الأمانة.. نذر الإنسان جميع قواه الله عز وجل
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (يونس: 7)

شرح الكلمات:

اختلاف: اختلف القومُ: ضدُّ اتفقوا؛ اختلف زيدٌ عمرًا: كان خليفته. (الأقرب) فاختلاف الليل والنهار يعني حدوث كل واحد منهما بعد الآخر.

التفسير:

قال في الآية السابقة يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وفي هذه قال تعالى لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ، وهذا الفرق في اختيار الكلمات يرجع إلى أن إدراك منازل الشمس والقمر يتطلب علمًا خاصًا ولا ينتفع به إلا علماء هذا المجال، ولذلك قال يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . أما اختلاف الليل والنهار فظاهرةٌ يعرفها كل واحد حتى منظّفو المراحيض هؤلاء أيضًا، ولكن الانتفاع بها يتوقف على التقوى، وإنما المتقي هو الذي ينتفع من ذلك. ولهذا قال: لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ إذ بيّن بذلك أن كلاً من الليل والنهار نافع مفيد، وأن اختلافهما مستمر على الدوام، وأن هذه هي الحال بالنسبة للأمم والشعوب أيضًا. فتارةً يأتي عليهم زمان مظلم كالليل الدامس، وطورًا يلجون زمانًا مشرقًا كالنهار. والأمة التي يخيم عليها الليل دائما لا يمكن لها أن تتقدم وتزدهر، كما أنه ليس من سنة الله أن تتمتع أمة ما بالنهار دومًا، ذلك أن أعمال الناس لا تكون دائمًا على مستوى واحدٍ، بل كلما مرّ عليهم الزمن واتسعت الشُّقة الزمنية بينهم وبين نبيهم أسدلت عليهم الظلمات ستارها، تمامًا كما يخيم عليهم الليل كلما ابتعدوا عن الشمس المادية‎، مع أنها موجودة لم تَزُل من مكانها. فينبغي ألا تغترَّ أمة بظاهرة الليل والنهار فتظن أن كليهما قادم لا محالة. إن الرقي والانحطاط ظاهرة لا مناص منها للأمم في العالم الروحاني ومع ذلك يتحتم عليهم أن يبذلوا المساعي ليتخلصوا من الانحطاط ويحققوا الرقي. فمن الخطأ أن يترك الإنسان الكفاح والنضال لاستعادة الحياة لشعبه ظنًا منه أن الليل أمر طبيعي وسيزول تلقائيًا لا محالة. كلا، بل إن المتقين إذا رأوا الليل جدّوا في الكفاح حتى تطلع الشمس على شعوبهم. والنبي أيضًا عندما يُبعث، يرفع النداء قائلاً: افتحوا أبوابكم ودَعُوا الشمس تشرق عليكم، ولا تكتفوا بالقول بأن الانحطاط أمر يلازم الأمم دائمًا. وكأن الله يقول هنا: الكسب والسعي يختصان بالنهار كما صرّح بذلك في قوله تعالى وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ (الأنعام:61). أي لاشك أن الليل أمر طبيعي وذو نفع للناس، ولكن لا يمكن الانتفاع بما خلق الله في السماوات والأرض بدون النهار. ثم إن معظم أعمال الإنسان ومكاسبه من زراعة وتجارة وغيرهما تتم بالنهار أيضًا. وهذا النهار يتولد من الشمس. فيا من يخاطبهم هذا الرسولُ، عليكم بإنشاء صلة بهذه الشمس الروحانية المتمثلة بشخص محمدٍ ، كي يبزغ على شعبكم النهار، ويزول عنهم الليل، أما بدون الاتصال بهذه الشمس فلن يتحقق لكم ذلك أبدًا.

إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (يونس: 8-9)

شرح الكلمات:

يرجون: رجا الشيء: أمّل به؛ خافه. (الأقرب)

لقاء: لَقِيَ يلقى ولاقى يلاقي لِقاءً: استقبله؛ رآه. ولاقى يلاقي لقاءً: قابله. وفي كتاب “المغرب”: قد غلب اللقاءُ في الحرب. (الأقرب)

اطمأنوا: اطمأن إلى كذا: سكن وأمن له. (الأقرب)

مأوى: المأوى مصدرُ أوى يأوي. أوى إلى كذا: انضمّ إليه؛ اسمٌ للمكان الذي يأوي إليه (المفردات)

يكسبون: كسبَ الشيءَ: جمعه. كسب الإثمَ: تحمّله. وكسب مالاً وعلمًا: طلبه وربحه. (الأقرب)

التفسير:

إنه لمن مزايا وكمالات القرآن الكريم أنه يستخدم كلمات وجيزة ذات معانٍ واسعة جدًا. وبما أن اللغة العربية تُسهِم كثيرًا في تحقيق هذا الغرض فمن أجل ذلك شرّفها الله لتكون لغة القرآن الكريم. انظروا إلى هذه الآية التي نحن بصددها فإنها توجز أسباب وقوع الكافرين في العذاب إذ يقول تعالى لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا . وقد سبق في شرح الكلمات أن “الرجاء” له معنيان: الأمل والخوف. وكذلك للِّقاء مفهومان: استقبال الشخص شوقًا وحفاوة؛ أو مقابلةُ الشخص قتالاً وحربًا. والذي يمعن النظر في الفطرة الإنسانية يجد أن الرقي الإنساني بكل صنوفه منوط إما بالخوف أو الرجاء، وأن العمل الكامل الخالص إنما يحصل إما خوفًا أو رجاءً. فبعضهم يعملون آملين في مقابل وجزاء، وبعضهم يعملون خائفين من أذىً وعقاب. وقد خاطب القرآن الكريم بجملة وجيزةٍ الفطرةَ الإنسانية بنوعَيْها. فقال للفطرة الراجية الآملة: يا من تعملين رجاءً في مقابل تتقاضينه، لماذا لا تَجِدِين الأمل والشوق للقائنا، فتعملين بما يتطلبه هذا الأمر. إذا فقدت الأمل فسوف تقعين في هُوة سحيقة من التأخر والتخلف، بدلاً من التقدم والازدهار. وبالكلمات نفسها وفي الوقت نفسه يخاطب الفطرةَ الخائفة قائلا: يا من تعملين خوفًا من أذى تتوقعينه، لماذا لا تجدّين في العمل الطيب خشية عقابي لكي تفوزي بالنجاة؛ فأنت أمام محن وبلايا تفوق تحملك. وهذه هي عظمة القرآن فباستخدام كلمة وجيزة شفى غليل الفطرة الراجية والفطرة الخائفة معًا.

عليكم بإنشاء صلة بهذه الشمس الروحانية المتمثلة بشخص محمدٍ ، كي يبزغ على شعبكم النهار، ويزول عنهم الليل، أما بدون الاتصال بهذه الشمس فلن يتحقق لكم ذلك أبدًا.

وبقوله تعالى رَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا يوضّح وجهة النظر الإسلامية حول الرقي المادي. فالإسلام لا ينهى عن الرقي المادي، وإنما يُحذر من: (أولاً): أن يرى الإنسان الكفاية في المكاسب الدنيوية فقط، ويخلو قلبه من حب الله .

(ثانيًا): أن يكف عن التفكير في أي رقي روحاني بعد أن نال الرقي المادي، ويسكن للدّنيا ويتوقف عندها. وقد سبق أن شرحنا أن الاطمئنان الوارد في الآية يعني السكون وترك الحركة. فالمطمئن من ظن أنه قد نال بغيته المطلوبة ووصل إلى غايته المنشودة، فيتوقف عن التقدم إلى الأمام، ويتقاعس عن السعي لمزيد من الرقي راضيًا بما ناله. الواقع أن الرضا صنفان: أولهما أن يرضى الإنسان بما نال، مع طموحه وسعيه إلى كسب المزيد، والثاني أن يرضى بما كسب دون التفكير في السعي للمزيد. وهذا النوع من الرضا هو الذي شجبه الله هنا بقوله: رَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا ، فقال: إن الذي يطمئن ويرضى بما كسب من مُتَع الدنيا، متغافلاً عنا، متناسيًا الرقي الروحاني الذي ينفعه في الآخرة فهو الملام والمجرم عندنا، ولا بأس بمن يحقق الرقي المادي دون أن يصاب بهذه العيوب. ذلك أن الترقيات المادية من نعم الله أيضا، فهو الذي علّمنا بنفسه الدعاء: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، فالرقي المادي الذي يساعد المؤمن على الرقي الروحاني هو من النعم الإلهية، والدعاء لإحرازه من واجبات الإنسان.

وقد زاد الموضوع إيضاحًا في الجملة التالية حيث قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ، إذ بيَّن أن هؤلاء الذين يجلبون عليهم سخطنا هم ممن ينهمكون في الدنيا بحيث يبدءون في ازدراء كلام الله واحتقار رسله وشرائعه، ويتعامون عنها، وهكذا يغلقون في وجوههم أبواب الهداية. ذلك أن صدأ قلوبهم إنما يزول بالهداية الإلهية، ولكنهم يزعمون أنهم أسمى من أن يتبعوها، وبالتالي لا يبقى أي أمل في اهتدائهم في المستقبل أيضًا.

وهناك أمر آخر جدير بالذكر هنا وهو أن الله تعالى قد ألقى هنا الضوء بأسلوب رائع لطيف على حقيقة الإثم وعقابه، حيث بيّن أن الإثم الحقيقي الذي يعاقب عليه الإنسان هو “ما يكسبه”. وكما سبق في شرح الكلمات فإن “الكسب” يعني إتيان الأمر عمدًا وقصدًا، وجَمْع الشيء أيضا. فأشار باستخدام كلمة يكسبون إلى أمرين:

الأول: أن الآثم من يتهافت على قذارة المعصية عمدًا وقصدًا، أما إذا صدرت عن الإنسان سيئةٌ ما خطأ أو نسيانا فلن تُعد إثمًا في الحقيقة، ولن يُعتبر مرتكبها آثما حقيقيًا في مصطلح الشرع الإسلامي.

والثاني: يلزم لاعتبار الشخص آثمًا حقيقيًا أن يجمع الإثم أي أن يرتكبه على التوالي والتواتر، أما إذا لم يرتكبه بشكل متتالٍ ومتواتر وإنما صدرت منه المعصية-ولو عمدا- ولكنه بادر إلى إبداء الندامة والتوبة عنها وتركها فلن يكون هو أيضا من الآثمين. ذلك أن “الكسب” يتضمن معنى الجمع والتواتر، وبناء على ذلك فإنما الآثم المستوجب للعقوبة في الشرع الإسلامي هو من ارتكب الجريمة عمدًا وأصر على ارتكابها غير تائب عنها.

وقد شرح الله هذا الأمر في آية أخرى أيضًا إذ قال الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (النجم: 33) أي سوف يصفح الله عن الذين يجتنبون المعاصي الكبيرة والعيوب الواضحة الفاضحة، اللهم إلا أن يقعوا فيها مرة ثم يقلعوا عنها نهائيا، فان ربك لذو مغفرة واسعة.

وأما العقوبة فقال عنها: مَأْوَاهُمُ النُّارُ ، والمأوى – كما مر آنفًا – هو المكان الذي يلوذ به الإنسان. ويتعجب المرء كيف أن الله تعالى يسمي النار هنا مكانًا يلوذ به هؤلاء العصاة، ولكنه يُدرك بقليل من التدبر أن الله تعالى قد وضّح بهذه التسمية حقيقة العقوبة الإلهية. فإن عقاب الله لا يهدف في الواقع إلى إيذاء العاصي وإنما إلى علاجه وشفائه. وكما أن الإنسان يكره في بداية الأمر الأذى الذي يصيبه عند العلاج ولكنه يرغم نفسه على تحمله وقبوله حينما يدرك أنّ هذا خير له في عاقبة أمره، كذلك حقيقة العذاب الإلهي عندما تنكشف على العصاة تماما فسوف يعتبرون النار التي يُلقون فيها مأوىً لهم: أي ملاذا ومنجىً من العذاب الحقيقي الذي هو سخط الله والحرمان من قربه سبحانه وتعالى. فباستخدام “المأوى” صرّح أن العقاب الإلهي ليس للإيذاء وإنما هو وسيلة للتطهير، وهو الوسيلة الوحيدة لتطهير العصاة ونجاتهم.

وقد أطلق على عذاب الآخرة اسم النار أيضا لأن العالم مجموعة لنوعين من الظواهر: نوري وناري. فالتعلق بالله تعالى يهدي الإنسان إلى النور الذي يجلب له الفرحة وقرة العين، وأما التهافت على الدنيا فيدفعه إلى النار. وبما أن السيئة تؤدي إلى النار لذلك أُعدَّ لمرتكبها مكانٌ مشابهٌ لها.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (يونس:10)

شرح الكلمات:

تحت: “تحت” مقابل لفَوْقَ. و”تحت” يُستعمل في المنفصل، و”أسفل” في المتصل، يقال: المال تحته، وأسفله أغلظ من أعلاه(المفردات) وقد يُستعمل “تحت” بمعنى أسفل. والتُحوتُ: أراذلُ الناس والأتباع والخدم. وفي الحديث: “لا تقوم الساعة حتى يظهر التحوت” (كنـز العمال، القيامة). أي لن تقوم القيامة حتى يتقوى الفقراء والعمال ويستولوا على الحكومات. وزمن اقتراب القيامة هو زمن المسيح الموعود فالحديث يشير إلى الحركة البولشوفيكية، ومعناه أنه لن يظهر المسيح الموعود إلا عندما يتغلب العمال وأصحاب الحرف على الرأسماليين ويستولون على الحكم ويصبحون ملوكًا وحكامًا.

ونظرًا إلى هذا المعنى فإن قوله تعالى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يعني أن تلك الأنهار سوف تكون ملكا لهم وتحت تصرفهم، لأن أعمالهم كانت أيضا من عندهم. فلن يضايقهم فيها أحد كما يحدث في هذه الدنيا حيث يسلب موظفو مصلحة الري أصحاب الأراضي مثلاً، أو يجبون منهم الضرائب للحكومة. كلا، بل ستكون هذه الأنهار ملكًا لهم.

النَّعيم: يقولون عمومًا عن كلمة النعيم بأنها جمع نعمة، وهذا خطأ، وإنما معناها: العطية؛ (الأقرب) والنعيم أيضًا: النعمةُ الكثيرة (المفردات).

التفسير:

لقد بيَّن الله هنا أن الهداية الحقيقية إنما تُكتسب بالإيمان، وأن العمل وحده لا يجدي فتيلا إذا لم يصلُح القلب معه. فلو كان أحد عازما على السرقة مثلاً دون أن يتمكن منها فإنه لن يُعد أمينا.كذلك لو خاف أحد في الحق غيرَ الله فإنه وإن لم يسجد لهذا المخوف سجودًا ظاهريًا فلن يُعَدَّ من الموحدين الصادقين.

فإن عقاب الله لا يهدف في الواقع إلى إيذاء العاصي وإنما إلى علاجه وشفائه. وكما أن الإنسان يكره في بداية الأمر الأذى الذي يصيبه عند العلاج ولكنه يرغم نفسه على تحمله وقبوله حينما يدرك أنّ هذا خير له في عاقبة أمره، كذلك حقيقة العذاب الإلهي عندما تنكشف على العصاة تماما فسوف يعتبرون النار التي يُلقون فيها مأوىً لهم: أي ملاذا ومنجىً من العذاب الحقيقي الذي هو سخط الله والحرمان من قربه سبحانه وتعالى.

هناك بعض الجهلة الذين يزعمون أن الإسلام لا يؤيد ولا يحض على الأعمال الصالحة، وإنما يرى الكفاية في التركيز على الإيمان. هذا ليس صحيحا أبدًا. إن ما يؤكد عليه الإسلام هو أنه يجب على المرء-إلى جانب العمل- تزكيةُ القلب وتطهيره أيضا. إذا لم يكن المرء ذا قلب طاهر ولا يتفق باطنُه مع عمله الظاهر فلن يجديه الإيمان. وأي عاقل هذا الذي يرفض الحقيقة الناصعة أن الطهارة الحقيقية إنما هي طهارة القلوب والأفكار. إذا تطهر القلب وصفا فمن المحال ألا تتبعه الأعمال. يمكن أن يأتي المرء بأعمال تتعارض مع ما في قلبه من عقيدة -خوفا من الناس- ولكن لا يمكن أبدا أن يغير ما في قلبه من أفكار وعقائد خشية منهم، إذ لا قدرةَ ولا سلطان لأحد على ما في قلوب الآخرين، بل إن القلوب أسمى وأعتى من أن يسخرها أحد وإن كان من الجبابرة الطغاة. ومن أجل ذلك أناط الله سبحانه وتعالى نجاة الإنسان بالشيء الذي تحت تصرفه وسلطانه هو وحده، ولا أحد يمكن أن يتدخل فيه.

وأشار بقوله بِإِيمَانِهِمْ أيضا إلى أن الجزاء يكون بحسب الإيمان بمعنى أنه من الممكن أن يتساوى اثنان في العمل الظاهر، ولكنهما يتفاوتان في نيل الجزاء نظرًا لما في القلوب من إخلاص وحب للعمل. وهذه حكمة عظيمة. وقد قال النبي لأصحابه عن أبي بكر y إنه يفضُل عليكم لما في قلبه. كما نجد في الدنيا أيضًا أن البعض يكون أكثر صومًا وصلاة من غيره، ولكنَّ هذا الأخير يكون أوسع منه موردًا للأفضال الإلهية. وإن مرجع ذلك إلى ما في القلب. فالذي يكون أكثر طهارةً وأصدقَ إخلاصًا ينال أجرًا أكبر على عملٍ أقلَّ في الظاهر. ذلك أن أعماله كلها تصبح في الواقع عبادةً لله تعالى، لأن أعماله الدنيوية في الظاهر تكون أيضا من أجل الله تعالى، ولأن الشفقة على خلق الله تكون هي الدافع وراء كل حركة وعمل منه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك