الغرض الحقيقي للابتلاء
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ(215)

 شرح الكلمات:

مسَّتهم –مسَّ الشيءَ لَمَسه؛ أفضى إليه بيده من غير حائل (الأقرب).

البأساء-الشدة؛ واسم للحرب والمشقة والضر (الأقرب).

والضراء-الزمانة والشدة أي المجاعة والقحط، والنقص في الأموال والأنفس (الأقرب).

التفسير:

أشير في هذه الآيات إلى ما قدره الله للمسلمين من ابتلاء ومحن. لقد قال من قبل إنه عندما تسود الضلالة على الدنيا يبعث نبيّه، فيخالفه الناس، والآن قال: لا تظنوا أنكم تحققون الرقي من دون محن وابتلاءات، بل أن رقيكم منوط بها، كما كانت الابتلاءات سببًا لرقي من كان قبلكم. فصوَّر هذا المشهد وقال: (مستهم البأساء والضراء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله).. مستهم البأساء والضراء.. أي لحقت بهم الخسائر في أموالهم ونفوسهم.

والسؤال هنا: هل يأتي على أنبياء الله وعباده الصالحين وقت ييأسون فيه من نصره عز وجلّ حتى يقولوا متى نصر الله؟

إن الأنبياء وأتباعهم أسمى تماما من اليأس الذي يُتصور هنا في بادئ النظر.. كما قال الله تعالى (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (يوسف:88). الحقيقة أن كلمة ’متى‘ في اللغة العربية لا تفيد أن قائلها يائسٌ، وإنما تعني أنه يريد أن يُضرَب له موعد لأمر هو مهتم به، فلم يقولوا هنا (متى نصر الله) يأسا وقنوطا، وإنما قد التمسوا بهذه الكلمات موعد نصره. فكأنهم-لمزيد من الاطمئنان والسكينة –التمسوا من الله موعدا لنصرته المترقَبة، وأرادوا أن ينزل نصره عاجلا. وهذا أسلوب مؤثر للدعاء. ويتضمن إشارة إلى أنهم تعرضوا للابتلاء والمهانة لدرجة أنهم زلزلوا حتى اضطروا للدعاء والابتهال. وهذا هو الغرض الحقيقي للابتلاء.. أي أن تتقوّى صلة المؤمنين بالله تعالى. فعندما تتحمس قلوبهم للدعاء يُنزل الله نصرته من السماء فتنتهي مصاعبهم ومحنهم.

ثم إن كلمة “حتى” تأتي بمعنى ” كي”، كما ذكره النحويون في كتبهم، فقد قالوا: “حتى” ترادف “كي” التي تأتي لبيان السبب والتعليل؛ وأسْلِم حتى تدخل الجنة.. أي لكي تدخل الجنة (مغني اللبيب). وقد وردت “حتى” بمعنى كي في موضع آخر في القرآن (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) (المنافقون:8).. أي: كي ينفضوا. وبناء على ذلك فتعني الآية أن هذه الزلزلة التي أحدثناها بأيدي الكفار ضد المؤمنين إنما كنا نستهدف بها أن يسألنا عبادنا فنعطيهم. فلكي نجذب أنظارهم إلينا ونظهر قوة فضلنا.. ظللنا ساكتين إلى أن تولدت في قلوبهم الرغبة للدعاء والابتهال إلينا. وقد فعلنا ذلك كي تزداد قلوبهم حبّا لنا من ناحية، ومن ناحية أخرى لكي يزداد إيمانهم لرؤية نصرتنا الإعجازية، ولكي يهتدي بذلك من الكفار من عنده بقيةٌ من التفكر والاعتبار. وعندما يتحقق هذا الغرض فإننا نقول لهم: ها قد جاء نصرنا.

وهذا أسلوب مؤثر للدعاء. ويتضمن إشارة إلى أنهم تعرضوا للابتلاء والمهانة لدرجة أنهم زلزلوا حتى اضطروا للدعاء والابتهال. وهذا هو الغرض الحقيقي للابتلاء.. أي أن تتقوّى صلة المؤمنين بالله تعالى. فعندما تتحمس قلوبهم للدعاء يُنزل الله نصرته من السماء فتنتهي مصاعبهم ومحنهم.

يجب أن نتذكر بأن الله يبتلي الإنسان بقدر طاقته، فلا يمكن أن يبتليه بما يفوق قدرته وطاقته. ولذلك قال الله تعالى: (لا يكلِّف الله نفسا إلا وسعها) (البقرة:287).. إنه يحمّل الإنسان ما يستطيع تحمله، اللهم إلا إذا كان الله يريد إهلاك قوم. أما الابتلاء الذي يكون لتحقيق الازدهار لقوم فلا يمكن أن يفوق قدرتهم، وإنْ كان المؤمن يتوهم أنه فوق قدرته، ويتبين خطأه فيما بعد، وهكذا لا ينفك مستعدا لتحمل اختبارات أعظم. إذن، فكلما تشجَّعَ على تحمل الابتلاءات تقدم. وهكذا فإنه يعرف قوة إيمانه، ويشكر ربه بدلا من أن يشكو إليه، وكذلك يجد الفرصة ليسبق الآخرين في مجال التضحيات، فيرتقي ويزدهر. فللاختبارات فائدتان: الأولى –أن يعرف بها الإنسان قوة إيمانه، ويتبين إلى أي مدى يستطيع تحمل الأذى في سبيل الله، والثانية-أن يجد الجرأة للتقدم إلى الأمام.

ومرور المؤمنين بالابتلاء ضروري لدرجة أنه لم تكن هناك جماعة نبيٍّ إلا ومرت بفترة من الابتلاءات . لذلك يقول الله تعالى: لا تظنوا أنكم تنالون -مجانًا- جنَّتي التي لا يمكنكم تصور سعتها، أو تحققون الإنجازات والانتصارات المادية التي وعدتم بها من دون أي تضحية وبدون أن تمروا بالابتلاءات التي مر بها السابقون. كلا، لا بد أن تمروا بالمحن لتحقيق الفلاح والنجاح. لقد تعرضوا للأذى البدني والخسارة المالية، واضطروا للتخلي عن ممتلكاتهم، وتركوا أهليهم وأقاربهم، وذاقوا ألم الجوع والضرب والقتل وزلزلوا بكل الطرق، وكما يميل البناء يمينا ويسارا بتأثير الزلزال، كذلك ظن الراءون أنهم على وشك السقوط، ثم ازدادت المحن والشدائد حتى قال العدو أنهم قد سقطوا فعلا.. عندئذ توسّل الرسل والمؤمنون وابتهلوا إلى الله: متى نصر الله؟ يا رب، لقد وصل الابتلاء لدرجة أننا نتوسل إليك أن تأتي لنصرتنا وتحقق لنا الفوز.

فالظن بأن الرسل والمؤمنين تشككوا في نصر الله غير صحيح، لأنه أولا-قال (مستهم الضراء).. أي أنهم بالفعل وقعوا في الشدائد وتعرضوا للمشاكل؛ ولكن الشدائد لم تؤثر في قلوبهم، وإنما كان تأثيرها سطحيا، وكانوا رغم تعرضهم للشدائد ثابتين رابطي الجأش.. فكيف يمكن أن ييأسوا؟

وثانيا-يكون السؤال أحيانا للتوسل. يسأل الإنسان: متى تفعل ذلك؟ ولا يعني أنه يئس منه، وإنما يريد القول: افعل من فضلك. فمثلا: لو سأل أحدٌ الحاكم: متى يأتي دوري؟ فلا يعني أنه قد يئس من مجيء دوره، وإنما هو يقول: يا ليتك تدعوني أنا أيضا!

في غزوة بدر دعا النبي : (اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تُعبد في الأرض أبدا) (مسند أحمد،ج1، ص30). ولا يعني ذلك أن الرسول لم يكن يؤمن بوعد الله تعالى –معاذ الله، وإنما دعا بهذا الأسلوب ليستثير الغيرة الإلهية. وكذلك عندما عُلِّقَ على الصليب المسيح ابن مريم –عليه السلام –قال: إلهي.. إلهي، لماذا تركتني؟ (متى 46:28). ولم يكن المسيح يعني بذلك أن الله تركه في هذا الوقت العصيب فعلا، وإنما كان يقصد: إن قلبي قلق.. فتعال لنجدتي بسرعة.

فمثل هذا الدعاء لا يعني أن الداعي لا يؤمن باستجابة الدعاء وقد يئس منه، وإنما يدعو هكذا استثارة للغيرة الإلهية. كذلك المؤمن عندما يقول: “متى نصر الله ” فإنما يرجوه ليسرع إلى نصرته. فيقول الله له: ها قد جاءتك نصرتي. فانظروا عندما ذهب الرسول إلى فتح مكة مع جيشه لم يكن يخطر ببال أهل مكة أنه سوف يهاجمهم. كان أبو سفيان قد رجع لتوِّه من المدينة بعد مقابلة النبي، وعندما رأى الناس جيش النبي قالوا: هذا جيش محمد. فقال أبو سفيان: هل جننتم؟ إنني قادم من المدينة ولم يكن هناك أي جيش. ولكن بعد قليل جاء المسلمون وأسروه (البخاري، المغازي)، وفي اليوم التالي تم فتح مكة. إن نصر الله هكذا يأتي فجأة ويحقق النجاح للمؤمنين.

لقد تعرض المسيحيون الأوائل لمصاعب شديدة على مدى ثلاثة قرون، ولكنهم سمعوا ذات يوم أن الملك الروماني قد تنصَّر وأعلن أن المسيحية هي الدين الرسمي للبلد. وهكذا بكلمة واحدة انتهت سلسلة مصائبهم.

فقوله تعالى (متى نصر الله) يعني أن المؤمنين يدعون: إلهنا. لقد زادت وطأة الابتلاءات علينا، فلتأت نصرتك، ويرد الله عليهم (ألا إن نصر الله قريب).. أي ما دامت هذه الابتلاءات تأتيكم لتزدهروا وترتقوا، فلا تخافوا. إذا كان في نفوسكم عيوب ترون أن الله يعاقبكم عليها فلا شك أن نصرته لن تأتيكم. أما إذا كنتم مطهرين من العيوب، أقوياء الإيمان، سائرين على طريق التقوى، متحررين من وساوس الشيطان.. فلا خطر ولا خوف عليكم من الابتلاءات.

الواقع أن المؤمن الصادق عندما يمر بالمحن ابتلاءً من الله فإنه على يقين من أن نصر الله قادم وراء الابتلاء. وقد عبر مولانا الرومي عن هذا المعنى في بيت شعر له بالفارسية معناه: عندما يبتلى الله قوما بابتلاء يجعل تحته كنزا من النعم الخفية “(مثنوي معنوي للرومي، ذكر كرامات شيبان الراعي ص113).

فالابتلاء ليس فيه أي خطر، وإنما معناه أن الله سوف يحقق للمبتلي ازدهارا ورقيا. إنما الخوف يكون من النفس. فيجب أن يحاسب الإنسان ويراقب نفسه، ويرى هل فيه ما يؤدي به إلى الهلاك. إذا كان خاليا من الوساوس الشيطانية، قوي الإيمان، مليئا قلبه بالشكر والامتنان لله تعالى.. فليفرح عند نزول الابتلاءات، لأن الابتلاء في مثل هذا الحال بشارة بإنعامات عظيمة جدا. أما إذا أحاطت الوساوس بالإنسان عند الابتلاء، وشعر بضعف في الإيمان، فليتأكد أن هذا الابتلاء ليس باعث خير ورقي له، وإنما هو سبب شر وهلاك له. فالإيمان الحقيقي والأصيل هو ذلك الذي يناله الإنسان بعد المرور من بوتقة الابتلاءات.. لأنه ينال به حياة أبدية.

    

 يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (216)

التفسير:

لما بين الله في الآيات السابقة أن الأمم الماضية أيضا مروا بأنواع من الابتلاءات في الأموال والأرواح، وكانت سببا في رقيهم القومي، كما هو بين من قوله (مستهم البأساء والضراء).. وسمع الصحابة ذلك اشتاقت نفوسهم إلى التضحيات، ودفعهم ولَعُهم بالترقيات الروحانية لسؤال النبي : يا رسول الله، إذا كان الرقي القومي يتطلب تضحيات مالية فدُلَّنا على ما ننفق حتى لا نتخلف عن أحد في ميدان العشق هذا.

والسؤال التالي المتوقع طبعا يكون عن تضحية النفس، وقد رُدّ عليه في الآية التالية (كتب عليكم القتال).. مما يدل على ما يتميز به القرآن الكريم من ترتيب قد بلغ الغاية في السمو والروعة.

يعترض البعض على هذه الآية ويقولون إن الجواب هنا لا يتناسب مع السؤال. لقد سُئل ماذا ينفقون، فقيل لهم أنفقوا أموالكم على كيت وكيت.

هذا الاعتراض ناجم عن قلة التدبر، لأنه ما دام قد قال الله تعالى: (ما أنفقتم من خير) فقد رُد على السؤال وقال: أولا-ليس هناك حدود للإنفاق، أنفقوا بحسب توفيقكم. وثانيا –كل ما تنفقون يجب أن يكون من مال طيب. فالذين يكسبون الحرام ثم ينفقون منه في سبيل الله تعالى، ويحسبون أنهم قد كفَّروا عن إثمهم، فهم على خطأ، لأن الله تعالى إنما يتقبل ما هو خير. وثالثا –يجب ألا يكون حلالا فقط بل وطيبا أيضا. أي لا يكون ثقيلا على نفس من يتلقاه منكم.

ولو قيل هنا: الخير يعني المال، فكيف قلتم إن معناه المال الطيب الحسن؟ والجواب أن الخير يعني في الحقيقة أفضل الشيء. المال إنما يكون خيرًا إذا اكتُسب من طريق طيب. فقد قال الإمام الراغب: قال بعض العلماء لا يسمّى المال خيرًا حتى يكون كثيرا ومن مصدر طيب (المفردات). فبقوله (ما أنفقتم من خير) أشار القرآن الكريم باليقين إلى أن أنفقوا في سبيل الله تعالى من طيب أموالكم.

فإذا قيل: لو أن شخصا اكتسب مالا من حرام وتصدق من طيِّب ماله الذي اكتسبه من حلال، أفلا يندرج تحت هذا الحكم؟ فالجواب أن القليل من النجاسة ينجس الشيء الكثير الطيب، فمهما كان كسب الراشي والسارق وغاصب الأموال من الحرام قليلا، فإن هذا القليل ينجس ماله كله ويفسده، ولن يكون عاملا بهذا الأمر القرآني.

الواقع أن المؤمن الصادق عندما يمر بالمحن ابتلاءً من الله فإنه على يقين من أن نصر الله قادم وراء الابتلاء. وقد عبر مولانا الرومي عن هذا المعنى في بيت شعر له بالفارسية معناه: عندما يبتلى الله قوما بابتلاء يجعل تحته كنزا من النعم الخفية

وإذن فقد تناولت الآية جوابا كاملا على ما سئل، بل زادت وبيّنت مصارف هذا المال أيضا. فكأن الآية أشارت إلى أن إنفاق المال ليس صعبا بقدر ما يكون الإنفاق في محله صعبا. فقال: أنفقوا، ولكن بحذر، وآتوه المستحقين. إنه من كمالات القرآن الكريم أنه بكلمات وجيزة يبيّن مواضيع واسعة. انظروا هنا أيضا كيف أنه بكلمات معدودة رد على السؤال، كما أضاف أن أنْفِقوا من المال الحلال، ويجب أن يكون هذا الحلال طيبا. فمثلا لو تصدق أحد بحذاء ممزق لفقير لا يستفيد به، فصحيح أنه أنفق من مال حلال، ولكنه ليس طيبا، لأن آخذه لن ينتفع به. ولو جاء سائل يطلب طعاما، ولكن المتصدق لا يعطيه من الطعام الجاهز في البيت وإنما يعطيه طحينا. فهو ينفق من حلال ماله، ولكنه لا يسد حاجة السائل، فهو ليس طيبا، وإنما الإنفاق الطيب أن يكتفي بطعام أقل ويعطي السائلَ من طعامه حتى يتناوله فورا ويسد جوعه. ثم زاد على ذلك وقال إن الأنسبَ هو الإنفاقُ على فلان وفلان. سبحان الله! ما أروع هذا الكلام إعجازا!

وهناك أمثلة أخرى في القرآن الكريم يرد فيها على سؤال السائل. ويزيد الرد موضوعا إضافيا. وكان الرسول يتكلم أيضا بمثل هذا الكلام. سأله أحدهم مرة عن ماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه، الحلُّ ميْتته (الترمذي، الطهارة). فبيَّن أن ماء البحر طاهر وأن ميتته حلال.. لا ضرورة لذبح الحيوانات البحرية كالأسماك. فانظروا كيف رد على السؤال. وأضاف موضوعا زائدا.

ثم يجب أن نرى ما إذا كان هذا السؤال عن أقسام الصدقة أيضا.. أي أنهم يسألون في أي مناسبة ننفق؟ فأرى أن هذا هو المراد على الأغلب. لأن السؤال عن كمية الصدقة يأتي فيما بعد. والسؤال بكلمة “ماذا” يكون أحيانا عن عين الشيء وأحيانا عن صفاته. يقول النحويون إن السؤال إذا كان عن الصفات فلا بد أن يكون عن صفات العاقل فقط. ولكن لا مبرر لهذا التحديد، وأرى أنهم لم يسألوا هنا عن الأشياء التي ينفقونها، وإنما سألوا عن مواصفات الصدقة، فأجاب الله أنه ليس هناك شيء معين تتصدقون به، بل أنفقوا كل شيء خير.. أي من مال طيب، وبحسب قدراتكم. وزاد على ذلك أن ما تنفقونه بحسب إيمانكم وظروفكم يجب أن ينفَق في جهات كذا وكذا.

ثم أضاف (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم).. أي للتقرب إلى الله لا تحصروا أنفسكم في عمل حسنة واحدة، وإنما عليكم أن تعملوا كل الخيرات، وتفتحوا عليكم باب كل خير وبركة، فأمامكم حياة لا نهاية لها، تقوم فيها أراوحكم برحلة التقرب إلى الله، سالكة دقائق الطرق. فلا تكتفوا بحسنة واحدة أو بعض الحسنات، بل يجب عليكم أن تتنافسوا فيها كلها، موقنين أن الله عليم يرى كل حركة وسكون منكم، وسوف يجازيكم أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك