ننظر إلى تصريح ذلك الرجل نفسه الذي أعلن أنه سيقيم حدود الشريعة في الباكستان، وما هي انطباعاته الشخصية عما يدور في باكستان بعد أكثر من عشرة أعوام على أخذه مقاليد الحكم فيها. فيقول ضياء الحق وذلك في لقاء له مع الجالية الباكستانية بالكويت أثناء الزيارة التي قام بها لهذا البلد يوم 10/4/1988:

“إن الحكومة الحالية تعمل من أجل تنفيذ وإحكام الإسلام فيها. هذا لوحدة الإسلام إذا ترك العلماء الكرام نفاقهم وخصامهم بعضهم ببعض.”

هذا تصريح رئيس الباكستان بعد أكثر من عشرة أعوام على أخذه مقاليد الحكم وإعلانه تطبيق الشريعة في بلاده. والسؤال هنا ألم يكن يعرف ضياء الحق من هم العلماء الكرام في بلده. ولم يكن يعرف أن أكبر فرقتين إسلاميتين في بلاده وهما البريلويون والديوبنديون يكفرون بعضهم بعضا، والاختلافات المذهبية واضحة وضوح الشمس بين طوائف الباكستان من المسلمين.

أولم يتضح الآن لكثير من الناس أن شعار تطبيق الشرع في الباكستان لم يكن سوى حيلة من ضياء الحق وعذر للبقاء في الحكم.

وقد لا يتسع المجال هنا لذكر كل ما جاء في التعقيب على حكم ضياء الحق من رجالات دين ودولة في الباكستان، ولكن على الأقل يمكننا أن نطلعكم على أسماء بعض أهم الشخصيات الباكستانية التي عبرت عن عدم رضاها عن أحوال الباكستان تحت حكم ضياء الحق، منهم القاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية، العلامة منظور الشنيوطي، العلامة شاه أحمد نوراني، الشيخ أشرف علي نمالوي، سيد منور حسين وغيرهم كثيرون.

فخلاصة القول، أن الباكستان خلال حكم ضياء الحق وبتصريح كبار العلماء والشخصيات فيها لم يتحقق أي هدف من الأهداف التي ادعى ضياء الحق ووعد بتطبيقها. بل على عكس ذلك لم تشهد الباكستان حالة اقتصادية واجتماعية وثقافية وحتى دينية أسوأ مما هي عليه الآن.

ومن الجدير بالذكر هنا أن ضياء الحق كان أول رئيس باكستاني منع حرية العقيدة في بلده. فالمسلم الأحمدي في الباكستان وتحت أحكام نظام ضياء الحق، يسجن ويغرم إذا قال “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وأعلن انتماءه إلى الإسلام. أو صلى الصلاة المكتوبة، أو حتى قال لأخيه السلام عليكم ورحمة الله.

وقد نشرنا في “التقوى” العدد الثالث تموز/يوليو 1988 تقريرًا خاصًا حول الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في الباكستان التي أكدتها وحققتها لجنة القضاة الدولية، وفيه صور لمساجد المسلمين الأحمديين وهي تهدم بأيدي أفراد الشرطة الباكستانية، وصور لآثار الضرب والتعذيب على أجساد المسلمين الأحمديين لإعلان انتمائهم إلى الإسلام.

وفي الختام أنقل إليكم ما قاله إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا طاهر أحمد أيده الله بنصره العزيز الخليفة الرابع للمسيح الموعود حول ضياء الحق وذلك من خطبة الجمعة التي ألقاها حضرته يوم 1/7/1988، بعد أن دعى أيده الله أئمة ومكفري ومكذبي الجماعة للمباهلة يوم 10/6/1988.

قال أيده الله: “أما ما يتعلق بالرئيس الباكستاني فإننا بانتظار ما سيظهره الله في هذا الشخص. وكونوا على يقين أن الله تعالى سوف يؤاخذه سواء قبل باللسان دعوتي للمباهلة أم لم يقبلها! لأنه إمام أئمة المكذبين وهو المسؤول الأول عن كل ما يصب على الأحمديين الأبرياء من ظلم واضطهاد. فإنه كان ولا يزال يأمر باضطهادهم ثم يراقب هل وضعت أوامره موضع التنفيذ أم لا. ويجد متعة وأي متعة في تعذيبهم. ومن مثل هذا الشخص لا ينتظر قبول دعوة المباهلة باللسان، وإنما يكون استمراره في الاضطهاد دليلاً على قبوله المباهلة.

ولم يمض وقت طويل بعد هذا الإعلان حتى أظهر الله تأييده لإمام الجماعة الإسلامية الأحمدية وقبِل ابتهاله وهلك من كان على باطل في ادعائه وعمله.

Share via
تابعونا على الفايس بوك