خدمات الحكم العدل
التاريخ: 1985-05-03

خدمات الحكم العدل

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

*خطبة جمعة ألقاها حضرة ميرزا طاهر أحمد –رحمه الله- الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود ألقيت في 3 أيار/مايو عام 1985م في مسجد “الفضل” بلندن (القسط الثاني والأخير)

*هي الخطبة السادسة عشرة من سلسلة الخطب التي ألقاها سيدنا ميرزا طاهر أحمد، الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود ردا على تهم باطلة ألصقتها بجماعة حكومة الدكتاتور الجنرال ضياء الحق في باكستان في “البيان الأبيض” المزعوم الذي نشرته بعنوان: “القاديانية، خطر رهيب على الإسلام.”

لقد رد الخطيب في كلمته هذه على التهمة القائلة بأن الأحمدية تختلف عن بقية المسلمين في معتقداتهم الدينية بل وفي كل شيء له صله بالدين. ثم استعرض أفكارهم الواهية عن الله وعن الملائكة وعن الأنبياء الأطهار وقال: إذا كانت هذه معتقداتكم فلا شك أن معتقداتنا هي غير معتقداتكم الفاسدة التي بعث المسيح الموعود لإصلاحها. وإن الجماعة الإسلامية الأحمدية تتمسك بنفس المعتقدات والأفكارالتي قدمها رسول الله .

الأحمدية وعصمة اللأنبياء

سوف أقرأ عليكم بعد قليل قِصصًا نسجوها عن النبي وغيره من الأنبياء، وسوف تستغربون لقوة اختلاقهم وتزويرهم. ومن ناحية ثانية يجب أن تشكروا الله ما استطعتم لأن الله قد مَنَّ عليكم إذ بعث سيدنا الإمام المهدي وأخرجكم من الظلمات المتراكمة إلى النور الباهر. هناك أقوالٌ كثيرة في هذا الصدد ولا يمكن بيانها في خطبة واحدة كما يجب، بل سيستغرق الأمر شهورًا عدة. أما موقف الأحمدية من هذا الموضوع فهو واضح تماما. فقد شرح سيدنا الإمام المهدي هذا الموضوع شرحا وافيا في مواضع عديدة في كتبه. غير أنني سأقرأ على مسامعكم ملخصه بكلمات سيدنا المصلح الموعود الخليفة الثاني للإمام المهدي ، يقول حضرته:

“إن أنبياء الله كلهم معصومون عن الخطأ، إنهم نموذج حيٌّ وصورةٌ متجسدة للصدق والوفاء. إنهم يعكسون صفات الله ويرمزون بكل صفاء وجلاء إلى كونه سُبُّوحًا وقُدُّوسًا ونزيهًا عن أي عيب أو نقيصة. إن الأنبياء في الحقيقة يكونون بمثابة مرآة يرى فيها الأشرارُ أحيانًا وجوهَهم فينسبون قبحَهم إلى الأنبياء.لم يخالف سيدُنا آدم الشريعةَ كما لم يكن نوح مُذنبًا. لم يكذب إبراهيم قط، ولم يخدع يعقوب أحدا إطلاقًا. لم يعزم سيدنا يوسف على اقتراف السيئة ولا السرقة ولا الخداع، ولم يقتل موسى نفسًا بغير حق. لم يغتصب سيدنا داود من أحد امرأتَه، ولم ينس سليمانُ واجباتِه من جراء حبِّ امرأةٍ مشركة، ولم يُهملِ الصلاة من أجل حب الخيل. ولم يرتكب رسول الله ذنبًا قط، كبيرًا أو صغيرًا. كان نزيهًا عن جميع العيوب، وكان مصونا ومحفوظا من كآفة الذنوب. والذي يحاول إحصاء عيوبه إنما يُظهر خبثَ باطنه هو.” (الدعوة إلى الحق ص149)

اتهامهم آدم

هذا هو تصور الأحمدية عن الأنبياء. فكيف يمكننا القول – بعد تمسكنا بهذه الأفكار السامية – إن أفكارنا عن الأنبياء تشبه أفكاركم أيها المعارضون؟ فكيف لا نقول إذن بأن رسولنا غير رسولكم، وأنبياءنا الآخرين أيضا غير أنبيائكم؟

يقول معارضونا عن الأنبياء ما مفاده:

كان الشيطان يسمى “حارث” في أوساط الملائكة. فقال الشيطان لآدم: لو سميتَ ابنك “عبدَ الحارث” لسهلتْ ولادتُه. فسماه “عبدَ الحارث” بدلا من عبد الله.

(تفسير حسيني لكمال الدين حسين، سورة الأعراف، الآية: لئن أتيتنا صالحا…..)

وورد في تفسير الجلالين ومعالم التنـزيل ما معناه: إن آدم أشرك بالله. (انظر: الجلالين مع كمالين ومعالم التنـزيل للبغوي تحت الآية المذكورة). أي أن آدم أول من قام بالشرك في الدنيا، والعياذ بالله.

 

اتهامهم إدريس

لقد جاء في تفسير معالم التنـزيل عن سيدنا إدريس تحت آية “ورفعناه مكانًا عليًا”، ما مفاده أن إدريس دخل الجنة عن طريق الخديعة والكذب، ثم رفض الخروج منها. (انظر: تفسير معالم التنـزيل للبغوي، تحت الآية المذكورة)

يقول القرآن الكريم، مَن سَرَّه دخول الجنة فليأتها من بوابة الصدق والحق. أما هذا المفسر فقد اطلع على طريق آخر أيضا لدخول الجنة أوجده – حسب ظنه – نبيٌ من أنبياء الله ، وهو طريق الكذب، والعياذ بالله.

تصورهم عن لوط  

وإليكم الآن ما يقوله المفسرون عن طهارة سيدنا لوط وغيرته على بناته. فقد جاء في الكشاف والجلالين في تفسير الآية: هؤلاء بناتي “أراد أن يقي أضيافَه ببناته، وذلك غاية الكرم، وأراد، هؤلاء بناتي فَتَزَّوجُوهن.”

ولكن السؤال هو: إذا كان لـه بنتان أو ثلاث فكان من الممكن أن يتزوج منهن رجلان أو ثلاثة، ولكن كيف أقنع هذا الجوابُ القومَ كلهم. في حين يقول القرآن الكريم بأنهم كانوا يملكون عقلية فاسدة، وقلوبًا فاسدة لدرجة كبيرة، وكانوا قد تعودوا على ارتكاب أفعال شنيعة (أي الشذوذ الجنسي) إذ كانوا يشبعون شهوتهم من أبناء جنسهم، لذا جاءوا إلى لوط يلومونه لأنه كان يمنعهم من ذلك ويدعوهم إلى الطهارة والعفاف وترك المنكرات من الأفعال. وكأن الحل الذي أوجده سيدنا لوط لهذه المسألة – كما يقولون – أنه قدم لهم بناته دون بنات القوم كلهم (والعياذ بالله) لكي يرتدعوا عن الشذوذ الجنسي.

يتساءل المرء مستغربًا: أ ليس للجهل حدود؟ إذ يتهمون نبي الله بمثل هذه التهم القذرة ولا يستحيون؟

تهمة مضحكة بداود

لا شك أن سيدنا داود أيضا نبي من أنبياء الله الأطهار العظام. اقرؤوا سِفره “الزبور” سوف تعرفون كم كان نشوانًا في حب الله تعالى وكم كان يُسبِّحه ويُقدِّسه! ولقد ذكر الله تعالى الزبورَ في القرآن الكريم بكلمات التقدير والحب العظيمين. أما كتب التفاسير فقد أوردت قصصًا غريبة عن داود تحت تفسير الآيات: “وهل آتاك نبأ الخصم إذ تَسَوَّرُوا المحرابَ….. وخرَّ راكعا وأناب” (سورة ص:22-25). فجاء في القصة:

“دخل داود محرابه وأغلق بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور، فبينما هو كذلك إذ جاءه الشيطان وقد تمثل لـه في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن، وجناحاها من الدر والزبرجد، فوقعت بين رجليه فأعجبه حسنها فمد يده ليأخذها.”

هذا يعني أنه عندما رأى الحمامة نسي ما كان يقرأ من الزبور وسعى وراء الذهب المزعوم. الواقع أن الله كان قد أعطاه من الثروة والشوكة ما لم يُؤْتَ نبيٌ آخر إطلاقا. غير أن المفسرين يرونه حريصا على جمع الذهب لدرجة سعى فيها وراء الحمامة، تقول القصة:

“….فلما قصدَ أخْذَها طارت غير بعيد من غير أن تؤيِّسه من نفسها. فامتد إليها ليأخذها فتنحّت، فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة، فذهب ليأخذها فطارت من الكوة، فنظر داود أين تقع فيبعث مَن يصيدها له. فأبصر امرأةً في بستان على شاطئ بِركة تغتسل، وقيل: رآها تغتسل على سطح لها. فرآها من أجمل النساء خَلقًا، فعجب داود من حسنها. وحانت منها التفاتة فأبصرت ظلَّه، فنقضتْ شعرَها فغطى بدنَها، فزاده ذلك إعجابا بها. فسأل عنها فقيل: هي تشايع بنت شايع امرأةُ أوريا بن حنانا، وزوجُها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود. فكتب داود إلى ابن أخته أَن ابْعَثْ أوريا إلى موضع كذا، وقدِّمْه قِبَلَ التابوت، وكان من قُدِّمَ على التابوت لا يحل لـه أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أو يُستشهد. فبعثه ففتح له، فكتب إلى داود بذلك. فكتب إليه أَنِ ابْعَثْه إلى عدوٍ كذا وكذا أشدَّ منه بأسًا، فبعثه ففتح له. فكتب إلى داود بذلك، فكتب إليه أنِ ابْعَثْه إلى عدو كذا وكذا أشدَّ منه بأسًا. فبعثه فقُتل في المرة الثالثة. فلما انقضتْ عدَّةُ المرأة تزَوَّجَها داود، فهي أُمُّ سليمان عليه الصلاة والسلام. وقيل: إن داود أحب أن يُقتَل أوريا فيتزوج امرأتَه، فهكذا كان ذنبُه.” (تفسير البغوي، المعروف بمعالم التنـزيل بهامش تفسير الخازن، تفسير سورة ص الآيات: 22- 25)

ثم جاء في تفسير الآيات المذكورة:

“هذا كله تمثيلٌ لأمر داود مع أوريا زوجِ المرأة التي تزوجها داود حيث كان لداود تسع وتسعون امرأة ولأوريا امرأة واحدة.” (المرجع السابق)

هذا هو تفسيرهم وهذه هي أفكارهم عن الأنبياء! ولا نملك إلا أن نحوقل على هذا العلم والمعرفة. والمعلوم أنه لو قيل مثل هذا الكلام عن حاكم عادي من حكام الدنيا اليوم لهبَّ للقتال وإراقة الدماء، ولحدثت ضجةٌ في العالم. ولو كانت هذه التهم صحيحة لحدثت ثورات كبيرة. فمثلا لو ثبت أن حاكمًا أمر بقتل ضابط من ضباط الجيش ظلما واستبدادا بغيةَ الاستيلاء على زوجته لما تُرِك أمرُه على عواهنه بل اعتُبر ذلك جريمة كبيرة جدا حتى لدى الملحدين من الدرجة السفلى. ولكن المفسرين يقولون عن نبي عظيم من أنبياء الله – الذي ورد ذكره بالحب والتقدير البالغين في القرآن الكريم – بأنه أُولِعَ بامرأة وشُغِف بها حبًّا، والعياذ بالله.

الواقع أن الصفة المميزة التي كانت مدعاة لمدح سيدنا داود، قد حاول المفسرون تحويلها إلى منقصة وعيب، وما خافوا الله في ذلك أبدا. من الممكن أن يكونوا قد قالوا ما قالوا بسبب جهلهم ولكنهم تجاوزوا حدود الجهل كلها. والأغرب أنه حيثما يؤكد الله على طهارة نبي من أنبيائه الكرام يسعى هؤلاء العلماء الجهالُ أن يحولوها إلى جرائم أولئك الأطهار. الحق أن كل الآيات التي حاول المفسرون من خلالها عزوَ الجرائم إلى الأنبياء ظلما وزورا، تتحقق من الآيات نفسها براءتهم ونزاهتهم من تلك الجرائم. وكلما قدَّم الله تعالى نبيا وذكر ميزته المعينة بصورة بارزة أنكر المفسرون تلك الميزة بالذات ووجهوا إليه التُّهم ووصموهم بالعار بدلا من المدح والثناء.

تهمة بشعة بيوسف

وهاكم الآن قصة سيدنا يوسف كما نسجوها. لا شك في أنه كان نبيًّا في قمة الطهارة والعفة. لقد سرد الله لإثبات عفته وطهارته قصةً حوَّلها الناس إلى قصة “يوسف وزليخا”. لقد قدّم المفسرون سيدَنا يوسف كشخص شهواني. أما زليخا فقد سموها باسم “السيدة زليخا”، ثم قدموها كسيدة العفيفات. وهكذا قلبوا المعايير رأسا على عقب، وسموا العقلَ جنونًا والجنونَ عقلا، كما قال الشاعر. وهذا التعبير ينطبق على الوضع المذكور أكثر من غيره.

وجديرٌ بالانتباه أن الشخص الذي يؤكد الله تعالى طهارتَه وعفته بنفسه، يحاول هؤلاء أن يصموه بالعار، والمرأة التي يقول الله تعالى عنها بأنها امرأة سيئة، لا يمل المفسرون من كيل المدح لها والثناء عليها.

أقول لمعارضينا: هذا هو قرآنكم، وهذه هي أفكاركم عن الأنبياء. لا شك أنكم لو كنتم تتمسكون بهذه الأفكار، فوالله، ثم والله، ما ارتكبنا جريمة إذا قلنا إن قرآننا غير قرآنكم وأنبياءنا غير أنبيائكم، ولا علاقة لأفكاركم بالأفكار الطاهرة التي زَوَّدَنا بها سيدُنا الإمام المهدي والمسيح الموعود .

لقد أورد صاحب روح المعاني في تفسيره كثيرا من مثل هذه الروايات ثم رفضها وردَّ عليها جميعا. تتلخص هذه الروايات في أن يوسف عقد عزمًا صميما على ارتكاب الزنا مع هذه المرأة حتى مثل لـه يعقوب عاضًّا على إصبعه وهو يقول: يا يوسف أتَهُمُّ بعمل السفهاء وأنت مكتوب من الأنبياء. أي أن الله تعالى أرسل أباه فقام في وجهه لعله يستحيي منه ويرتدع عن عزمه، والعياذ بالله.

هذه أفكار معارضينا وليست أفكارنا نحن، إنهم يصورون المشهد وكأن الله تعالى قد اضطر لإرسال يعقوب ليقوم في وجه يوسف حتى يخجل منه على الأقل.

والأسوأ من ذلك أنهم يقولون هذا عن نبي يقدمه الله كسيد المعصومين. أقول: إذا كان هذا رأيهم عن الأنبياء الأطهار فماذا عسى أن تكون آراؤهم عن الذين يلونهم من الأولياء والأقطاب والصلحاء، ناهيك عن الذين هم دون هؤلاء الصلحاء شأنا؟ لقد لاحظتم جرأتهم للهجوم الغاشم على الأطهار والمقدسين، وحين بعث الله حَكَما عَدلا، وكشف أنوار القرآن بصورة نقية ومطهرة، طفقوا يهاجمونه وأتباعه قائلين: إن قرآنكم غير قرآننا! أقول: نعم، إن قرآننا هو ذلك القرآن الذي يشهد بعصمة الأنبياء وليس بالذي يرميهم بالتهم.

نعود مرة أخرى إلى قصة عفاف “زليخا”. لقد ذكروا بهذا الشأن قصة في منتهى الغرابة. وبما أنها طويلة جدا لذا سوف أقتبس منها مقتبسا وجيزا فقط حيث يقولون:

“لو استعرضنا الموضوع بعين الإنصاف والأمانة لاضطررنا إلى القول بأن عفة السيدة زليخا مفقودة في مجتمعنا اليوم.”

لا نملك هنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! ماذا عسى أن تكون حالة ذلك المجتمع الذي لا يوجد فيه نظير لتلك العفة المزعومة؟ ثم يقولون:

“…إن أَمة الله هذه قضت الحياة كلها بالصبر ولم تُدنِّس رداء عصمتها. ورغم كونها ثرية وجميلة، ورغم كون دواعي التحرُّر والسفور كلها متاحة لها بسبب الجهالة السائدة، قضت فترة شبابها كلها مع شخص عِنِّين وحافظت على ثروة بكارتها.”

انظروا كيف اختلقوا قصة أخرى أن عزيز مصر كان عنِّيْنًا!! ثم لاحِظوا سعة جولان أذهانهم وسعةَ علمهم! حيث يقولون:

“…من المعلوم أن فُرص إشباع الشهوات والشذوذ الجنسي (كما يقولون – الناقل) التي تسنح لامرأة منكوحة لا تسنح لفتاة غير منكوحة ومقصورة على البيت. وتكون المرأة الجالسة في البيت وغير المنكوحة معرضة لتشويه السمعة أكثر من المرأة المتزوجة. فحماية مثل هذه المرأة المتربية في الجوِّ المتحرِّر لعصمتها وعفتها ليست إلا الولاية الكاملة والفضل من الله.”

أقول: لو قرأنا ذكر زليخا – كما ورد في القرآن الكريم – وقارنّاه مع قولهم المذكور لاستغربنا وتحيرنا حيرة لا مزيد عليها لإيجادهم مبررات في منتهى الغرابة. من المفروض أن تُجرى لهم تحليلاتٌ مطولة حتى يستطيع الأطباء معرفة تركيبة أدمغة هؤلاء الذين اختلقوا مثل هذه القصص الخيالية!! ولا ينتهي الأمر هنا بل يضيفون ما هو أدهى من ذلك متجاوزين الحدود كلها إذ يزوجونها أيضا من سيدنا يوسف !! يقولون: “… واهًا لك يا زليخا، الزوجة الطاهرة لنبي….”

ويقولون: “…واهًا لعظمتك وهمتك، إذ كنت متحلية بحلية العصمة إلى جانب ثروة البكارة والعذارة حين لقائك بيوسف في حَجَلة الزفاف…. لقد ثبتت عفة زليخا. لو عصب أحد عينيه بثوب الوقاحة والعصبية وأعرض عن هذه الحقائق فليفعل كما يحلو له، وإلا فإن نظرة العدل لا تسمح بإنكار هذه الحقائق.” (العطايا الأحمدية في الفتاوى النعيمية ص358-361)

هل نملك هنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم؟!

إذن كيف يمكننا القول والحالة هذه بأن قرآننا هو قرآنكم نفسه، وأنبياءنا هم أنبياؤكم أنفسهم؟ لا! والله لا!! إننا نؤمن بالقرآن الذي نزل على القلب الطاهر لسيدنا ومولانا محمد . ونؤمن بالأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم مرارًا بالحب والتقدير المتزايدين، وشهد بعفتهم وطهارتهم. فإلى أي نوع من الأنبياء تجرّوننا؟ ليس هناك نبي ورد ذكره في القرآن الكريم ولم تطيلوا عليه لسان الطعن ولم تصموه بالعار والشنار!

خرافاتهم عن سليمان

لقد أورد الإمام النسفي في تفسيره تحت آية: وكَشَفَتْ عن ساقَيها ، بعض الروايات السخيفة ثم أبطلها، منها.

“رُوي أن سليمان أمر قبل قدومها (أي قبل قدوم ملكة بلقيس – الناقل) فبُنِي لـه على طريقها قصر من زجاج أبيض، وأُُجري من تحته الماء وأُلقي فيه السمك وغيره، ووضع سريره في صدره، فجلس عليه….وقيل: إن الجنَّ كرهوا أن يتزوجها فتُفضي إليه بأسرارهم لأنها كانت بنت جنية. وقيل: خافوا أن يولد لـه منها ولد يجتمع لـه فطنة الجن والإنس…. فقالوا له: إن في عقلها شيئًا، وهي شَعراءُ الساقين، ورِجلها كحافر الحمار. فاختَبَر عقلَها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليعرف ساقها ورِجلها، فكشفتْ عنهما، فإذا هي أحسن الناس ساقًا وقدمًا إلا أنها شَعراءُ. فصرف بصره….وأراد سليمان تزوُّجَها فكَرِهَ شعرَها، فعملتْ لها الشياطينُ النورةَ، فأزالته، فنكحها سليمان.”

أما سيدنا الإمام المهدي فقال في تفسير هذه الآية ما تعريبه:

“ورد في القرآن الكريم: قال إنه صرح ممرد من قوارير أي قال لها النبيُّ: يا بلقيس لماذا تنخدعين؟ إنه قصر زجاجي رُصفتْ ألواح الزجاج على السطح العلوي لأرضيته، والماء الذي يجري بقوة هو تحت هذه الألواح الزجاجية، وليست الزجاجات ماء بحد ذاتها. عندها علمتْ أنه قد تم تنبيهها بهذا الطريق على خطئها الديني، وأنها كانت مخطئة حين سلكتْ مسلك الضلال بعبادتها الشمس.” (نسيم الدعوة، الخزائن الروحانية ج19 ص411)

نعم! إننا نؤمن بالأنبياء المذكورين في القرآن الكريم الذي نزل على سيدنا ومولانا محمد ، والذي خاض في أغواره في هذا العصر سيدُنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، وأخرج لنا لآلي الحكمة والمعرفة القيّمة. فأنّى لنا أن نُعرض عن هذا القرآن ونتبع قرآنًا غيره؟

وقد أورد الإمام الآلوسي في تفسيره روح المعاني تحت الآية: ولقد فتَنَّا سليمان وألقينا على كرسيه.. بعض القصص الواهية الواردة في كتب مختلفة ثم رفضها وردّ عليها. فقد جاء في مثل هذه القصص أن مُلك سليمان كان في خاتمه، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه، فجاء الشيطان الذي كان اسمه آصف، فأخذ الخاتَم، واستولى على عرش سليمان، وهكذا زال ملكه .

أقول: لا توجد في القرآن الكريم أدنى إشارة إلى زوال حكومة سيدنا سليمان ، وإنما يقول القرآن الكريم إنه دعا قائلا: ربِّ اغفر لي وهبْ لي مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعدي .

بعد ذلك لا يستطيع الإنسان أن يسمع القصة الخرافية إلا بصعوبة بالغة، لأن التهم القذرة التي وجهت إلى سليمان بعد ذلك هي أكثر قذارة من سابقتها أيضا، حيث يقولون ما معناه: ثم مازال ذلك الشيطان يأتي نساء سليمان متنكرا وهن حُيَّضٌ!!

 هجماتهم على سيد الأطهار

إلى هنا قرأنا التهم الغاشمة التي وجهها البعض إلى الأنبياء الأطهار، إما جهلا منهم أو انخداعًا بأقوال الأعداء المعسولة. لا شك أن الله تعالى هو أعلم بذوات القلوب، ولكن بقدر ما نستطيع الإمعان في الموضوع نجد بين رواة هذه القصص كثيرًا من الأتقياء والعلماء الكبار أيضا الذين بذلوا حياتهم في خدمة الدين، ولكنهم مع ذلك لم يتمكنوا من تحاشي تأثير زمنهم، وبالتالي وجدت رواياتُ اليهود والنصارى طريقَها إلى الكتب الإسلامية. وبما أن هؤلاء الرواة ما كانوا معصومين من الأخطاء مثل أنبياء الله، أي لم يجعلهم الله مهديين كما يجعل أنبياءه، لذا فقد أوردوا في كتبهم بعض الآراء والروايات الخاطئة إلى جانب الآراء والروايات الصحيحة الكثيرة، فبعث الله الإمامَ المهدي لإصلاح مثل هذه الأخطاء. فكان إصلاح العقائد الفاسدة من أعظم وأسمى أهداف بعثة الإمام المهدي . وعندما بعث الله تعالى الإمامَ المهدي بدأ القوم يطعنون فيه ويستهزئون منه ويشوِّهون سمعته ويتهمونه كذبًا وزورًا. فإذا كان هؤلاء الناس لا يرتدعون عن إلصاق التهم بالذين يعتبرونهم أنبياء الله فماذا عسى أن يكون قولهم عن الذي يزعمونه كاذبا؟ إذن فلا اعتبار لكلامهم أبدًا.

ولكن أدهى وأمّر من ذلك كله أن أكثَرَ التهمِ كذبًا وزورًا وأشدَّ الهجماتِ ظلمًا واستبدادًا هي تلك التي وجهوها إلى شخص سيدنا ومولانا محمد . قد يكون ذلك خطأ منهم أو جهلا. سَمُّوا تصرفاتهم هذه ما شئتم. قولوا إن أردتم إنهم كانوا صالحين وورعين ولكنهم وقعوا في الخطأ، ولكنه لخطأٌ تغلي بسماعه الدماء وتدمى لهوله القلوب. لقد ورد في “الجلالين” و”أسباب النـزول” للسيوطي في تفسير قوله تعالى: وما أرسلنا مِن قبلك مِن رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطانُ في أُمْنِيّته.. :

“وقد قرأ النبي في سورة النجم بمجلس من قريش بعد: أفرأيتم اللاتَ والعُزى، ومناةَ الثالثةَ الأخرى بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه به: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لتُرْتجى، ففرحوا بذلك.” وأضاف السيوطي: “فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا.”

لاحِظوا خطورة قولهم! يقولون: إن الشيطان ألقى على لسانه !! والعياذ بالله. يغرق الإنسانُ في بحر من الحيرة والاستغراب بمحض التصور أنه كيف وجدت هذه الأفكار طريقها إلى أذهانهم ثم إلى أقلامهم؟ يمكنني أن أعتبر تفسيرهم هذا وحيًا شيطانيا، ولكن لا يمكن لي ولا لأي مسلم أحمدي أن يتصور بحال من الأحوال أن الشيطان قد اقترب من رسول الله . لقد وجَّه أعداء الإسلام هجمات بغيضة إلى النبي بناءً على هذه الروايات، ولكن المؤسف في الأمر أنه عندما نبحث أكثر في الموضوع نجد كل مرة عالما من علماء المسلمين السذج أو قليلي العلم مسئولا عن هذا التقصير الخطير. للسذاجة أيضا حدودٌ، لذا يجب أن يفكر الإنسان جيدًا فيما ينوي قوله قبل التفوه به، وليأخذ حذره فيما يقول وعمن يقول. ولكنهم وجهوا إلى النبي – كما أسلفت – هجمات بذيئة لدرجة تترك الإنسان حيرانَ مشدوهًا.

إليكم الآن ما ورد في تفسير الجلالين عن السيدة زينب رضي الله عنها، والهجوم البغيض الذي وُجِّه بشأنها إلى رسول الله :

“فزوَّجها النبي لزيد، ثم وقع بصره عليها بعد حين فوقع في نفسه حبُّها.” (تفسير سورة الأحزاب، الآية: ومن يعص الله ورسوله….. وإذ تقول للذي….)

ثم يوردون قصة طلاقها التي تقشعر لكذبها الجلود. الحقيقة أن الإنسان تضيق نفسه عند سماع هذه الخرافات ويتساءل مستغربا مندهشا: ألا تنخلع قلوبهم ولا تضيق نفوسهم حين يتفوهون بمثل هذه الأقوال البذيئة عن سيد المعصومين والأطهار والمزكَّى والمطهَّر الذي لم يحظ أي نبي بالعصمة والعفة مثله؟ من المؤسف حقًّا أنهم يسردون هذه القصص الواهية السخيفة في تفاسيرهم متلذذين بها ناهيك عن أن تنخلع قلوبهم وترتعد فرائصهم. هناك كثير من الأقوال من هذا القبيل ولكن لا أقدر على قراءتها فأتركها جانبا.

ولهم عبارات ومناقشات كثيرة أخرى أيضا تثير الدهشة وتترك الإنسان في حيرة من أمره. لقد استخدم العلماء – من أهل الشيعة وأهل السنة على سواء – في هذه المناقشات كلمات لو صادفتم قراءتها لاندهشتم وتحيرتم حيرة ما بعدها حيرة. هناك عالم من كبار علماء الطائفة الديوبندية يقول:

“كونُه أفضلَ من ملك الموت لا يُثبت إطلاقًا أن علمه في هذه الأمور يساوي علمَ مَلك الموت، ناهيك عن كونه أوسع منه علمًا.” (البراهين القاطعة لخليل أحمد ص47)

هذا يعني أنه كانت هناك مناقشات بين الطائفة البريلوية والديوبندية حول علم رسول الله . ومن عجائب الدهر أن الأعمش قد صار هنا كَحَّالاً، وأن الذين لا يملكون من العلم شيئا يناقشون ويبحثون في علم رسول الله ليحكموا فيه. فيا للسخرية! ويا للعجب ولضيعة الأدب!!

ولقد قامت هاتان الطائفتان بارتكاب إهانات مخيفة في حق النبي إذ تباحثوا فيما إذا كان النبي حاضرًا ينظرنا دائمًا أم لا؟ إذ تقول إحداهما: إن النبي حاضرٌ يرانا دائمًا، والذي لا يؤمن بذلك لا علاقة لـه بالإسلام. وتقول الثانية: إذا كان النبي حاضرًا ينظرنا دائمًا فهل يراكم أيضًا حين تباشرون زوجاتكم؟ تقول الأخرى ردًّا على ذلك: نعم! يكون حاضرا موجودا ولكنه يُغضي حياءً!!

هذا هو تصورهم عن رسول الله . الحقيقة أنه ليس هناك شيء من روعة وعظمة التصور عن الله تعالى ولا عن النبي إلا وأفسدوه. إن ألسنتهم الحادة تجول وتصول عليه عن يمينه وعن شماله أيضا، ولم يتركوا من نوره الشرقي ولا من نوره الغربي شيئا، بل شنوا على شخصه الطاهر هجمات شائنة من كل حدب وصوب، ومسخوا صورة الإسلام لدرجة لو قُدِّم إسلامهم هذا على الناس ودُعُوا إليه لما مال إليه أحد من ذوي القوى العقلية السليمة. أما الذي جاء لإصلاح أحوالهم وجعلَه الله حَكَما عدْلا فلا يكفّون عن الطعن فيه.

هناك مقارنة أخرى قام بها علماء الفرقة الديوبندية، إليكم نصها: “ألا يدل على إشراكهم بالله تعالى قيامُهم بالمقارنة بين علم النبي وعلم الشيطان وملك الموت، وبالتالي إيمانهم بأن علم فخر العالم كان محيطا بالعالم كله، معتمدين على القياس الفاسد ومخالفين النصوص القطعية دونما برهان؟” (المرجع السابق)

هذه العبارة من التعقيد بحيث قد لا يستطيع كثير منكم فهمها لذا أُفضِّل أن أشرحها قليلا. موضوع البحث هو فيما إذا كان النبي أكثر علمًا من الشيطان اللعين أم أقل؟ إنهم لا يستحيون من إثارة مثل هذه البحوث إذ يقارنون علم رسول الله مع علم الشيطان، والعياذ بالله. والمعروف أن الذي يكِنُّ شيئا من الاحترام والمحبة لأحد لا يَعرضه لمثل هذه المقارنات البذيئة. لماذا لا يخوض أحد من المشايخ في نقاش حول أمه ويبحث فيما إذا كانت أمه مومسًا أم لا؟ ذلك لأنه يكِنُّ حبًّا واحترامًا صادقَينِ لأمه لذا لا يتحمل أن يسمع عنها كلاما فاحشا. ولكن هؤلاء الناس لا يشعرون بالعار ولا بالحياء عند مقارنتهم النبيَ مع الشيطان. أتساءل كيف تجاسروا على التفوه بمثل هذا الكلام البذيء؟ فبعضهم يثبتون بكل اعتزاز وتفاخر أن علم النبي كان أوسع من الشيطان، ثم ينهض خصمُهم ليقول: لا! بل علم الشيطان أوسع وأشمل من علم النبي . والعياذ بالله من هذا الهراء والخرافات.

هذه نماذج عشقهم برسول الله وحبهم وتقديرهم لـه !! إن لسانهم السليط لا يكفُّ عن الإهانة وإظهار خبث باطنهم بل يضيفون ويقولون:

“إذا صح حكم عالم الغيب على شخصه …. فالسؤال هو: هل المراد من هذا الغيب هو كل الغيب أم بعضه؟ وإذا كان المراد بعض الأمور الغيبية فما هو سبب تخصيص النبي بذلك؟ فإذا كان المراد به بعض الأمور الغيبية فحسب فهذا النوع من علم الغيب يملكه كل فلان وعلان بل كل صبي ومجنون حتى البهائم أيضا.” (حفظ الإيمان ص116 لأشرف علي التهانوي)

أقول: يمكنكم – يا معارضينا – أن تقدموا براهينكم لبيان فساد الاعتقادات الخاطئة لخصومكم كما تشاؤون، ولكن لا ترتكبوا الإهانة والإساءة إلى رسول الله ، ولا تقارنوه بالمجانين والبهائم، فإنها إهانة تقشعر لهولها الجلود والأبدان.

إساءتهم الأخرى للرسول

ولأتحدث الآن عن الذين يطيلون لسان الطعن في البريلويين ويسمونهم مشركين لأنهم قد بالغوا في بيان منـزلة رسول الله وجعلوا لله شركاء. علمًا أنهم يشيرون إلى نوعين من الشرك الذي يرتكبه البريلويون حسب رأيهم وهما: الشرك في النبوة، والشرك في الألوهية.. أي يشركون بالله غيرَه، كما يجعلون الأولياء شركاء في قداسة النبي أيضا. وهؤلاء المعترضون على الطائفة البريلوية والزاعمون بكونهم مؤمنين بوحدانية الله ينسون كلَّ ما ارتكبوا بأنفسهم من إهانات شنيعة في حق النبي .

تعالَوا نَرَ ماذا يقولون عن علمائهم، وما هو تصورهم عنهم؟ إليكم بعض من أقوالهم على سبيل المثال لا الحصر. فقد نظم “شيخ الهند” المولوي محمود الحسن أبياتا، رثى فيها المولوي رشيد أحمد الكنكوهي، جاء فيها ما تعريبه:

“لماذا يردِّدُ أهلُ الهوى، اُعْلُ هُبُلْ، اُعْلُ هُبُلْ؟ ربما لأن مثيل مؤسس الإسلام قد رحل من العالَم.”

 أقول: وكأن المولوي رشيد أحمد الكنكوهي كان مثيلاً للنبي ونظيره، والعياذ بالله، لذا بدأ الخصوم بعد رحيله يردِّدون اُعْلُ هُبُلْ، اُعْلُ هُبُلْ.

ويقول أيضا:

“… كان الله مربِّيًا له، وكان هو مربِّيًا للخلق. كان الشيخ – ولا شك – هاديًا لي ومولايَ. لقد ظل أصحاب الإيمان والعرفان – وهم عند الكعبة المشرفة – يبحثون عن طريق يؤدي إلى “كنكوه”. (أي إلى قرية شيخه المتوفى – الناقل)

هذا مذاقُهم الروحي!! يعتبرون المولوي رشيد أحمد الكنكوهي مثيلاً للنبي ، ويقولون عن قريته “كنكوه” بأنها ليست مثيلةً للكعبة المشرفة فقط بل صارت الكعبةُ نفسُها سببًا لهداية الناس إلى قرية الشيخ. وهكذا جعلوا الكعبة المشرفة بمكة أدنى مرتبة من قرية شيخهم، لأن أمنيتهم الغالية لمشاهدة المقام المقدس لم تتحقق بمشاهدتهم الكعبةَ لذا فقد ظلوا يبحثون، بعد وصولهم إلى الكعبة، عن طريق يؤدي إلى قرية كنكوه، وكأن قرية كنكوه أسمى مكانة من الكعبة.

وحين لا يخمد غليلهم بعد وصولهم إلى هذه القرية أيضا، يرغبون في زيارة قبور مشايخهم. علمًا أن البريلويين أنفسَهم يتهمون غيرهم بعبادة القبور. ومع ذلك انظروا ماذا يقول هذا الشاعر البريلوي عن ضريح شيخه:

“لاحِظ سذاجتي إذ أُشبِّه ضريحك ذا الأنوار بجبل الطور وظللتُ أُرَدِّد: أَرِني، أَرِني.” (مرثية، لمحمود الحسن ص4-12)

أقول: لا مبرر لقوله “سذاجتي” لأن لـه مفهومًا آخر أيضا، كما يقول “غالب”، الشاعر المعروف في القارة الهندية ما معناه: أُشبِّه حبيـبي بيوسف، ولكنه يغض الطرف عني لطفا منه، (لأنني قد قلَّلتُ من شأنه بهذا التشبيه لأنه أجمل من يوسف بكثير – الناقل). ولو أراد معاقبتي على جسارتي هذه لكنت مستحقا للعقاب.

يقول “شيخ الهند”: بأن قوله هذا ناتج عن سذاجته. ولكنني أقول: إن للسذاجة أيضا حدودا. من الممكن أن يتفوه الإنسان بذلك مرة أو مرتين خطأ ولكنه يقوله هنا عمدا وتكرارا. هذه ليست سذاجة بل إنه إثم وذنب كبير متعمَّدٌ إذ يشبِّه ضريح شيخه بالطور ويقول مخاطبا الضريحَ: “أَرِني، أَرِني” كما قال سيدنا موسى على الطور وهو يخاطب الله تعالى حين أراد أن يراه. والغريب أن هذا الشيخ وأمثاله يبقون مسلمين وموَحِّدين مع ذلك كله!

ولا يكتفون بذلك بل يزيدون إذ يبينون مكانة أحد مشايخهم فيقولون:

“لقد وقعتْ على القلب الحزين ضربةٌ قاسيةٌ عند صلاة الجمعة إثر سماعنا الخبر المحزن عن رحيل رحمة للعالمين (يقصد بذلك المفتي محمد حسن الديوبندي – الناقل) من الدنيا إلى الآخرة.” (تذكرة الحسن نقلا عن مجلة “تجلي ديوبندي” ومجلة “نوري كرن” عدد فبراير 1963م)

فهل تركوا مجالا للنقاش والبحث في الموضوع إذ رفعوا مفتيًا من الطائفة الديوبندية إلى مكانة رحمة للعالمين!!

ثم يبينون صفات المولوي أشرف علي التهانوي ويقولون:

 “إن قوامه الميمون (يقصدون بذلك النبي – الناقل) ولونه وسحنته الشريفة كانت أسمى وأعلى، وكان جسده الشريف مثل حضرة الشيخ أشرف علي التهانوي.” (أصدق الرؤيا ص5)

أي أن ملامح سيدنا ومولانا محمد كانت شبيهة بملامح الشيخ أشرف علي التهانوي. علمًا أنه يصف ما رآه في الحلم، لذا لا نعترض عليه، ولكن ما أركِّز عليه هو أنه لو رأى أحد من المسلمين الأحمديين شيئًا كهذا في الحلم أيضا لهاجمه هؤلاء وقالوا إنه قد أهان النبي . فما دام البريلويون أنفسُهم يعتقدون أن تشبيه النبي بغيره – ولو في الحلم – إهانة لـه فثبت من قولهم هذا أنهم قد ارتكبوا هذه الإهانة. أما نحن فلا نعتقد بذلك بل نقول إن المشاهد التي يراها الإنسان في الرؤى، ولا سيما مشاهدة النبي في الحلم تختلف بالطبع عن المشاهد الظاهرية وتحتاج إلى تأويل. ويرى الإنسانُ النبيَ في صورة مرة وفي صورة غيرها مرة أخرى، ولكنه من الثابت المتحقق أنه لا يُسمح للشيطان أن يتشبه بالنبي بحال من الأحوال. أما هؤلاء الديوبنديون الذين يعتقدون أنه لو شاهد أحدٌ – حتى في الحُلم – النبيَ في صورة غير صورته الحقيقية كان ذلك إهانة لـه فإنهم بأنفسهم يقولون إن ملامح النبي كانت شبيهة بملامح المولوي أشرف علي التهانوي. ثم لا يكتفون بذلك بل يقولون عند بيان تأويل هذا الحلم أيضا: “إن النبي كان على صورة مولانا التهانوي.” (أصدق الرؤيا ص25)

ثم يقولون:

“… أن ملامحه (أي ملامح النبي – الناقل) هي كملامح مولانا التهانوي تمامًا.” (أصدق الرؤيا ص37)

فإنهم بوقاحة متناهية يشبِّهون في العبارة المذكورة أعلاه النبيَ بالمولوي التهانوي بدلا من أن يشبِّهوا التهانويَ بالنبي .

 

فضيحة الدعاية الكاذبة

إنهم يرموننا بتهم باطلة دائمًا بأن الشهادة التي ينطق بها الأحمديون هي غير التي علَّمَنا النبيُّ إياها، ولكنهم الآن قد أثبتوا بأنفسهم بأنهم يقومون بدعاية كاذبة ضد الأحمدية، ولا حقيقة لاتهامهم.

إنما الحقيقة هي أنهم هم الذين غيَّروا شهادتهم. الشيعةُ غيَّروها، وأهلُ السنة أيضا أجروا فيها تغييرات. وهذه الأمور ليست من قبيل الإشاعات بل هي مسجلة في كتبهم ومجلاتهم المختلفة، وعلماؤهم يعرفون كل ذلك، ولا يرفعون عقيرتهم ضدها متجاهلين خطورة الموقف. إنهم يثيرون ضجة ضد المسلمين الأحمديين الذين يتمسكون بالشهادة التي جاء بها سيدنا محمد ولم يغيروا فيها شيئا، ولكنهم لا يرفعون صوتًا ولا يحركون ساكنًا ولا يبدون غيرة أبدا ضد أولئك الذين غيّروها تغييرا. فقد ورد عن الخواجة معين الدين الِجشْتي قدّس الله سرَّه:

“قال أحد الناس لحضرة الخواجة (علمًا أن هذا ليس مشهد حُلمٍ بل هو واقع الأمر- الناقل): أريد أن أكون مريدًا لكم. فقال لـه حضرة الخواجة، قل: “لا إله إلا الله جشتي رسول الله”، ففعل. فاتخذه الخواجة مريدًا لـه.” (حسنات العارفين (ترجمة أردية) للشهزاده محمد دارا شكوه القادري ص34)

والحق أن القول إن الخواجة معين الدين الجشتي طلب من المريد أن يقرأ شهادته يمثل إهانة كبيرة وتهمة شنيعة على حضرة الخواجة، إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن يفعل ذلك ولي من أولياء الله مثل حضرة معين الدين الجِشْتي الذي كان مجددًا لعصره. ولكن الذين يطيلون لسان الطعن في الأنبياء ولا يرتدعون عن تلفيق القصص عنهم واتهامهم بتهم بشعة، أنّى لهم أن يكفّوا عن تعريض الأولياء والصلحاء لتهمهم. إذن فإن أمرنا غريب حقًّا إذ اضطررنا لمواجهة قوم هذه تصرفاتهم، وهذه معتقداتهم. يغفر الله أخطاءنا ويرحمنا لأن الذين يُبتلون بالمشايخ كهؤلاء يستحقون أجرًا غير قليل.

 

المكانة العالية للإمام المهدي

إذن فإن الأحمدية هي الوحيدة التي تحظى اليوم بهذا الشرف لأنها تواجه مثل هؤلاء المشايخ ليلَ نهارَ، وتبذل قصارى جهدها لتمزيق حجب ظلماتهم وإخراج الناس إلى النور. إنني على يقين كامل أن الجماعة الإسلامية الأحمدية تقوم في هذه الأيام بمجاهدة لا تضاهيها مجاهدات عامة الناس ولو قاموا بها إلى مئات السنين. وتحتل الأحمدية من هذه الناحية أيضا مكانة رفيعة جدا بفضل الله . لذا يوضح القرآن الكريم ويقول لا يمكن مقارنتكم، أيها الأحمديون، مع غيركم لأنكم أناس كلما خطوتم خطوة أسخطت معارضيكم، لأنهم يدعون الناس إلى الظلمات وأنتم تدعونهم إلى النور، فشتان بين الثرى والثريا!!

لا شك أننا قد تأذينا كثيرا على أيديهم، ومع ذلك نشكر الله أيضا شكرًا كثيرًا نظرًا إلى مرتبتنا إذ منَّ علينا ووفَّقنا لقبول الإمام المهدي الذي مزَّق حجبَ الظلمات كلها، ودعانا إلى النور الذي هو نور محمد ونورُ كلام الله تعالى. إنه أرانا هذا النور من جديد وبوضوح أكثر من نور الشمس والقمر. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وعلى عبدك المسيح الموعود إنك حميد مجيد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك