قبس من تاريخ المغرب (2)

قبس من تاريخ المغرب (2)

بدأ الفتح الإسلامي في اتجاه الغرب سنة 22 هـ إبان الحكم البيزنطي الذي اشتدت وطأته على سكان شمال إفريقيا، وقاده عمرو بن العاص، وبالرغم من توقف مسيرة هذا الفتح وتأخره بسبب الأحداث التي جرت في فترة خلافة عثمان بن عفان ، إلا أن هذه المسيرة استأنفت نشاطها ما بين سنتي 27 و 28 هـ تحت قيادة عبدالله ابن أبي سرح. (1)

وفي سنة 40 هـ، وبعدما استقر الأمر لمعاوية ابن أبي سفيان تجدد الفتح بقيادة “ابن حديج السكوني” الذي قضى على آمال الروم في استعادة أفريقية (تونس حاليا) وعاد إلى مصر تاركا حماية الإسلام والدعوة إليه في يد البربر مما جعلهم يحسون بكرامتهم وحبهم لمنهج هذا الدين ومن حمله إليهم، كما أحس البربر في أول سابقة تاريخية لهم على أنهم عوملوا كأصحاب أرض. كما أن تعرفهم على الجزية التي كانت أرحم بكثير وأقل من جبايات الغزاة أثر كثيرا في نفوسهم وولد فيهم إحساسا إيجابيا خصوصا أنها تستثني الفقراء ومعتنقي الإسلام من الأداء.

ازداد إقبال البربر على الإسلام فدخلوه بأفواج كبيرة عن رغبة لا عن رهبة ووهبوا أبناءهم لجيش الفتوحات فكانوا عموده الفقري والحامي الأعظم والساهر على حماية الملة والدين، وساهمت العقيدة الإسلامية في إذابة فوارق العرق واللون واللسان بين العرب والبربر فكانت روابط العقيدة أقوى من روابط الدم.

نَعِمَ البربر في ظل العرب الفاتحين بحقوق لم يكن لهم منها نصيب من قبل بدرجة كبيرة، كما منحوا من الحريات ما يكفيهم للتعبير عن مشاكلهم ومصالحهم دون خوف أو قمع، ونخص بالذكر القائد البربري (كسيلة) الذي تزعم معارضة سياسية غير دينية، واضمحلت حركته إبان حكم عمر ابن عبد العزيز الذي قضى بمساواة أكثر بين المسلمين في أرض الإسلام وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على اهتمام العرب بتطبيق وإشاعة عدالة الإسلام الاجتماعية بين مختلف الشعوب.

ثم جاء فتح الأندلس الذي اعتبر آنذاك مجازفة خطيرة لأن بحر (الزقاق) ( البحر المتوسط) الذي يفصل بين المغرب العربي وإسبانيا يرهب النفوس، إلا أن ظروفا مساعدة جعلت موسى ابن نصير قائد الجيش الإسلامي آنذاك بعد تشاور مع عبد الملك ابن مروان يرسل أول كتيبة استطلاع سنة 91 هـ بقيادة “طريف ابن مالك المعافري” وذلك للاستئناس وجس النبض واختبار ردود فعل الحاكم (يلبان)(2). كان لهذا الأخير دور كبير في تمهيد الظروف للمسلمين للوصول إلى الأندلس، حيث إنه كان في ما مضى ممن ولاه البيزنطيون على إفريقية الطنجية ( شمال المغرب الأقصى حاليا). ومع قدوم الفتوحات الإسلامية للشمال الأفريقي وتقدمها انقطعت امداداته مما جعله يترك (طنجة) للمسلمين ويتحصن في سبتة عاقدا معهم صلحًا، فكانت طنجة تحت قيادة طارق ابن زياد، شاء القدر بعدها أن يكون لـ (يليان) خصومات مع حكام اسبانيا بسبب ما أصاب شرف أسرته من عار، وانتقاما لذلك انتهج سياسة معاكسة ومضادة لخصومه فأخذ يمهد للمسلمين كل ما يساعدهم لاقتحام الأندلس حتى عرض عليهم موافقته الكلية لأي تحرك نحو تلك المنطقة وأفادت بعض المراجع التاريخية أنه أمد المسلمين بأسطول بحري ضمه موسى ابن نصير إلى أسطوله الذي كان يصنع في ميناء القيروان.

انطلق المسلمون لأول مرة في اتجاه الأندلس وبالتحديد نحو ساحلها الجنوبي سنة 91 هـ تحت زعامة القائد “طريف بن مالك المعافري” فسميت المنطقة باسمه، وإلى يومنا هذا ما زالت تحتفظ تلك المدينة الإسبانية باسمه والمعروفة بحسب الإسبان بـ Tarifa نسبة للعربي المسلم طريف؟..

بعد نجاح الفتح الأول بالساحل الجنوبي للأندلس انطلق لواء الفتح الكبير بأمر من موسى ابن نصير نحو الأندلس سنة 92 هـ تحت قيادة طارق ابن زياد على رأس جيش قوامه سبعة آلاف جندي معظمهم من البربر.

وقد ذهب بعض المؤرخين في تعليل تغليب نسبة البربر على العرب في تحليلات وتساؤلات لا طائل من سردها متناسين أن روابط العقيدة أقوى من أي روابط أخرى، كما أن البربر والعرب قد اندمجوا اجتماعيا وتجنسوا حتى تعرب معظم البربر على مدى جيلين أو ثلاثة فأصبح الدفاع عن حمى الإسلام وتبليغه مفخرة لهم، ثم لو شغل بعض المؤرخين عقولهم قليلا لعلموا أن البربر أكثر إلماما من العرب بالمنطقة والساحل المتوسطي المطل على الأندلس بل وبطبيعة شعوبه؟؟ وعلى ذكر طارق ابن زياد أرى من الواجب التعريف بنسبه وحسبه. فاسمه الكامل (طارق ابن زياد ابن عبد الله ابن ولغو الزناتي)، اختلف المؤرخون في أصله فذهب بعضهم إلى أنه فارسي همداني (3) ورأى آخرون أنه بربري من “نفرة” بينما قال آخرون أنه عربي من “صدف” (4)؟ والمتفق عليه أنه كان مولى لموسى ابن نصير وفي رأينا ومن خلال اسمه الرباعي ولقبه زناتي فإنه من البربر من قبيلة “زناتة” وهو من الجيل الثالث من البربر الذين اعتنقوا الإسلام وكانوا يهبون أبناءهم لجيوش المسلمين كما سبق ذكره.

فـ”ولغو” اعتنق الإسلام وسمى ابنه زياد وزياد سمى طارق، وهذه كلها تسميات إسلامية تدل على انصهار البربر مع العرب تحت راية الدين الحنيف.

لقد عجز الروم والبيزنطيون والوندال أن يجنسوا البربر وهم الغزاة الذين جاسوا خلال الديار لمدة تزيد عن ستة قرون فلا قوتهم ولا بطشهم ولا إغراءاتهم استمالت البربر لتذيبهم ولا طول مدة استعمارهم نجحت لتحقيق مسعاهم التوسعي.

لقد تناولت كتب التاريخ ملامح طارق ابن زياد بوصف دقيق منها أنه طويل القامة ضخم الهامة أشقر اللون (5) وهذه كلها صفات بربرية لذلك كان من المنطقي أن يقود بربري جيشا مسلما جعله من البربر. (يتبع)

المراجع:

  1. تاريخ المغرب العربي، المجلد الأول فتح الأندلس.
  2. نفس المرجع.
  3. المقري “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب” تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد ج1 ص238.
  4. صفة جزيرة الأندلس من كتاب “الروض المعطار في حبر الأقطار”.
  5. الملك ابن حبيب نشره الدكتور محمد علي مكي مجلية، معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، سنة 1957م، ص 221.

 

مساهمة الصديق أبو أشرف (المغرب)

Share via
تابعونا على الفايس بوك