فأنا تلميذه بلا واسطة بيني وبينه، وكذلك شأن المحدثين

ورأيت في غُلَواء شبابي وعند دواعي التصابي، كأني دخلتُ في مكان وفيه حفدتي وخدمي، فقلتُ: طهّروا فراشي، فإن وقتي قد جاء. ثم استيقظتُ وخشيت على نفسي وذهب وَهْلي إلى أنني من المائتين.

ورأيت ذات ليلة وأنا غلام حديث السن كأني في بيت لطيف نظيف، يُذكَر فيها رسول الله . فقلتُ: أيها الناس، أين رسول الله ؟ فأشاروا إلى حجرة، فدخلت مع الداخلين. فبشّ بي حين وافيته، وحيّاني بأحسن ما حييتُه، وما أنسى حسنه وجماله وملاحته وتحننه إلى يومي هذا. شغفني حبًا وجذبني بوجه حسين. قال: ما هذا بيمينك يا أحمد؟ فنظرت فإذا كتاب بيدي اليمنى، وخطر بقلبي أنه من مصنفاتي، قلتُ: يا رسول الله.. كتاب من مصنفاتي. قال: ما اسم كتابك؟ فنظرت إلى الكتاب مرة أخرى وأنا كالمتحيرين، فوجدته  يشابه كتابًا كان في دار كتبي واسمه: “قطبي”. قلت: يا رسول الله، اسمه قطبي. قال: أرِني كتابك القطبي. فلما أخذه ومسّته يده إذا هي ثمرة لطيفة تسرّ الناظرين. فشققها كما يشقق الثمر، فخرج منها عسل مصفى كماء مَعينٍ. ورأيت بَلّةَ العسل على يده اليمنى من البنان إلى المرفق، كان العسل يتقاطر منها.. وكأنه يريني إياه ليجعلني من المتعجبين. ثم أُلقي في قلبي أن عند أُسْكُفّة البيت ميّت قدر الله إحياءه بهذه الثمرة، وقدّر أن يكون النبي من المحيين. فبينما أنا في ذلك الخيال فإذا الميّتُ جاءني حيا وهو يسعى وقام وراء ظهري، وفيه ضعف كأنه من الجائعين. فنظر النبي إلي متبسما، وجعل الثمرة قطعات وأكل قطعة منها، وآتاني كل ما بقي، والعسل يجري من القطعات كلها، وقال: يا أحمد.. أعطه قطعةً من هذه ليأكل ويتقوى. فأعطيته، فأخذ يأكل على مقامه كالحريصين. ثم رأيتُ أن كُرسي النبي قد رُفع حتى قرب من السقف، ورأيته فإذا وجهه يتلألأُ كأن الشمس والقمر ذُرّتا عليه، وكنت أنظر إليه وعبراتي جارية ذوقًا ووجدًا، ثم استيقظت وأنا من الباكين.

فألقى الله في قلبي أن الميّت هو الإسلام، وسيُحييه الله على يدي بفيوض روحانية من رسول الله ، وما يدريكم لعل الوقت قريب، فكونوا من المنتظرين. وفي هذه الرؤيا رباني رسول الله بيده وكلامه وأنواره وهدية أثماره. فأنا تلميذه بلا واسطة بيني وبينه، وكذلك شأن المحدَّثين.

وكنت ذات يوم فرغت من فريضة المساء وسننها، وأنا مستيقظ ما أخذني نوم ولا سنة وما كنت من النائمين. فبينما أنا كذلك إذا سمعت صوت صَكِّ الباب. فنظرت فإذا المِدَكُّون يأتونني مسارعين. فإذا دنَوا مني عرفتُ أنهم خمسة مباركة.. أعني عليًّا مع ابنيه وزوجته الزهراء وسيد المرسلين. اللهم صل وسلم عليه وآله إلى يوم الدين. ورأيت أن الزهراء وضعتْ رأسي على فخذها ونظرتْ بنظراتِ تحنن كنتُ أعرف في وجهها. ففهمتُ في نفسي أن لي نسبة بالحسين وأشابهه في بعض صفاته وسوانحه، والله يعلم وهو أعلم العالمين. ورأيتُ أن عليًّا يريني كتابًا ويقول هذا تفسير القرآن.. أنا ألفته، وأمرني ربي أن أعطيك. فبسطتُ إليه يدي وأخذتُه. وكان رسول الله يرى ويسمع ولا يتكلم كأنه حزين لأجل بعض أحزاني، ورأيته فإذا الوجه هو الوجه الذي رأيتُ من قبل، أنارت البيت من نوره، فسبحان الله خالق النور والنورانيين.

وكنت ذات ليلة أكتب شيئا فنمت بين ذلك،  فرأيت رسول الله   ووجهه كالبدر التام، فدنا مني كأنه يريد أن يعانقني فكان من المعانقين. ورأيت أن الأنوار قد سطعت من وجهه ونزلت عليّ، كنت أراها كالأنوار المحسوسة حتى أَيقَنتُ أني أدركها بالحس لا ببصر الروح. وما رأيتُ أنه انفصل مني بعد المعانقة، وما رأيتُ أنه كان ذاهبا كالذاهبين.

ثم بعد تلك الأيام، فُتحت عليّ أبواب الإلهام، وخاطبني ربي وقال:

“يا أحمد، بارك الله فيك. الرحمن علّم القرآن، لتنذر قومًا ما أُنذرَ آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين. قُلْ إني أُمرتُ وأنا أول المؤمنين. يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. إنك اليوم لدينا مكين أمين. أنت مني بمنـزلة توحيدي وتفريدي، فحان أن تعان وتعرف بين الناس. ويعلمك الله من عنده. تقيم الشريعة وتحيي الدين. إنا جعلناك المسيح بن مريم. والله يعصمك من عنده ولو لم يعصمك الناس. والله ينصرك ولو لم ينصرك الناس. الحق من ربك فلا تكونن من الممترين. يا أحمدي أنت مرادي ومعي. أنت وجيهٌ في حضرتي. اخترتك لنفسي. قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبِبْكم الله ويغفِرْ لكم ذنوبكم ويرحَمْ عليكم وهو أرحم الراحمين.”

هذه نبذة من إلهاماتي، ومن جملتها إلهام: “إنا جعلناك المسيح بن مريم.” ووالله قد كنت أعلم من أيام مديدة أنني جُعِلت المسيح ابن مريم، وأني نازلٌ في منـزله، ولكن أَخفيته نظرًا إلى تأويله، بل ما بدلت عقيدتي وكنت عليها من المستمسكين. وتوقفت في الإظهار عشر سنين، وما استعجلتُ وما بادرتُ وما أخبرتُ حِبًّا ولا عدوّا ولا أحدًا من الحاضرين. وإن كنتم في شك فاسألوا علماء الهند كم مضت من مدة على إلهامي: يا عيسى إني متوفيك ، أو اقرؤوا “البراهين”.

 (مرآت كمالات الإسلام)

Share via
تابعونا على الفايس بوك