الافتتاحية

الافتتاحية

التحرير

ما أكثَرَ ما يواجه المسلمُ في المجتمع الغربي المسيحي سؤالا ملؤه الاحتقار والازدراء: لماذا حرّم دينكم أكل لحم الخنزير؟ وقد بدأ المعلمون في المدارس هنا يُحرجون الطلاب المسلمين الصغار بنفس السؤال. والصغار فعلاً يتحرجون كثيرا، لأن آباءهم لم يعلموهم الرد المقنع على ذلك، وبالتالي يشعرون بالخجل الشديد والإحساس بالدونية ويبدءون بالتشكك في دينهم، وهذا ما يرمي إليه المعترضون. وقليل هم الذين يردون على هؤلاء الطاعنين والمشككين بجواب شاف دامغ.

مع أنه يجب أن يقولوا للمعترضين: وجِّه هذا السؤال أولا إلى اليهود، لماذا لا يأكلون لحم الخنزير؟ فإنهم أول من نهاهم الله تعالى عن أكله في أية ظروف، ولك حسبما يتوفر لدينا من معلومات واردة في الكتب السماوية. هذا النهي لايزال موجودا ثابتا في التوراة، وقد عمل به اليهود على مر العصور. وعندما ظهر المسيح عيسى ابن مريم فإنه لم يسمح قط لأتباعه الذين كانوا يعملون بالتوراة أيضا أن يبدأوا في أكل لحم الخنزير. إِذَنْ فالحق أن السؤال يرتد على المسيحيين المعترضين أنفسهم: بأية سلطة تأكلون لحمه؟ من الذي ألغى ذلك النهي الوارد في أكله في التوراة الذي عمل به المسيح وأتباعه. إنه لم يُلغه أبدا في الإنجيل. والمسلمون يتجنبون أكله بسبب هذه العادة المباركة المستمرة منذ موسى بل منذ إبراهيم والتي أقرها القرآن.

لا نجد أية إشارة في كتبكم إلى أن إبراهيم وإسماعيل أو إسحاق أو غيرهم (عليهم السلام) كانوا يأكلون لحمه. فمَنْ من أنبيائكم أجاز لكم أكله؟

وبعد هذا الجواب المفحم يمكن ذكر الحِكم وراء هذا النهي، ومن هذا الحكم والأسباب:أولا:

إذا ظن الإنسان أنه حرّ في أكل مايشاء فإنه يأكل مايشاء. إذَنْ فلا بد من تحديد مبدأ وهو: من الذي يملك حق التحليل والتحريم. الإنسان المخلوق أم الله؟ طبعًا الله، فهو الخالق، والخالق هو المالك. وإذا كان الله هو الخالق له ولكل شيء وبالتالي مالك الأشياء فيجب أكل أو استخدام الشيء بإذنٍ من مالكه أي الله .

وعلى ضوء هذا المبدأ فقد اختبرنا الله في شيء واحد فقط من مملكة الحيوانات. إنه قال لنا: كلوا لحم ما يعجبكم من الحيوانات إلا هذا الحيوان. فهو بمثابة الشجرة الممنوعة لأبناء آدم. فالنهي جاء اختبارًا للإنسان: هل يطيع الله تعالى أم لا؟ فإذا نجح في هذا الاختبار فكل ما يأكله من أشياء أخرى يحق له أكله لطاعته لصاحبها.

ثانيا: هناك قاعدة هامة وهي أن ما يأكله الإنسان من أطعمة وأغذية تؤثر على جسمه وعاداته وروحه. والآن لو نظرنا إلى عادات الخنزير وجدناه يتطبع بطبائع ثلاث شاذة. إنه -رغم كونه حيوانًا نباتيا، أي يأكل النباتات- إلا أنه يأكل لحم أبناء جنسه حتى صغاره عند موتها. وهذا لا يوجد في أي حيوان آخر، سواء كان مما يأكل النبات أو يعيش على اللحم. حتى الأسد هذا الكائن المفترس- يموت جوعا ولكن لا يأكل لحم أخيه أو ابنه. إذن فربما يتضمن هذا النهي السماوي عن أكل لحم الخنزير رسالةً للإنسان -وهو حيوان يأكل النبات واللحم أيضا- بأن أكلك للحم الخنزير سوف يولّد فيك هذا العادة الخنزيرية القبيحة.

كما يتميز الخنزير بعادة عجيبة أخرى: فإنه يأكل القليل ويُفني ويدمر الكثير، وهذا ما يعرفه الزُراع جيدا في كل مكان. فكأن في النهي الإلهي إشارة بأن أكله سوف يولد فيكم نزعة لإهلاك الناس وتدمير الأملاك.

ثم إن الخنزير موصوم بعادة قبيحة شاذة أخرى ألا وهي اللواط، فذَكَره يمارس الجنس مع الذكر، كما أنه عديم الغيرة على أن أنثاه لو نزا عليها ذكر آخر. ومن يدري لعل تفشي ظاهرة اللواط في الأمم الغربية، وجماع النساء للنساء، والحديث عن التجارب الجنسية علنا بدون حياء في البرامج التلفزيونية، وتأييدهم لهذه الممارسات الشاذة بكل شدة وحماس، أقول لعله يرجع إلى أكل هؤلاء الأمم للحم الخنزير على مدى قرون سحيقة! (التقوى)

Share via
تابعونا على الفايس بوك