خدمات الحَكَم العدل لإصلاح عقائد المسلمين وأعمالهم (القسط الثاني والأخير)
التاريخ: 1985-05-03

خدمات الحَكَم العدل لإصلاح عقائد المسلمين وأعمالهم (القسط الثاني والأخير)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة السادسة عشرة من مجموع ثماني عشرة ردَّ فيها

حضرة مرزا طاهر أحمد – أيدَّه الله –

على تهمٍ باطلة ألصقتها حكومة باكستان بجماعتنا ونشرتها في كتيّب تحت عنوان

«القاديانية خطرٌ رهيب على الإسلام» أثناء حملتها الشرسة ودعايتها الكاذبة ضد

جماعتنا ومؤسّسها عليه السلام

(أُلقيتْ بتاريخ 3 أيار عام 1985م في مسجد “فضل” بلندن)

«تنشر أسرة التقوى ترجمة هذه الخطبة على مسؤوليتها»

الأحمدية وعصمة الأنبياء

والآن أقرأ عليكم قصصاً نسجوها عن النبي وغيره من الأنبياء، وسوف تستغربون لقوة اختلاقهم وتزويرهم. ومن ناحية ثانية يجب أن تشكروا الله ما استطعتم لأنَّ الله قد منَّ عليكم إذ بعث سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وأخرجكم من الظلمات المتراكمة إلى النور الباهر. هناك أقوالٌ كثيرة في هذا الصدد ولا يمكن بيانها في خطبةٍ واحدة كما يجب بل سيستغرق الأمر شهوراً عدة، لذا نأخذ موضوع عصمة الأنبياء على سبيل المثال، فموقف الأحمدية واضح تمام الوضوح في هذا الموضوع أيضاً. فقد شرح سيدنا الإمام المهدي هذا الموضوع شرحاً وافياً في مواضع عديدة في كتبه. غير أنني سأقرأ على مسامعكم ملخصه بكلمات سيدنا المصلح الموعود الخليفة الثاني للإمام المهدي ، يقول حضرته:

“إنَّ أنبياء الله كلهم معصومون عن الخطأ، وهم نموذج حيٌّ وصورةٌ متجسّدة للصدق والوفاء. إنهم يعكسون صفات الله ويرمزون بكل صفاء وجلاء إلى كونه سبحانه وتعالى سُبُّوحاً وقُدُّوساً ونزيهاً عن أي عيب أو نقيصة. إنهم في الحقيقة يكونون بمثابة مرآة يرى فيها الأشرارُ أحياناً وجوهَهم فينسبون قُبحَهم إليهم. لم يخالف سيدُنا آدم الشريعةَ كما لم يكن نوح مُذنباً. لم يكذب إبراهيم قط، ولم يخدع يعقوب أحداً إطلاقاً. لم يعزم سيدنا يوسف على اقتراف السيئة ولا السرقة ولا الخداع، ولم يقتل موسى نفساً بغير حق، ولم يغتصب سيدنا داود من أحدٍ امرأته. ولم ينسَ سليمانُ واجباتِه من جرّاء حبٍّ مشركة، ولم يُهمل الصلاة من أجل حب الخيل. ولم يرتكب رسول الله ذنباً قط؛ كبيراً أو صغيراً. كان نزيهاً عن جميع العيوب، وكان مصوناً ومحفوظاً من كافة الذنوب. والذي يحاول إحصاء عيوبه إنما يُظهر خبثَ باطنه هو” (دعوة الأمير ص149)

اتهامهم آدم

هذا ما تتصوّره الأحمدية عن الأنبياء. فكيف يمكننا القول – بعد تمسّكنا بهذه الأفكار السامية – إنَّ أفكارنا عن الأنبياء تشبه أفكاركم أيها المعارضون؟ وكيف لا نقول إنَّ رسولنا غير رسولكم، وأنبياءنا غير أنبيائكم؟ فاستمعوا الآن ما قلتموه عن الأنبياء. فقد جاء في التفسير الحسيني ج1، ص351 ما معناه:

“كان الشيطان يسمّى “حارثاً” في أوساط الملائكة فقال الشيطان لآدم: لو سمّيتَ ابنك “عبدَ الحارث” لسهلتْ ولادتُه. فسمّاه حضرته “عبدَ الحارث” بدلاً من عبد الله”.

كذلك ورد في تفسير معالم التنزيل ما معناه: إنَّ آدم أشرك بالله. أي أنَّ هو أول من قام بالشرك في الدنيا، والعياذ بالله من هذه الخرافات. (من أراد الاطلاع على تفاصيل أكثر فليرجع إلى الجلالين مع كمالين ص353، ومعالم التنزيل ج3 ص7)

اتهامهم إدريس

لقد جاء في تفسير معالم التنزيل عن سيدنا إدريس تحت آية وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ما مفاده أنَّ إدريس دخل الجنة عن طريق الخديعة والكذب ثم رفض الخروج منها. (و من أراد الاطلاع على التفصيل فليرجع إلى المرجع الأصلي)

يقول القرآن الكريم: مَن سرَّه دخول الجنة فليأتيها من بوابة الصدق والحق. أما هذا المفسّر المسكين فقد اطلع على طريق آخر عرفه نبي من أنبياء الله عز وجل، وهو طريق الكذب، فدخل الجنة عن طريق الكذب، والعياذ بالله.

اعتراضهم على طهارة لوط

وإليكم تصوّراً يقدّمه المفسّرون عن طهارة سيدنا لوط وغيرته على بناته. فقد جاء في تفسير الكشّاف للزمخشري في تفسير الآية هؤلاء بناتي :

“أراد أن يقي ضيوفه ببناته، وذلك غاية الكرم، وأراد: هؤلاء بناتي فَتَزوَّجُوهُنَّ”. (الكشاف، للإمام الزمخشري، ج2 دار الكتاب العربي)

إنَّ أنبياء الله يُبعثون للقضاء على الأهواء النفسانية ورفعِ راية الجهاد ضدها، وليهبوا الطهارة للناس ويُخرجوهم من الأوساخ، فيُقدِّمون أسوةً مثلى للغيرة والأَنَفة لدرجة لا يُضاهيهم فيها أحد. ولكن لاحِظوا ما يقوله المفسّرون على عكس ذلك تماماً أنَّ نبي الله يُقدّم بناته لهؤلاء القوم ليفعلوا بهنّ ما يشاؤون – والعياذ بالله – وذلك حين يرى الناسَ مجتمعين حوله بكثرة وثائرين لدرجةٍ لا توصف، ورغم ذلك يقدَّم بناته لهؤلاء السباع!! هذا هو تفسيرهم وهذا تصوّرهم لعصمة الأنبياء!!

ولقد أضاف تفسير الجلالين على ذلك قليلاً وقال ما مفاده: إن لوط قال لهم أَنْ أَشْبِعوا شَهواتِكم عن طريق الزواج منهن. ولكن السؤال هو: إذا كان له بنتان أو ثلاثة بنات فكان من الممكن أن يتزوّج منهن رجلان أو ثلاثة، ولكن أقنع هذا الجوابُ القومَ كلهم. في حين يقول القرآن الكريم بأنهم كانوا يملكون عقليةً فاسدة، وقلوباً فاسدة لدرجةٍ كبيرة، وكانوا قد تعوّدوا على أفعال شنيعة (أي الشذوذ الجنسي) إذ كانوا يُشبعون شهوتهم من أبناء جنسهم، لذا جاؤوا إلى لوط يلومونه لأنّه كان يمنعهم منها ويدعوهم إلى الطهارة والعفاف وترك الأفعال الشنيعة. وكأنَّ الحل الذي أوجده سيدنا لوط لهذه المسألة، كما يقول المفسّرون بأنه قدَّم لهم بناته دون بنات القوم كلهم – والعياذ بالله – لكي يرتدعوا عن الشذوذ الجنسي.

يتساءل المرء مستغرباً: أليس للجهل حدود؟ إنّهم يتهمون نبي الله بمثل هذه التهم القذرة ولا يستحيون؟

تهمة مضحكة على داود

لا شك في أنَّ سيدنا داود أيضاً نبيٌّ طاهرٌ عظيم من أنبياء الله. اقرؤوا سِفره “الزبور” سوف تعرفون كم كان نشواناً في حب الله تعالى وكم كان يسبّحه ويُقدّسه! ولقد ذكر الله تعالى الزبورَ في القرآن الكريم بكلمات التقدير والحب العظيمين. أما كتب التفسير مثل الجلالين والخازن وجامع البيان فقد وردت فيها قصصٌ غريبة عنه تحت تفسير الآية:

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ… (سورة ص: 21- 25)

فجاء في قصة:

“دخل داود محرابه وأغلق بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور، فبينما هو كذلك إذ جاءه الشيطان وقد تمثّل له في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لونٍ حسن، وجناحها من الدرِّ والزبرجد، فوقعت بين رجليه فأعجبه حسنها فمدّ يده ليأخذها.”

هذا يعني أنّه إذا رأى الحمامة نسي ما كان يقرأ من الزبور وسعى وراء الذهب الزعوم. الواقع أنَّ الله عز وجل كان قد أعطاه من الثروة والشوكة ما لم يؤتَ نبيٌّ غيره إطلاقاً. غير أنَّ المفسرين يرون أنه كان حريصاً على جمع الذهب لدرجة سعى فيها وراء الحمامة، تقول القصة:

“…. فلما قصد أخذها طارت غير بعيد من غير أن تُؤيِّسه من نفسها. فامتدَّ إليها ليأخذها فتنحَّت، فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة، فذهب ليأخذها فطارت من الكوة، فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها له. فأبصر امرأةً في بستان على شاطئ بركة تغتسل، وقيل: رآها تغتسل على سطحٍ لها. فرآها من أجمل النساء خَلقاً فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظلَّه، فنفضتْ شعرَها فغطّى بدنها فزاده ذلك إعجاباً بها. فسأل عنها فقيل: هي تشايع بنت شايع امرأةُ أوريا بن حنانا، وزوجُها في غزاةٍ بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود. فكتب داود إلى ابن أخته أَنِ ابْعَثْ أوريا إلى موضع كذا، وقدِّمْه قبل التابوت، وكان من قُدِّمَ على التابوت لا يحلُّ له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أو يُستشهد. فبعثه ففُتِح له، فكتب إلى داود بذلك. فكتب إليه أّنِ ابْعَثْه إلى عدوٍ كذا وكذا أشدّ منه بأساً، فبعثه ففُتِح له. فكتب إلى داود بذلك، فكتب إليه أّنِ ابْعَثْه إلى عدوٍ كذا وكذا أشدّ منه بأساً. فقُتِل في المرة الثالثة. فلما انقضَتْ عِدَّةُ المرأة تَزوَّجَها داودُ فهي أُمُّ سليمان . وقيل: إنَّ داودَ أحبَّ أن يُقتل أوريا فيتزوّج امرأتَه، فهكذا كان ذنبُه”. (تفسير الخازن المسمَّى بــــــ لباب التأويل في معاني التنزيل وبهامشه تفسير البغوي المعروف بمعالم التنزيل)

ثم جاء في تفسير الآيات المذكورة والتي تليها:

“هذا كله تمثيلٌ لأمر داود مع أوريا زوجِ المرأة التي تزوجها داود حيث كان لداود تسعٌ وتسعون امرأة ولأوريا امرأةٌ واحدة”. (المرجع السابق)

هذا تفسيرهم وهذه أفكارهم عن الأنبياء! ولا نملك إلا أن نقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» على هذا العلم والمعرفة. لو قيل مثل هذا الكلام عن حاكم عادي من حكّام الدنيا اليوم لهبَّ للقتال وإهراق الدماء حتماً، ولحدثت ضجةٌ في العالم، أما لو كانت هذه التهم صحيحة لحدثت ثوراتٌ كبيرة. فلو ثبت أنَّ حاكماً أمر بقتل ضابط من ضباط الجيش ظلماً واستبداداً بغيةَ اغتصاب زوجته منه لما تُرِك أمرُه على عواهنه بل اعتُبرت جريمة كبيرة جداً حتى لدى الملحدين من الدرجة السفلى أيضاً. ولكن المفسرين يقولون عن نبي عظيم من أنبياء الله – الذي ورد ذكره بالحب والتقدير البالغين في القرآن الكريم – بأنه ولعَ في عشق امرأة وشُغِفَ بها حبّاً، والعياذ بالله. الواقع أنَّ الصفة المميزة التي كانت مدعاةً لمدح سيدنا داود، قد حاول المفسّرون أن يحوِّلوها منقصةً وعيباً فيه، وما خافوا الله في ذلك أبداً. من الممكن أن يكونوا قد قالوا ما قالوا بسبب جهلهم ولكنهم تجاوزوا حدود الجهل كلها. والأغرب أنّه حيثما يؤكّد الله سبحانه وتعالى على طهارة أنبيائه الكرام يسعى هؤلاء العلماء الجُهَّالُ أن يحولوها إلى جرائم أولئك الأطهار. الحق أنَّ كل الآيات التي حاول المفسّرون من خلالها عزوَ الجرائم إلى الأنبياء، تتحقّق من الآيات نفسها براءتهم ونزاهتهم من الجرائم المنسوبة إليهم ظلماً وزوراً. وكلما قدَّم الله تعالى نبياً وذكر ميزته المعينة بصورةٍ بارزة أنكر المفسّرون تلك الميزة بالذات ووجَّهوا إليه التُّهم ووصمة العار بدلاً من المدح والثناء.

تهمة بشعة بيوسف

وهاكم الآن قصة سيدنا يوسف كما نسجوها. لا شكّ في أنه كان نبياً في قمة الطهارة والعفّة. لقد سرد الله لإثبات عفّته وطهارته هذه قصةً فحوَّلها الناس إلى قصة “يوسف وزليخا”. ثم يقدّمون سيدنا يوسف كشخصٍ شهواني وأما زليخا فيسمّونها باسم “السيدة زليخا”، ويُقدِّمونها كسيدة المعصومات. وهكذا قلبوا المعايير رأساً على عقب، وسمّوا العقلَ جنوناً والجنونَ عقلاً، كما قال الشاعر. الحق أنَّ هذا التعبير ينطبق على هذا الوضع أكثر من غيره.

وجديرٌ بالانتباه أنَّ الشخص الذي يذكر الله تعالى طهارته وعفّته بنفسه، يحاول هؤلاء أن يصموه بالعار، والمرأة التي يقول الله تعالى عنها بأنها امرأة سيئة، لا يملُّ المفسرون من كيل المدح والثناء عليها.

أقول لمعارضينا: هذا قرآنكم، وهذه أفكاركم عن الأنبياء. لا شكّ أنكم لو كنتم تتمسّكون بهذه الأفكار، فوالله، ثم والله، ما ارتكبنا جريمة إذ قلنا إنَّ قرآننا غير قرآنكم وأنبياؤنا غير أنبيائكم، ولا علاقة لأفكاركم بالأفكار الطاهرة التي زوَّدنا بها سيدُنا الإمام المهدي والمسيح الموعود .

وحين بعث الله حَكَماً عَدْلَاً وأرى أنوار القرآن الأصفى بصورةٍ نقية ومطهَّرة، طفقوا يهاجموننا ويقولون إنَّ قرآنكم غير قرآننا. وأقول: نعم، إنَّ قرآننا هو ذلك القرآن الذي يشهد بعصمة الأنبياء وليس بالذي يرميهم بالتهم.

هناك ما يربو على عشرين رواية وردت في تفسير روح المعاني وجامع البيان تتلخّص في أنَّ سيدنا يوسف عقد عزماً صميماً على ارتكاب الزنا بهذه المرأة. تقع في صفحاتٍ عديدة تذكر تفاصيل الموضوع، ولو حاولتم قراءتها لتفصّدت جباهكم عرقاً. لقد سردوا عن نبيٍّ طاهر ومقدّس أموراً غريبة تقشعرُّ لهلولها الجلود. فمثلاً يقولون إنَّ جبريل نزل ليمنعه عن عزمه للزنا ولكنه لم يمتنع. ثم أرسل الله أباه فقام في وجهه لعلّه يستحي منه، ولكنه – والعياذ بالله – لم يفعل. وكأنهم يقولون: إنَّ الله تعالى قد اضطر أن يأمر سيدنا يعقوب ليقوم في وجهه حتى يخجل منه على الأقل، ولكن رغم ذلك لم يمتنع يوسف من ذلك، وعندها خطط الله تعالى – كما يزعمون – خطةً أخرى، والعبارة التي تذكر هذه الخطة هي من الوقاحة بحيث لا يقدر أي إنسان شريف على قراءتها لذا أتركها جانباً. لقد سردوا هذه القصص اللاأساسية بكل وقاحة في تفسير الجلالين وفي جامع البيان أيضاً. والأسوأ من ذلك أنهم يقولون هذا عن نبي يقدّمه الله كسيد المعصومين. فإذا كان هذا رأيهم عن نبي طاهر ومقدَّس فماذا عسى أن تكون آراؤهم عن الذين يلونهم من الأولياء والأقطاب والصلحاء؟ يقومون بهجماتٍ غاشمة علىلا الأطهار والمقدَّسين. وحين بعث الله حَكَماً عَدْلَاً وأرى أنوار القرآن الأصفى بصورةٍ نقية ومطهَّرة، طفقوا يهاجموننا ويقولون إنَّ قرآنكم غير قرآننا. وأقول: نعم، إنَّ قرآننا هو ذلك القرآن الذي يشهد بعصمة الأنبياء وليس بالذي يرميهم بالتهم.

نعود مرةً أخرى إلى قصة عفاف “زليخا”. لقد أوردوا بهذا الشأن قصةً طويلة في منتهى الغرابة. وبما أنها طويلة جداً لذا سوف اقتبس منها مقتبساً وجيزاً فقط حيث يقولون:

“لو استعرضنا الموضوع بالعين المحايدة والأمانة لاضطررنا إلى القول بأنَّ مَثَل عفّة السيدة زليخا مفقودة في مجتمعنا اليوم”.

لا نملك هنا إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون! ماذا عسى أن تكون حالة ذلك المجتمع الذي لا توجد فيه مَثل تلك “العفّة” أيضاً؟ ثم يقولون:

“… إنَّ أَمةَ الله هذه قضت طوال حياتها بالصبر ولم تُدنِّس عصمتها. ورغم كونها ثريةً وجميلة، وكانت دواعي التحرُّر والسُفور كلها متاحة لها بسبب الجهل الفاشي، ولكنها قضت فترة شبابها كلها مع شخصٍ عِنِّين وحافظتْ على ثروة بكارتها”.

لقد اختلقوا قصةً أخرى أنَّ عزيز مصر كان عِنِّيْناً؟! ثم لاحِظوا وسعةَ جولانِ أذهانهم وسِعةَ علمهم! حيث يقولون:

“… من المعلوم أنَّ فُرص إشباع الشهوات والشذوذ الجنسي (كما يقولون) التي تسنح لامرأةٍ منكوحة لا تسنح لفتاة غير منكوحة ومقصورة على البيت. وتكون المرأة الجالسة في البيت وغير المنكوحة معرَّضة لتشويه السمعة أكثر من المرأة المتزوّجة. فحماية مثل هذه المرأة المتربّية في الجو المتحرّر لعصمتها وعفّتها، ليس إلا الولاية الكاملة والفضل من الله”.

أقول: فلو قرأنا ذكر زليخا – كما ورد في القرآن الكريم – وقارنّاه بقولهم المذكور لاستغربنا وتحيّرنا حيرةً لا مزيد عليها لإيجادهم المبرّرات في منتهى الغرابة. من المفروض أن تُجرى لهم تحليلاتٌ مطولة حتى يستطيع الأطباء معرفة تركيب أدمغة هؤلاء الذين اختلقوا مثل هذه القصص الخيالية. ولا ينتهي الأمر هنا بل يُضيفون ويتجاوزون الحدود كلها إذ يقولون:

“… واهاً يا زليخا الزوجة الطاهرة للنبي….”

وبذلك يزوِّجونها أيضاً من سيدنا يوسف !!

“واهاً… لعظمتك وهمَّتك، إذ كنت متحلّية بحلية العصمة إلى جانب ثروة البكارة والعذارة حين لقائك بيوسف في مقصورة الزفاف”.

لا نملك هنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. يقولون:

“… لقد تمَّ إثبات عفّة زليخا. فلو أنَّ أحداً وضع على عينيه ثوب الوقاحة والعصبية وأعرض عن هذه الحقائق فليفعل كما يحلو له، وإلا فإنَّ نظرة العدل لا تسمح بإنكار هذه الحقائق”. (العطايا الأحمدية في الفتاوى النعيمية ص358 – 361)

إذن كيف يمكننا القول والحالة هذه بأنَّ قرآننا هو قرآنكم نفسه، وأنبياؤنا هم أنبياؤكم أنفسهم؟ لا! والله لا!! إننا نؤمن بالقرآن الذي نزل على القلب الطاهر لسيدنا ومولانا محمد . ونؤمن بالأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم بالتكرار بالحب والتقدير المتزايدين، والذين شهد بعفّتهم وطهارتهم. فإلى أي نوعٍ من الأنبياء تجروننا؟ ليس هناك نبي ورد ذكره في القرآن الكريم ولم تُطيلوا عليه لسان الطعن ولم تَصِموه بالعار والشنار.

خرافاتهم عن سليمان

لقد ورد تحت آية وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا في تفسير النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل للإمام عبد الله بن أحمد النسفي، المطبوع في دار النفائس:

“رُويَ أنَّ سليمان أمر قبل قدومها فبُنِيَ له على طريقها قصرٌ من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه السمك وغيره، ووضع سريره في صدره، فجلس عليه. وقيل: إنَّ الجنَّ كرهوا أن يتزوَّجها فتُفضي إليه بأسرارهم لأنها كانت بنت جنيّة. وقيل: خافوا أن يُولد له منها ولد يجتمع له فطنة الجن والإنس…. فقالوا له: إنَّ في عقلها شيئاً، وهي شَعراءُ الساقين، ورِجلها كحافر الحمار، فاختَبَر عقلَها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليعرف ساقها ورِجلها، فكشفتْ عنهما، فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً إلا أنها شَعراء فصرف بصره. وأراد سليمان أن يتزوجها فكَرِهَ شعرَها، فعملتْ لها الشياطينُ النورةَ، فأزالته فنكحها سليمان” .

يقول سيدنا الإمام المهدي في هذا الصدد ما تعريبه:

“ففي هذا الصدد ورد في القرآن الكريم آية إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ أي قال لها النبيُّ: يا بلقيس لماذا تنخدعين إنها لزجاجاتُ هذا القصر الزجاجي التي رُصفتْ على السطح العلوي بصورة الأرضية، وتحت هذه الزجاجات يجري الماء، والزجاجات ليست ماءاً بحد ذاتها. عندها علمتْ أنه قد نبَّهها بهذا الطريق على خطئها الديني، وأنها كانت مخطئة حين سلكتْ مسلك الضلال بعبادتها الشمس”. (نسيم الدعوة، الخزائن الروحانية ج19 الطبعة الأولى ص45، 46)

نعم! إننا نؤمن بالأنبياء المذكورين في القرآن الكريم الذي نزل على سيدنا ومولانا محمد ، والذي خاض في أغواره في هذا العصر سيدُنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، وأخرج لنا لآلي الحكمة والمعرفة القيّمة. فأنّى لنا أن نُعرض عن هذا القرآن ونتّبع قرآناً غيره؟

هناك قصة أخرى أيضاً وردت عن سيدنا سليمان في تفسير روح المعاني تحت الآية

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ..

جاء فيها:

“إنَّ سليمان احتجب عن الناس ثلاثة أيام، فأوحى الله تعالى إليه أن يا سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام، فلم تنظر في أمور عبادي ولم تُنصف مظلوماً من ظالم. وكان مُلكه في خاتمه، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه، فجاء الشيطان، فأخذه فأقبل الناس على الشيطان. فقال سليمان: يا أيها الناس أنا سليمان نبي الله تعالى، فدفعوه. فساحَ أربعين يوماً… وقام الشيطان يحكم بين الناس”.

لقد ادَّعوا ذلك مع أنه لا توجد في القرآن الكريم أدنى إشارة إلى زوال حكومة سيدنا سليمان ، بل يقول القرآن الكريم إنَّ سليمان كان قد دعا:

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي .

بعد ذلك لا يستطيع الإنسان أن يسمع القصة إلا بصعوبةٍ بالغة، لأنَّ التُّهم القذرة التي وُجِّهت إليه بعد ذلك فهي أكثر قذارة من سابقتها أيضاً، يقولون:

“فلما أراد الله أن يردّ عليه سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان، فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا: أَتُنكِرنَ من سليمان شيئاً؟ قُلنَ: إنه يأتينا ونحن حُيَّضٌ، وما كان يأتينا قبل ذلك”. (المرجع السابق)

ثم يذكرون اسم ذلك الشيطان أيضاً، فمنهم من يقول إنَّ اسمه كان آصف، ويقول الآخر أنّه كان حبقيق أو صخر. (تلخيصاً من المرجع السابق)

هجماتهم على سيد الأطهار

إلى هنا قرأنا التُّهم الغاشمة التي وجَّهها البعض إلى الأنبياء الأطهار، إما جهلاً منهم أو انخداعاً بأقوال الأعداء المعسولة. لا شك أن الله تعالى هو أعلم بذوات القلوب، ولكن بقدر ما نستطيع الإمعان في الموضوع نجد بين رواة هذه القصص كثيراً من الأتقياء والعلماء الكبار أيضاً الذين بذلوا حياتهم في خدمة الدين، ولكنهم مع ذلك لم يتمكنوا من تحاشي تأثير زمنهم، وبالتالي وجدت رواياتُ اليهود والنصارى طريقَها إلى الكتب الإسلامية.

وبما أنَّ هؤلاء الرواة ما كانوا معصومين من الأخطاء مثل أنبياء الله، أي ما جعلهم الله بنفسه مهديين كما يجعل أنبياءه، لذا فقد أوردوا في كتبهم بعض الآراء والروايات الخاطئة إلى جانب الآراء والروايات الصحيحة الكثيرة، فبعث الله الإمام المهدي لإصلاح الأخطاء. فكان إصلاح العقائد الفاسدة أعظم وأسمى هدف من أهداف بعثة الإمام المهدي . وعندما بعث الله تعالى الإمام المهدي جعل القوم يطعنون فيه ويستهزئون منهو ويشوّهون سمعته ويتهمونه كذباً وزوراً. ولكن السؤال هو أنه إذا كان هؤلاء الناس لا يرتدعون عن إلصاق التهم بالذين يعتبرونهم أنبياء الله فماذا عسى أن يكون قولهم عن الذي يزعمونه كاذباً؟ إذن فلا اعتبار لكلامهم أبداً. ولكن أدهى وأمّرُّ من ذلك كله أنَّ أكثَرَ التهمِ كذباً وزوراً وأشدَّ الهجمات ظلماً واستبداداً هي تلك التي وجَّهوها إلى شخص سيدنا ومولانا محمد . قد يكون ذلك خطأً منهم أو جهلاً. سمُّوا تصرُّفاتهم هذه ما شئتم، قولوا إن أردتم إنهم كانوا صالحين وورعين ولكنهم وقعوا في الخطأ، ولكن الحقيقة أنه لخطأٌ يغلي بسماعه الدمُ في العروق وتدمي لهوله القلوب. لقد ورد في تفسير الجلالين وفتح البيان في تفسير الآية:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ :
“قال جماعةٌ من المفسّرين في سبب نزول هذه الآية: إنّه لما شقَّ عليه إعراض قومه عنه تمنّى في نفسه ألا ينزل عليه شيءٌ ينفّرهم عنه لحرصه على إيمانهم، فكان ذات يوم جالساً في نادٍ من أنديتهم، وقد نزلت عليه سورة وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ، فأخذها يقرأها عليهم حتى بلغ قوله: أفرأيتم اللاتَ والعُزَّى ومناتَ الثالثةَ الأخرى. وكان ذلك التمنّي في نفسه، فجرى على لسانه مما ألقاه الشيطان عليه: تلك الغَرانيقُ العُلى، وإنَّ شفاعتَهُنَّ لتُرتَجَى. فلما سمعتْ قريش بذلك فرحوا. ومضى رسول الله في قراءته حتى ختم السورة. فلما سجد في آخرها سجد معه جميعُ مَن في النادي من المسلمين والمشركين، وتفرّقت قريش مسرورين بذلك وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر. فأتاه جبريل فقال: ما صنعتَ؟ تلوتَ على الناس ما لم آتِكَ به. فحزن رسول الله ، وخاف خوفاً شديداً، فأنزل الله هذه الآية”. (فتح البيان)

لاحِظوا خطورة قولهم! يقولون: إنَّ الشيطان ألقى على لسانه – والعياذ بالله. يغرق الإنسان في بحرٍ من الحيرة والاستغراب بمحض التصوّر أنه كيف وجدت هذه الأفكار طريقها إلى أذهانهم ثم أقلامهم؟؟ يمكنني أن أعتبر تفسيرهم هذا وحياً شيطانياً. لا يمكن لي ولا لأي أحمدي أن يتصوّر بحالٍ من الأحوال أنَّ الشيطان قد اقترب من رسول الله . لقد وجَّه أعداء الإسلام هجماتٍ بغيضة إلى النبي بناءً على هذه الروايات. ولكن المؤسف في الأمر أنه عندما نبحث أكثر في الموضوع نجد كل مرة عالماً من علماء المسلمين السُذَّج أو قليلي العلم مسئولاً عن هذا التقصير الخطير. للسذاجة أيضاً حدودٌ. لذا يجب أن يفكّر القائل جيداً فيما ينوي قوله قبل التفوّه به، وليأخذ حذره فيما يقول وعمن يقول. ولكنهم وجَّهوا إلى النبي – كما أسلفت – هجماتٍ بذيئة لدرجةٍ تترك الإنسان حيراناً.

إليكم الآن نصَّ القصص الواهية والملفّقة الواردة في تفسير روح المعاني، والخازن، والجلالين عن السيدة زينب رضي الله عنها، والهجوم البغيض الذي وُجِّه بهذا الشأن إلى رسول الله :

“الآية التي نزلت في زينب، وذلك أنَّ رسول الله لما زوَّجها من زيد مكثت عنده حيناً، ثم إنَّ رسول الله أتى زيداً ذات يوم لحاجةٍ، فأبصر زينب في درعٍ وخمار، وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتمِّ نساء قريش، وقعت في نفسه وأعجَبَهُ حُسنُها”. (تفسير الخازن تحت الآية: وأمسك عليك زوجك)

ثم يُوردون قصة طلاقها التي تقشعرُّ لكذبها الجلود. الحقيقة أنَّ الإنسان تضيق نفسه لهذه الخرافات ويتساءل مستغرباً مندهشاً ألا تنخلع قلوبهم ولا تضيق نفوسهم حين يقولون مثل هذه الأقوال البذيئة عن سيد المعصومين والأطهار والمزكِّي والمطهَّر الذي لم يحظَ أي نبي بالعصمة والعفّة مثله؟ من المؤسف حقّاً أنهم يسردون هذه القصص الواهية السخيفة في تفاسيرهم متلذّذين بها ناهيك أن تهتز قلوبهم وترتعد فرائصهم. هناك كثيرٌ من المقتبسات من هذا القبيل ولكنني لا أقدر على قراءتها فأتركها جانباً.

لاحِظوا خطورة قولهم! يقولون: إنَّ الشيطان ألقى على لسانه – والعياذ بالله. يغرق الإنسان في بحرٍ من الحيرة والاستغراب بمحض التصوّر أنه كيف وجدت هذه الأفكار طريقها إلى أذهانهم ثم أقلامهم؟؟

إساءة بشعة في حقّ الرسول

لم يكتفوا بذلك بل جعلوا لرسول الله شريكاً، كما جعلوا رسولَ الله شريكاً لله تعالى. فقالوا عن سيدنا علي :

“لولا سيدنا علي ليلةَ المعراج لما نال – والعياذ بالله – محمد رسول الله أي إكرامٍ أبداً”. (جلاء العيون المجلسي ج2 فصل 14 ص498، وفصل 17 ص539)

وكأنَّ المقصود الحقيقي من ليلة المعراج كان لقاء سيدنا علي بالله تعالى، أما النبي فكان في رفقته فقط. (والعياذ بالله)

الواقع أنَّ سيدنا علي لم يرافقِ النبيَ ليلة المعراج قط. مما يعني أنَّ هذه القصة الباطلة قد حاكها الناس على هذا النحو حسب زعمهم وإلا فالحقيقة هي أنَّ الملائكة أيضاً لم يقدروا على مصاحبة النبي دعك عن سيدنا علي . لم ولن يصل أحدٌ إلا سيدنا ومولانا محمد إلى تلك المكانة السامية من قرب الله عز وجل التي ذُكرت في أحداث المعراج. ولكنهم لفّقوا قصةً افتراضية أولاً ثم قالوا كلمة الإهانة ولم تنخلع لشناعتها قلوبهم.

هناك عباراتٌ كثيرة أخرى أيضاً تثير الدهشة والاستغراب، ولسوف أذكر بعضها. لقد أثاروا في هذا الشأن مناقشات تترك الإنسان فيلا حيرة من أمره. لقد استخدم العلماء – من أهل الشيعة وأهل السنة أيضاً – في هذه المناقشات كلماتٍ لو قرأتموها صدفة لاندهشتم وتحيّرتم حيرةً ما بعدها حيرة. هناك عالم من كبار علماء الطائفة الديوبندية يقول:

“كونُه أفضلَ من ملك الموت لا يُثبت إطلاقاً أنَّ علمه في هذه الأمور يساوي عِلمَ مَلَك الموت ناهيك عن كونه أوسع منه عِلماً”. (البراهين القاطعة لخليل أحمد ص47، المصدِّق: رشيد أحمد الكنكوهي)

هذا يعني أنه كانت هناك مناقشات بين الطائفة البريلوية والديوبندية حول كمية علم رسول الله . ومن عجائب الدهر أنَّ الأعمش قد صار هنا كحّالاً، وأنَّ الذين لا يملكون من العلم شيئاً يناقشون ويبحثون في علم رسول الله ليحكموا فيه، يا للسخرية! يا للعجب وضيعة الأدب!!

ولقد قامت هاتان الطائفتان بارتكاب إهاناتٍ مخيفة في حقِّ النبي إذ جرت بينهما مناقشات للبحث فيما إذا كان النبي حاضراً ينظرنا دائماً أم لا؟ إنَّ الإنسان يحتار لموقف كلا الحزبين من هذا الموضوع إذ يقول أحدهما: إنَّ النبي حاضرٌ يرانا دائماً، والذي لا يؤمن بذلك لا علاقة له بالإسلام. ويقول الثاني: إذا كان النبي حاضراً ينظر دائماً فهل يراكم أيضاً حين تُباشرون زوجاتكم؟ فيقول الآخر ردّاً على ذلك: نعم يكون حضرته موجوداً ولكنه يُخفض عينيه حياءً!

هذا هو تصوُّرهم عن رسول الله . الحقيقة إنّه ليس شيء من روعة وعظمة التصوّر عن الله تعالى ولا عن النبي إلا وأفسدوه. إنَّ ألسنتهم الحادة تجول وتصول عن يمينه وشماله أيضاً. ولم يتركوا من نوره الغربي ولا من نوره الشرقي شيئاً بل شنُّوا على شخصه الطاهر هجماتٍ شائنة من كل حدبٍ وصوب، ومسخوا صورة الإسلام لدرجة لو قُدِّم إسلامهم هذا على الناس ودُعُوا إليه لما مال إليه أحد من ذوي القوى العقلية السليمة. أما الذي جاء لإصلاح أحوالهم وجعله الله حَكَماً عدْلاً فلا يكّفون عن إطالة لسان الطعن فيه.

وهناك مقارنة أخرى قام بها علماء الفئة الديوبندية، إليكم نضها:

“أليس من الشرك اعتبارهم فخرَ العالم (سيدنا محمداً ) محيطاً بالعالم علماً – نظراً إلى الشيطان، ملكوت الموت – بالقياس الفاسد، خلاف النصوص القطعية وبدون البرهان ليس جزء من الإيمان بل هو شركٌ محض. (البراهين القاطعة لخليل أحمد، رئيس مدرسة ديوبند بمدينة سهارنبور، المصدِّق: رشيد أحمد الكنكوهي)

هذه العبارة من التعقيد بحيث قد لا يستطيع كثيرٌ منكم استيعابها لذا أُفضّل أن أشرحها قليلاً. موضوع البحث هو – ولا يستحيون عند إثارتهم مثل هذه البحوث إذ يُقارنون علم رسول الله مع علم الشيطان الرجيم – والعياذ بالله – قائلين: هل كان علم النبي أوسع من علم الشيطان اللعين أم أقل؟ من المعروف أنَّ الذي يُكِنُّ شيئاً من الاحترام والمحبة لأحد لا يَعرضه لمثل هذه المقارانات البذيئة. لماذا لا يخوض أحد من المشائخ في نقاش حول أمه ويبحث هل أمي كانت مومساً أم لا؟ ذلك لأنّه يُكنُّ حبّاً واحتراماً صادِقَينِ لأمه لذلك لا يتحمل أن يسمع عنها كلاماً فاحشاً. ولكن هؤلاء الناس لا يشعرون بالعار ولا بالحياء عند مقارنتهم النبيَ مع الشيطان الرجيم. أتساءل كيف تجاسروا على التفوّه بمثل هذا الكلام البذيء؟ يُثبتون بكل اعتزاز وتفاخر أنَّ علم النبي كان أوسع من الشيطان، ثم ينهض خصمُهم ليقول: لا! بل علم الشيطان أوسع وأشمل من علم النبي . (والعياذ بالله من هذا الهراء والخرافات). هذه نماذج عشقهم لرسول الله وحبهم له. وهذا تقديرهم له !! إنَّ لسانهم السليط لا يكفُّ عن الإهانة وإظهار خُبث باطنهم بل يُضيفون ويقولون:

“إذا قيل: إنه عالم الغيب، ولو بتعليم إلهيٍ، فالأمر الجدير بالاستفسار في الموضوع هو: هل المراد من هذا الغيب هو كل الغيب أم بعضه؟ وإذا كان المراد بعض الأمور الغيبية فما هو سبب تخصيص النبي بذلك؟ فإذا كان المراد به بعض الأمور الغيبية فهذا ما يملكه كل فلان وعلّان بل السفهاء والمجانين وحتى البهائم أيضاً”. (حرز الإيمان لأشرف علي التهانوي، الناشر مدرسة ديوبند)

يمكنكم – يا معارضينا – أن تُقدِّموا براهينكم لفساد الاعتقادات الخاطئة والفاسدة، ولكن لا ترتكبوا الإهانة والإساءة إلى رسول الله . ولا تُقارنوه بالمجانين وجميع البهائم، فإنها إهانة تقشعرُّ لهولها الجلود والأبدان.

إساءتهم الأخرى للرسول

أما فيما يتعلق بالذين يُطيلون لسان الطعن على البريلويين ويدعونهم مشركين، ويقولون: إنهم بقولهم كذا وكذا قد بالغوا في بيان منزلة رسول الله وجعلوه شريكاً لله تعالى، فإنهم بذلك يُشيرون إلى نوعين من الشرك الذي يرتكبه البريلويين حسب رأي معترضيهم: الشرك في النبوة، والشرك في الألوهية. أي يُشركون بالله غيرَه، كما يجعلون غير الأولياء شركاء في قداسة النبي أيضاً. ولكن هؤلاء المعترضين على الطائفة البريلوية أنفسَهم يدَّعون بكونهم مؤمنين بوحدانية الله وينسون كلَّ ما ارتكبوا من إهاناتٍ شنيعة في حق النبي .

إذن يجب أن نرى ماذا يقولون عن علمائهم، وما هو تصوّرهم عنهم؟ إليكم بعضاً من أقوالهم على سبيل المثال لا الحصر. فقد نظم “شيخ الهند” المولوي محمود الحسن عند وفاة المولوي رشيد أحمد الكنكوهي شعر رثاء جاء فيه:

“لماذا يردِّدُ أهلُ الهوى، اُعْلُ هُبُلْ، اُعْلُ هُبُلْ؟ ربما لأنَّ مثيل مؤسّس الإسلام رحل من العالَم”.

وكأنَّ المولوي رشيد أحمد الكنكوهي كان مثيلاً للنبي ونظيره – والعياذ بالله، لقد بدأ الخصوم بعد رحيله يردِّدون اُعْلُ هُبُلْ، اُعْلُ هُبُلْ. ويقولون أيضاً:

“كان الله مربّياً له، وكان هو مربّياً للخلق. كان الشيخ – ولا شك – هادياً لي ومولايَ. والذين كان عندهم مذاق الإيمان والعرفان ظلّوا، وهم في الكعبة المشرّفة، يبحثون عن طريق يؤدي إلى كنكوه (قرية الشيخ).”.

هذا مذاقهم الروحي! إذ يعتبرون المولوي رشيد أحمد الكنكوهي مثيلاً للنبي ، ويقولون عن قريته الكنكوه إنها ليست مثيلةً للكعبة المشرَّفة فقط بل صارت الكعبةُ نفسُها سبباً لهداية الناس إلى قرية الشيخ، وهكذا أصبحت الكعبة المشرَّفة بمكة أدنى مرتبةً منها، لأنَّ أُمنيتهم الغالية لمشاهدة المقام المقدَّس لم تتحقق بمشاهدتهم الكعبةَ فقد ظلوا يبحثون – بعد وصولهم إلى الكعبة أيضاً – عن طريق يؤدي إلى قرية كنكوه. وكأنَّ قرية كنكوه أسمى مكانةً من الكعبة المشرَّفة.

وحين لا يخمد غليلهم بعد وصولهم إلى القرية أيضاً يرغبون في زيارة قبور مشائخهم. علماً أنَّ البريلويين أنفسَهم يتّهمون غيرهم بعبادة القبور، ومع ذلك انظروا ماذا يقول هذا الشاعر البريلوي عن ضريح شيخه:

“لاحِظ سذاجتي، إذ أُشبِّه ضريحك ذي الأنوار بجبل الطور وظلتُ أُردِّد: “أَرِني، أَرِني”.

أقول: لا يوجد لقوله “أَرِني أَرِني” مبرّرٌ معقولٌ لأنَّ له مفهوماً آخر أيضاً. كما يقول “غالب” الشاعر المعروف في القارة الهندية ما معناه: أُشبِّهه حبيبي بيوسف، ولكنه يغضُّ الطرف عن جسارتي هذه بلطفٍ منه. ولو أراد معاقبتي على هذا القول لكنت مستحقاً للعقاب.

يقول “شيخ الهند” بأنَّ قوله هذا ناتجٌ عن سذاجته. ولكنني أقول: إنَّ للسذاجة أيضاً حدوداً. من الممكن أن يتفوه الإنسان بذلك مرةً أو مرتين خطأ ولكنه يقول هنا عمداً وتكراراً. هذه ليست سذاجة بل إثمٌ وذنبٌ كبير يتَعَمَّد به إذ يُشبِّه ضريح شيخه بالطور ويقول مخاطباً للضريح “أَرِني، أَرِني” كما قال سيدنا موسى على الطور وهو يخاطب الله تعالى حين أراد أن يراه. ومع ذلك كله يبقى هؤلاء مسلمين وموحِّدين!

ولا يكتفون بذلك بل يزيدون إذ يشرحون مكانة المشائخ والمفتيين لهم فيقولون:

“لقد وقعتْ على القلب الحزين ضربةٌ قاسيةٌ إثر سماعنا الخبر المحزن عن رحيل رحمة للعالمين (بقصد بذلك المفتي محمد حسن الديوبندي) من الدنيا إلى الآخرة”. (تذكرة الحسن نقلاً عن مجلة “التجلّي الديوبندي” ومجلة “نوري كرن” الصادرة في بريلي، فبراير 1963م)

فهل تركوا مجالاً للنقاش والبحث في الموضوع إذ رفعوا مفتياً من الطائفة الديوبندية إلى مكانة رحمة للعالمين!!

ثم يُبيّنون صفات المولوي أشرف علي التهانوي ويقولون:

“إنَّ قوامه الميمون (ويقصدون بذلك النبي ) ولونه وسحنته الشريفة كانت أسمى وأعلى، وجسده الشريف مثل حضرة الشيخ أشرف علي التهانوي”. (أصدق الرؤيا ص5)

أي أنَّ ملامح سيدنا ومولانا محمد كانت شبيهة بملامح الشيخ  أشرف علي التهانوي. علماً أنه يصف ما رآه في الحلم، لذا لا نعترض عليه، ولكن ما أُركِّز عليه هو أنه لو رأى أحدٌ من الأحمديين شيئاً كهذا في الحلم أيضاً لهاجمه هؤلاء وقالوا إنه قد أهان النبي . فما دام البريلويون أنفسُهم يعتقدون أنَّ تشبيه النبي بغيره – ولو في الحلم 0 إهانةٌ له فيثبت من قولهم هذا إنهم ارتكبوا الإساءة إلى النبي . أما نحن فلا نعتقد بذلك بل نقول إنَّ المشاهد التي يشاهدها الإنسان في الرؤى ولاسيما مشاهدة النبي في الحلم تختلف بالطبع عن المشاهد الظاهرية وإنها تحتاج إلى التأويل. ويرى الإنسانُ النبيَ في صورةٍ مرة وفي صورةٍ غيرها مرةً أخرى، ولكنه من الثابت المتحقّق أنه لا يُسمح للشيطان أن يتشبّه بالنبي بحالٍ من الأحوال. أما الذين يعتقدون أنه لو شاهد أحدٌ – حتى في الحُلم – النبيَ في صورةٍ غير صورته الحقيقة كان ذلك إهانة له فإنهم بأنفسهم يقولون إنَّ ملامح النبي كانت شبيهة بملامح المولوي أشرف على التهانوي. ثم لا يكتفون بذلك بل يُبيّنون تأويل الحلم أيضاً ويقولون: “إنَّ الرسول هو على صورة مولانا التهانوي”. (أصدق الرؤيا ص25)

ثم يقولون:

“… الملامح (أي ملامح النبي ) هي مثل ملامح مولانا التهانوي”. (أصدق الرؤيا ص37)

فضيحة الدعاية الكاذبة

فإنّهم في العبارة المذكورة أعلاه يُشبِّهون بالوقاحة المتناهية النبيَ بالمولوي التهانوي بدلاً من أن يُشبِّهوا التهانوي بالنبي . إنهم يرموننا بتُهمٍ باطلة دائماً ولكنهم الآن أثبتوا بأنفسهم أنهم كانوا فيما سبق يقومون بدعاية كاذبة ضد الأحمدية، ولا حقيقة لاتهامهم أنَّ للأحمدية كلمةً غير التي علَّمَنا النبيُّ إياها.

الحقيقة أنَّهم هم الذين غيَّروا كلمتهم. الشيعةُ غيَّروا وأهل السنة أيضاً أجروا فيها تغييرات. وهذه الأمور ليست من قبيل الإشاعات بل إنها مستحيلة في كتبهم ومجلّاتهم المختلفة، وعلماؤهم يعرفون كل ذلك ولا يرفعون أصواتهم متجاهلين خطورة الموقف. إنّهم يُثيرون ضجة ضد الأحمديين الذين يتمسّكون بكلمة جاء بها سيدنا محمد ولم يُغيّروا فيها شيئاً ولكنهم لا يرفعون صوتاً ولا يُحرّكون ساكناً ولا يُبدونَ غيرةً قط ضد أولئك الذين غيّروها تغييراً. فقد ورد عن الخواجة معين الدين الجشتي قدَّس الله سرَّه:

“قال أحد الناس لحضرة الخواجة (علماً أنَّ هذا ليس مشهد حُلم بل هو واقع الأمر) أُريد أن أكون مُريداً لكم. فقال له حضرته، قل: “لا إله الله جشتي رسول الله”، ففعل. فاتخذه الخواجة مريداً له”. (حسنات العارفين للشهزاده محمد دارا شكوه القادري ص34)

والقول إنَّ الخواجة معين الجشتي طلب من المريد أن يقرأ كلمته يمثّل إهانة كبيرة وتهمة شنيعة على حضرته أيضاً إذ لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يفعل ذلك وليٌّ من أولياء الله مثل حضرة معين الدين جشتي الذي كان مجدّداً لعصره أيضاً. ولكن الذين يُطيلون لسان الطعن على الأنبياء ولا يرتدعون عن تلفيق القصص عنهم واتهامهم بتهمٍ بشعة، أنّى لهم أن يكفّوا عن جعْل الأولياء والصلحاء عرضةً لتُهمهم.

عظمة الإمام المهدي

إذن فإنّ أمرنا غريب حقاً إذ اضطررنا لمواجهة قومٍ هذه تصرُّفاتهم وهذه معتقداتهم. يغفر الله أخطاءنا ويرحمنا لأنَّ الذين يُبتلون بمواجهة العلماء كمثلهم لا يستحقون أجراً قليلاً فقط. إذن الأحمدية هي الوحيدة التي تحظى اليوم بهذا الشرف لأنها تواجه المشائخ مثلهم ليلَ نهارَ، وتبذل قصارى جهدها لتمزيق حجب ظلماتهم وإخراجهم إلى النور. إنني على يقينٍ كامل أنَّ الجماعة الإسلامية الأحمدية  تقوم في هذه الأيام بمجاهدة لا تُضاهيها مجاهدات عامة الناس ولو قاموا بها إلى مئات السنين. فمن هذه الناحية أيضاً تحتل الجماعة الإسلامية الأحمدية مكانةً رفيعةً جداً بفضل الله عز وجل. لذا يوضّح القرآن الكريم ويقول لا يمكن مقارنتكم مع الآخرين لأنكم أُناسٌ كلما تخطون خطوة تُثير سخط معانديكم. إنهم يدعون الناس إلى الظلمات وأنتم تدعونهم إلى النور، فشتّان بين الثرى والثُريّا!! لا شكّ إننا قد تأذّينا كثيراً على يدهم، ولكننا مع ذلك نشكر الله أيضاً شكراً كثيراً نظراً إلى مقامنا إذ منَّ الله علينا ووفّقنا لقبول الإمام المهدي العظيم الذي مزَّق حُجب الظلمات كلها، وأخرجنا من الظلمات إلى النور الذي هو نور محمد ونور كلامه المجيد. إنّه أرانا هذا النور من جديد وبوضوحٍ أكثر من نور الشمس والقمر. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد وعلى عبدك المسيح الموعود إنّك حميدٌ مجيد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك