خدمات الحكم العدل لإصلاح عقائد المسلمين وأعمالهم (القسط الأول)
التاريخ: 1985-05-03

خدمات الحكم العدل لإصلاح عقائد المسلمين وأعمالهم (القسط الأول)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة السادسة عشرة من مجموع ثماني عشرة ردَّ فيها

 حضرة مرزا طاهر أحمد  – أيدَّده الله –

على تهمٍ باطلة ألصقتها حكومة باكستان بجماعتنا ونشرتها في كتيب تحت عنوان

«القاديانية خطر رهيب على الإسلام» أثناء حملتها الشرسة ودعايتها الكاذبة ضد

جماعتنا ومؤسسها

أُلقيت بمسجد الفضل، لندن بتاريخ 3 أيار 1985

«تنشر أسرة التقوى ترجمة هذا الخطاب على مسؤوليتها»

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ ، آمين.

الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ (إبراهيم: 2 – 4)

ميّزة فريدة لنور المصطفى

الآيات التي اخترتها لتكون موضوع خطبتي اليوم تَذكُر صفةً للنبيّ مميَّزة وهي أنه يُخرِج الناسَ من الظلمات إلى النور. إنها لَصفةٌ متميِّزة له بمعنى أنّه هو الشخص الوحيد مِنْ بين جميع البشر الذي كلَّفه الله تعالى بهذه المهمّة العظيمة، أي وَهبه القدرة الخارقة على إنجازها، غيرَ أنّها ليست صفة متميِّزة له من منظور آخر، أعني ليس صحيحاً القول إنّه لا يمكن أن يكون ولن يكون في المستقبل مِن أُمَّته – في إطار طاعته طبعاً – أُناسٌ يستطيعون أن يتابعوا تحقيق هذا الهدف النبيل، الحقيقة أنّ النور الذي يدعو إليه نبيٌّ من أنبياء الله تكون هناك أصواتٌ أخرى أيضاً تتصاعد دائماً منسجمة مع صوته لهذه الدعوة، ويشاركه في مهمّته كثيرٌ من الناس من خُدَّامه وأتباعه، وهكذا تُضيء مصابيح النور من كُلِّ حَدب وصوب. وقد ألقى سيدُنا محمد المصطفى ضوءاً على هذا الموقف الخلّاب بأسلوبٍ جذّابٍ للغاية إذ يقول:

“أَصْحَابِي كَالنُّجُوم بِأيِّهُم اقْتَدِيتُم اهْتَدِيتُم”. أي أنّ أصحابي يتلألؤون في السماء كالنجوم. لقد اقتبسوا من نوري فأصبحوا نورانيِّين لدرجةِ أنّكم لو اقتديتم بأحدٍ منهم اهتديتم.

كذلك يقول الله في القرآن الكريم أيضاً:

بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

أي أنّ محمداً كُلِّفَ بهذه المهمة الجليلة من قِبَلِ ربِّهم.

علماً أن تعبير “ربِّهم” لا يُستعمل حين يكون الخِطاب موجَّهاً إلى النبيّ ، بل تُستخدم كلمة “ربِّكَ” لهذا الغرض، أما تعبير “ربِّهم” كما ورد في الآية الآنفة الذكر فيُستعمل لِلفتِ انتباه المــُخاطَبين والتأكيد لهم أنّه يجب أن تنفِّذوا هذا الأمر لأنّه أمرٌ من ربِّكم. إذن فقال الله تعالى: إنّ هذا الأمر ليس مُختصَّاً بالنبي فقط، لا شكَّ أنّ النبيّ هو الذي يدعوكم، لكن تذكَّروا أنّ الأمر أمر ربِّكم، ويتحتّم عليكم أن تُلبُّوا دعوته إذا دعاكم إلى الهداية، وفِرُّوا إلى النور الذي يدعوكم إليه.

عاقبة السالكين على مسلكٍ معوَّج

ثم يُلقي الله ضوءاً أكثر على كلمة “ربَّهم” فيقول إنّه ربُّ السماوات والأرض، فلو أعرضتم عن أمره لما وجدتم ملجأً ولا ملاذاً أبداً، فقال: وَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ أي الذين يرفضون هذا الأمر سوف يلقون عذاباً أليماً. وهناك من الأشقياء

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ .

ولا يكتفون بذلك بل يسدُّون طريق الآخرين أيضاً حتى لا يتَّبعوا الهداية ويبغون سبيل الله عِوجاً. ويريدون أن تكون سُبُل الله أيضاً مُعوجَّة مثل طبائِعهم ويبغون أن يتبع الناس سبيلهم ولا يتَّبعوا سبُل الله ، فقال:

أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ

ففي ذلك إشارة إلى أنّ أصحاب الأفكار المعوجَّة لا ينجون، بل تُصبح نجاتهم أمراً مُستبعداً لأنّهم في ضلالهم يَعمهون باستمرار بحيث يصِلونَ في تماديِهم إلى أبعاد شاسعة حتى تستحيلَ لهم العودة منها. وهذا يعني أنّه لا بدّ لنا من دعوة أئمة التكفير – الذين يدورُ الحديث حولهم – إلى الهدى، ولكن بينهم من الأشقياء الذي يَضلُّون ضلالاً بعيداً ويتمادون فيه لدرجةٍ يغدو فيها أملُ رجوعهم ضئيلاً جداً.

أهم واجبات المهدي المنتظر

هذه هي المهمة – إخراج الناس من الظلمات إلى النور من الناحية الدينيّة – التي كان من المفروض أن يُكلَّف بها الإمام المهدي وحده في اتِّباعِه رسول الله . وكان من المقدَّر له دون غيره أن يُنجزها. فقال النبيُّ عنه بأنه سيكون “حَكَماً عدْلاً”، وسيَظهر حين تُصبح سُبل الدين مُعوجَّة من جرَّاءِ شقِّ الناس طرقاً أخرى داخل سُبل الله ، ومن جرَّاءِ تحريفهم للإسلام تحريفاً شنيعاً، وحين تكون الخلافات بين المسلمين قد تجاوزت الحدود كلّها، عندها سوف يظهر المهدي ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور. ولذلك وُصِف المهدي في الأحاديث بكلمات: “حَكَماً عدْلاً” لأنّه لا بدّ أن يأتي حَكَماً عدلاً عند ظهور الخلافات، وعندما يطفو الظلم والجُور على السطح في تعامل الناس فيما بينهم. إذن فكان من المفروض أن يظهر المهدي لتسوية الخلافات الشديدة الظاهرة في العالم ولإصلاح أفكار الناس الفاسدة عن الإسلام. هذا هو الوضع الذي ذكره الخليفة الثاني قائلاً:

“لا تزال كلماتٌ تفوَّه بها سيدنا المسيح الموعود ترنُّ في أذنيَّ إذ قال: “ليس صحيحاً أننا نختلف مع الآخرين في وفاة المسيح الناصريّ وفي بعض المسائل الأخرى فقط، بل نختلف معهم في ذات الله ، والنبيّ ، والقرآن، والصلاة، والصوم، والحجّ، والزكاة أيضاً، فبيّن حضرته مفصّلاً أننا نختلف معهم في كل شيء”.

مغالطة الكتيب الحكومي

لقد قدّموا هذه الفقرة بكل اعتزاز – بقص ولزق – في الكتيب الحكومي: “القاديانية، خطرٌ رهيب على الإسلام” ثم يستنبطون منها أن المجرم – الجماعة الإسلامية الأحمدية حسب زعمهم – أقرَّ بنفسه أن إسلامهم غير إسلامنا. فقالوا:

“يعتقد القاديانيون بأن وجه الخلاف بينهم وبين المسلمين الآخرين ليس إعلان النبوّة فقط الذي قام به الميرزا غلام أحمد، بل إنّهم يدَّعون أن إِلَهَهم وإسلامهم وقرآنهم وصيامهم بل كل شيء لديهم يختلف عن المسلمين. فقال الميرزا بشير الدين محمود أحمد بن الميرزا غلام أحمد القادياني في خطابه المنشور في جريدة “الفضل” 30 تموز عام 1931م…” (الكتيب ص 26)، وهنا يورِدون فقرة قرأتها قبل قليل.

كومة من الكذب

الأمر الأول الجدير بالانتباه هو أن الذي أورد هذه الفقرة في الكتيب واستنتج منها هذا الاستنتاج، نستطيع أن نقول بكلّ يقين إنه تعمِّد الكذبَ. إنهم يعرفون جيداً، عن معتقدات الجماعة، يعرفها كبار الحكومة وصغارها، يعرفها العلماء والوزراء أيضاً جيّداً لأنّ سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قد أعلن عن معتقداته للملأ مراراً كثيرة وبوضوح تام. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ سيرة الجماعة وأسوتها مكشوفة أمام المعاندين كصحيفةٍ مفتوحة. فكلُّ واحدٍ منهم يعرفها جيداً، لذلك فقولهم إنّ الأحمدية تعتقدُ بإلهٍ غير إلههم، وقرآنٍ غير قرآنهم، وإسلامٍ غير إسلامهم، وصيامٍ غير صيامهم، قولٌ باطلٌ تماماً. كان المعارضون يقولون فيما مضى إنّ كلمة الشهادة لدى الأحمديين تختلف عن كلمة الشهادة لدى بقيّة المسلمين، ولكنهم الآن قاموا بإجراءات اضطروا من جرَّائِها للبيان أمام العالَم أنّ كلمة الأحمديين هي كلمتنا نفسها، ولقد كذبنا من قبل وما زلنا نكذب ونفتري على الأحمديين منذ 90 عاماً. إن شهادة الأحمديين هي شهادتنا نفسها ولكننا لن نسمح لهم بالتمسُّك بها. وهكذا فإنّ كذبهم يُفتضَحُ للجميع تلقائيّاً في كلِّ يومٍ جديد. والذي أورد هذه العبارة لاشكّ أنّه خبيرٌ في الدَّجل والتلبيس، وكاذبٌ مُتعمِّد. واحداً كان أم أكثر، هذا لا يهمُّنا، غير أنّ الحكومة التي نُشر الكُتيب بإشرافها لِخداع العالَم كلّه لمسئولة عن هذا الكذب الشنيع.

أسلوبٌ بلاغي

لقد قيل من خلال العبارة السالفة الذكر وكأنّ كلّ شيء يتعلّق بالدين يختلف لدى الأحمديين عمّا عند غيرهم من المسلمين. ولكن الأمر ليس هكذا، والعالَم كلّه يعرف جيداً أنّ من أساليب البلاغة والفصاحة أنّ القائل في بعض الأحيان يبيّن موضوعاً شاملاً وواسعاً في جملة وجيزة. كما تقول لشخصٍ على سبيل المثال: “إنّك تختلفُ عنّي”. فهل هذا يعني أنّ القائل يقصد أنّ ذلك الشخص ليس إنساناً بل هو حمارٌ أو كلبٌ وما إلى ذلك؟ كلا! إنّما المراد أنّك تملك صفاتٍ غير التي أملكها أنا، وإنّك لم تعُد تملكُ صفاتٍ تعتبرُ صفاتٍ إنسانيّة شريفة، أمّا أنا فأتحلّى بصفاتٍ إنسانية نبيلة، وأنتَ الذي تغيَّرتَ وأفسحت مجالاً لصفات غير إنسانية لتجد طريقها إليك. فبهذا المعنى بالضبط استخدم سيدنا المـُصلح الموعود الجُمَلَ السالفة الذكر لإخبار الجماعة وإفهامها أنّ الله لم يؤسِّس هذه الجماعة لسببٍ بسيطٍ فقط، بل الحقيقة أنّ أفكار معارضي الأحمدية عن الله وعن القرآن والملائكة والأنبياء والجنَّة والنار والحياة بعد الممات، أي أفكارهم عن الأمور الدينيّة الأساسية تختلف عن أفكار الأحمدية. إنّ الأحمدية تعلن جهاراً ولا تزال تُكرِّر إعلانها منذ 90 عاماً أنّها تؤمن بالإسلام نفسه الذي جاء به سيدنا محمد المصطفى تؤمن بالإله الذي هو إلهُ محمد المصطفى ، عقيدتها عن الملائكة هي العقيدة نفسها التي حملها سيدنا محمد ، وقرآنها في الحقيقة هو ذلك القرآن الذي نزل على قلب الطاهر. كذلك فكرتها عن الجنّة والنار هي نفس الفكرة التي قدَّمها القرآن الكريم ثَبتتْ من السنّة النبويّة الشريفة، إلا أنّهم حاولوا تقديم الحقائق في الكتيب الحكومي بصورة خاطئة عمداً.

أما فيما يتعلق بالخلافات الأخرى فقائمتها طويلة جداً، وهناك مقتبسات في هذا الصدد تقع في صفحاتٍ عديدة. لقد تأخّرتُ في المجيء لإلقاء الخطبة لسبب وحيد وهو أنني كنتُ أحاولُ قُصارى جهدي منذ أسبوع لاختصار الموضوع بشكلٍ من الأشكال، وانتقاء بعض المقتبسات الهامّة في هذا الصدد وترك بعضها الآخر جانباً، ولكنها من الكثرة بحيث يمكن أن تكفي لما يقارب من عشرِ خُطب، ولكنني سوف أحاول تلخيصها في خطبةٍ واحدة.

طريق البحث عن الحق

من الواجب على المتّقي الورِع والباحث عن الصّدقِ بنيّةٍ صادقةٍ أن يورِدَ كل ما قاله سيدنا أحمد عن الله ، ثم يُورد إزاءه ما قاله في الموضوع نفسه العلماءُ الآخرون الذين هم الأعداءُ الألدَّاء للأحمدية، ثم يقدِّمَ أمام العالَم مقارنة عادلة بين الفريقين، ويوضح للناس أنّ للأحمديين إلهاً ولنا إلهاً غيره حسبما ورد في مصادر الفريقين، ليعرف الناس جميعاً من يتمسَّك بالاعتقاد الصحيح عن الله ومن يتشبَّث بالاعتقاد الخيالي الذي ليست له علاقة بالحقيقة. كذلك كان من واجب المحقّق الورِع أن يقدِّم كلَّ كما قال سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود  عن النبي ، والملائكة، والكتب السماوية، والأنبياء الآخرين، ثم يذكر إزاءه أقوال علمائهم أيضاً في الموضوع نفسه. ثم يوضِّح بأنّ هذه هي أفكار الأ حمدية وتلك أفكار علمائنا. وبما أنّ مؤلفي الكتيب الحكومي لم يفعلوا ذلك لذا سوف أقدِّمُ فيما يلي مقارنةً عابرةً فقط بين الفريقين لضيق الوقت.

تصوُّر أهل الشيعة عن الله  

فيما يتعلّق بذات الله فإليكم أولاً ما جاء في كتبهم من أفكار عن الله تعالى. فقد ورد في كتاب للشيعة:

“سيّدنا علي إله”. (تذكرة الأئمة ص91)

وجاء في كتاب آخر:

“سيدنا علي إله، ومحمد عبده”. (مناقب مرتضوي، حياة القلوب ج2 الفصل 49)

وورد أيضاً:

“سيدنا علي ابن الله”. (مجلة نورتن ص36)

ثم جاء في كتاب “حقّ اليقين المجلسي في بيان تفضيل أمير المؤمنين على سائر الأنبياء، 28” ما معناه: “سيدنا علي أفضل من جميع الأنبياء”

كذلك كان من واجب المحقّق الورِع أن يقدِّم كلَّ كما قال سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود  عن النبي ، والملائكة، والكتب السماوية، والأنبياء الآخرين، ثم يذكر إزاءه أقوال علمائهم أيضاً في الموضوع نفسه. ثم يوضِّح بأنّ هذه هي أفكار الأ حمدية وتلك أفكار علمائنا. وبما أنّ مؤلفي الكتيب الحكومي لم يفعلوا ذلك لذا سوف أقدِّمُ فيما يلي مقارنةً عابرةً فقط بين الفريقين لضيق الوقت.

معتقدات وثنيّة للبريلويين

أما فيما يتعلق بالطائفة البريلوية فلم يوزّع هؤلاء صفاتِ الله وقدراته على عباده الأحياء فقط بل على الأموات منهم أيضاً، حتى إنّ قبور هؤلاء الأموات أيضاً تملك قدرات مثل قدرات الله ، وأصحابها شركاء الله في تلك القدرات. فبسبب هذه الأفكار تجدون في باكستان مئات الألوف من القبور قد عَلَّق عليها هؤلاء القوم شاراتٍ وأعلاماً من أقمشةٍ بالية ذات ألوان مختلفة تبرُّكاً وتيمُّناً كما يزعمون. فلكلِّ قبرٍ من القبور أهميته وشأنه – حسب زعمهم – منها ما يتوسَّلون إليه للبَرءِ من الأمراض، ومنها ما يتضرَّعون إليه ليرزقهم أصحابُها الأولادَ الذكور أو الإناث حسب مقتضى الأمر. ويُرجى من صاحب بعضها شِفاءَ المتضرِّعين إليه من الأمراض كالسِّل أو غيره.

إنّ الطائفة البريلوية يتوسَّلون إلى الأحياء، بل إلى الأموات أيضاً لقضاء كافة الحاجات التي لا يقضيها إلا الله وحده، وجميع الحوائج التي لا يمكن لعبد أن يتصوَّر سؤالها من أحدٍ سوى الله ، ثم يَقدِّمون على موقفهم هذا مبرِّراتٍ شرعيّة حسبَ زعمهم. فيقول المولوي أحمد رضا خانْ في كتاب “أحكام الشريعة. ج2، ص106، مسألة 2:

“إنّ قيام أولياء الله بتصرُّفاتٍ وهم في القبور حقٌّ بِلا ريب، أي قيامهم بالتصرُّف من داخل القبور في أمورِ الدنيا بما فيها إعطاء بعض الناس شيئاً ومنعُهُ من شيءٍ آخر. هذا كُلّه حق. والمراد من الآية التي تقول: كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ هو أنّهم يَئِسوا من حياتهم ثانيةً. وقيل استنباطاً منها: إنّ الذين يئِسوا من الأموات وقدراتهم كلّهم كفّار. فالنصُّ القرآني الصريح يقول: إنّ الأموات شركاءُ الله من ناحية تصرُّفاتهم. وكأنّه قيل إنّ الذين يَئِسوا من هذا الأمر إنّهم كفّار حتماً”.

كذلك قال حكيم الأمّة (كما يسمونه) المفتي أحمد يار خانْ النعيمي، العالِم المعروف للطائفة البريلوية:

“يقول (الله ): ما لا ينفعك ولا يضَّرك أي لا تَدعوا مَن لا يضرُّ ولا ينفع في حدِّ ذاته. فثبتَ من ذلك أنّ الأوثان لا تنفع ولا تضرُّ فلا تدعوها. وبما أنّ الأنبياء والأولياء ينفعون ويضرُّون أيضاً لذا فَادْعُوهم”. (المواعظ النعيمية، ج2، ص294)

هذا هو تصوُّرهم عن الله !!

معتقدات باطلة للديوبنديين

وهناك تصوُّرٌ آخر تعتنقه طائفةٌ أخرى من علماء الفرقة نفسها مما يجعلهم يتشاجرون فيما بينهم في هذه الأمور. فطائفةٌ تقول باشتراك العباد العاديين، حتى الأموات منهم، في صفات الله، وفرقةٌ ثانية تُدخِلُ اللهَ في عِداد العِباد المذنبين، وتقول: إنّ الله أيضاً يملك القدرة على ارتكاب الذنوب. ثم يقومون بمناقشاتٍ طويلة حول هذا الموضوع. فجاء في كتاب الطائفة الديوبندية:

“لا نعتقد أنّ صدور الكذب من الله محالٌ في حدِّ ذاته وإلا لوجب تَفَوُّقُ قدرة الإنسان على قدرة الله”. (يك روزي للمولوي محمد اسماعيل، المطبعة الفاروقية ص145)

لقد جرت بين المشائخ مناقشات طويلة حول هذا الموضوع، ولم يكتفوا بإمكانية صدور الكذب من الله بل زادوا وقالوا:

“كيف يمكن اعتبار الأفعال القبيحة خارج نطاق قدرة الله القديمة”. وورد أيضاً:

“الأفعال القبيحة في مقدور الله تعالى”. ثم جاء في مكان آخر:

“يعتبر كافة أهل الحقّ الأفعالَ القبيحةَ في مقدور الله تعالى مثل الممكنات الذاتيّة الأخرى”. (الجهد المقل، ج1، ص41)

ويعجز الإنسان عن بيان تلك الأفعال القبيحة التي أحصوها في هذا الصدد. لاشكَّ أنّ الكلام كلامهم ومع ذلك يستحي الإنسان من إعادته. لقد نسبوا إلى الله :

“…السرقة، شرب الخمر، الجهل، والظلم مرجعها قلّة الفهم… وليس من الضروري أن تفوق قدرة الله على قدرة الإنسان، بينما من القاعدة الكليّة أنّ كلَّ ما كان بمقدور العبد، كان بمقدور الله”.(تذكرة الخليل لعاشق إلهي الميرتهي، مطبعة مشن ميرته ص86، مقال السيد محمود الحسن، المنشور في جريدة نظام الملك بتاريخ 25 آب/أغسطس 1889م) 

فكلتا الفرقتين في الحقيقة أفسدت التصوُّر عن الله من خلال هذا الكلام البذيء الذي هو إهانةٌ كبيرة في حقِّ الله . إحداهما ترفع منزلة العباد لدرجة توصلهم إلى مراتب إلهية. أمّا الثانية فتُخفِضُ منزلة لدرجةٍ تجعله مساوياً للعباد.

أقول: هذا الإله الذي يقدِّمونه ليس ذلك الإله الذي كان قد تجلَّى على سيدنا محمد . وهذا الإله ليس ذلك الإله الذي هو ربُّ الكون الذي هو منزَّه من كلِّ عيبٍ ونقص، والذي يُسبِّح له ويحمده كل ما في السماوات والأرض ليلَ نهارَ. فأين أفكارهم التافهة من هذا التصوُّر الأرفع والأسمى عن الله تعالى؟

إذن فإننا نؤمن بربِّ محمد ، ونُعلن على دقّات الطبول أنه إذا كان إلهكم هذا الذي وصفتموه بأفكاركم المذكورة أعلاه فنقول حلفاً بالله إنّ إلهنا غيرَ إلهكم.

لقد نُسجت عن الله تعالى قصصٌ غريبة تقدِّمه ككائنٍ مضطر أمام العِباد، وتجعل عباده الضعفاء شركاء له في صفاته لدرجةٍ تترك الإنسان في حيرةٍ من أمره. ففي تلك القصص هناك قصةٌ طويلة عن معجزاتِ حضرة عبد القادر الجيلاني، تبيِّنُ كيف نبشَ حضرته سفينةً غارقةً منذ 12 عاماً مع رُكّابها. فجاء في كتاب شهير للبريلويين:

“إنّ عجوزاً كانت في موكب زواج ابنها اليتيم. وعندما أرادوا اجتياز البحر في السفينة هاجَ البحر وماج، فغرقت السفينة في وسط البحر وبالتالي فَقَدت العجوزُ ابنها. فظلَّت جالسةً على ضفة البحر إلى 12 عاماً، وكانت تغدو وتروح إلى البحر – لتملأ جرَّتها في بادئ الرأي – وتنحب ابنها صباحَ مساءَ. ففي أحد الأيام حدث أنّ مرَّ عبد القادر الجيلاني من هناك، فشاهد حالةَ العجوز وسألها عمّا يُقلِقها. فقصَّت قصَّتها فقال حضرته: لا تقلقي. ثم ركّز حضرته هُنيهة ونَبشَ السفينة الغارقة منذ 12 عاماً. فخرج أصحاب الموكب سالمين وضاحكين مسرورين مع العروس والعريس”. (باقة الكرامات للمفتي غلام سرور، ص21، 22 عام 1377 هــــ مطابق 1861م)

هذا هو تصوُّرهم عن الله ! لقد لاحظتم كيف جعلوا عبداً ضعيفاً شريكاً في الألوهيّة حتى استطاع بقوته الشخصيّة أن يُحييَ من ماتوا منذ 12 عاماً.

أفكار مُضحكة عن الملائكة

ثم تَصوُّرهم عن الملائكة أيضاً فاسدٌ لدرجةٍ يتحيَّرُ الإنسان ويتساءل أيُّ إسلامٍ يقدِّمونه أمام الناس؟ اسمعوا الآن تصوُّرهم عن الملائكة:

“لقد اختار الله المَلَكين العَابِدينِ الكبيرينِ، هاروتَ وماروت، من بين الملائكة (لاحِظوا: ليسا من الملائكة العاديين بل اختار الله تعالى المَلَكين العَابِدينِ الكبيرينِ اللذينِ كان الله مُعجباً بعبادتهما) و خلق فيهما أهواءً إنسانيّة كلّها , أرسلهما إلى منطقة بابل في أرض الكوفة، فَشُغِفا حُبَّاً بامرأةٍ جميلة تُسمِّى زهرة البارسيّة، وشربا الخمر من أجلها. (لاحِظوا كيف يعرفون الأمور بدقة متناهية وتفاصيل دقيقة لتورُّط الملائكة المساكين في حبِّ هذه المرأة) ففي حالةِ السُّكر صدرَ منهما الشِركُ وقتلُ النفسِ عَلاوةً على الزِنا. فَعِقاباً لهذه الذنوب لا تزالُ تحِلُّ بهما أنواع العذاب إلى يوم القيامة”. (أحسن التفسير للمولوي أحمد حسن المحدّث الدهلوي ج1 ص108، الناشر: المكتبة السلفية)

هذه أفكارهم عن الملائكة. أما أفكار الشيعة الواردة في كتبهم حول هذا الموضوع فهي كما يلي:

نظراً إلى قلّة حيلة الإمام حُسين ، ألحَّ الملائكة في حضرة الله أن يسمح لهم بإغاثته (وكأنّ الله كان قد منعهم من ذلك، لأجل ذلك كان الملائكة يُصرُّون على الاستئذان) ففي نهاية المطاف أَذِنَ الله لهم، ولكن (وللأسف) عندما وصل الملائكة إلى الأرض كان حضرة الإمام حُسين قد استُشهِد”. (جلاء العيون الباب الخامس، الفصل 14، ص498، الفصل 17 ص539)

وكأنّ اله تعالى أَذِنَ للملائكة متأخراً قليلاً لذا تأخّر الملائكة من إغاثته! فكم هو مُضحك تصوُّرهم عن الله والملائكة، ورغم ذلك يهاجمون سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، الحَكَمْ العَدْلَ. ولو قرأتم كتب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لعرفتم عظمة الله والملائكة والكتب السماوية والأنبياء الكرام. والأفكار التي يقدِّمها معارضو الأحمدية لا تبلغ عُشرَ مِعشار عظمة أفكار سيدنا أحمد التي استمدَّها من القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة الشريفة ثم قدَّمها أمامنا بكلماته الطاهرة.

وإليكم الآن مُقتبساً آخر أيضاً في هذا الصدد جاء فيه:

“وقال مَلَكٌ (لسيدنا عليّ ): السلامُ عليكَ يا وصيَّ رسول الله وخليفته. ثم اسـتأذن اللقاء بالخضر، فَأَذِنَ له سيدُنا عليّ بذلك. فقال سلمان الفارسي الذي كان واقفاً بالقرب، ألا يستطيع الملائكة أيضاً لقاء أحد دون إذنك؟ فقال (سيدنا عليّ ): والذي رفع السماوات بغيرِ عَمَدٍ ترونها، لا أحدَ من الملائكة كُلَّهم يستطيع أن يترك مكانه للحظة دون إذني. ونفس الحال بالنسبة إلى ابنيَّ حَسن وحُسين وأولادهما”. (المجلة “درّ النجف” الصادرة في مدينة سيالكوت عدد “الحق مع عليّ” رجب، رقم 60، 15، فبراير عام 1960م)

يقول الله في القرآن الكريم عن الملائكة:

لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ . (التحريم: 10)

ولكنهم يقدِّمون عن الله تعالى والملائكة فكرة مشوهة تماماً، وكأنهم لا يستطيعون أنْ يُحرِّكوا ساكناً دون أمر سيدنا عليّ، ولا أهمية لهم أبداً مقابله.

أفكار فاسدة عن القرآن الكريم

كذلك قيل في الكُتيّب الحكومي: إنّ قرآن الأحمديين يختلف عن قرآنهم.

وبالمناسبة أودُّ أن أوضِّحَ لكم أمراً عن القرآن الكريم وهو أنّ ما قاله سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في حُبِّ القرآن الكريم وعشقه نظماً ونثراً يبلغ من العظمة بحيث لا يوجد له مثيل. ولو جمعنا كل ما قاله الصلحاء الأسلاف جميعاً في هذا الشأن لما بلغَ – كيفاً وكمَّاً وعلوماً ومعارفَ – عُشرَ مِعشار ما قاله سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في مدحِ القرآن العظيم. يمكنكم أن تقرؤوا كلامَ أيٍّ من الأسلاف في مدحِ القرآن الكريم فلن تجدوا أبداً من العشق والشوق في كلامه ما يوجد في كلام سيدنا أحمد . وَلَنِعْمَ ما قاله سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ما تعريبه:

“أتمنى دائماً يا ربِّ أن أُقبِّلَ مُصحفَكَ، وأطوفَ حول القرآن، فهو كَعبتي”. (الخزائن الروحانية ج20 ص 457)

هذه الكلمات لا يمكن أن يتفوَّه بها إلا العاشقُ الصادق. فالخدمةُ التي أسداها سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لنشر علوم القرآن الكريم ومعارفه في العالَم، وتنزِيهه عن تُهمٍ مزعومة كانت من نصيبه وحده. ومن هذه التُّهم التي كانت لسوء الحظ تُلصق بالقرآن من قِبَلِ العلماء المسلمين تُهمة وجود النَّسخ فيه، رغم أنّ القرآن أسمى وأرفع من أيِّ نوعٍ من الشكِّ والريبة والنَّسخ. وهذا الاعتقاد في الحقيقة أكبر الهجمات على القرآن الكريم، لأنّه لو وُجِدَ فيه النَّسخ، ووجَدَ المشائخُ فُرصةَ اعتبار بعض الآيات ناسخةً وبعضها الأخرى منسوخةً لما بقي له أي اعتبار. إنّ سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود هو أول مَن قال بوضوحٍ تامٍّ بأنّه لم ولن تُنسخ ولو نقطة واحدة من القرآن الكريم إلى يوم القيامة. وقال إنّه لكتابٌ كامل، وسوف يبقى محفوظاً مصوناً إلى الأبد، ولن يحدُثَ فيه تغيُّرٌ أو تبدُّلٌ إطلاقاً. أما الأفكار التي قدَّمها العلماء المعارضون لنا وبعضٌ من الأسلاف أيضاً فسأقرأ على مسامعكم بعضاً منها كَغيضٍ من فيض. يُعتبر “التفسير الصافي” كتاباً هامّاً جداً عند الشيعة جاء فيه: “القرآن الأصلي مفقود، وعشرةُ أجزاء مفقودة من الأصل. وهناك تحريفٌ وتغييرٌ في الآيات”. (الجزء 22 ص411، وتفسير لوامع التنزيل للسيد علي الحائري ج4)

وعلي الحائري لا يقول بفقدان عشرة أجزاء من القرآن فقط بل يذكر أسماء عدّة سور أيضاً ضمن تلك الأجزاء المفقودة. ثم يذكر سورة باسم “نُورَين” التي تبدأ من “أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنُّورين وتنتهي بـــــ والحمد لله رب العالمين”. (تفسير لوامع التنزيل ج14 ص15-26 نقلاً عن نشرة “ملخص معتقدات الشيعة”)

كان هناك صديق أحمدي القاضي محمد يوسف المرحوم يسكن في إقليم “سرحد” بباكستان، وكان مُعجباً بجمع كتب الشيعة، وفي مكتبته هناك مجلة “نورتن” الناطقة باسم الشيعة، فجاء في الصفحة 37 منها:

“كان القرآن قد نزل على سيدنا عليّ “.

أي نزول القرآن على سيدنا محمد المصطفى كان عن طريق الخطأ. لقد قُدِّمت في كتب الشيعة المختلفة تأويلاتٌ متنوعة لاعتقادهم هذا. فمنهم من يقول إنّ ملامح عليّ كانت تُشبه ملامحَ سيدنا رسول الله لذا وقعَ جبريل في الخطأ. ويقولون أيضاً: إنّ سيدنا رسول الله كان جالساً فجاء جبريل وحسِبَه عليَّاً وأنزل عليه القرآن، ثم اضطرَّ لإنزال القرآن كله على سيدنا محمد بسبب وقوعه في الخطأ في المرة الأولى. فالأباطيل التي نسبوها إلى القرآن الكريم من خلال تفاسيرهم المزعومة تفوقُ الحصرَ والعد. ولو لم يُبعَثْ سيدُنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لقضى هؤلاء على تصوُّر ذلك القرآن الذي نزل على محمد المصطفى ، والذي هو نورٌ على نور. إنّ قُدرةَ الإخراجِ من النور إلى الظلمات التي يمتلكها المشائخ هي غريبةٌ للغاية. إنّ القرآن الكريم يبلغ من الكمال والشموليّة بحيث يقول الله عنه: لا ريبَ فيه ، ولكنهم ألقوا عليه حُجبَ الظنون والرَيبة، وبحثوا بِقَدرِ ما استطاعوا عن أمورٍ تؤدي إلى الظلام والظلمات لدرجةٍ تُحيِّر العقول.

رأيهم عن تعاليم القرآن

الفكرة عن الكون التي يُقدِّمها هؤلاء المشائخ من منظور القرآن، حسبَ زعمهم، لو قُدِّمت أمام الناس لكفى لهم عُذراً لرفضهم إلَهَ الإسلام. هناك عالِمٌ يَدَّعي بكونه محقِّقاً كبيراً، فإنّه يستدلُّ من الآيات:

وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس: 41) اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (الرعد: 3)

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا (الفاطر: 42)

وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ (الأنبياء: 32)

ثم يرفض دوران الأرض ويقول:

“ودوران الأرض أيضاً مستحيل، وإلا لوجب أن تظل اتجاهات مساكن الناس في تغييرٍ دائم. فمثلاً لو كان مسكني متجهاً إلى المغرب صباحاً لاتّجه إلى المشرق مساءً، وإلى اتجاه آخر ظُهراً، ولكن هذا لا يحدث. فهذا يعني أنه لا تتحرك السماء ولا الأرض، بل كلاهما ساكنة جامدة. فالله قد فنّد رأي العلماء المعاصرين برفضه فكرة دوران الأرض والسماء في عدّة مواضع. والبراهين العقليّة الدالّة على سكون الأرض والسماء كثيرةٌ أيضاً، غير أنه لا أهميّة لها في حالة وجود قول الله تعالى”. (العطايا الأحمدية في الفتاوى النعيمية ص186 -188)

وهكذا ينسِبُ حُمقهُ وغباوته كلها إلى الله تعالى. ثم يُضيف قائلاً:

“إنّ دراستي أيضاً تؤكِّد على أنّه لا توجد قوّةُ الجاذبيّة في شيء إلا المغناطيس”.

أقول: لقد مرَّتِ الدنيا بعصر نيوتن، مرَّتْ بعصر آينشتاين أيضاً، والآن تمرُّ بعصر صاحب الفتاوى النعيمية الذي يقول:

“إنّ دراستي أيضاً تؤكِّد على أنّه لا توجد قوّةُ الجاذبيّة في شيء إلا المغناطيس. والقرآن يرفض وجود قوة الجاذبية في الأرض”.

ثم يستنبط – حسب زعمه – من الآية الكريمة:

وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ

ويقول:

“تهبط الأحجار من خشية الله. فاتَّضح أنّ كلّ شيء بما فيه الأحجار تهبط بنفسها وليس بسبب جاذبيّة الأرض، لأنّ خالق الكون ذكرَ الأحجارَ في صيغة الفاعل في دلالة النصّ هنا، في حين يعتبر العلماءُ أنّ الفاعل هو قوّة الجاذبيّة. وهناك آياتٌ وأحاديثُ أخرى كثيرة ترفض قوة الجاذبية. وسببُ هبوط الأحجار في الآية الكريمة هو خشيةُ الله لا قوّة الجاذبيّة”. (المرجع السابق ص194)

لا نملك إلا أن نقول على هذا العقل والعلم: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. أهذه اعتقاداتكم بالله والقرآن أيُّها المعارضون؟ وهل تقدِّمون القرآن كهذا للناس ثم تطلبون منهم الإيمان به؟ كم هي عظيمةٌ مِنَّةُ سيدنا أحمد علينا إذ أخْرَجَنا من الظلمات المنتشرة في كلِّ حدْبٍ وصوب، وأعادنا إلى النور الذي كان قد أُنزِلَ على قلب محمد الطاهر. وهذه ليست حالة العلماء المعاصرين فقط، بل هناك من الظلمات ما خلقه الناس في أزمنة مختلفة وألقوا الحُجب، إنْ صحَّ التعبير، على مفاهيم القرآن الكريم المليء بالحِكَمِ والمعارف. و سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قد مزَّق تلك الحجب كلها، وقدَّم القرآن الكريم وأنواره بصورتها الأصليّة القادرة على التغلُّب على العالَم. أما هؤلاء الناس فقد ارتكبوا ظُلماً عظيماً بإدلائهم الحجب على تعليم القرآن الحكيم. فالعلّامة ابن جرير الذي كان من الصلحاء العِظام في عصره، ومن الكُتَّاب المعروفين، لم يكن استثناء من الذين تأثَّروا بظلمات عصرهم. لقد أورد العلّامة الآلوسي في تفسيره “روح المعاني” رواية للعلامة ابن جرير تقول:

“خلقَ الله من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها، ومن وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الدنيا مترفرفةٌ عليه. ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرّات ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها. ثم خلق وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الثانية مترفرفةٌ عليه حتى عدَّ سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة جبال. ثم قال: وذلك قوله تعالى: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ (روح المعاني، ج26، ص171، دار إحياء التراث، بيروت)

نموذج تفسير المودودي

أما فيما يتعلق بالشيخ المودودي فتفاسيره أيضاً طريفة جدّاً، إنْ صحَّ التعبير. سوف أقتطف لكم نموذجاً واحداً من تفسيره الشيِّق، يقول أولاً:

“لقد وردت في كل سورةٍ من القرآن الكريم مضامينُ شاملة وواسعة بحيث يستحيل انتقاءُ عناوينها الجامعة والشاملة حسب مضامينها”. (تفهيم القرآن ج1 ص46)

جملته هذه البسيطة ظاهرياً تضعنا أمام وقفةً تأمُّليّة مُحرِجة، لأنّه إذا كان الأمر كما يزعم هو فماذا عن تلك العناوين التي وضعها الله تعالى حيث جعل عنوانَ سورةٍ “البقرة” وأخرى “يوسف” وثالثة “محمد”، وهكذا دواليك. فهناك أسماء كثيرة لسور القرآن الكريم ولكن لا أهمية لها إطلاقاً في رأي المودودي لأنه إذا استحال انتقاء العناوين المناسبة للسور حسب مضامينها الشاملة الواسعة فالعناوين التي وضعها الله سبحانه وتعالى لسور تصبح غير جامعة، وغير شاملة، وغير فصيحة أيضاً في الوقت نفسه.

أقول: هذا الإله الذي يقدِّمونه ليس ذلك الإله الذي كان قد تجلَّى على سيدنا محمد . وهذا الإله ليس ذلك الإله الذي هو ربُّ الكون الذي هو منزَّه من كلِّ عيبٍ ونقص، والذي يُسبِّح له ويحمده كل ما في السماوات والأرض ليلَ نهارَ. فأين أفكارهم التافهة من هذا التصوُّر الأرفع والأسمى عن الله تعالى؟

هذا القول في الحقيقة قمة في الجهل والغباوة، ويمثل هجوماً غاشماً على فصاحة القرآن وبلاغته لدرجة يترك الإنسان في حيرة من أمره، ويتساءل كيف يأتي بهذا التفسير شخص يدّعي بكونه عالِماً.

الحقيقة أن المودودي لا يقدر على فهم مضامين السور ولا يستوعب صلة عناوينها بمضامينها، ولكنه ينسب قصور رؤيته إلى الله تعالى. ثم لاحظوا كيفية تفسيره الذي يبالغ أتباعه في مدحه ويتشدقون في العالم كله أنه فسر القرآن تفسيراً غاية في الروعة. فوردتْ في تفسيره “تفهيم القرآن” ج4 ص28-29 وفي تفسير سورة الصافات ص42 (الهامش) وفي تفسير سورة الدخان، عبارة طويلة ولكنني سوف ألخصها لضيق المجال. يقول في شرح موضوع “الحُور”:

“ربما المراد من الخيام في حور مقصورات في الخيام هي الخيام التي تُنصب للأمراء والرؤساء في المنتزهات حيث تكون الحور محصورات في الخيام”.

ثم يقول: “إن الحور هي في الحقيقة بناتٌ قاصراتٌ لغير المسلمين. وبما أنهن لا يقدرن على دخول الجنة لذا سوف تنصب لهن الخيام في الحدائق خارج الجنة. والأبرار الذين يقيمون مع النساء الصالحات سيوَدُّون أن يبقوا على لقاءات معهن أيضاً وأن يباشروهن. فيسمح الله تعالى لهم أن يعودوا إلى زوجاتهم بعد قضاء الليلة مع بنات غير المسلمين الجميلات المذكورات اللواتي يكُنّ قد بلغن سن الشباب إلى ذلك الحين” ثم يقول في تفسيره “تفهيم القرآن” ج5 ص272 ما تعريبه:

“إن الله سيهب لأهل الجنة إياهن كنعمة منه بصورة نساء جميلات ليتمتعوا بصحبتهن. لكنهن لسن من قبيل الجِنّات والأرواح لأن الإنسان لا يأنس إلى صحبة جنس غير جنسه”.

وكأنه يقول بأنه من الخطأ القول عن الحور أنهن كيان روحي. وبما أنه يعتقد بأن الجنة مادية، لذا اختلق القصة كلها. يقول: بأننا نكون هناك بأجسام مادية متكونة من اللحم والدم كأجسامنا في هذه الدنيا. وبما أن الإنسان لا يستطيع أن يقضي حاجاته بصحبة الجِنّات وما شابهها لذا لابد أن تكون هناك الحور بأجسام مادية متكونة من اللحم والدم. ومن أين سيؤتى بهن؟ بما أن النساء المسلمات يكُنَّ في الجنة كزوجات أو بصورة الأقارب لأهل الجنة لذا فقد أبعد المودوديُ النجعةَ إذ أوجد سبيلاً غريباً فقال: إن بنات غير المسلمين اللواتي مِتْنَ وهنّ قاصرات سوف يؤتى بهن بصورة الحور. لاحظوا مدى تقديره واحترامه للقرآن الكريم. لقد تجاوز الحدود كلها بتفوهه بمثل هذه الكلمات ثم نسبها إلى القرآن الكريم كمعارف قرآنية (والعياذ بالله).

وهناك بحث آخر قد أثير في كتاب “رد المختار على در المختار الشامي ج1، 154” وهو كتاب الفقه للأحناف والمعترف به لدى الطائفة الديوبندية والبريلوية كلتيهما، جاء فيه:

“إذا أصيب أحد بالرعاف فلتُكتَب سورة الفاتحة بالدم على جبينه وأنفه، وهذا يجوز للحصول على الشفاء. كذلك يجوز كتابة سورة الفاتحة بالبول أيضاً”.

هذا دينهم وهذه جسارتهم لارتكاب الإهانات!!

*هذا المقتبس مأخوذ من إعلان نشرته منظمة تنظيم المساجد لأهل السنة الكائنة في مدينة غوجرانوالة بباكستان بعنوان: ملخص معتقدات الشيعة. إنني لم أتمكن من التحقق فيه، ولكننا فحصنا في هذا الصدد كتباً أخرى حيث توجد مثل هذه المقتبسات.

Share via
تابعونا على الفايس بوك