الأضاحي بين القشر والجوهر!!!

الأضاحي بين القشر والجوهر!!!

التحرير

البشرية جمعاء توقر كلمة التضحية لما لها من وقع في النفوس حيث تعتبرها أسمى مبدأ لقياس صدق العزم والطوية في تشخيص مقام الوفاء والولاء والالتزام الصادق. وهكذا نجد هذا الفهم للتضحية وقد اشتركت في معناه جميع الشعوب بمختلف أجناسها عبر تاريخ الإنسانية بشعوبها وقبائلها إلى أيامنا هذه. وبغض النظر عن عناوين التضحية لدى كل أمة من الأمم ومسمياتها وأبطالها الذين تكن لهم كل تقدير وتبجيل واحترام، وسواء كان عنوان تلك التضحية محمود المبدأ أو مذموما في تقيم الآخرين ورؤيتهم، تبقى التضحية في التراث الإنساني القديم والجديد مَعلمًا عاطفيا مقدسا يصعب محوه من ذاكرة الوجود … والتضحية في معناها الديني لدى جميع الأمم قربان مادي أو روحي يتخذه المؤمن وسيلة للتقرب من الخالق، وقد أثبتت علوم البحث الأثري في جميع مناطق العالم دونما استثناء هذه الحقيقة الأكيدة في شكل كهوف ومغارات وقبور ومعابد محتوية على هياكل عظمية لحيوانات اعتبرها الإنسان قرابين مقدسة موهوبة لله، هذا بالإضافة إلى أنواع عديدة من الغلال ونفائس الحلي والأثاث.

وقد أكد الله تعالى في القرآن المجيد هذه الحقائق عن الأمم الماضية في قوله تعالى:

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ .

وهذا يؤكد حقيقة أصول هذه النسك ومقاصدها الأصلية في توحيد الله وشكره والاستسلام له بالطاعة قبل أن تطالها فيما بعد يد العبث والوثنية. لقد انحرفت كثير من الأمم عن مقاصد الأضحية التي وردت في تعاليمها وقادها في ذلك الفهم عقلية سطحية ونزعات مادية في الأخذ بالجانب المظهري القشري، هذا غير الأساطير والخرافات التي أوّلت هذه النسك الإلهية عن جوهرها لتتصدى في مهاوي الشرك والضلال. وباستقراء الماضي يتضح على سبيل المثال كيف فهم بنو إسرائيل فلسفة الأضحية وكيف جردوها من مغزاها حينما تغافلوا عن تعاليم التوراة الداعية إلى فعل الخيرات والتمسك بالتوحيد كسبيل أقوم لنيل رضى الله وغفرانه إلى اقتصارهم على ذبح تيس واحد لمحو الخطايا والذنوب التي يرتكبونها، فكانت النتيجة أن تجاهل اليهود العمل بروح الشريعة والاكتفاء فقط بقشرها! أما النصرانية المنحدرة من اليهودية فقد فلسفت تاريخ الأضحية بتأويل مدلولاتها الروحية لتخدم معتقدها القائم على عقيدة الكفارة وسفك دم المسيح الذي تقول عنه أنه الرمز المقصود من قرابين طقوس تعاليم الأنبياء لإنجاز مغفرة الذنوب والتطهير منها!!!

على الأمة الإسلامية أن تعي دلالات الأضحية وتفقه الحكمة التي وراءها ولا تحول هذا المنسك إلى قصص الماضي والأساطير. كما على الأمة ألا تقع في نفس مستنقع تفكير الأمم القديمة التي تمسكت بقشور التعاليم دون البحث في المقاصد

أما حادثة سيدنا ابراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام فلا ترى فيها المسيحية أي اعتبار آخر سوى زعمها الباطل أن افتداء إسماعيل بذبح عظيم ليس وراءه سوى التبشير بخطة الله في تزويد البشرية بتضحية أعظم (المسيح؟؟) لافتداء بني آدم -والعياذ بالله- من الخطيئة؟ لقد انحرفت كثير من الأمم في فهمها لما تعنية عملية ذبح القرابين الحيوانية وما تحمله من معان سامية كان أجدر بها أن تعي ولو جزءا يسيرا منها على أنها تعني وجوب الطاعة والاستسلام التام لله فيما شرعه لها من تعاليم روحية فيها حياة للروح وارتقاء بها نحو مدارج الرقي الروحي. هذا فضلا عن معاني التضحية بما تحت أيديها من نِعم لخير الناس ونفعهم إلى غير ذلك من معاني التضحية بالنفس الأمارة بالسوء قهرا لنزواتها ونحرها لشرورها. إن التأمل في قصة أبي الأنبياء مع ابنه إسماعيل عليهما السلام كما أوردها القرآن الكريم ببيان واضح تؤدي بِنَا إلى الإقرار بعظمة سيدنا إبراهيم واستسلامه الكامل لأمر الرحمان الرحيم حينما ناداه لتلبية النداء ثم بعظمة ابنه إسماعيل المستجيب لأمر والده، وفي هذه المطابقة التامة بينهما في صفة الطاعة والاستسلام والانقياد أقوى الدلالات على أن من مقاصد الأضحية وعِبَرِها الانقياد والتفاني في طاعة الله وأوامره والتصديق بها، ولنا في رسول الله أسوة حسنة لكونه ذلك المتمم والمحقق النهائي لتلك التضحيات والمستسلم التام والكامل لله رب العالمين:

  قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

على الأمة الإسلامية أن تعي دلالات الأضحية وتفقه الحكمة التي وراءها ولا تحول هذا المنسك إلى قصص الماضي والأساطير. كما على الأمة ألا تقع في نفس مستنقع تفكير الأمم القديمة التي تمسكت بقشور التعاليم دون البحث في المقاصد، وأنه لمن دواعي شكر الله تعالى وحمده أن أوضح لنا سيدنا الإمام المهدي خادم دين المصطفى حقيقة النسك والضحايا في الإسلام في خطبة مباركة جليلة مرتجلة ملهمة من عند الله في اللسان العربية، بينت أن نسيكة الأضحى إيماء لذبح النفس الأمارة بالسوء والانقياد لله استسلاما وطاعة، وهذا مما يرادف “الإسلام” جملة وتفصيلا!

Share via
تابعونا على الفايس بوك